ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 12

الموضوع: ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين




    ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

    التذكير بسنن الله تعالى فى عقوبات الأمم


    ملتقانا على الخير ووقفات نحن بحاجتها نحتاج لوقفة نعيد فيها حساباتنا نستدرك مافاتنا ونتزود بدنيانا بالتقوى ونعتبر مما فات
    ونعتبر مما فات قال تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) سورة الذاريات أية 55 - 56

    ‏(‏‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى)‏‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 9 - 12‏]‏‏.‏


    ليتوقع كل فرد منا زوال النعم التى يتهنأ بها في كل لحظة !! .. فهل نضمن الامان الذي نحن فيه ؟.. وهل نضمن الصحة التي طالما جهلنا قدرها ؟ شاءت إرادة الله -تبارك وتعالى- أن يربّي عباده بنعمه، ويغذوهم بخيراته ومننه، يريد رحمتهم لا عنتهم؛ يُسبل عليهم ستره، ويُطعمهم من جوع، ويؤمنهم من خوف، ويبطل كيد عدوهم، ويرد عنهم قاصديهم بسوء، ويعلي كلمتهم، ويرفع قدرهم، ويغفر لهم؛ ولكنّ كل شريطة أن يستقيموا على شرع ربهم، ويستضيئوا بهدي نبيهم، ويلزموا الصراط المستقيم، والدين القويم.

    أما إذا بدلوا وغيّروا، وركبوا الهوى، وأطاعوا الشيطان، وأعرضوا عن منهج الرحمن، سلط الله عليهم عقوبات في الدنيا، ولذا فما أهون الخلق على الله متى أضاعوا أمره، وتنكبوا شرعه، وبدلوا أحكامه!!
    إن سنن الله -تعالى- لا تحابي أحدًا، وليس بين اللهِ وأحدٍ من خلقه نسب ولا قرابة، ولقد خاطب الله الجميع بقوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16-17]
    فهل نأمن ونحن أمة ظهر فيها الربا والزنا، والموبقات، وصار البعض يتفاخر بالكبائر ويصورها، ويتباهى بها؟!


    إن الذين يمكرون السيئات الآن في الأمة، ويحيكون المخططات الخبيثة لتحقيق مآربهم، ونيل شهواتهم، لا يضرون أنفسهم فقط، بل يضرون الأمة كلها، قال -تعالى-: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل:45-47].


    وإن العقوبات التي تنال هذه الأمة كثيرة، ومن صور هذه العقوبات ما يلي:


    - تسليط الطغاة والظالمين: فلا يتسلط الظلمة على الأمة يسومونها سوء العذاب إلا بسبب أعمال المسلمين، وإلا فلو استقاموا على الشريعة لساقهم ربهم شرابًا طهورًا، ولملئت الأرض بركةً وعدلاً، فأعمال الأمة في الحقيقة هي عمالها.

    - ومن صور العقوبات أن يكون البأس بين المسلمين شديدًا، فبدلاً من أن يتراحم المسلمون، ويحب بعضهم بعضًا، ويعذر بعضهم بعضًا في الأمور الخلافية التي تسع الجميع، ترى العكس أن البأس والشدة والحدة والغلظة صارت شعارًا في التعامل فيما بين المسلمين، وتأمل هذا الحديث، فعن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- « سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً؛ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا».(صحيح مسلم 2890).



    - ومن صور العقوبات: قبض العلماء الربانيين، فلا ترى في الأمة -بعد رحيل كثير من أهل العالم- عالمًا ربانيًّا تجتمع القلوب عليه، ويأسر الجميع بخلقه ونبله قبل علمه، ولذا يتصدر الساحة قليلو العلم قليلو العمل به، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ –رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (صحيح البخاري 100).


    إن الذي يتأمل في أحوال الأمة اليوم، يجدها تعيش في تيه وعماء، لا تستفيق من بلاء إلا وجدت نفسها في أشد منه، فتن تدع الحليم حيران، شهوات بُسطت، ومحرمات ارتُكبت، ودماء سُفكت، ورايات كثيرة رُفعت، ومساجد أُغلقت، وشعوب هُجرّت، ونساء اغُتصبت، وأرامل وأيتام ضُيعوا، ودماء تعج إلى ربها من سفكها..


    وإذا انتشرت المنكرات عمّ العذاب والعقاب الجميع، فعذاب الله إذا حلّ بقوم عمّهم، وقد سألت أمنّا زينب بنت جحش-رضي الله عنها- النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟!
    قال: "نعم؛ إذا كثُر الخبث" (صحيح البخاري 3346)
    فاتقوا الله عباد الله، وقفوا عند حدوده، وعظّموا حرماته, وإيّاكم أن تزيدوا فسوقاً كلما زادكم الله نعيما، اقرؤوا قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44].



    إن هذه الأمة لن تعود إلى سابق مجدها وعزها إلا إذا استقامت على شرع ربها، واهتدت بسنة نبيها –صلى الله عليه وسلم-، وعندها تفتح عليها البركات، وتنال الخيرات، وصدق ربنا -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].



    ومن أجل تذكير المسلمين بشيء من سنن الله -تعالى- في عقوبات الأمم، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضح أهم أسباب عقوبات الأمم، وصور هذه العقوبات، وكيف يمكن للأمة أن تتجنب العقوبات الربانية، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


    هذة بعض الخطب القيمة بالتذكير بسنن الله تعالى فى عقوبات الأمم
    سنة الله في عقاب الأمم
    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.

    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].




    أَمَّا بَعْدُ:


    فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.

    عباد الله: ما أن تحلَّ ببعض الدول المصائبُ والنكبات بسبب الكوارث الطبيعية، إلا ويبدأ الناس يَدُوكُون في تحليل هذا الحدث، فأذكُر في هذه الخطبة بعضَ الحقائق الشرعية، والسنن الإلهية، ما يُستعان به على فَهْم هذه الكوارث وتحديدها، سواء ما مضى منها، أو ما زالت حوادثُه جاريةً، أو ما سوف يأتي مما لا يعلمه إلا الله.

    فأقول: هذا الكون الفسيح، المترامي الأطراف، وما فيه من أنواع المخلوقات مما لا يحصيه إلا خالقه؛ خلقٌ من خلقِ الله، مربوب له، تحت أمره ونهيه: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]
    فالماء، والشجر، والحجر، والرياح، والدواب تحت أمر خالقها ومدبِّرها، يحذِّر بها وبغيرها مَن خالَفَ أمرَه، وتنكَّب الصراط المستقيم، فإن لم ينفع التحذير، ولجَّ الضالُّ في طغيانه، ولم ينتفع بآيات الله الكونية وسننه في خلقه؛ استأصله بها، كما أنَّه سخرها لأوليائه، وجعلها وسيلة نجاة لهم، كما أنها وسيلة هلاك لغيرهم، فسبحان مَن بيده ملكوت كل شيء!



    فهذه المياه المتدفِّقة -سواءٌ أكانت نازلةً من السماء، أم جاريةً في الأنهار أو البحار- امتنَّ الله بها على خلقه: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]
    فإذا عتا العبد وتجبَّر، أصبحتْ هذه النعمة نقمةً في حقِّه، ونعمةً في الوقت نفسه في حق عدوه.



    وما قصةُ موسى -عليه السلام- ومن معه مع فرعون عنَّا ببعيدٍ، فهي ماثلة لنا كأننا نشاهد فصولها: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 61 - 67]
    فسبحان مَن جعل البحر في وقت واحد نجاةً لأوليائه، وهلاكًا لأعدائه!



    وحين تحزَّب الأحزاب في غزوة الخندق من العرب واليهود على المسلمين، أرسل الله عليهم جندًا من جنده -وهي الريح- فجعلتْ تقوِّض خيامَ المتحزبين، ولا تَدَعُ لهم قِدرًا إلا كفأتْه، ولا طُنُبًا إلا قلعتْه، فردَّ الله أعداءه بغيظهم لم ينالوا من أوليائه، وكفاهم الله قتالهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب: 9] فسبحان مَن سخَّر الريح لنصرة أوليائه وهزيمة أعدائه! (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31]
    فالخلق تجري عليهم سننُ الله في خلقه: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137].




    ومن سنن الله في خلقه: أنه لا يعجِّل العقابَ على العباد؛ بل يمهلهم، ويتدرج فيما يصيبهم؛ لعلهم أن يُحدِثوا توبة، ثم بعد ذلك يأتيهم العذابُ من حيث لم يحتسبوا: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 42 - 45].


    فمِن سُنن الله في خلقه: أن ما جرى للمكذبين بالأمس من عذاب، وحلول النقم والمصائب، وتسليط بعضهم على بعض؛ سيجري مثله للمكذبين اليوم وغدًا؛ فهذه سُنة الله المطردة، التي لا تتحوَّل ولا تتبدَّل، وعليها يسير الكون، فما حصل للأمم الغابرة يحصل للأمم الحاضرة: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 62].



    فمن سنن الله في خلقه: تعذيبُ الكفار المصرِّين على كفرهم في الدنيا قبل الآخرة: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران: 56]
    فيصيبهم العذاب الدنيوي العام، من قتلٍ، وتشريد، وضيق ذات اليد، والأمراض الفتاكة، والأعاصير المدمِّرة، والزلازل والبراكين، وتسليط بعضهم على بعض، وغير ذلك من القوارع والنكبات التي تحل بهم، أمَّا في الآخرة، فالخلود في النار.



    فمن سنن الله في خلقه: أن مَن خرج مِن المجتمعات الإنسانية عن أمر ربه، وابتعد عن الصراط المستقيم؛ لا بد أن تحل به العقوبة الدنيوية: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الإسراء: 58].



    قال ابن كثير في تفسيره (3/47): "هذا إخبار من الله -عز وجل- بأنه قد حتَّم وقضى بما قد كتب عنده في اللوح المحفوظ، أنه ما من قرية إلا سيهلكها، بأن يبيد أهلها جميعهم، أو يعذبهم عذابًا شديدًا، إما بقتل، أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ كما قال -تعالى- عن الأمم الماضين: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [هود: 101]". اهـ.



    فالعذاب قد يكون استئصالاً لشأفة هذه الأمَّة المتنكِّبة الطريق، وقد يكون دون ذلك من أنواع العذاب، بمرض، أو هدم، أو غرق، أو غير ذلك.


    الخطبة الثانية:

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وبعد:

    فسُنة الله في عقاب الأمم شاملةٌ لكل الأمم، فلا تحابي أحدًا على أحد، إنما المعيار هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فتحل بالأمة الكافرة، كما تحل بالطائفة المسلمة المتعدية حدود الله؛ فعن زينب بنت جحش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يومًا فزعًا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه"، وحلَّق بإصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله: أفنهلك وفينا الصالحون؟!
    قال: "نعم، إذا كثر الخبث". رواه البخاري (7135)، ومسلم (2880).


    فإذا انتشرت المعاصي، وفشت بين الناس، وتُركت الواجبات؛ عمَّ الله الناسَ كلَّهم بعذابه الدنيوي، أما في الآخرة، فيُجزى كلٌّ بعمله؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يغزو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم"، قالت: قلت: يا رسول الله: كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أَسْوَاقُهُمْ ومَن ليس منهم؟!
    قال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم". رواه البخاري (2188)، ومسلم (2884)، وفي رواية مسلم: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ، قَالَ: "نَعَمْ، فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ، وَالْمَجْبُورُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا، وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".



    ومما ينبغي أن يُعلم: أنه لا يلزم أن كلَّ ما يصيب المسلمين عقوبةٌ لهم؛ بل قد يكون تمحيصًا لهم، ورفعة لدرجاتهم، كما حصل للنبي وأصحابه، ويعرف ذلك من قرائن الأحوال.

    وكما أن العقوبة تكون حسيَّة، قد تكون معنوية، فمثلاً ما يصيب الأممَ الكافرة من تفشِّي الأمراض النفسية، وضيق الصدر، وتوالي الأحزان، مع توفر وسائل الترفيه المباحة والمحرمة، حتى إن الواحد منهم يعجِّل بزهوق روحه بيده، فما ذلك إلا لون من ألوان العقوبة الدنيوية: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 125].



    أما بالنسبة لأفراد هذه المجتمعات، فقد تُعجَّل لهم العقوبة في الدنيا، وقد تؤجَّل عقوبة مَن شاء الله إلى الآخرة؛ فعن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل ذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة؛ إلا البغيَ، وقطيعة الرحم، يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت". رواه ابن ماجه (4211)، والبخاري في الأدب المفرد (591)، واللفظ له، وإسناده حسن.

    إخواني: لننظر للحوادث الطبيعية -وإن عُرِفتْ أسبابها- نظَرَ مستبصرٍ معتبِر، مجدِّدين التوبةَ، عازمين على فعل ما افترض الله علينا، وترك ما نهانا عنه، فكم من حدثٍ لا يحرِّك في الكثير من الناس ساكنًا، كان مقلقًا لمن عَرَف الله؛ فعن أبي موسى قال: "خسفت الشمس، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فزعًا، يخشى أن تكون الساعة". رواه البخاري (1059)، ومسلم (912).

    وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا، عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الغَيْمَ فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ؟! فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ: مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟! عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ فَقَالُوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)". رواه البخاري (4829)، ومسلم (899).


    الشيخ أحمد عبدالرحمن الزومان



  2. #2
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    ما أهون الخلق على الله

    الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ...

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

    أيها المسلمون: إن من مستلزمات الإيمان أن يعلم العبد أن الكون بإنسه وجنّه، وسمائه وأرضه وكواكبه ونجومه وجميع مخلوقاته، مسخر بأمر الله -تعالى-، يتصرف فيه كيف يشاء -جل وعلا-، ويعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من مصائب وكوارث إنما هو بقدرٍ من الله -جل وعلا-، لحكمة يريدها -سبحانه وتعالى-، وما أصاب العبدَ لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

    والواجب على المسلم عند نزول المصائب ثلاثة أمور: الأول: إن أصابته مصيبة أن يصبر ويحتسب، الثاني: أن يجعلها تذكرة له بالله تحيي قلبه وتجدد إيمانه، الثالث: أن تزيد من اتصاله بالله ذكراً وشكراً وتعبداً.

    وليتذكر بأن سنن الله لا تحابي أحدا، وأنه ليس بين اللهِ وأحدٍ من خلقه نسب. بل إن الله يخاطب الجميع بقوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16-17].

    وقال -تعالى-: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل:45-47].

    لقد أهلك الله أمماً وأقواماً كانوا أشدَّ منا قوةً وأطولَ أعمارا، وأرغدَ عيشا وأكثرَ أموالا، فاستأصلهم وأبادهم، ولم يُبقِ لهم ذكرا ولا أثرا، تركوا وراءهم قصوراً مشيدة، وزروعاً مثمرة، وآبارا معطلة، وأراضي خالية. فما أهون الخلق على الله -عز وجل- إذا أضاعوا أمره!.

    عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص وفُرِّق بين أهلِها، رأيت أبا الدرداء جالساً يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! فقال: دعنا منك يا جبير، ما أهون الخلق على الله -عز وجل- إذا تركوا أمره! بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله -عز وجل- فصاروا إلى ما ترى!.

    نعم عباد الله، إن المتأمل في كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يعلم يقينا صدق مقالةِ أبي الدرداء -رضي الله عنه-، فإن الداءَ المفسدَ لدنيا العبدِ وآخرته معصيةُ الله -تعالى-، وتركُ أمره، وما من مصيبةٍ تصيب العبدَ في جسدِه أو ماله أو أهله إلا وسببها معصيةُ الله -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].

    أيها الأحباب: بمعصية الله -تعالى- أُخرج آدمُ من الجنة، وطُرِد إبليسُ ولُعِن، وبمعصية الله -تعالى- أٌغرق أهل الأرض جميعا, وهاجت الريح على قوم عاد, وأخذت ثمودَ الصيحة.

    وبمعصية الله -تعالى- قُلبت قرى قومِ لوطٍ وجُعل عاليَها سافلَها، وأُمطرت عليهم حجارةٌ من سجيل منضود، وبمعصية الله -تعالى- أَخَذ قومَ شعيبٍ عذابُ يوم الظلة.

    وبمعصية الله -تعالى- أُغرق فرعونُ وجنودُه، وبمعصية الله خُسف بقارون وبداره، والله -جل وعلا- يقول: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].

    فما أهون الخلق على الله -عز وجل- إذا أضاعوا أمره! والسعيد من وعظ بغيره لا من كان عظة لغيره.

    فليعلم العصاة أنهم لن يُعجزوا الله بالطلب، ولن يُفلتوا منه بالهرب، فما مَنعت بني النضير حصونُهم، ولا الفرسَ والرومَ أموالُهم وجنودُهم.

    روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَمَّا بَعْدُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ"، لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ.

    وكتبت عائشة -رضي الله عنها- إلى معاوية -رضي الله عنه-: "أما بعد: فان العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامدُه من الناس ذامّاً".

    قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: "إِنَّمَا هَانُوا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُمْ وَمَعَاصِيَهُ، وَلَوْ كَرُمُوا عَلَيْهِ مَنَعَهُمْ عَنْهَا".

    عباد الله: إن العزَّ كلَّ العزِّ في طاعة الله -عز وجل-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]، أي: من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله.

    ومن دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك؛ فالمعاصي تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فلا تُحفظ نعمُ الله ولا تستجلبُ إلا بطاعته.

    ومن أعظم ما يبتلى به العاصي أن ينسيه الله نفسه؛ فلا يقوم بمصالح نفسه وما ينجيها من عذاب الله.

    ومن أعظم العقوبات: موتُ القلب، بالطبع عليه -عياذا بالله من ذلك- فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، ولا تنفعه المواعظ، ولا تؤثِّر فيه الآيات، (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) [الأعراف:146]
    (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الإسراء:60].


    فاتقوا الله عباد الله، واعتبروا بما يجري في العالم من أحداث، وتوبوا إلى الله فإن الله هو التواب الرحيم، وتذكروا قوله -تبارك وتعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


    الخطبة الثانية:

    الحمد لله على إحسانه...

    أما بعد أيها المسلمون: فاتقوا الله -تعالى-، وتوبوا إليه، وخذوا على أيدي من تحتكم قبل أن يحل بنا ما حل بمن حولنا، ولنعلم جميعاً أن الذي جعل غيرنا عبرةً لنا، قادرٌ على أن يجعلنا عبرةً لغيرنا.

