--------------------------------------------------------------------------------
الإناء المصدوع
تقول الحكايةُ الصينيةُ إن امرأة عجوزًا كانت كلَّ صبحٍ تذهبُ إلى البئر حاملةً فوق كتفها عصا مُعلّقا بها إناءان من الفخار. أحدُهما سليمٌ ترجع البيتَ به مملوءًا بالماء لحافته، أما الآخرُ ففي قاعه شرخٌ طفيف يتسرّب منه نصفُ الماء في الطريق. وخلال عامين كان الإناءُ السليم يباهي بصحّته واكتماله، فيما بدا المصدوعُ حزينا. قال للسيدة ذات مساءٍ وهو مُطرقٌ في أسفه: لَكَم أودُّ أن أعتذرَ لكِ عن عطبي الذي يُفقدك نصفَ مائي كل يوم! فابتسمتْ وقالت: ألم تلحظْ يا صديقي الطيب صفَّ الزهور الممتدَ على جانب الطريق من البئر حتى بيتنا؟ هو على جانبك أنت، وليس على جانب الإناء السليم الذي يفاخركَ باكتماله. ذاك أنني انتبهتُ لما تسميه "عطبا" فيك، فبذرتُ البذورَ في ناحيتك. وعلى مدى عامين ملأتُ بيتي بالزهور التي رواها الماءُ المنسربُ من شرخِك. بيتي يا عزيزي مَدينٌ لك بهذا الجمال!
وكثيرة هي الحكايات التي تؤكد لنا أن ثمة جمالا في كل عيب، وثمة نورا داخل كل عتمة، وأن في النقص اكتمالا. بل إن الاكتمالَ التامَ هو العيبُ، هو النقصُ، ليس فقط لأنه محضُ وهمٍ، بل لأن في النقصِ وجاهةً ورقيًّا ونبلا أيضًا. في النقص رقّة وعذوبة. في النقص شيءٌ من الإنسانية وشيءٌ من النبوّة. ولهذا يتعمد الفُرْس تركَ غرزةٍ معطوبة في سجاجيدهم العجمية فائقة الجمال باهظة الثمن.
وكثيرون هم العظام الذين لم تكن طفولتهم سوى بعض "صفر"، بمعاييرنا الساذجة، بما لا ينبئ بعبقرية قادمة. لكنها الحياةَ تحب دوما أن تشاكسَ البشر قائلة ها هي توقعاتكم أخطأت! فمتى تتعلمون ألا تتعجلوا الحكم؟ وماذا نقول عن آينشتين الذي كان المعلم يطرده في طفولته من الفصل ناصحا والديه أن يسحبوه من المدرسة لأن قدراته العقلية محدودةٌ وغير قادر على التفاعل والاستيعاب. كان آينشتين متوحّدا وآمن والده بخلله، لكن أمه لم تقتنع إلا بتميز ابنها. شعرت أنها قادرةٌ على صناعة معجزة ما. فجنّدت له كتيبةً من المعلمين وأطباء التخاطب وخبراء في تنمية القدرات الاجتماعية فكان أن قدمت للعالم نابغةً غيّر مسار البشرية بنظريتيه الفذتين النسبية العامة والنسبية الخاصة
منقوووول
مواقع النشر