الحسد تعريفه وبيان الفرق بين العين والحسد وكيفية علاجه
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 10

الموضوع: الحسد تعريفه وبيان الفرق بين العين والحسد وكيفية علاجه

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    الحسد تعريفه وبيان الفرق بين العين والحسد وكيفية علاجه




    الحسد تعريفه وبيان الفرق بين العين والحسد وكيفية علاجه

    للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله


    الحمد لله تعالى على ما أنعم، وله الشكر على ما وفق له وألهم، نحمده سبحانه على ما تفضل به وتكرم، هو ربي لا إله إلا هو، وهو الإله الواحد المعظم، أرسل نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فهدى الله به من هذه الأمة من أراد به خيرًا من جميع الأمم، وحرم الهداية أهل الغي والحسد وحيل بينهم وبين هذا الفضل والكرم.
    وبعد:

    فهذه رسالة كتبتُها في الحسد وآثاره وأضراره وما وقع بسببه من المصائب والشرور والفتن، وسردت بعض الأدلة التي نقلتها عن مؤلفات أهل العلم، كـ(الآداب الكبرى) لابن مفلح
    و(
    تفسير الرازي الكبير ومختصره) للقمي
    و(
    الترغيب والترهيب) للمنذري ونحوه
    رجاء أن يستفيد منه من قرأه بإنصاف وتمعن ، حتى يخف أثر هذا الداء العضال الذي فشا وتمكن حتى في طلبة العلم وحملته
    فإن الحسود لا يسود ولا يناله من حسده إلا الهم والغم والنكد والكبد
    فمن عرف أن الله تعالى هو المنعم على عباده بما فيه خيرهم وصلاحهم، أو فيه اختبارهم وابتلاؤهم، فلا يجوز له أن يحسدهم على ما أعطاهم الله تعالى وإنما عليه أن يغبطهم إذا أدوا حقوق الله تعالى وعملوا بما يرضيه، ويحرص على أن يحصل على مثل ما حصلوا عليه، فأما السعي في إزالة النعمة وتنغيصها على أهلها فهو من الكبائر، والله المتفضل على عباده، وله الحمد والشكر وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


    تعريف الحسد:
    الحسد لغةً : قال في لسان العرب: الحسد معروف، حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه حسدًا وحسَّده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو، وقال : الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه.
    والغَبْطُ: أن يتمنى أن يكون له مثلها و لا يتمنى زوالها عنه .
    واصطلاحًا: هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يَصِرْ للحاسد مثلها.
    أو تمني عدم حصول النعمة للغير.
    حقيقة الحسد:
    وحقيقة الحسد أنه ناتج عن الحقد الذي هو من نتائج الغضب.

    أدلة إثبات الحسد من القرآن



    أولا: الأدلة من القرآن:
    قال الله تعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة: 109)
    وهذا تحذير للمؤمنين عن طريق اليهود الذين يحاولون رد المؤمنين إلى الكفر، يحملهم على ذلك الحسد الدفين في أنفسهم لما جاء هذا النبي من غيرهم، فحسدوا العرب على إيمانهم، وحاولوا أن يردوهم كفارًا ولكن الحق واضح فتمسكوا به.

    وقال تعالى :(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )( النساء: 54 )
    وذلك هو حسدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم الناس من تصديقهم له حسدًا له لكونه من العرب ، روى الطبراني عن ابن عباس في قوله ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)
    قال: نحن الناس دون الناس . يعني: إننا معشر العرب - أو معشر قريش - نحن الناس المذكورون في هذه الآية، ولا شك أن هذا ذم لهم على هذه الخصلة ، وهي الحسد الذي حملهم على إعمال الحيلة في صد الناس عن الحق المبين.