    عباد الله: ذكر ابن أبي الدنيا أن المدينة زلزلت على عهد عمر -رضي الله عنه- فقال : "أيها الناس: ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا".

    إننا على كثرة ما نسمع ونقرأ ونشاهد من حوادثَ مروعة، وعقوباتٍ مفزعة، وحروبٍ طاحنة، وأمراضٍ مستعصية، ومجاعاتٍ مهلكة، لا يزال الكثيرون منا مُصرِّين على معاصيهم وطغيانهم وفجورهم! (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:90].

    ومن مستلزمات الأمن والرخاء قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى أحمد: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".

    عباد الله: اعلموا أنه لا يقينا من عذاب الله وعقوبته، إلا أن نُصلح ما فسد من أحوالنا، فنبدأ بأنفسنا ونحملها على الحق، ثم بأهلنا وجيراننا، فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر قدر استطاعتنا.

    عباد الله: تعرّفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأدّوا إليه حقَّه يوفّيكم حقكم، فإن الله أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، وأجودُ الأجودين.

    اقرؤوا قول الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

    وعذابُ الله إذا حلّ بقوم عمّهم، سألت عائشةُ -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم؛ إذا ظهر الخبث".

    فاتقوا الله عباد الله، وقفوا عند حدوده، وعظّموا حرماته, وإيّاكم أن تزيدوا فسوقاً كلما زادكم الله نعيما، اقرؤوا قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:44].

    خذوا بأسباب النجاة؛ فإن هلاك الإنسان ونجاته مقيد بما كسبت يداه، كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يحدث في المسجد: "إن الشقيَّ من شقي في بطن أمه، والسعيدَ من وُعِظ بغيره".

    ثم اعلموا -أيها المؤمنون- أن من خير الأعمال في هذا اليوم العظيم الصلاةَ على البشير النذير، والسراج المنير، كما أمركم اللطيف الخبير فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...

    الشيخ عبد الله بن ناصر الزاحم


  3. #3
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24
    الكوارث والنكبات - عقوبات وابتلاءات

    الحمد لله .. الحمد لله على ما أعطانا ومنحنا، والحمد لله على ما صرف عنا ومنعنا، وفي كل ذلك ابتلانا وامتحننا، كفانا وآوانا .. وابتلانا ووقانا..



    أحمده -سبحانه- وأشكره، يبتلي بالسراء والضراء ليظهر الشكور من الكفور والجزوع من الصبور: (... وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]..



    وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المحمود على كل حال، الخير بيديه والشر ليس إليه وهو الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله .. لا خيرَ إلا دلَّ الأمةَ عليه ولا شر إلا حذرها منه؛ فهو الناصح الأمين في الحال والمقال والأفعال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار خير صحب وأكرم آل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان .. صلاةً وسلامًا دائمين بالغدو والآصال، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم المآل.


    أما بعد:


    فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: فاتقوا الله -رحمكم الله- فمن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه يسَّر الله له أمر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أحسن الله ما بينه وبين الناس، ومن عرف الدنيا هانت عليه مصائبها ..



    وأشد الذنوب ما استخف به صاحبها، ومن لم يصبر على البلاء لم يرض بالقضاء؛ فاتقِ الله -ياعبد الله -حيثما كنت، واحفظ الله يحفظك، وأتبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18] .



    أيها المسلمون: في العهود القريبة الماضية ابتُليت الديار بسنين من الشدة واللأواء وسنوات من الفقر والقلة وأحوال من الضعف والعيلَة والخوف والتشرد، وقد كان الناس في إيمانهم أحسن حالاً وبربهم أقوى اتصالا، ثم أبدل الله الخوف أمنا والفقر غنى والفرقة اجتماعاً .. فلله الحمد والمنة.



    غير أن بعض الأخلاف نبتت فيهم نوابت ونشأت فيهم فئات لمّا توالت عليهم النعماء وانتشر فيهم الرخاء ظهرت فيهم الغفلة .. فنسبوا النعم إلى غير موليها وتوجهوا بالشكر إلى غير مسديها، وما فقهوا قول الله -عز وجل-: (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء ... ) [الأعراف:95]..



    فيهم من كانت دنياه على حساب دينه، وفيهم من يتبع الشهوات ويأكل ألوانًا من الحرام والباطل، وفيهم من يستحل الأموال العامة بأدنى الحيل، وارتقى أفرادٌ على أكتاف عامَّةٍ ضعفاء، ثم صاحب ذلك غفلةٌ عن آيات الله وسننه في كونه وما يرسله من آيات ونُذُر؛ تخويفًا واعتبارا وتذكيرًا وادِّكارا.



    كيف يكون ذلك -رحمكم الله- وقد جاء في خبر الصحيحين عن عائشة -رضي الهو عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألُك خيرَها وخيرَ ما فِيها وخيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما فِيها وشرِّ ما أُرسِلَتْ به" ..



    وإذا تخيلت السماء تغيَّر لونُه وخرجَ ودخل وأقْبلَ وأدْبر، فإذا مُطرَت سُرِّي عنْه، فسألته عائشة -رضي الله عنها- فقال: "لعله ياعائشة كما قال قوم عاد: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الأحقاف:24] .. الآيات. واقرأوا إن شئتم: (... وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء:59].



    نعم -حفظكم الله ورعاكم- ليس الخوف والحذر قاصراً على أهل الموبقات والمجاهرين وأهل الكبائر ..



    لقد كان مجتمع محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وصحب محمدٍ -رضي الله عنهم- خير المجتمعات وأصلحها؛ وهل كان محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وهو يتخوَّف هذا التخوف من الكسوف والخسوف ومن الرياح ومتغيرات الكون .. هل كان متَّهِما لأصحابه بالسوء أو حاكماً عليهِم بالفساد؟


    عليكم -أحسن الله إليكم- أن تلزموا فقه نبيكم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، واحذروا المسلك الفرعوني؛ فقد قال الله -عز وجل- فيه: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) [طه:78-79]..


    واحذروا مسالك أمثال فرعون ممن قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس:96-97]..


    وما أعقل قوم يونس من قوم حين قال الله -عز وجل- فيهم: (... إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس:98].


    عباد الله: ينبغي المزيد من الخوف والحذر والمبادرة إلى التوبة والرجوع والاتعاظ؛ ولاسيما مع مظاهر التقصير والغفلة وتوافر النعم وظهور بعض المنكرات، وقد قال -عز شأنه-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].



    وقال -عز شأنه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].ذلكم أن التحذير من المعاصي والإنذار من المخالفات ليس رمياً للأمة بالفسوق ولا جزمًا في اتهام أقوامٍ بالتقصير ..



    وقد حدثت نوازل في عهد السلف وحلَّت كوارث في خير القرون .. فكان عام المجاعة ووقع الطاعون في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- وفيهم المهاجرون والأنصار وأصحاب بدر وصفوة الأمة ..



    وحين تحل الابتلاءات بأهل الإسلام وديارهم .. فمع ما ينبغي من الحذر والخوف والوجل والمسارعة إلى التوبة، لكن من المتقرر لدى أهل العلم أنه لا يُقطع بأن كل البلايا عقوبات وجميع النوازل مثلات، بل منها ما هو ابتلاءٌ وتمحيص، ومنها ما هو رفعٌ للدرجات وتكفيرٌ للسيئات، ومنها ما هو امتحانٌ للرضا والتسليم وتحقيق الإيمان بأقدار الله المؤلمة ..



    ولا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، وما يصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ ولا حزن .. حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر اللهُ بها خطاياه ..



    بذلك صحَّت الأخبار عن نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بل إن مما يصيب الله به في الدنيا بعض عباده ما يكون مانعاً من عقاب الآخرة ومنه ما يكون سبباً لصلاح النفس والذرية في الدين والدنيا.


    معاشر الأحبة: ومع وضوح ذلك وجلائه في مبادئ الإسلام وأصوله .. إلا أن من المعلوم كذلك أن للحوادث والكوارث والآيات والابتلاءات ما هو مرتبطٌ بأعمال بني آدم ومخالفاتهم ومعاصيهم وفسوقهم، وقد قال نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-: "يا أمَّة محمد: والله ما مِنْ أحدٍ أغْيَر مِنَ الله أنْ يزني عبدُه أو تزْني أمتُه" ..


    ولما قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثُر الخَبَث" حديث متفق عليه .. وفي حديثٍ رواه الإمام أحمد بسندٍ حسن يقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنَّ العبْدَ ليُحرَم الرزق بالذنْبِ يصيبُه" ..



    والذنوب والآثام والتقصير في جنْب الله ليس معصوماً منها أحد؛ فكل ابن آدم خطَّاء .. غنيهم وفقيرهم .. صالحهم وفاجرهم .. ذكرهم وأنثاهم.



    لكن كثيرًا من الناس لا يرى من الذنوب والتقصير إلا بعض الذنوب الشائعة أو الذنوب المستحدثة الطارئة .. من شيوع الفواحش وإشاعاتها والربا والكوارث الطبيعية والزلازل والفيضانات، لكنهم يغفلون عن ذنوبٍ وآثام لا تستوقفهم ولا يتنبهون لها؛ لكثرة ملامستهم لها وملابستهم إياها .. من العقوق وقطيعة الرحم والحسد والرياء والغش والكِبْر وعضْل النساء والغيبة والنميمة وأكل أموال اليتامى وحقوق المستضعفين، وأنواع من الظلم والتجاوزات من عوالي الأمور وصغائرها مع الإصرار وقلة الاستغفار ..


    كما يغفل هؤلاء المفرطون والمقصرون عن أن يروا آثار تقصيرهم؛ من الحروب، والأمراض، وتسلط الظَّلَمَة، والذل والضعف، والأخذ بالسنين، والأزمات الاقتصادية في آثارٍ لا تخفى ولا تُحصَى.


    كما أن آثار الذنوب والمعاصي والمخالفات ليست قاصرة على حوادث ظاهرة أو كوارث حادثة .. ولكنها قد تكون كما قال -عز شأنه-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [ الأنعام:65] ..



    ألم يقل نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتُمْ بالعيْنَة وأخذْتم بأذْنابِ البقر ورضيتم بالزَّرعِ وتركْتُم الجهَاد سلَّط الله عليكُمْ ذلا لا ينْزعْهُ عنْكمْ حتَّى ترجِعُوا إلى دينِكُم" رواه أبو داود وغيره .



    فكل هذه الأنواع والألوان من آثار الذنوب والمعاصي لا تقع تحت حصر، نعوذ بالله من أليم عقابه ونلجأ إليه من شديد عذابه .. في ذنوب وآثام موجودة في طبقات المجتمعات لا تختص بفئة ولا تقتصر على طبقة يغفل كثيرٌ من الناس عن ملاحظتها والتنبه لها.



    عباد الله: إذا تمت ملاحظة ذلك زال الوهم أو التوهم بأن المصائب تنزل على من لا جريمة له أو تقع على مَنْ لا ذنب له..



    ومما يثيره بعض أهل الغفلة والجفوة قولهم: لماذا لا نرى أقوامًا وديارًا وأهل فسقٍ ظاهر وفجورٍ بيِّن لا تنزل بهم هذه الكوارث المؤلمة؟!



    وهذا -حفظكم الله- من أعجب العجاب ومن أشد أنواع الغفلة والجرأة على الله وأقداره؛ فقد خفيت عليهم في ذلك حِكَمٌ وأحكام عظيمة .. منها:



    أن في قولهم هذا اعتراضاً على أقدار الله وحكمته .. وهو -سبحانه- لا يُسأل عما يفعل، كما أن هذه الكوارث والأحداث تنزل على جميع أهل الأرض -كما هو مشاهدٌ معلوم- ولله الحكمة البالغة في اختيار مكانها وزمانها.



    ومن الحكم كذلك: أن ألوان المعاقبات والجزاءات لا تحصر؛ من إملاء الله للظالم وإمهاله، والطمس على القلوب والطبع عليها وقسوتها؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.


    ومن الحكم: أن الذنوب سببٌ للكوارث ولكنها ليست كل الأسباب؛ ففي حكمة الله وتقديره أن ليس كل من وقع في ذنب تحصل له كارثة أو تنزل به بائقة، كما أن صاحب الطاعة والاستقامة والصلاح يقع عليه الابتلاء بتلك اليد وبغيرها. فالأسباب لا تستقل وحدها بالتأثير، بل قد يحيق بالسبب ظروف وعوامل تجتمع -بإذن الله- فيكون لها التأثير ويتخلف بعض هذه العوامل فلا يكون التأثير؛ ولله الحكمة البالغة والمشيئة النافذة .


    عباد الله: ومع هذا كله فلا يُنكَر أن للأحداث والنوازل والظواهر الكونية أسبابها الظاهرة وتفسيراتها العلمية .. ولكن حذار أن يكون الركون إلى ذلك مما يهون العظة ويقلل من الاعتبار ويغلظ حجاب الغفلة ويصرف عن الإيقاظ والاتعاظ ..



    فالأسباب -رعاكم الله- من ورائها ربها ومسببها والحاكم عليها .. -سبحانه عز شأنه- إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ثم رتب عليه -إن شاء- نتائجه وآثاره.



    وبعد: أيها المسلمون: فإن نظرة المؤمن بكون الكوارث والأحداث ومتغيرات الكون -أرضيها وسماويها- نظرته نظرة إيمان وتوحيد وعبادة تجمع بين التسليم بالأقدار والرضا بالمقادير والأخذ بالأسباب؛ فكل ما يجري بقدر الله وإرادته .. ولا يخرج شيء عن تقديره وتدبيره ومشيئته؛ فالمنظور إليه -حفظكم الله- ليس وقوع البلاء وحلول المصائب فهذا قضت به سنن الله -سبحانه- يرسله ويبعثه إلى من يشاء من خلقه .. وإنما العبرة في موقف العبد من الرضا والتسليم والصبر ومدافعة الأقدار بالأقدار ..


    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:22-23] .


    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .



    الخطبة الثانية:



    الحمد لله .. الحمد لله لا زالت أقداره في الورى ماضية وأحكامه على البرايا جارية، أحمده –سبحانه- وأشكره وأتوب إليه وأستغفره .. نعمه متوافرة وآلاؤه علينا متوالية ..

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا تخفى عليه منا خافية، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله .. جاء بالملة الخاتمة والشريعة الهادية، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشرف الأسمى والرتب العالية والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين تسليمات وصلوات غير متناهية.



    أما بعد:



    فإن ما يجري فإن مايجري من حوادث ونوازل وآيات ومثلات لا تملك لها البشرية رداً ولا تستطيع دونها صداً.

    عباد الله: إن من الغفلة والجفوة أن تُصرف مقاصد الواعظين ونصائح الناصحين وتذكير المذكرين .. تُصرف إلى ألوان من الانتقاص أو التسفيه أو التشكيك في النوايا والمقاصد، والأشد والأنكى أن يوصف الوعظ بأنه (إرهابٌ فكري) أو يُنعت النصح بأنه (تمريرٌ للفكرالمتطرف) ... فلا حول ولا قوة إلا بالله .. وتزداد الغفلة وتشتد في القلب القسوة وتعظم في الدين الجفوة حين يوصف التذكير بالله والتحذير من آياته ونذره بأنه توظيفٌ للدين واستغلال النصوص..


    سبحان الله -عباد الله- هل بلغت القسوة وهل وصلت الجفوة، بل هل وصل الجهل إلى هذا الحد؟



    نعم -منحك الله هداك، ورزقنا البصيرة وإياك-؛ إن الوعظ توظيف للدين، والتذكير إعمال للنصوص واستعمال لها.. وهل الدين إلا هذا؟! وهل جاءت نصوص الشرع إلا لهذا وبهذا؟!



    ما الدين -رعاك الله وألهمك رشدك- وما التدين إلا هذا، ما الدين ولا التدين إلا الالتزام (إلا الالتزام) بذلك كله في السراء والضراء واستحضار النصوص والاستشهاد بها في حال الرغبة وفي حال الرهبة ..



    الدين والتدين التزامٌ وسلوك وتمسك في جميع الأحوال: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163] ..



    عافانا الله وإياكم: لقد عاتب الله أقواما ممن جاءتهم الآيات والنذر ثم لم يروا ولم يستفيدوا ولم يستيقظوا: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76]
    بل ألم يخاطب الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- ومعه الصفوة من الأمة حين حصل التقصير يوم أحد: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165] ..


    ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- وتوبوا إليه واستغفروه، وابتغوا مرضاته واجتنبوا سخطه وموجبات غضبه.


    ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله فقال -وهو الصادق في قيله- قولاً كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] ..



    اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمدٍ الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارْضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك ياأكرم الأكرمين.



    اللهم أعِز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين. اللهم آمِنّا في أوطاننا. اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.



    اللهم وفق إمامنا اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ..



    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين. اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد .. يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.



    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.



    اللهم من أرادنا اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يارب العالمين، اللهم إنا ندرؤك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.



    اللهم احفظ جنودنا وقواتنا، اللهم احفظ جنودنا وقواتنا وقوِّ عزائهم واربط على قلوبهم، وأحكم أمرهم وسدد رأيهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم واحفظهم أن يغتالوا من تحتهم..



    اللهم من اخترته منهم إلى جوارك فأنزله منازل الشهداء، اللهم واشف مرضاهم واحفظهم في أسرهم وذرياتهم إنك أنت السميع العليم.



    اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.



    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء .. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء .. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء .. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ..



    اللهم أغثنا . اللهم أغثنا . اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة .. لا سقيا هدمٍ ولا بلاء ولا غرق، اللهم واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبل طاعتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا، وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا واغفر لنا وارحمنا ياأرحم الراحمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.



    عبادالله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] .. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


    الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد





  4. #4
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    أفأمنوا مكر الله

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    نحن -أيها المسلمون كما نعلم جميعا- محكومون بسنن الله الجارية، والذي يجعلنا نراعي تلك السنن، أو نتجاهلها، هو مستوى الإيمان في قلوبنا، والقرآن مليء ببيان تلك السنن، وأنواعها، إما تصريحا، وإما من خلال الأحداث والقصص.

    أتعرفون قصة سبأ، جاء ذكر تفاصيل القصة نقلا عن الإسرائيليات في كثير من الكتب، لكن القرآن لا يهتم بذكر التفاصيل بقدر ما يهتم بالمغزى والعبرة، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل من تخلق بأخلاق القرآن أن يعتني بالعبر والمواعظ؛ يقول الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) [سبأ: 15] آية يتعظ بها أولي الألباب.

    آية: (جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) اشكروا من وهبكم هذه النعم بالإقبال على طاعته، والحذر من معاصيه، وعدم الإعراض عن أوامره: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سبأ: 15].

    قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كانت سبأ أخصب البلاد وأطيبها، تخرج المرأة على رأسها المكتل، وتسير بين الأشجار، فيمتلئ المكتل بما يتساقط فيه من الثمر، فأعرضوا عن أمر الله، وتعدوا حدوده، واقترفوا معاصيه: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ) ثمر بشع مر: (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سبأ: 16-17].

    ثم قال بعد أن نسب الظلم إليهم جل وعلا: (وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ: 19].

    ما هو كفر النعمة؟

    إنه مقابلة النعمة التي ينعم الله بها على أمة، أو قوم، أو بلد من أمن أو رخاء، أو ما شابهه ذلك، مقابلة هذه النعم ليس بالشكر والطاعة والنهي عن المنكر، لا، بل بالإعراض عن أوامره، وتعدي حدوده.

    فماذا يجري بعد أجل مسمى؟

    هذا الجحود وهذا الإعراض والاستهتار يوقع المجتمع تحت طائلة السنة الجارية، سنة حلول البوار على من بدل النعمة كفرا، ولذلك قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28].

    وقال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

    وقال أيضا: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

    العقوبة -كما ترون- أنواع؛ منها: الجفاف، ومنها: الفقر، ومنها: زوال البركة، ومنها: الخوف، ومنها: الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير، ومنها: الغلاء، ومنها: الأمراض النفسية والاجتماعية والبدنية، ومنها: الذل والضعف وتسلط الأعداء، هذا غير الآخرة إذا لم يتب العباد.

    الحاصل أن نوع العقوبة يقدره الله -تعالى- بحكمته، وموعد العقوبة أيضا يقدره الله -تعالى- بحكمته: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف: 59].

    وبالرغم من وضوح الآيات الدالة على هذه السنة الجارية، فإن بعض المرجفين يشككون فيها، فيقولون: لو كانت المعاصي تمنع المطر، وتهلك القرى لأهلك الله المشركين والنصارى واليهود والظالمين، ولمنع عنهم المطر.

    وقد عرض الله -تعالى- هذا التساؤل في القرآن، لكن من المشركين، لا من المسلمين: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم: 73].

    أي الفريقين: أي إن الكافرين يسخرون بثرائهم، وكثرتهم، وهم يقارنون أنفسهم بالمسلمين المستضعفين، والجواب على هذا التساؤل هو: أن الله -سبحانه- يبتلي عباده بعباده، يبتليهم بتأخير سنته الجارية، ويبتلي المؤمنين بالصبر لعلهم يرجعون، فينصرهم، ويبارك في حياتهم.

    الله يبتلي العباد بالعباد؛ كما قال سبحانه: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان: 20].

    ولذلك دعا المؤمنون ربهم أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا)[الممتحنة: 5].

    لا تسلط علينا الذل والفقر والضعف، فنكون فتنة للذين كفروا، فلا يقبلوا على الإيمان.

    وقال أيضا: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا) [الأنعام: 53].

    يقولون المشركون نحن عندنا القوة والصناعة والطبيعة الخلابة والمطر، وهم أي المسلمون متخلفون ضعفاء لا يكادون يمطرون، كيف يكونون على الحق؟ (أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا)[الأنعام: 53].

    ثم يأتي المسلم الجاهل ويقول نفس الكلام..

    فتن -يا أخوة- يفتن بها الجاهل ضعيف العلم والإيمان.

    فالذي يحصل لنا بلا شك هو من عند أنفسنا نحن المسلمين، إذ لو كنا نستحق النصر العاجل لما تأخر عنا ولا لحظة، ولكنا نذوق ما كسبت أيدينا: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

    ينبغي على المسلم من أفراد الأمة الإسلامية أجمع أن يسارع إلى التواضع لله -تعالى-، والاعتراف، قائلا: نعم، بأيدينا ومن عند أنفسنا، بمجاهرتنا للمعاصي، بتركنا النهي عن المنكر، بجرأتنا بالاستهزاء بشعائر الدين، وعلامات الصلاح، وسكوتنا على المستهزئين بالعلماء، ومبادئ العلماء بوقوفنا في وجه الدعوة، بمولاتنا للمشركين، بمعاداتنا للدعاة المخلصين.

    ينبغي أن نعي ذلك تماما، ونتوقع جريان السنة الجارية في موعدها المقدر، ونتعامل معها تعامل المؤمنين الذين لا يأمنون مكر الله.

    فنتدارك أمرنا، ونتوب ونندم، ونستغفر، ونرجع ونصحح.

    أما تأخير العقوبة عن الأمم الظالمة المحادة لدين الله، فهو لحكمة يعلمها هو سبحانه؛ كتأخيره للعديد من السنن، وكتأخيره لقيام الساعة لما قال: (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ) [هود: 104].

    وقد أشار الله -تعالى- إلى تأخير العقوبة بقوله: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) [الحـج: 48].

    أخرت عقوبتها، ومهدت لها، وأعطيتها القوة، واستدرجتها بالنعم، سنين عديدة، وهي ظالمة: (أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [الحـج: 48].

    لما استبطئت قريش عذاب الله الموعود، وتحدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم به الآن، ماذا أمره الله -تعالى- أن يقول لهم؟
    (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي قل لهم: لو كان الأمر بيدي تعجيل عذاب الله -تعالى- لعجلته لكم، ولكن موعده بيد الله، قال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [العنكبوت: 53].


    وقال تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يستعجلون: (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ)[الرعد: 6].

    وقال سبحانه: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) [هود: 8].

    القرآن مليء بهذه الآيات التي تثبت المؤمن على الإيمان بالسنة الجارية، وهذا الشك والارجاف، أو حتى استبعاد العقوبة، أو استنكارها، لا يليق بالمؤمن أبداً.

    ولهذا غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- من خباب لما لمس في لهجته استبطاء لنصر الله -تعالى-، وهو يقول: "ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟" فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- محمرا وجهه، فقال: "لقد كان من قبلكم يأخذ الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يؤتى بالمنشار، فيجعل على رأسه، فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد" وهو أعز وأحب خلق الله..

    من أحب خلق الله إلى الله، يأخذ هذا الرجل، ويجعل المنشار على رأسه، ويجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك، ولا يشك في دين الله.

    يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقسم: "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت لا يخاف إلا الله -تعالى- والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون" [صح هذا الحديث في البخاري والسنن].

    أيها الأخوة: إن كون شريحة من أفراد الأمة يرتكبون معاصي صغيرة هنا أو هناك، مع بقاء تلك المعاصي في حجمها الصغير، والصلاح والمعروف هو البارز في المجتمع والأصل، وبقاء النهي عن المنكر أيضا بارزة في المجتمع، هذا شيء، وكون المجتمع يقدم المعصية، ويعزها، ويحميها ويجعلها ظاهرة علنية، بل ويجعلها قيمة اجتماعية، هذا شيء آخر تماما.

    والذي يخشاه المسلم الذي يراعي سنن الله الجارية هو وقوعها بأي صورة كانت، انعدام الأمن تسلط الأعداء، وزوال البركة، وغلاء المعيشة، وكثرة الأمراض.

    ولقد جاء الوعيد من عاقبة تحول المعاصي في المجتمع من ممارسات فردية إلى ظاهرة اجتماعية، مسكوت عنها، بل ربما مفتخر بها.

    جاء الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين -أي الجذب- وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنع الزكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسول الله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"[أخرجه ابن ماجة].

    فاستفحال الربا والسفور والمعازف في مجتمع مسلم يرفع فيه الآذان، وبين يديه القرآن والسنة، وتعطيل الحدود الشرعية والتبديل، وتعظيم القبور ورعاية البدع، ومحاربة أهل التوحيد والظلم، هذه المعاصي وغيرها، إذا أعلن بها المجتمع المسلم، ونادى إليها، فقد نادى بسنة الله التي لا مفر منها.

    قال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل: 45- 47].

    سؤال إنكاري من رب العالمين: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ) [النحل: 45]
    أيحسبون أنهم آمنون من عقوبة الله؟!
    من هذا الذي يؤمنه؟
    من هذا الذي يصد عنهم سنة الله؟!


    أسأل الله -تعالى- أن يعافينا، ويحفظنا، ويهدينا، إنه سميع قريب.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


    الخطبة الثانية:

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

    أما بعد:

    فيقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا) كثرت أموالهم: (وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يعني قالوا: ليس هذا بسبب ما نحن عليه من الدين والعمل، وإنما تلك عادة الدهر: (قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[الأعراف: 94- 95].

    (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 96- 99].

    هكذا يبين ربنا، يبين القرآن أن شيئا لا يجري على أمة ما إلا بتقدير، إلهي ونظام سنني.

    أيها الأخوة: إن من نعمة الله علينا أننا في بلد أقيم على أساس ديني، قوامه القرآن والسنة، فنحمد الله على هذه النعمة، ونسأله أن يعيننا مع ولاة الأمر على شكرها، وشكر نعمة الأمن والرخاء.

    إنا لنربأ بولاة الأمر وهم أهل بذلك -إن شاء الله- أن يسمحوا لمفسد أياً كان، أن يخرق سفينة النجاة، أو يجروننا لعقوبة الإله، ولن نسمح للذين يسعون إلى إفساد المرأة بحجة إعطائها حقوقها، فيصرون على المطالبة بقيادتها للسيارة، أو ما شابهه هذه الدعوات.

    أو كمن أعلن وصرح لوسائل الإعلام: أن إدارته على أتم الاستعداد لتوظيف السعوديات كمضيفات في خطوط الطيران، في أي وقت يتم السماح لهن بالتوظيف، حيث أن الأنظمة تمنع ذلك في الوقت الراهن، وأخذ يذكر مزايا هذه المهنة.

    أين وصلنا -أيها الأخوة-؟! كيف يجرؤ على هذا الإعلان؟!

    إذا كنا نحن نعلم تماما مخاطر هذه المهنة على دين الرجال بكثرة السفر، ومخالطة الجنس الآخر، وغشيان الفنادق بجوارهن، فكيف بالفتيات المسلمات؟

    وبعضهم يشجع المرأة للعمل كنازلة لمطعم، أو كمندوبة مبيعات، حيث تقوم بتسويق السلع للرجال والنساء على حد سواء، وطالما أرسلت أكثر من مندوبة برسائل تشتكي فيها مما تعانيه من معاكسات، ومحاولات للإيقاع بها في فخ العلاقات المحرمة.

    فنسأل الله -تعالى- أن يوفق ولاة الأمر إلى الأخذ على أيدي السفهاء والمفسدين، فنحسبهم حريصين على ذلك -إن شاء الله-.

    الحاصل -يا أخوة- أننا أمة تؤمن بالسنن الإلهية التي قدرها الله منحا أو منعا، ثوابا أو عقوبة، وكل ذلك تبعا لأعمال العباد وأخلاقهم، فلماذا لا نجعل أعمالنا بما يقتضي سنة العطاء والثواب بدلا من سنة الذلة والعقاب.

    (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد: 11].

    أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لطاعته.

    اللهم أصلحنا وأصلح أعمالنا.



    الشيخ عبد العزيز بن عبد الله السويدان


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنين××
    بواسطة طير الجنة في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-07-2008, 09:05 PM
  2. ان الذكرى تنفع المؤمنين
    بواسطة ذات العفاف في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 21-07-2007, 05:12 PM
  3. ان الذكرى تنفع المؤمنين
    بواسطة ذات العفاف في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-06-2007, 05:41 AM
  4. ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين
    بواسطة بنت الجمال في المنتدى الحياة الزوجية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-05-2007, 06:27 AM
  5. وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين
    بواسطة طيبة قلب الحنون في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-01-2007, 04:34 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |