الجزء الثاني عشر



نزلت السلم في هدوء و الدرجات الخشبية تصر تحت خطواتها... ابتسمت حين تناهى إليها صوت الخالة مريم و هي تحاور أمين و تجاريه في دعاباته فتترك العنان من حين لآخر لضحكتها الجافة، الناتجة عن حبال صوتية مهترئة، مرت عليها السنون... خطت باتجاه المطبخ، ألقت السلام، ثم اتخذت مجلسا في طرف المائدة. كان أمين قد سبقها في الاستيقاظ و جلس يتناول فطوره. قدم إليها قدحا من القهوة و على شفتيه ابتسامة وديعة... أضافت السكر و أطرقت في انسجام مع حركة الملعقة التي أخذت تدفعها في حركة لولبية بطيئة... كانت العجوز تقف غير بعيد منهما، في الجانب الآخر من المطبخ و قد انهمكت في تحضير العجين...


رفعت ليلى عينيها عن فنجانها، فاصطدمت بنظرات أمين الذي كان يتأملها في صمت. حولت عينيها عنه محاولة التشاغل. التفتت إلى المربية و هتفت :
ـ خالتي... ماذا تعجنين؟

غمست مريم يدها في وعاء الطحين و أخذت منه قدرا يسيرا لتزيد عجينتها تماسكا، و قالت دون أن ترفع رأسها :
ـ كعكة بالفراولة... ستحبينها كثيرا...

رفعت ليلى حاجبيها في دهشة :
ـ فراولة؟ أين تجدينها في مثل هذا الوقت من السنة؟

التفتت العجوز و غمزت ليلى في مرح :
ـ في ثلاجتي! احتفظت بقدر منها في الموسم الماضي... حتى أصنع الكعكة في أي وقت من السنة!

ابتسمت ليلى و هي ترفع فنجانها إلى شفتيها. كان أمين يشيح بوجهه هذه المرة، يتطلع إلى الخارج من خلال الباب الخلفي نصف المفتوح، و قد أخذت ساقه تهتز في توتر...

ـ أمين... هل كل شيء على ما يرام؟

التفت إليها في ارتباك...
ـ هه...

وضعت الفنجان على المائدة و عقدت ذراعيها أمام صدرها.
ـ هل هي مشكلة مع خالي نبيل؟

ارتسمت على شفتيه ابتسامة فاترة و هز رأسه نافيا :
ـ لا... أبدا... ليس الأمر كذلك...

رنت إليه في اهتمام و هي تسأله بصوت خفيض :
ـ لكنك غادرت القصر منذ يومين... دون أن تخبر أحدا عن مكان تواجدك... ثم تظهر فجأة في ظلمة الليل، أمام المنزل الريفي... هل كنت تنوي قضاء الليلة في الخارج؟

استرخى في مقعده و هو يقول في تهكم :
ـ و هل لاحظ والدي العزيز غيابي، أو تساءل إن كنت بخير أم لا!

ـ أمين ما الذي تقوله؟

لوح بيده في استهانة و هو يشيح بوجهه عنها :
ـ على أية حال، لقد تعودت على الوضع... أن أعيش على هامش الحياة... و لا أحد يهتم...

نظرت إليه في حيرة، ثم أردفت :
ـ أمن أجل هذا تركت مسكن العائلة؟

نظر إليها في حدة، كأنها ذكرته بشيء مؤلم بالكاد نسيه أو تناساه، و هتف في غضب يحاول كتمانه :
ـ غادرته لأنني لم أعد أتحمل العيش مع أخي العزيز فراس في مكان واحد!!!

تراجعت ليلى في ذعر من النظرة التي اشتعلت بها عيناه، و لبثت تطالعه في ذهول... غطى أمين وجهه بيديه و تنهد محاولا تمالك نفسه. قالت الخالة مريم، التي وقفت تحضر مواد تزيين كعكتها، بصوت هادئ و حازم :
ـ لم تعد صغيرا يا عزيزي حتى تهرب من المنزل كلما حصل خلاف ما...

كان أمين لا يزال مطرقا... أحست ليلى بأنه يخفي الكثير في صدره، و أحست أيضا بأنه مستعد للكلام، يحتاج إلى الفضفضة، و عليها أن تشجعه حتى تفهم منه بعض ما يحيرها.