    وقال تعالى :( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق: 5)
    فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن أخيه المحسود، ولا بد أنه سوف يبذل جهده في إزالتها إن قدر ، فهو ذو شر وضرر بمحاولته وسعيه في إيصال الضرر، ومنع الخير.
    وقد حكى الله تعالى أمثلة من الحسد كقصة ابني آدم فإن أحدهما قتل أخاه حسدًا لما تقبل قربانه، فأوقعه الحسد في قتل أخيه بغير حق، و كقصة إخوة يوسف في قولهم: ( لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا) (يوسف: 8)
    ثم عملوا على التفريق بينه وبين أبيه بما فعلوا.
    وكقصة المنافقين في قوله تعالى:( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ) (آل عمران: 120)
    وذلك مما يحملهم على إعمال الحيل في إبعاد المؤمنين عن الخيرات.
    وقد قال تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ )( النساء: 32 )
    فهذا التمني المنهي عنه قد يكون الدافع له الحسد من المفضول للفاضل، مع أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فعلى المفضول أن يطلب الفضل من الله تعالى ، ولا ينافس أخاه ويضايقه فيما أعطاه الله وتفضل به عليه.

    أدلة إثبات الحسد من السنة



    ثانيًا: الأدلة من السنة :
    ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا) الحديث
    وهذا النهي للتحريم بلا شك، لما في التحاسد من الأضرار والمفاسد، وقطع الصلات بين المسلمين.
    وروي ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(لا يجتمع في قلب عبد الإيمان والحسد ).
    وثبت في السنن عن أبي هريرة وأنس قول النبي صلى الله عليه وسلم:( إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ).
    وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا رواه الطبراني ورواته ثقات .
    وعن الزبيررضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) رواه البزار والبيهقي بإسناد جيد.
    وعن أنس قال :( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني، إن قدرت على أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل )رواه الترمذي وحسنه
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :( قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قيل: فما المخموم؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ، ولا غل ولا)رواه ابن ماجه بإسناد صحيح .
    وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لنعم الله أعداء، الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
    وفي حديث مرفوع: ستة يدخلون النار قبل الحساب،... ذكر منهم: العلماء بالحسد .
    وقال ابن الزبير ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا، إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة ؟!
    وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار؟!

    وروي عن الأصمعي أنه قال : الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود. يعني: أن الحاسد إذا رأى أخاه في نعمة وصحة ورفاهية حسده وقام بقلبه حقد وبغض له، فهو كلما رآه في هذه النعمة اغتاظ لذلك، فيبقى دائمًا مهموم القلب حزينًا، يتمنى ما لا يقدر عليه من إزالة تلك النعم، فهو يتقلب على فراشه من الغيظ، مع أن المحسود لا يشعر بألم، بل هو قرير العين مسرور لم يصل إليه في الغالب شيء من الضرر الذي في قلب الحاسد، وإن وصل إليه فإنه لا يتأثر به إلا قليلا ، والله أعلم.



    الفرق بين العين والحسد

    العين هي : النظر إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به ، وإنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة ، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت ، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث ، فتحدث فيها تلك الكيفية السم ، فتؤثر في الملسوع، وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع منها، حتى تؤثر بمجرد نظرة، فتطمس البصر ، وتسقط الحبَل ، فإذا كان هذا في الحيات ، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وتوجهت إلى المحسود، فكم من قتيل! وكم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع، فإن هذا المرض من علم الأرواح، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر، وآياته أعجب، فإن هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة، أو القطعة من اللحم، فالعين هي هذه الروح التي هي من أمر الله تعالى، ولا يدرك كيفية اتصالها بالمعين، وتأثيرها فيه إلا رب العالمين.

    وأما الحسد: فهو خلق ذميم، ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود، والسعي في إضراره حسب الإمكان وهو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى:( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ( البقرة : 109)
    أي أنهم يسعون في التشكيك وإيقاع الريب، وإلقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام، ولا شك أن الحسد داء دفين في النفس، وتأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود، حيث إن الحاسد دائمًا معذب القلب، كلما رأى المحسود وما هو فيه من النعمة والرفاهية تألم لها، فلذلك يقال:


    اصبر على كيْد الحسود فـإن صبـرك قاتله النار تأكل نفسهـــا إن لم تجد مـا تأكله
    وقال بعض السلف: الحسد داء منصف ، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود

  2. #2
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    الفرق بين العائن والحاسد

    قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
    العائن والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كلا منهما تتكيف نفسه، و تتوجه نحو من يريد أذاه، فالعائن، تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته،
    والحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده: من جماد، أو حيوان، أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق ، فمع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين. ا.هـ.
    فالحاصل أن الحاسد هو: الذي يهمه ما يرى في إخوانه المسلمين من النعمة والخير ، والصحة والمنزلة الراقية فيحقد عليهم، ويغتم لذلك، ثم يسعى في زوالها، ويبذل ما في وسعه من وشاية وكذب، وافتراء عليه، ويؤلب عليه من له سلطة أو ولاية، حتى تزول تلك النعمة التي يتمتع بها أخوه، وليس هناك دافع له على إزالتها سوى الحقد والبغض، فلا يقر قراره حتى يتلف المال، أو يفتقر الرجل، أو يمرض ، أو يُحرم من حرفته أو عمله.

    أما العائن فهو: إنسان قد تكيفت نفسه بالخبث والشر، فأصبحت تمتد إلى ما يلفت النظر، و ترسل إليها ما يحطمها ويغيرها، فيسقط الطائر من الهواء، ويعطب الوحش البري، بمجرد كلمته ونظرته السامة، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن منهم من تمر به الناقة أو البقرة السمينة فيعينها، ثم يقول لخادمه: خذ المكتل والدرهم، وآتنا بشيء من لحمها، فما تبرح حتى تقع فتنحر.

    وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة، لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنمًا أحسن من هذه. فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها طائفة.

    وقد حكى بعض الإخوان أن منهم من يريد السفر على الطائرة أو الحافلة فيعينها، فتتوقف حتى يتفرغ فيأتي ويتكلم بما يبطل ما بها فتصلح مع بذل العمال ما يستطيعون في إصلاحها ، والحكايات عن أهل العين كثيرة مشهورة.
    ومع ذلك قد أنكرها بعض المشايخ الكبار بسبب أنهم لا يعلمون لها سببًا مباشرًا، وذلك لجهلهم بتأثير الأرواح وما تختلف به عن الأجساد، كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في (البدائع) وغيره.

    مراتب الحسد

    المرتبة الأولى تمني زوال النعمة عن الغير والسعي لإزالتها

    ذكر ابن سلمان في (الموارد) أنها خمس: الأولى:
    أن يتمنى زوال النعمة عن الغير ويسعى في الوسائل المحرمة لإزالتها بكل ما يستطيع، وهي الغاية في الخبث والنذالة، وهما الغالب في الحساد، خصوصًا المتزاحمين في صفة واحدة، كالتجار والعمال، وأهل الوظائف الحكومية، فمتى ربح أخوه ربحًا كثيرًا، أو حصل له لذة مما يتمناه، أو حصل على عمل أو منصب أرفع من غيره، فإن الحاسد يعمل في الإساءة إليه، ويسعى في حرمانه، ويلصق به العيوب، ويولد عليه الأكاذيب، ليزيحه عن ذلك العمل، وينصب نفسه مكانه.


    المرتبة الثانية تمنى زوال النعمة مع عدم الطمع فيها

    المرتبة الثانية: أن يتمنى زوال تلك النعمة ، ويحب ذلك ، وإن كان لا يريدها لنفسه، ولا يطمع فيها، لكن من باب الحقد على أخيه والبغض له.

    المرتبة الثالثة الرغبة في زوال النعمة عن المحسود ولكنه لا يعمل في إزالتها

    الثالثة: الرغبة في زوال النعمة عن المحسود سواء انتقلت إليه أو إلى غيره:
    أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود، سواء انتقلت إليه أو إلى غيره، ولكنه لا يعمل شيئًا في إزالتها إلا أنه في جهاد مع نفسه، وكفها عما يؤذي أخاه، خوفًا من الله تعالى، وكراهة لظلم عباد الله، فهذا قد كفي شر غائلة الحسد، ودفع عن نفسه العقوبة الأخروية، ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه عن هذا الوباء الذي هو بغض النعمة، ومحبة زوالها عن أخيه المسلم.



    المرتبة الرابعة تمنى زوال النعمة عن الظالمين

    الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره بغضًا لذلك الشخص، لسبب شرعي، كأن يكون ظالمًا يستعين على ظلمه بذلك المنصب، أو ذلك الجاه والمال، فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره، وكالفاسق الذي يستعين بالمال أو المنصب على فسقه وفجوره، فتمني زوال ذلك والسعي فيه لا إثم فيه، بل قد يكون مثابًا إذا عمل على إراحة المسلمين من الشر والعسف ، والظلم والتجبر الذي يتسلط به ذلك الظالم بسبب منصبه أو جاهه.

    المرتبة الخامسة تمني الشخص نفس النعمة ولا يحب زوالها عن أخيه

    الخامسة: أن يتمنى لنفسه مثلها، ولا يحب زوالها عن أخيه، ولا يسعى في ذلك، سواء كانت تلك النعمة من مباح متاع الدنيا كالمال والجاه، أو من النعم الدينية كالعلم الشرعي ، والعبادة الدينية، وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) وهذا لا يسمى حسدا إلا من حيث الظاهر، وإلا فهو غبطة ومنافسة، ومحبة للحصول على الخير الدنيوي، والأجر الأخروي، فهو يحب أن يكون مثل أخيه، ويغبطه بذلك، وله مثل أجره على حسن نيته وقصده.

    أسباب الحسد ودوافعه


    الأول العداوة والبغضاء

    يمكن أن نلخص ذلك في سبعة أسباب: أولها: العداوة والبغضاء فمن آذاه إنسان وأوصل إليه ضررًا ، فلا بد أن يبغضه، ويغضب عليه، ويتولد من ذلك الحقد المقتضي للتشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى منه بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان، قال تعالى:( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ) (آل عمران:120)
    وربما أفضى هذا الحسد إلى التقاتل والتنازع.

    الثاني التعزز

    ثانيها: التعزز فإنَّ واحدًا من أمثاله إذا نال منصبًا عاليًا ، يترفع به عليه، وهو لا يمكنه تحمل ذلك، أراد زوال ذلك المنصب عنه، وليس غرضه التكبر، بل يريد أن يدفع كبره، فإنه قد رضي بمساواته.

    الثالث استخدام الغير ليكون تابعا له

    ثالثها: أن يكون من طبعه أن يستخدم غيره فيريد زوال النعمة من ذلك الغير، ليقدر على ذلك الغرض، ليكون تابعًا له، ومنه قوله تعالى عن المشركين:( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31)
    يعني أنهم يتكبرون عن أن يكونوا تابعين، بدل ما كانوا متبوعين، وقال تعالى: (أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ) (الأنعام:53)
    كأنهم احتقروا المسلمين الذين كانوا أتباعًا فاستقلوا عنهم.

    الرابع التعجب من أن يفضل الشخص من هو مثله

    ورابعها: التعجب من أن يفضلهم رجل من أمثالهم كما في قوله تعالى :(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُم) (الأعراف:63) فكأنهم عجبوا من رجل مماثل لهم، ينزل عليه الوحي دونهم، فلذلك حسدوه.

    الخامس الخوف من فوات المقاصد

    وخامسها: الخوف من فوات المقاصد وذلك يتحقق من المتزاحمين على مقصود واحد كتحاسد الضرائر على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة عند الأبوين، وتحاسد الوعاظ المتزاحمين على أهل بلدة؛ وفي ذلك قال الشاعر:

    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصـوم
    كغرائر الحسناء قلن لوجههـا حسـدًا وبغيًـا إنه لدميـم


    السادس حب الرئاسة

    وسادسها: حب الرئاسة كمن يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك، وأحب موته، فإن الكمال محبوب لذاته وهذا المحبوب مكروه، ومن أنواع الكمال التفرد به، لكن هذا ممتنع إلا لله تعالى، ومن طمع في المحال خاب وخسر.

    السابع شح النفس بالخير على عباد الله

    وسابعها: شح النفس بالخير على عباد الله فإنك تجد من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر، ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله شق عليه ذلك، وإذا وصف اضطراب الناس وإدبارهم فرح به ، فهو أبدًا يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه، وهذا ليس له سبب ظاهر سوى خبث النفس، كما قيل: البخيل من بخل بمال غيره.

  3. #3
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    أثر الحسد على المجتمع

    لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر الحاسد، في قوله:( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق:5)
    وهذا دليل على أن له شر وفيه ضرر، ولا يتحصن منه إلا بالاستعاذة بالله تعالى، حيث إن الحسد من أعظم الأمراض الفتاكة بالمجتمع، فهو يجبر صاحبه على أصعب الأمور، ويبعده عن التقوى، فيضيق صدر الحسود، ويتفطر قلبه إذا رأى نعمة الله على أخيه المسلم

    ولقد كثر الحسد بين الأقران والإخوان والجيران، وكان من آثار ذلك التقاطع والتهاجر، والبغضاء والعداوة، فأصبح كل من الأخوين أو المتجاورين يتتبع العثرات، ويفشي أسرار أخيه، ويحرص على الإضرار به، والوشاية به عند من يضره أو يكيد له ، ولا شك أن ذلك من أعظم المفاسد في المجتمعات الإسلامية
    فإن الواجب على المسلمين أن يتحابوا ويتقاربوا ويتعاونوا على الخير والبر والتقوى، وأن يكونوا يدًا واحدة على أعدائهم من الكفار والمنافقين، فمتى أوقع الشيطان بينهم العداوة والبغضاء، وتمكنت من قلوبهم الأحقاد والضغائن، حصل التفرق والتقاطع، وصار كل فرد يلتمس من أخيه عثرة أو زلة فيفشيها، ويعيبه بها، ويكتم ما فيه من الخير، ويسيء سمعته، ويجعل من الحبة قبة، ويقوم الثاني بمثل ذلك، وكل منهما يوهم أن الصواب معه، وأن صاحبه بعيد عن الصواب.

    ثم إن كلا منهما يحرص على الإضرار بالآخر ويعمل على حرمانه من الخير، فيصرف عنه المنفعة العاجلة، ويحول بينه وبين المصالح المطلوبة من فائدة مالية، أو حرفة أو أرباح أو معاملات مفيدة، ونحو ذلك، ولا شك أن هذا يضر المجتمعات ويقضي على المصالح، ويتمكن الأعداء من المنافع ومن استغلال الفوائد، وبتمكنهم يضعف المسلمون المخلصون، ولا ينالون مطلوبهم من ولاية أو رئاسة، أو شرف أو منفعة، وسبب ذلك هذه المنافسات التي تمكنت من النفوس، حتى حرموا إخوانهم وأنفسهم من الخير، وسلطوا عليهم أعداءهم.
    أفلا يرعوي المؤمن، ويعرف مصلحته ويحب الخير لإخوانه، ويوصل إليهم ما يستطيع، حتى يعم الأمن ويصلح أمر الدين والدنيا والآخرة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

    علاج الحسد بالعلم

    يمكن أن يلخص علاجه في أمرين: العلم والعمل:
    أما العلم: ففيه مقامان: إجمال، وهو أن يعلم أن الكل بقضاء الله وقدره ، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
    وتفصيل: وهو العلم بأن الحسد قذى في عين الإيمان، حيث كره حكم الله وقسمته في عباده، فهو غش للإخوان، وعذاب أليم، وحزن مقيم، ومورث للوسواس، ومكدر للحواس، ولا ضرر على المحسود في دنياه، لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، ولا في دينه، بل ينتفع به، لأنه مظلوم من جهتك، فيثيبه الله على ذلك، وقد ينتفع في دنياه أيضا من جهة أنك عدوه، ولا يزال يزيد غمومك وأحزانك، إلى أن يفضي بك إلى الدنف والتلف
    قال الشاعر:

    اصبر على مضض الحسود فإن صبــرك قاتـله
    النار تأكل نفسهـــــا إن لـم تجـد ما تأكله
    وقد يستدل بحسد الحاسد على كونه مخصوصًا من الله تعالى بمزيد الفضائل، قال الشاعر:
    لا مات أعداؤك بل خلـدوا حتى يروا منك الذي يكمد
    لا زلت محسودًا على نعمة فإنما الكامل من يحســد


    والحاسد مذموم بين الخلائق ، ملعون عند الخالق، مشكور عند إبليس وأصدقائه، مدحور عند الخالق وأوليائه، فهل هو إلا كمن رمى حجرًا إلى عدو ليصيب به مقتله، فرجع حجره إليه فقلع حدقته اليمنى، فغضب فرماه ثانيًا فرجع ففقأ عينه الأخرى، فازداد غيظه فرماه ثالثًا فرجع إلى نفسه فشدخ رأسه، وعدوه سالم، وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون: ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) (طه ، :127) .

    علاج الحسد بالعمل

    وأما العمل: فهو أن يأتي بالأفعال المضادة لمقتضيات الحسد فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له، وإن حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له، وإن حمله على قطع أسباب الخير سعى في إيصال الخير إليه، حتى يصير المحسود محبوبًا محبًّا له، على حد قوله تعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت:34)
    فذلك التكلف يصير في النهاية طبعًا .
    وقد ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب: أحدها: التعوُّذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه. الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره.
    الثالث : الصبر على عدوه، فلا يقاتله ولا يشتكيه، ولا يحدث نفسه بأذاه، فما نصر على حاسده بمثل الصبر، والتوكل على الله، ولا يستطيل الإمهال له، وتأخير الانتقام منه.
    الرابع : التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، فالتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره.
    الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به ، والفكر فيه، فيمحوه من باله، ولا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يشغل قلبه بالفكر فيه، فمتى صان روحه عن الفكر فيه، والتعلق به، فإن خطر بباله بادله إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له، بقي الحاسد يأكل بعضه بعضًا .
    السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب الله، والتقرب إليه ، فيشغل بذلك عن الحاسد وحسده، ويكون قلبه معمورًا بذكر ربه والثناء عليه ، غير متشاغل بغيره. السابع: تحرِّيه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فما سلط على العبد أحد إلا بذنبه، فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، فما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
    الثامن : الصدقة والإحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، وشر الحاسد، فلا يكاد الأذى والحسد يتسلط على متصدق، فإن أصابه شيء كان معاملا باللطف والمعونة والتأييد.
    التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذاه وشره وبغيه، ازددت إليه إحسانًا وله نصيحة ، وعليه شفقة لقوله تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (المؤمنون:96)
    العاشر : تجريد التوحيد لله تعالى ، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلم بأنها بيد الله تعالى، فهو الذي يصرفها عنه و حده إلى آخر كلامه، وقد لخصت هذا من كلامه على آخر سورة الفلق في (بدائع الفوائد) فليراجع.

    والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله

  4. #4
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    موضوع قيم وشامل نفع الله به .. ورحم الله الشيخ وبلغه اعلى المنازل ونفع بعلمه الامة ..

    نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين قلوبا بيضاء نقية صافية من الغل والحقد والحسد ومن كل ران ..

    شكر الله لك هذا الطرح القيم ونفع به ووفقك للخير ياغاليه ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. البحث العلمي: تعريفه وكيفية وخطوات كتابته
    بواسطة قلب راض في المنتدى ركن البحوث
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-11-2019, 11:31 PM
  2. ما هو مسمار القدم وكيفية علاجه ؟
    بواسطة Miss.Reem في المنتدى الطب - الصحة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-07-2019, 01:39 AM
  3. نصائح لمرضى هشاشة العظام و تعريفه وطرق علاجه
    بواسطة فرفشه في المنتدى الطب النبوي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-08-2017, 02:07 AM
  4. البرود العاطفي بين الزوجين . . وكيفية علاجه
    بواسطة ليدي الامورة في المنتدى الحياة الزوجية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-03-2016, 01:18 AM
  5. الغضب وكيفية علاجه
    بواسطة غربة مشاعر في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 16-04-2007, 04:52 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |