مصعـب بـن عميـر أول سفـراء الإسـلام ( الشهيـد البطـل)
================================
هذه سيرة عَلَم من أعلام هذه الأمة،
وبطل من أبطالها صحابي جليل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -،
نقتبس من سيرته العطرة الدروس والعبر.
مصعب بن عمير، ذلكم الشاب التقي الداعية المجاهد الذي نور الله قلبه،
فأسلم طائعا وهاجر معلما وداعيا، ومات مجاهدا شهيدا.
كان في صغره وقبل إسلامه شابا غنيا جميلاً مدللاً منعماً، حسن الوجه يلبس أحسن الثياب وأغلاها،
يعرفه أهل مكة بعطره الذي يفوح منه دائما، وأبواه كانا من أغنى أغنياء مكة، يحبانه حبا عظيما،
ولا يردا له طلبا، بل رغباته وطلباته كلها مستجابة ومنفذة.
مصعب لم يمنعه ذلك النعيم من أن يدخل في دين الله، فآثر ما عند الله، آثر الآخرة ليحظى بنعيمها،
ودخل في دين الله طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام ممن شهد بدراً وأحداً،
وكان حامل اللواء فيها، وممن هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة،
أسلم على يديه العشرات،
وكان أول سفير في الإسلام، وأول داعية إلى الإسلام
ويقال: إنه أول من صلى الجمعة في المدينة.
إنه الشهيد البطل مصعب بن عمير بن هشام البدري القرشي العبدري،
قال ابن سعد في طبقاته: لما بلغ مصعب بن عمير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم، دخل عليه فأسلم وصدَّق به،
وخرج فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، وكان يأتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراً،
وقد أسلم في السنوات الثلاث الأولى من الدعوة قبل أن يصدع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة،
لكن الواشين من المشركين ـ لما علموا بإسلامه ـ سارعوا إلى الوشاية به عند أمه وقومه،
قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ ، النساء :89
فغضبوا عليه وحبسوه وأوثقوه، فلم يزل محبوساً حتى فرَّ بدينه وهاجر إلى الحبشة .
كان مصعب بن عمير فتى مكة المدلل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة،
تكسوه أحسن الثياب، وأجمل اللباس، وكان أعطر أهل مكة، فلما أسلم انخلع من ذلك كله،
وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه، وأنهك جسمه،
روى البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال:
شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة،
قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال:
«كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه، فيجاءُ بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين،
وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب،
وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت،
لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» .
قال ابن إسحاق: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير - رضي الله عنه -
مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى يفقه أهلها ويقرئهم القرآن،
فكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ،
يقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة، وأسلم على يده أسيد بن حضير وسعد بن معاذ،
وهما سيدا قومهما وكفى بذلك فخراً وأثراً في الإسلام .اهـ.
وروى البخاري في صحيحه من حديث البراء - رضي الله عنه - قال:
أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس،
فقدم بلال وسعد وعمارُ بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -،
ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فما قدم حتى قرأت ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ في سورٍ من المفصل.
ولما وقعت معركة أحد في العام الثالث من الهجرة النبوية، شارك فيها مصعب بن عمير مشاركة الأبطال،
وأبلى فيها بلاء المؤمنين الصابرين، وحمّله المصطفى صلى الله عليه وسلم راية المسلمين،
وثبت مصعب بن عمير مع القلة المؤمنة التي أحاطت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
ودافعت المشركين عنه لما تخلخلت صفوف المسلمين، وأصبحت الجولة للمشركين،
وبقي اللواء في يد مصعب بن عمير يمسكه بقوة وثبات ويدافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،
وتدافع المشركون نحو اللواء، وأقبل ابن قمئة - عليه من الله ما يستحق -
فشد على مصعب بن عمير فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد قول الحق سبحانه:
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ ، آل عمران : 144
ثم أخذ اللواء بيده اليسرى حتى لا يقع، فضرب ابن قمئة يده اليسرى فقطعها،
فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه إلى صدره،
ووقع مصعب بن عمير شهيداً مضرَّجاً بدمائه، قال تعالى:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ . الأحزاب : 23
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي وائل قال: عدنا خباباً فقال:
هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله،
فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة،
فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه،
فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئاً من إذخر،
ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُهَا .
فارق مصعب بن عمير الدنيا شهيداً لم يخلف وراءه شيئاً من متاع الدنيا،
ترك المال والجاه والنعيم، وآثر ما عند الله،
قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ ؛ النحل :96
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة وأبي الدهماء رضي الله عنهما
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل، إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه » .
رضي الله عن مصعب، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء،
وجمعنا به في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
آميــن
منقول
مواقع النشر