ابتسمت ابتسامة هادئة و هي تقول :
ـ من الطبيعي أن تحصل اختلافات بين الإخوة... و مهما كان ما حصل بينك و بين فراس، فأنا أؤكد لك أنك ستنساه بسرعة و تعود المياه إلى مجاريها... صحيح أنني عشت وحيدة، و لم أعرف كيف تكون العلاقة بين الإخوة... لكن لدي صديقات، أتشاجر معهن من وقت إلى آخر، دون أن يفسد ذلك المودة التي بيننا...

هز أمين رأسه في إشفاق و قال هامسا :
ـ أنت لا تفهمين... ما بيني و بين فراس أكبر من المشاكل اليومية التافهة بكثير... و لا أظنني قادرا على التحمل أكثر...

التفتت ليلى في اتجاه الخالة مريم، كانت قد انتهت من تحضير كعكتها و وضعتها في الفرن. تابعتها و هي تسير بخطى بطيئة في اتجاه غرفة تخزين لوازم الطبخ الملاصقة للمطبخ. راقبتها حتى غابت في الداخل، ثم عادت إلى أمين و هتفت في إلحاح :
ـ أخبرني ما الذي حصل، ربما أستطيع إفادتك...

أشاح بوجهه و هو يحاول مقاومة البركان الذي يغلي في صدره و تمتم :
ـ لا فائدة!

ألحت ليلى و هي تنحني إلى الأمام في اهتمام ظاهر :
ـ هل المشكلة كبيرة إلى هذا الحد؟

تنهد تنهيدة عميقة ثم انفجر ساخطا :
ـ منذ صغرنا، كان كل شيء مميز لفراس... الألعاب الجميلة لفراس، الفسحات و الرحلات لفراس... ثم كبرنا، و صارت العبارات التي تتردد على مرأى و مسمع مني كل يوم : فراس متفوق في دراسته... فراس مهذب و لبق... فراس اجتماعي و محبوب... و في المقابل ماذا يقال لي؟ لم تكن توجه إلى إلا كلمات من صنف : أنت فاشل... أنت لا تصلح لشيء... أنت كسول... أنت متهور... تحطيم لمعنوياتي باستمرار... مع أن فراس ليس أفضل مني في شيء! هل كل هذا لأنه يشبه والدتي أكثر مني؟! فوالدي كان يحبها كثيرا، و بعد رحيلها صار يحب كل ما يذكره فيها، و ليس أبلغ من صورة مصغرة منها! أم لأنه ابنهما الأكبر؟! أليس المفروض أن يكون الابن الأصغر هو الابن المدلل؟ لكن أين أنا من هذا الدلال؟!!

ابتسمت ليلى في عطف... أمين يغار من فراس! هل أنت مظلوم حق يا أمين... أم أنك تبالغ في وصف مأساتك؟

قاطع أمين أفكارها، و هو يضيق عينيه في ألم، قائلا :
ـ و لكن ليت الأمر يتوقف عند ذلك الحد...

التفتت إليه في انتباه و في عينيها نظرة تحثه على المتابعة
ـ حتى خطيبتي... أخذها مني!!

عقدت ليلى حاجبيها في عدم استيعاب :
ـ خطيبتك؟!

رفع أمين رأسه و طالعها بنظرة عميقة، كأنه يبحث في وجهها عن شيء ما... و أردف :
ـ نعم خطيبتي... حنان...

تزايدت دهشة ليلى و هتفت في استغراب :
ـ حنان؟ كانت خطيبتك؟!!

ابتسم أمين ابتسامة باهتة و قال بلهجة ساخرة :
ـ كان هذا ما اعتقدته! كنت قد أنهيت دراستي الثانوية حينها... لم أنتظر أن أدخل الجامعة، و قررت أن أخطبها... حنان كانت موافقة... لم يكن هنالك داع حتى إلى أن أسألها، لأننا كنا متفقين منذ زمن... منذ سنوات طويلة... تعاهدنا على الارتباط، و كبرت و أنا أحلم باليوم الذي يجمعنا فيه رباط الزواج... لم تكن أحلامي كبيرة، كنت أريد أن أعتمد على نفسي و أعمل بشهادتي في مجال الهندسة... أعلم أنني لست في مقام فراس، حتى أحصل على عيادة خاصة إبان تخرجي...

كان يبدو على ملامحه الأسى و هو يواصل :
ـ كنت أريدها هي فقط... هل كنت أطلب الكثير؟

كان ينظر إلى وجه ليلى من جديد يبحث عن إجابة في تقاسيمه التي اكتست طابع الحزن و التأثر... سألته و هي تزداد شوقا لمعرفة حقيقة زواج حنان و فراس :
ـ و ما الذي حصل إذن؟

ـ فاتحت عمتي في الموضوع... وافقت... وعدتني بأن تساعدني، لأنها تعلم أن والدي سيعارض لأنني كنت في بداية دراستي الجامعية... طلبت مني أن أنتظر قليلا، و أثبت جديتي بالتركيز على دراستي... كنت سأطير من الفرح... و كذلك كانت حنان... ظننت لوهلة بأنني أوشك على إمساك السعادة بين يدي... و لكن، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن...

بدا أن صور من ذاك اليوم قفزت إلى ذاكرته... سرح بنظراته إلى الفراغ و هو يتابع :
ـ فجأة، و بدون سابق إنذار... يتقدم فراس إلى حنان! عدت يومها من الجامعة مثل العادة... لم تكن حنان تنتظرني في الحديقة في مكاننا المعتاد... بحثت عنها في أماكن أخرى، ثم ذهبت إلى غرفتها... حين طرقت، فتحت عمتي... طلبت مني أن أتبعها لتحدثني بأمر ما... جلست في الصالة و أنا واقف أنتظر كلماتها في لهفة... كم كنت غبيا يومها، حيث توقعت أن يكون لحديثها علاقة بارتباطنا أنا و حنان! كان وجهها متغيرا، و قد برزت عيناها و أحاطت بهما هالات سوداء مخيفة... بدأت بمقدمة طويلة حول النصيب و القدر و ما إلى ذلك... أحسست بأن ما في جعبتها أمر جلل... لكنني لم أتخيل لحظة واحدة... لم أتخيل أبدا أن يكون فراس طلب حنان... و هي وافقت!! كان الأمر أكثر من أن أتحمل... الجميع كان يعرف بعلاقتي بحنان... فراس نفسه كان يعلم بمشاعري نحوها... و حنان، حنان نفسها... كيف وافقت؟!!!

كانت ملامحه تزداد تشنجا مع كل كلمة، معمقة الأخاديد التي حفرتها التجاعيد في جبينه الذي تعود التغضن منذ بضع سنوات... لكنه ما لبث أن أطرق زفرة طويلة. لانت قسماته و استرخى في مقعده... مسح وجهه بكفه، ثم قال بصوت متعب :
ـ بالطبع، كيف لها أن ترفض... فراس شاب مميز... ناجح في حياته و في علاقاته... و فوق كل هذا، معظم ممتلكات آل القاسمي ستؤول إليه في نهاية المطاف! لكن هو... أخي... كيف يغدر بي بتلك الطريقة؟ كان بإمكانه اختيار أية فتاة في البلاد... فلماذا خطيبتي بالذات؟!

لم تكن ليلى تملك الإجابة على تساؤله، فالأمر يبدو غريبا بالفعل...

واصل أمين وهو يصارع ذكرياته :
ـ فراس كان يريد إتمام الزواج في أقرب وقت ممكن... كان حفل الزفاف بسيطا و مضيقا... تم كل شيء بسرعة، ثم سافرا إلى الشقة التي يملكها والدي في لندن... بعد أسبوعين، عادا إلى القصر و سكنا الجناح الخاص في الطابق الأول... لم أكن قد تحدثت إليها طوال تلك المدة... منعوني من رؤيتها، و هي كانت تتحاشاني و تتجاهل اتصالاتي... لم أستطع حضور الزفاف... كان ذلك فوق طاقتي... لكن بلغني أنها بدت حزينة يومها... لم تبد السعادة على أحدهما، هي و فراس... كأنهما يؤديان واجبا اجتماعيا! حين رأيتها للمرة الأولى بعد عودتها من شهر العسل، كان جسمها قد نحف، و وجنتاها غائرتان... لم أستطع أن أتحدث إليها، تركتها و أخذت السيارة و تركت القصر... لكنني ندمت بعد ذلك، كانت في عينيها نظرة رجاء، أو اعتذار... أو ندم... لكنها لم تكن سعيدة، أنا واثق!

سمعت ليلى صوت قرقعة الأواني النحاسية في غرفة الخزن... يبدو أن المربية تبحث عن شيء ما و تجد صعوبة في العثور عليه... لازال أمامها بعض الوقت... التفتت من جديد إلى أمين، تريد أن تفهم معه ما الذي حصل... سألته في حذر :
ـ هل كان فراس يعاملها معاملة سيئة؟

بدا على أمين الاستغراب... لكنه أخذ وقته للتفكير قبل أن يقول في ثقة :
ـ لا أعتقد أن الأمر كان كذلك... كانت معاملته لها عادية... لكنه لم يكن يحبها... و أنا أعلم أن المرأة لا تعيش بدون حب!

ابتسمت ليلى لعبارته الأخيرة و تطلعت إليه في شك :
ـ و من أين لك أن تعلم، إن كان يحبها أم لا؟

انفعل أمين فجأة، وقف من مجلسه و صرخ في احتجاج :
ـ لو كان يحبها لكان ضحى من أجل إسعادها! كان ابتعد عن طريقها و تركها ترتبط بمن تحب!

رمقته ليلى في هدوء و قالت :
ـ بعض الحب يكون أنانيا... تملكيا... هل كنت أنت لتضحي إن كنت مكانه؟

نظر إليها في حيرة و لم ينطق. أطلت الخالة من باب الغرفة و هي تهتف :
ـ أمين؟ ما الذي يحصل؟ لم الصراخ؟

ارتمى أمين على مقعده من جديد، في حين أجابت ليلى مبتسمة :
ـ لا تقلقي خالتي... نحن نتحدث... أمين انفعل قليلا... لكن لا بأس... إنه أهدأ الآن...

اقتربت العجوز و على شفتيها ابتسامة باهتة. نظرت إلى أمين الذي كان متهالكا على كرسيه و قالت :
ـ ألا تمل تكرار هذه القصة؟ ألم يئن لها أن تنسى؟

حدقت فيها ليلى في دهشة. كانت تحاول أن تستدرج أمين دون أن تثير انتباه المربية، لكن يبدو أنها قد سمعت كل ما قيل!

جذبت الخالة مريم كرسيا و جلست إلى جانب ليلى و هي تقول :
ـ أمين يا صغيري... تلك تجربة قد مرت... و ربما كانت حكمة من الله، أن تفقدها حينها، بدل أن تفقدها بعد بضعة شهور من الزواج...

تجاهل أمين مواساتها و هتف في حنق :
ـ أوليس زواجها ذاك هو ما أدى بها إلى تلك النهاية؟ أليست معاناتها الصامتة و ندمها؟ حتى عمتي كانت تحس بخطأ القرار... كانت ترى أمام عينيها شقائي و شقاء ابنتها... تدهورت صحتها بشدة ثم لزمت الفراش حتى توفاها الله...

تجهم وجه المربية و قالت بصوت قاس :
ـ أنت تعلم أن عمتك لم يكن يهمها سوى إضافة ملايين جديدة إلى ملايينها... و كانت تعلم أن فراس فرصة لا تعوض... لذلك يدهشني أن تكون قد ندمت على زواج ابنتها منه!

أحست ليلى بوخزة في صدرها و هي تسمع تلك الكلمات عن والدتها... هل كانت مادية إلى تلك الدرجة؟ لكن لا يبدو أن المادة قد أهدتها السعادة التي توقعتها...

واصلت مريم بصوت أهدأ :
ـ حنان لم تكن زوجة مناسبة لا لك و لا لفراس... كانت تربيتها فاسدة... نجاة دللتها كثيرا، و أنشأتها على حب المادة و قسوة القلب و سوء الخلق... ربما كان رحيلهما أفضل للجميع...

اقشعر جسد ليلى و هي تستمع إلى تلك الكلمات التي أقل ما يقال عنها أنها جارحة. لم تتوقع أن أحدا قد يكره أفراد عائلتها بتلك القوة! وقفت في ارتباك و غادرت المطبخ... وقفت في الشرفة الخارجية... تحس بالاختناق، تحتاج إلى جرعة من الهواء... سمعت أمين و هو يعاتب المربية على تسرعها، ثم أحست بخطواته تقترب. ليس الآن وقت البكاء... تماسكي يا ليلى! مازال هناك المزيد لتعرفيه. تذكرت شيئا، فقالت دون أن تلتفت إليه، تخفي العبرات التي تجمعت في مقلتيها :

ـ أمين... ما الذي جعلك تتذكر كل هذا ليلة حفلة الشواء؟ فقد بدا لي أن كل شيء على ما يرام بينك و بين فراس...

لم يجبها أمين مباشرة... لكنه قال بعد برهة :
ـ علاقتي بفراس لم تعد أبدا إلى ما كانت عليه قبل زواجه... تدهورت العلاقة بعد الزواج... و ساءت الأمور بيننا كثيرا بعد وفاتها... أنا... كنت قاسيا معه... حملته المسؤولية كاملة ، بل... بل اتهمته بقتلها!

استدارت ليلى بقوة و قد أصابها الذهول... كان يقف مرتبكا، مطرقا و نظراته إلى الأرض، واصل قائلا :
ـ فراس أصيب بانهيار عصبي بعدها... ربما كانت اتهاماتي أشد عليه من موتها في حد ذاته... و بعد ذلك... بعد ذلك، فراس لم يعد فراس الذي عرفناه من قبل... أصبح منطويا، عصبيا... حاولت مرارا استفزازه، لكنه بقي يتجاهلني... و في إحدى المرات، انفجر في وجهي غاضبا، و حذرني من الاقتراب منه مجددا... و منذ ذلك الحين لم يخاطبني أبدا... إلى يومنا هذا...

تذكرت ليلى يومها الأول في قصر، حين ذكر أمين اسم حنان أمام فراس... تذكرت كيف ترك قاعة الطعام دون أن ينطق بكلمة... كيف لم تلحظ ذلك من قبل؟ فراس لا يحادث أمين أبدا بالفعل... بل بالكاد يتحدث مع أي كان...

عادت إلى أمين و سألته في اهتمام :
ـ لكنني لم أفهم بعد... ما الذي جعلك تنفعل تلك الليلة و تستعيد كل هذه الذكريات؟

أشاح أمين بوجهه في حرج و بدا عليه الارتباك و هو يضع يده على صدغه و يقول :
ـ أنت السبب...

هتفت ليلى في حيرة :
ـ أنا؟!!

واصل دون أن ينظر إليها و صوته آخذ في التهدج :
ـ أنت تركتني... و ركضت إلى فراس... تماما كما فعلت حنان... تجاهلتني و ذهبت إليه!! ظننت أنني استعدت حياتي و ثقتي بنفسي... بعد... بعد أزمة فراس و انزوائه عن العالم... صارت لي حياة اجتماعية لا يقارنني أحد فيها بفراس... لأن فراس لم يعد فراس! و لكنني اكتشفت أنه لا فائدة... لا فائدة، لأنه ينتصر علي دائما، حتى و هو مريض و محطم!!

قاطعته ليلى في انفعال :
ـ ما الذي تقوله؟ الأمر ليس كذلك أبدا!

تذكرت أنها تركته بالفعل وسط الحفلة حين لمحت فراس عن بعد... ربما كانت قاسية عليه ليلتها... بعد الدرس الأخلاقي الذي قدمته إليه، تجاهلته و ركضت لتكلم فراس... لكن الأمر ليسا إطلاقا بالشكل الذي يظنه! كان يجب أن تسلم فراس المفكرة... و يا ليتها لم تفعل!

أخذت نفسا طويلا و قالت في هدوء :
ـ أمين... بالنسبة إلي، لا فرق بينك و بين فراس... كلاكما ابن خالي، و بالكاد أعرفكما...

قاطعها أمين في حدة :
ـ كفى ليلى... أرجوك، كفى...

تابعته و هو يبتعد في اتجاه سيارته التي أوقفها غير بعيد عن المنزل الريفي، و قد تملكتها الدهشة... هل قلت شيئا أغضبه؟