الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد
فالحديث عن الوالدين حديث طويل جدا سواء في مكانتهما أو برهما أو وصية الله بهما وغير ذلك
ولكن لعلي اوجز شيئا منها ثم أعرج على بعض المواقف والوقفات
يقول الله سبحانه وتعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا
وقال تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا

يا لعظيم حقهما علينا فدائما ما يقرنان بتوحيد الله تعالى

وفي أكثر من موضع من القرآن يقول تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا

حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال الوليد بن عيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول أخبرنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال : (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني). رواه البخاري
أحب عمل إلى الله بعد الصلاة بر الوالدين ؟ أفضل من الدعوة إلى الله وأفضل من الإحسان إلى الناس وأفضل من الجهاد في سبيل الله ؟ هل نعي حديث رسول الله ؟

والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة وكثيرة جدا
والتحذير من العقوق كثير جدا ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن عقوق الوالدين بالشرك بالله وأخبر انها أكبر الكبائر

وإذا نظرنا في حال سلفنا الصالح وجدنا العجب في البر بوالديهم
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانا أبر من كانا في هذه الأمة لأمهما. فقيل: من هما؟ فقالت: عثمان بن عفان وحارثة بن النُعمان رضي الله تعالى عنهما. فأما عثمان فإنه قال: ما قدرتُ أن أتأمل أمي منذُ أسلمت، وأما حارثة فإنه كان يَفلي رأس أمه ويُطعمُها بيده ولم يستفهمها كلاماً قطُ تأمرُ به حتى يسأل من عندها بعد أن تخرج ماذا قالت أمي؟

ومن أعجب ما قرأت من سيرة الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه الذي لازم رسول الله وتعلم منه وأكثر من روى من الحاديث على الإطلاق لم يحج إلى بيت الله الحرام حتى ماتت أمه لئلا يتركها وحدها دون من يرعاها

وعن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف درهم (أي ارتفع سعرها حتى ساوت ألفا درهم) قال: فعمد أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما إلى نخلة فنقرها وأخرج جُمّارها فأطعمها أمه. فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألفا درهم ؟؟؟ قال: إن أمي سألتنه ولا تسألني شيئاً أقدرُ عليه إلا أعطيتها.

ويذكر عن أويس القرني انه كان يستطيع إتيان النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به وينال منزلة الصحبة ولكنه آثر بره بامه وعدم تركها دون رعاية فكان بتلك المنزلة العالية التي يزكيه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعن بن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا(هو مريض أم ماذا؟؟!!) قالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه، من شدة أدبه مع أمه وخفض صوته وخضوعه لها

والله إن القلب ليتجلجل عندما يحاول العبد أن يتكلم عن والديه وحقهما عليه ووجوب بره بهما
وما سبق من امثلة تبين حال السلف رحمهم الله

ولا يزال البر بالوالدين إلى يومنا هذا والحمد لله وما أكثر الأمثلة على ذلك

ولكن المصيبة أن ترى من البعض مِنْ مَنْ مَنَّ الله عليهم بالهداية والصلاح عرفوا معنى البر وحقوق والديهم عليهم ولكن هذا البر يكون شفهيا فقط أو عند مناصحة الغير أما في حال نفسه فإن المفهوم يتغير والثوابت تتزعزع لا سيما امام طلبات النفس الأمارة بالسوء

فتجد المهم عنده ان يلبي رغبات نفسه ولو كان ذلك بعدم موافقة والديه وقد قال صلى الله عليه وسلم ففيهما فجاهد ، فيترك الجهاد لأجل خدمة الوالدين وهذا الجهاد الشرعي فما بالك بالفسحة والترويح وتغيير الجو ؟!

ثم إن من البعض منهم قد يكون همه الأول هو عدم انكسار كلامه عند أصدقائه فقد أعلمهم انه سيفعل كذا ولكن لأن والديه رفضا هذا الفعل فإنه يغضب وتقفل الدنيا في وجهه وقد يتذمر من تصرف والديه ويشتكي والديه عند بعض أقربائه وتصل المسألة إلى إيقاع والديه في الحرج والسبب أنه قال لفلان وقلان أنه سيفعل كذا أو أنه يريد أن يفرح وينبسط في حياته فلماذا يصده والداه
وهذا المسكين قد يدرك والداه ما لا دركه هو وقد يكون رفضهما لمصلحته هو بالدرجة الأولى ولكن تأبى النفس إلا أن يقع والداه في حرج ويرضخان لطلبه حتى يرضيانه وما أقساها على النفس المؤمنة أن يرضخ الوالدان ويحرجان انفسهما لأجل راحة الابن وهو في غفلة عن البر الذي تفتح له الجنة بابها

ولعل لسان حال البعض يقول : ليت أبي حيا فأطلب منه بعض رغبات النفس فيمنعني فأطيعه وأعصي نفسي فيرضى عني

أترك المجال للتعليق والإضافة