إنما الأعمال بالخواتيم
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 5

الموضوع: إنما الأعمال بالخواتيم

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    إنما الأعمال بالخواتيم




    إنما الأعمال بالخواتيم

    الحمدُ للهِ الكريمِ الوَهَّابِ، الغفورِ التَّوابِ، أَجزلَ للطائعِينَ الثَّوابَ، وأَنذرَ العَاصينَ شَديدَ العِقابِ، يَجتبي إليه من يشاءُ ويَهدي إليه من أنابَ، أحمدُه على نِعَمِه التي فاضَت على ذَرَّاتِ التُّرابِ، وقَطَراتِ السَّحابِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تُنجي من العَذابِ وتُدخلُ قائلَها دارَ السَّلامِ بغيرِ حِسابِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيِّدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه بأسمَحِ دِينٍ وأفصحِ كِتابٍ، فَرضَ الفرائضَ وسنَّ السُّنَنَ وبيَّنَ الآدابَ، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه خيرِ آلٍ وأكرمِ أصحابٍ.



    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].



    أما بعدُ: الْأُصَيْرِمُ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَذَفَ اللّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِهِ لِلْحُسْنَى الّتِي سَبَقَتْ لَهُ، فَأَسْلَمَ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ، فَلَمّا طَافَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ وَجَدُوا الْأُصَيْرِمَ - وَبِهِ رَمَقٌ يَسِيرُ - فَقَالُوا: وَاَللّهِ إنّ هَذَا الْأُصَيْرِمَ، ثُمّ سَأَلُوهُ مَا الّذِي جَاءَ بِك؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك، أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟، فَقَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْتُ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ .. وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ .. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ: "هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ" .. وَلَمْ يُصَلِّ لِلّهِ سَجْدَةً قَطّ.

    عبادَ اللهِ .. إنما الأعمالُ بالخواتيمِ .. ولا يعلمُ الخواتيمَ إلا اللهُ -تعالى- .. الخاتمةُ التي كانَتْ تُقلقُ الصالحينَ .. بَكَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ: كُلُّ هَذَا خَوْفًا مِنَ الذُّنُوبِ؟، فَأَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ: "الذُّنُوبُ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا أَبْكِي مِنْ خَوْفِ سُوءِ الْخَاتِمَةِ".. قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفِقْهِ: أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أَنْ تَخْذُلَهُ ذُنُوبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَاتِمَةِ الْحُسْنَى".

    واسمع معي لهذه القِصَّةِ .. وماذا قالَ بعدَها الذي لا ينطقُ عن الهوى .. عَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ، فَقَالَ: "إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ"، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".


    إذاً يا عبدَ اللهِ ليسَ العِبرةُ بما يبدو للنَّاسِ .. وإنما العِبرةُ بما يكونُ بينَ العبدِ وبينَ ربِّه .. فلا تَغتَّرَ بعملِك الذي يراهُ كلُّ بصيرٍ.. ولكن فتِّشْ قلبَك الذي هو مكانَ نَظَرِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ.. فإنه سبحانَه سيُخرجُ ما كانَ فيه في آخرِ لحظاتِ عُمُرِك .. وسيُعلمُ حينَها ما الذي كانَ يحملُه قلبُكَ .. (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].


    قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ" .. فَهَذا قَدْ عَمِلَ الذَّنْبَ فَلَا يَزَالُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، إِنْ قَامَ وَإِنْ قَعَدَ وَإِنْ مَشَى ذَكَرَ ذَنْبَهُ، فَيُحْدِثُ لَهُ انْكِسَارًا، وَتَوْبَةً، وَاسْتِغْفَارًا، وَنَدَمًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ نَجَاتِهِ، وَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ، فَلَا تَزَالُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، إِنْ قَامَ وَإِنْ قَعَدَ وَإِنْ مَشَى، كُلَّمَا ذَكَرَهَا أَوْرَثَتْهُ عُجْبًا وَكِبْرًا وَمِنَّةً، فَتَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهِ، فَيَكُونُ الذَّنْبُ مُوجِبًا لِتَرَتُّبِ طَاعَاتٍ وَحَسَنَاتٍ، وَمُعَامَلَاتٍ قَلْبِيَّةٍ، مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ، وَالْإِطْرَاقِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ خَجَلًا، بَاكِيًا نَادِمًا، مُسْتَغْفِراً رَبَّهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْفَعُ لِلْعَبْدِ مِنْ طَاعَةٍ تُوجِبُ لَهُ صَوْلَةً، وَكِبْرًا، وَازْدِرَاءً بِالنَّاسِ، وَرُؤْيَتَهُمْ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ، وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا فِي القُلُوبِ.

    فلا تحتقرْ عاصياً فقد يُختمْ له بخيرٍ .. وقد يكونُ بينَه وبينَ ربِّه من العباداتِ القَلبيَّةِ ما لم يصلْ إليها الصَّالحونَ.

    كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .. ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ مِصْرَ كُلَّهَا، وَهوَ الذي قَادَ مَعْرَكةَ ذَاتِ الصَّوَارِي، وَقدْ غَزَا إفْرِيقِيَّةَ فَفَتَحَ كَثِيراً مِنْ مُدْنِهَا، عَنْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ وَهُوَ بِالرَّمْلَةِ، وَكَانَ خَرَجَ إِلَيْهَا فَارًّا مِنَ الْفِتْنَةِ، فَجَعَلَ يَقُولُ مِنَ اللَّيْلِ: آصْبَحْتُمْ؟، فَيَقُولُونَ: لَا .. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ، قَالَ: يَا هِشَامُ، إِنِّي لَأَجِدُ بَرْدَ الصُّبْحِ فَانْظُرْ .. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَاتِمَةَ عَمَلِي الصُّبْحَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَقَرَأَ فِي الْأَوْلَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَالْعَادِيَّاتِ، وَفِي الْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَذَهَبَ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ فَقُبِضَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

    سبحانَ الغفورِ الرَّحمنِ .. أحوالٌ وأزمانٌ .. من الكُفرِ إلى الإيمانِ إلى الكُفرِ إلى الإيمانِ .. ثُمَّ تفيضُ روحُه الطَّاهرةُ في أعظمِ العباداتِ .. وأفضلِ الطَّاعاتِ .. وهو بينَ يَديِّ ربِّ الأرضِ والسمواتِ.

    أبو سُفيانَ بنُ حربٍ كان رَأْسُ قُرَيْشٍ وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ .. أَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ غَزوَةِ أُحُدٍ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُجِيبُوهُ"، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟، قَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ"، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجِيبُوهُ"، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟، قَالَ: "قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ"، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجِيبُوهُ"، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟، قَالَ: "قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ"، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ.

    ثُمَّ أَسْلَمَ أبو سُفيانَ يَومَ الفَتْحِ وَحَسُنَ إسلامُه .. وَذَكَرَ ابنُ إسْحَاقَ أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَّههُ إلى مَنَاةٍ فَهَدَمَها .. رُميَ يَومَ الطَّائفِ فَفُقِئتْ عَيْنُه فَأتَى النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ عَيْنِي قَدْ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ فَرُدَّتْ عَلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ فَالْجَنَّةُ"، قَالَ: بَلْ الْجَنَّةُ.

    عَنْ ابْنِ شِهَابٍ -رَحِمَهُ اللهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى بَعْضِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ فَلَقِيَ ذَا الْخِمَارِ مُرْتَدًّا، فَقَاتَلَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ فِي الرِّدَّةِ وَجَاهَدَ عَنِ الدِّينِ .

    عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَقَدْتُ الأَصْوَاتَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَقْتَتِلُونَ وَالرُّومُ، إِلا رَجُلٌ يَقُولُ: "يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ"، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَنْ هُوَ، فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ.

    فسبحانَ اللهِ .. من عدوٍ للهِ -تعالى- ورسولِه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وقائدٍ للمشركينَ .. إلى صحابيٍّ جليلٍ ومجاهدٍ في صفوفِ المُسلمينَ .. ثُمَّ يموتُ وهو أبٌّ لأمِّ المؤمنينَ أمِّ حبيبةٍ وأميرِ المؤمنينَ معاويةَ .. فرضيَ اللهُ عنهم وأرضاهُم.

    عَنْ عَائِشَةَ -رضيَ اللهُ عَنها- قَالَتْ: دَعَوَاتٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ ؟ فَقَالَ: "إِنَّ قَلْبَ الآْدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ".

    بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ وَتَقَبَّلَ مِنِّي وَمِنْكُمْ تِلاوَتَهُ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيْمَ لِيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الُمْسِلِمْينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ فَيَا فَوْزَ المُسْتَغْفِرِيْنَ وَيَا نَجَاةَ التَّائِبِيْنَ.


    الخطبة الثانية:

    الحَمْدُ للهِ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ ..

    أَمَّا بَعْدُ: فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَعَمِدُ يَا عُمَرُ؟، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا.

    وها هو عمرُ نفسُه يمشي مع النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي .. فَقَالَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ" .. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِي .. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الآنَ يَا عُمَرُ" .. ثُمَّ يموتُ شهيداً في محرابِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-.. فسبحانَ مُقلبِ القُلوبِ.

    يا عبدَ اللهِ .. راجعْ علاقتَك مع اللهِ -تعالى- .. فإن خاتمتَك على ما كانَ في قلبِك .. فإن صدقتَ مع اللهِ عزَّ وجلَّ أنجاكَ .. وإن لجأتَ إليه آواكَ .. كلُّ شيءٍ تخافُ منه تفرُّ منه إلا اللهَ .. فإنكَ إذا خِفتَ منه فررتَ إليه .. (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الذاريات: 56].. وذلك لأنه لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه ..


    فواللهِ لا يعلمُ اللهُ -تعالى- من عبدٍ خيراً إلا وفَّقَه وختمَ بالصَّالحاتِ عملَه .. إن كنتَ قد أحسنتَ فَزِدْ .. وإن كنتَ قد أسأتَ فَعُدْ .. واسألِ السَّلامةَ من ربٍّ كريمٍ .. فإنما الأعمالُ بالخواتيمِ.


    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ".

    اللَّهُمَّ اخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَبِالسَّعَادَةِ آجَالَنَا .. اللَّهُمَّ اشْغَلْ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا بِذِكْرِكَ، وَأَبْدَانِنَا بِطَاعَتِكَ .. اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّه إِلَيْنَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْـلِمِينَ، وَأَحْينَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغْنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.

    اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّاتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمْنَا .. اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العّفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.

    الشيخ هلال الهاجرى جزاه الله خير






  2. #2
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    الله يختم لنا شهرنا بالقبول والغفران والعتق من النيران .. ويختم لنا بخير ووالدينا والمسلمين ..

    جزيت الجنة ياغاليه على هذا الانتقاء القيم والموفق ,, والشيخ الكريم ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


  3. #3
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24
    اللهم آميين
    تقبل اللهم منا ومنك ومن كل المسلمين صالح الأعمال
    جزاك الله الجنة ومن تحبين يالغالية


  4. #4
    عضوة قمة
    تاريخ التسجيل
    Jul 2013
    المشاركات
    142
    معدل تقييم المستوى
    11
    بارك الله فيك واسعدك في الدارين

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الكواكب النيرات بشرح حديث إنما الأعمال بالنيات
    بواسطة ملامح يوسفية في المنتدى فداك يارسول الله ,5
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 15-12-2016, 04:26 PM
  2. إنما الأعمال بالنيات
    بواسطة ام سارة** في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-10-2014, 12:58 PM
  3. شرح حديث إنما الأعمال بالنيات الشيخ عائض القرني
    بواسطة ياقلبي ثق بالله في المنتدى الصوتيات ,قنوات , القرآن
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-08-2012, 05:27 PM
  4. الكواكب النيرات بشرح حديث إنما الأعمال بالنيات
    بواسطة ملامح يوسفية في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 25-01-2012, 08:42 AM
  5. فوائد من حديث " إنما الأعمال بالنيات"
    بواسطة * أمة الرحمن * في المنتدى منتديات اسلامية,( على منهج أهل السنة والجماعة)
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 13-04-2008, 03:09 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |