أدم عليه الســـلام

يقول الله سبحانه وتعالى ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنسَ إلا لِيِعْبُدوُنِ ( {الذاريات 56 }الله سبحانه وتعالى لماذا خلقنا لماذا خلق آدم أبونا عليه السلام لماذا خلقنا لنعبده وهو عز وجل غني عن عبادتنا نحن الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد لا يحتاج لذلك لكنه سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلا فأحب أن تظهر أثار أسماءه وأن تظهر أثار رحمته وأثار قدرته وأثار حكمته وأثار جبروته فلذلك خلق الخلق ليرحم وخلق الخلق ليظهر عليه حكمته وجبروته وقدرته لتظهر خلق الخلق وهو غني عن الخلق عز وجل ، ونبدأ القصة في خلق آدم ، قبل خلق آدم في حوار سماوي عظيم بين الرب سبحانه وتعالى والملائكة عليهم السلام)وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة( {البقرة 29 } خليفة ينتج يترك وراءه خلفاء خليفة تلو خليفة و الخليفة النائب ، أبو بكر خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم يعني ناب عنه بعد وفاته ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى فالله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل خليفة يحكم الأرض ويعمر الأرض ) هو أنشأكم من الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا( {هود60} لتعمروها يريد هذه الأرض أن تعمر والجن أقل شأنا وأقل عقلا من أن يعمروا الأرض يقول العلماء عن الجن أعقلهم بعقل صبي بعشر سنين ما عندهم القدرة و العقل على أن يبنوا الأرض ، أما الإنسان فالله سبحانه وتعالى خلقه في أحسن تقويم ، صوره سبحانه أحسن الصور و نفخ فيه من روحه فسألته الملائكة )قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون[ {البقرة 29 } كيف عرفت الملائكة أن آدم و ذريته يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ما قالوا هذا على الاعتراض كلا حاشاهم الملائكة لا تعصي الله عز وجل عباد مكرمون لا يعصون ربهم ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وإنما قالوها على وجه الاستفسار ، يسألون بعدما رأوا من صنع الجن في الأرض ، الله سبحانه وتعالى خلق الجن وأعطاهم التخيير ففسدوا وفسقوا في الأرض والآن يستخلف خلق أخر في الأرض لعله سيفسد كما أفسد الجن يعني ]أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء( {البقرة 29 } كما فعلها الجن يعني هذا معنى الآية كما فعل الجن فمستغربين وخشوا أن يكونوا قصروا في عبادة الله عز وجل فأرادوا أن يسألوا هل نحن قصرنا حتى تخلق خلقا غيرنا ولذلك جاء في كلامهم و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك يعني هل نحن قصرنا في تسبيحنا أو تقديسنا حتى تخلق غيرنا إذا السؤال من جانبين هل ستخلق خلقا يفسدون في الأرض كما فعل الجن وهل نحن قصرنا حتى تخلق خلقا غيرنا فهذا معنى الآيات الله سبحانه وتعالى رد عليهم قال ]إني أعلم ما لا تعلمون[ {البقرة 29 } هنا تحدث الملائكة بينهم فقالوا : ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا إلا كنا أكرم على الله منه و أعلم يعني هم يروون الخلائق ، السماوات و الأرض و الجبال و المخلوقات و الرياح و الجن و الدواب رأوا كل شيء و يعلمون أنهم هم الوحيد ون الذين يسبحون الله تعالى لا يفطرون ويفعلون ما يؤمرون ويتحملون التكاليف من الله سبحانه وتعالى و ينفذون أمره في السماوات والأرض وهم أكرم الخلق عند الله عز وجل فقالوا لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم على الله منه و أعلم ، هم أكرم الخلائق وأعلم الخلائق عند الله سبحانه وتعالى .
ولما أراد الله أن يخلق آدم أمر بتربة من الأرض فرفعت إلى الله عز وجل ، في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد و الترمذي و ابن حبان وغيرهم أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض و جاءت أحاديث أخرى تقول أنه رفعت إلى الله عز وجل قبضة قبضتها الملائكة و رفعت إلى الله سبحانه وتعالى إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض و الأحمر و الأسود وبين ذلك و الخبيث و الطيب و السهل و الحزن السهل يعني ذو طباعة رقيقة و الحزن الصعب الذي طباعه جافة و شديدة أو بين ذلك اختلاف البشر في أشكاله و ألوانه و طبائعه هو من أصل اختلاف الأرض بألوانها و طبائعها وخلقتها ، هذا الخلق بدأ بهذا التراب ثم بل التراب فجعل طين و لذلك جاءت الآيات أنه من تراب و جاءت الآيات أنه من طين فالبداية واضحة أنه من قبضة تراب وبل التراب فجعل طين ]إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين[{ص 70 } طين: تراب مبلل ثم بلت الطين أكثر فبدأ التراب هذا الطين بدأ يتلاصق )من طين لازب( {الصافات 11} من طين لازب متلاصق يلصق بعضه ببعض ثم شكله الله سبحانه و تعالى بيديه الكريمتين عز وجل وجاء هذا في الآية )لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ[{ص 74} الله سبحانه و تعالى ما وكل خلقه إلى الملائكة وإنما خلقه صوره عز وجل بيديه فشكله في صورة تمثال ، إنسان تمثال ، وترك هذا الطين مدة حتى جف فصار صلصالا أسودا مصور كالفخار ، الفخار التي تصنع منه الجرار فهذا أصله تراب ، طين ثم جف فكان طينا ثم صار طينا لازبا ثم صار جسما مصورا تمثالا ثم ترك حتى صار صلصالا واسود لونه مع جفافه اسود لونه فصار كالحمأ . الحمأ سواد فيه سواد مسنون كأن فيه أثار الرماد مسنون نحن نسميه أثار الرماد الأسود يقول الله سبحانه و تعالى ]ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون[{الحجر 26} إذا ما كان تناقض الآيات آية تقول تراب آية تقول طين آية تقول طين لازب آية تقول من صلصال آية تقول حمأ مسنون كلها صريحة لأنه تسلسل صنعه بهذه الطريقة يقول الله سبحانه و تعالى]ولقد خلقناكم ثم صورناكم( {الأعراف 10} ويقول عز من قائل]ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون و الجان خلقناه من قبل من نار السموم( {الحجر 26 -27} وجاءت الآيات تشير إلى هذا )أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيْنًا( {الإسراء 61} وفي آية أخرى )من صلصال كالفخار( {الرحمن 12} الفخار هو الصلصال الذي جف وصار كالفخار الذي تصنع منه الجرار و كان هذا في أخر ساعة من ساعات يوم الجمعة وهذه من أيام الله عز وجل ليست من أيامنا من أيام الله عز وجل التي حساباتها تختلف عن حساباتنا . أما شكل هذا التمثال لما خلق ، فجاءت الأحاديث يرويها البخاري و الإمام أحمد خلق الله آدم و طوله ستون ذراعا 60 متر طول يقول النبي صلى الله عليه و سلم فمازال الخلق ينقصون منذ ذاك. منذ ذاك الزمان و البشر قامتهم تقصر كلما جاء جيل يكون أقصر من الجيل الذي وراءه ، فأول الخلق و أطول الخلق هو آدم عليه السلام 60 ذراعا في السماء ، و أهل الجنة كلهم بطول أدم يدخلون الجنة بهذا الطول ، و جاء في حديث يرويه الإمام أحمد و تفرد به أن الرسول صلى الله عليه و سلم وصف طول آدم بأنه ستون ذراعا و عرضه سبعة أذرع ، سبعة أذرع : سبعة أمتار ، إذا مخلوق ضخم كبير عملاق 60 متر في سبعة أمتار .
جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه و الإمام أحمد في مسنده و غيرهما أنه لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم شكله ما نفخ فيه الروح تركه مدة قائم هكذا في الحديث لما خلق آدم تركه ما شاء أن يدعه فجعل إبليس يطوف به ، بدأ إبليس يدور عليه متعجبا به فلما رآه أجوف ، رأى أنه مفتوح من الداخل ، خلق الله سبحانه وتعالى خلقه حتى بشكله الداخلي ، لما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك و في هذا إشارة إلى أن الجن ليس فيهم جوف كالإنس وإنما الإنس هم الذين فيهم من داخلهم مجوف و عرف أنه خلق لا يتمالك يعني ليس به قوة فارغ من الداخل ثم أن الله سبحانه وتعالى لما خلقه بهذه الصورة فصلت لنا الأحاديث ما فعل معه إبليس .
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما يرويه الطبري يقول ابن عباس أمر الله تعالى بتربة آدم فرفعت فخلق آدم من طين لازب من حمأ مسنون وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب فخلق آدم منه بيديه فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى ما فيه روح فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل ، لما يضرب أحد الجرة أو الفخار يطلع صوت ، صوت صلصال فيصلصل فيصوت فهو قول الله تعالى ]من صلصال كالفخار[ {الرحمن 12} و مرت الملائكة بآدم قبل دبيب الروح وهو ملقى صلصالا ففزعوا منه لما رأوه و كان أشد من فزع إبليس فكان يمر به ، يمر على آدم فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار فتكون له صلصلة فيقو إبليس لأمر ما خلقت ثم يدخل من فيه و يخرج من دبره ، يدخل بداخله و يخرج فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا لأن سلطت عليه لأهلكنه ولأن سلط علي لأعصينه ومن أولها وقعت العداوة عنده ضد آدم عليه السلام .
ثم نفخ الله تعالى الروح في آدم ، جاءت في ذلك الآيات الكريمات ]فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين[ {ص 71}{الحجر 29} نفخ الله تعالى في آدم من روحه عز وجل ، في آية أخرى ]إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون[ {أل عمران 58} فخلقه من تراب خلقه بيديه و نفخ فيه الروح وجاء في الحديث عن تفصيل نفخ الروح في آدم عليه السلام لما نفخ فيه الروح و دخل الروح في رأسه وصلت الروح في البداية إلى رأسه فعطس عليه السلام فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله عز وجل رحمك ربك فمن أول شيء قبل أن تكتمل الروح فيه نزلت عليه الرحمة من الله سبحانه وتعالى فلما دخل الروح في عينيه و نظر إلى ثمار الجنة بدأ يتأمل في الثمار فلما وصلت الروح إلى جوفه اشتهى الطعام قبل ما تصل الروح إلى رجليه اشتهى الطعام فوثب يريد أن يأخذ الطعام قبل وصول الروح إلى رجليه فذلك قول الله تعالى ] خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ[ {الأنبياء 37} لأننا نستعجل الأمور ، قبل ما تنفخ فيه الروح في رجله يريد أن يقفز إلى الثمار فلما خلقه الله سبحانه و تعالى مسح على ظهره فخرج من ظهره ذريته إلى يوم القيامة ، كل ذرية آدم خرجوا جاء هذا في أحاديث صحاح وفي آيات كريمات عن مسلم بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إن كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون [{الأعراف 173} سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الآيات قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن الله خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه واستخرج منه ذريته فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون وخلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول فما العمل إذا كان الأمر مقضي من ذلك الزمان لماذا نعمل ونتعب فقال إن الله تبارك وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من عمل أهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من عمل أهل النار فيدخله النار كل ميسر لما خلق له في النهاية الإنسان مختار وكل ميسر لما خلق له وهذا من معاني القدر العميقة وتفصيلها شرحته في شريط أخر في قضية القضاء والقدر . لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم وبث فيه الروح أمر الملائكة وكان إبليس من الجن الصالحين لم يعصي الله فرفعه الله سبحانه وتعالى وجعله مع الملائكة وما كان من الملائكة أبدا لكنه كان في السماء إكراما لطاعته ما عصى الله قط ، أبدا لم يعصي الله فرفعه الله تعالى في منزلة الملائكة و لم يكن من الملائكة ، وأمر الملائكة بالسجود وأيضا أمر معهم إبليس ، فالأمر لم يكن فقط للملائكة وإنما أيضا كان لإبليس كما جاءت الآيات الصريحة أن إبليس جاءه أمر محدد بالسجود يقول الله سبحانه وتعالى ] ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك[{الأعراف 10-11} فالأمر أيضا جاء لإبليس ]قال أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين قال فاهبط منها [ {الأعراف 11-12} الآن بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس لما عصى وغوى واستكبر فالله سبحانه وتعالى عاتبه بأن أخرجه من الجنة )قال فاهبط منها( {الأعراف 12}يعني من الجنة )فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين[ {الأعراف 12} من الأذلاء كيف تتكبر على أمر الله قال إبليس )قال أنظرني [{الأعراف 13}يعني أخرني أجلني ]إلى يوم يبعثون[{الأعراف 13} يعني أعطيني مهلة إلى يوم القيامة أعطيني من طول العمر إلى أن أبقى إلى يوم القيامة لا أموت ]قال إنك من المنظرين[{الأعراف 14} أعطاه الله سبحانه وتعالى الإذن بطول العمر أن يبقى إلى يوم القيامة فلما اطمئن إلى ذلك ]قال فبما أغويتني[ {الأعراف 15} يعني بهذا البلاء الذي ابتليتني به وضللت به )لأقعدن لهم صراطك المستقيم[ {الأعراف 15} سأجلس لبني آدم في كل طريق مستقيم)ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين[{الأعراف 16} فرد عليه الرب عز وجل )قال اخرج منها مذؤوما مدحورا[{الأعراف 17} ذليل مهزوم ]لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين( {الأعراف 17} كل من يتبعك من بني آدم سيستحق النار ، وجاء تفصيل ذلك في آيات أخرى منها قول الله سبحانه وتعالى )منها خلقناكم وفيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى[ {طه 54} وقال تعالى )ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون و الجان خلقناه من قبل من نار السموم وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب فبما أغويتني لأٌزَيِّنَنَّ لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين[ {الحجر 26 -43} وقال تعالى يصف هذا المشهد ]وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي [ {الإسراء 62} هذا آدم الذي فضلته علي ]لأن أخرتني إلى يوم القيامة[{الإسراء 62} لو تعطيني مهلة إلى يوم القيامة)لأَحْتَنِكَنَّ ذريته إلا قليلا[ {الإسراء 62} أظل كل ذرية آدم إلا القليل منهم فقال له الله عز وجل)قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءا موفورا واسْتَفْزِزْ من استطعت منهم بصوتك وأَجْلِبْ عليهم[ {الإسراء 63-64} مثل أحدهم ينادي بالصوت ويستفز الناس ينادي يا جماعة بالصوت هذا الاستفزاز بالصوت يعني نادي جماعتك ]وأجلب عليهم بخيلك ورَجْلِكَ[ {الإسراء 64} يعني هاجمهم بالجيوش على الخيول و الجيوش التي تمشي يعني استعمل معهم كل أسلحتك هذا معنى الآيات كل ما عندك من أسلحة استعملها)وشاركهم في الأموال و الأولاد [ {الإسراء 64} ولذلك من السنة الإنسان عندما يأتي أهله يذكر الله سبحانه وتعالى حتى لا يشاركه الجن ومن السنة أن يذكر الله عند الطعام حتى لا يشاركه في الطعام ]وشاركهم في الأموال و الأولاد وعدهم[ {الإسراء 64} زين لهم غني لهم أعطيهم الأغاني ]وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا[ {الإسراء 65} إذا آيات كثيرات توضح المعصية الأولى لله عز وجل ، أول من عصى الله سبحانه وتعالى كان إبليس بهذه الصورة المعصية المباشرة لله عز وجل يرد على الله عز وجل مباشرة فسماه الله سبحانه وتعالى من الكافرين ، الكافر هو الذي يجحد النعمة ، الله سبحانه وتعالى أنعم عليه ورفعه إلى السماء وهو يجحد النعمة فقال: ً وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ً أول المعاصي التكبر ولذلك قال العلماء كل المعاصي أصلها الكبر الغرور ولذلك جاءت الأحاديث بالإنذار الشديد على قضية الكبر ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) وجاءت الأحاديث بالنهي عن إسدال الثوب تكبرا ( لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ) الذي يتفاخر بثوب ، يتفاخر ببيت يتكبر على الناس أنه من قبيلة كذا هذا أصل المعاصي ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الصحابة الكرام أحدهم ينادي بالأنصار و الأخر ينادي بالمهاجرين قال ( دعوها فإنها نتنة ) فالعصبية و القبلية و التفاخر على الناس أصل المعاصي ، فلا تكبر على موظف أو على خادم أو على مسكين ، أول ما عصي الله سبحانه وتعالى بالتكبر .هكذا خلق آدم هكذا كانت بدايته وخلق عالما ما كان جاهلا كما الآن يدرسون لنا أن الإنسان كان جاهلا ثم بدء يتجول في الأرض ويتعلم كذا وبدء يتعلم اللغة ويتعلم كيف يستعمل النار هذا كلام خاطئ هذا خلط في التاريخ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان عالما أعلم من الملائكة جاء ذلك في آيات كريمات وأحاديث شريفة تبين بداية آدم وعلم آدم .
لما وقف آدم لما نفخ فيه الروح وصلت الروح إلى رجله وقف، قال له الله تعالى أتي أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم وكانت اللغة التي يستعملها آدم هي اللغة العربية نعم لغة الملائكة لغة أهل الجنة اللغة العربية ، فذهب إليهم وقال السلام عليكم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله فقال له الله عز وجل هذه تحيتك وتحية و ذريتك بينهم ]وعلم آدم الأسماء كلها[{البقرة 30}من أول يوم من أول خلقه علمه كل الأسماء ، تحدث المفسرون في هذه القضية ما هي الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم والرأي الراجح فيها هو رأي ابن عباس أنه علمه اسم كل شيء هذه دابة هذا بحر هذا طير هكذا هذا المثال يذكره ابن عباس هذه دابة هذا بحر هذا طير هذه شجرة هذا جبل كل شيء في السماوات والأرض كل شيء يعلم اسمه أي علم هذا ، هل يوجد إنسان اليوم يعلم اسم كل شيء لا يوجد آدم يعرف اسم كل شيء وعلمه الله سبحانه وتعالى صنعة كل شيء الصناعة الأولى صنعة النار وصنعة الحديد وصنعة الخشب صنعة كل شيء علم عظيم ، الله سبحانه وتعالى رفعه ليس بالشكل والخلق وإنما العقل والحلم) وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة[ {البقرة 30} بدء الله سبحانه وتعالى يعرض المخلوقات)فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين[{البقرة 30} صادقين ما هي علاقة صادقين الموضوع ، تذكرون لما خلق الله آدم ماذا قالت الملائكة قالوا ليخلق الله تعالى ما يشاء فوا الله لن يخلق خلقا إلا كنا أكرم على الله منه و أعلم فبين لهم أن آدم أكرم منهم وأعلم ، أكرم منهم لما أمرهم بالسجود له هذا سجود تكريم وليس سجود عبادة والسجود التكريم كان جائزا ثم صار حراما ولذلك يعقوب عليه وزوجته وأبناؤه سجدوا ليوسف )وخروا له سجدا[ {يوسف 100} سجود تكريم فسجود التكريم كان جائزا أما في فرعنا فهو حرام فالملائكة أيضا سجدت سجود تكريم لآدم ، إذا من أكرم ، والآن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبين لهم أن أدم ليس فقط أكرم منهم وإنما أعلم منهم فإن كنتم صادقين في قولكم ليخلق الله تعالى ما يشاء فوا الله لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم على الله منه و أعلم ً أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فقالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم ً فبدء أدم يسمي كل شيء ، كل شيء يعرض عليه فما يخطئ ً فلما أنبئهم بأسمائهم ً نبئهم باسم كل شيء)فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون[{البقرة 32}ماذا كانوا يكتمون ، يكتمون قولتهم والله لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم على الله منه و أعلم هذا الكلام الذي كانوا يكتمونه فالله سبحانه وتعالى قال: هذا الكلام الذي كنتم تكتمونه بينته لكم فهذا سر التعليق .
لاحظوا عندما نقرأ في القصص ونقرأ في السير نبدأ نفهم القرآن ، لا تفهم القرآن إلا إذا فهمت أسباب نزوله وهذه المعاني تجلت في هذه الآيات .
ثم إن الله سبحانه وتعالى خلق حواء عليها السلام ، لم تخلق فورا عاش أدم فترة في الجنة لكنه عاش وحيدا فاستوحش كما جاء في الأحاديث استوحش فأصابه الضجر ، في أحد الأيام بينما هو نائم أخذ الله سبحانه و تعالى ضلعا من أضلاعه من جهة اليسار فشكل منه حواء وكسا هذا العظم لحما يقول الله سبحانه و تعالى ]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة[ {النساء 1} كلكم خلقتم من أدم ]وخلق منها زوجها[ {النساء 1} فأدم خلقت منه حواء ، إذا لم تخلق خلقا منفصل خلقت من أدم فلما استيقظ أدم عليه السلام وجد امرأة قائمة عنده فسألها من أنت قالت امرأة قال لماذا خلقت قالت لتسكن إلي ، سكن أنس ، خلقها الله سبحانه و تعالى لأجل ذلك . فالملائكة شاهدوا هذه المرأة تحدث أدم فسألوه مخلوق جديد لا يوجد مثله في المخلوقات المعروفة وأرادوا أن يختبروه قالوا ما اسمها أنت تعرف أسماء كل شيء فما اسمها قال حواء علمه الله سبحانه و تعالى اسمها قالوا لماذا سميت حواء قال لأنها خلقت من شيء حي ، خلقت من أدم وهو حي فسميت حواء وجاء في صحيح مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فإذا شهد أمر فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج . يعني في طبائع النساء اعوجاج أحيانا عواطف تحكمهن ليس العقل يحكمهن ، يحكمهن العواطف فإن تصر عليها ستكسرها وإن تركتها ستبقى فيها هذه العاطفة التي يجب أن تتحملها ، لذلك ختم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وقال استوصوا بالنساء خيرا ،لا تجبروها على غير طبيعتها فخذوها بالرفق واللين .