أنفال العنقاء

[أنفال العنقاء]

- المصطفى :
اسم العلم "المصطفى" لفظ يحمل معنى دينيا راقيا وساميا وعظيما، يمثل الرسول الأكرم صلوات الله عليه وسلامه، وعند تحليل اللفظة "المصطفى"وجدنا أنها تدل في عمومها وخصوصها على الصفاء والاصطفاء، فالأول يعني نقيض الكدر والهم، والثاني يعني الاختيار، وكلاهما يشكل نواة معنوية مدحية، لأن اللفظة تدل على احتمال واحد، هو تشاكل الرفعة والحسن والجمال والسمو.
قال الشاعر :
ساد السلام بها في كل ناحية * فالأمن فيها كعهد المصطفى رجع

والمصطفى "...وصف محدد )...(.حصلت لها الوصفية من (ال) الموصولة ومعنى ذلك:الذي اصطفاه الله " ووصف المحدد الذي لجأ إليه الشاعر، وجمعه مع اسم العلم جاء لتدقيق وتوضيح "المصطفى"، وبالتالي إبعاد الإبهام الذي قد يحدث، وما يؤكد هذا التفسير، ما سبق هذه الصفة المحددة من معاجم، التي تصب في نفس المعني، وتثبت أن المصطفى هو محمد  والمعاجم هي:(ملة الإسلام، في قلب الجزيرة في عهد النبوة، معالم دين الله، الإسلام، للمسلمين، أرض مقدسة، الهدى، الحج، السلام، الأمن).
فالأمن والسلام لم يعمّا جزيرة العرب إلا بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، فأضحت أرضا مقدسة يأمّها الناس، بعد انتشار ملّة الإسلام، واتضحت معالم دين الله، ولم يتأت ذلك إلا بهدي الله، الذي أرسل المصطفى نبيا ورسولا.
وإذا كان الوصف المحدد في "المصطفى" يشير إلى رسول الله، فإن وفرة الضمائر في قصيدة : (أهلا وسهلاً بالنبي محمدا) تعود كلها على المصطفى.
قال الشاعر :

بمحمد وبهديه و كتابـــــه * ويود أن لو كان من خدّامه
جاء البسيطة، والورى في غيهم * فهدى العبادة بسعيه، وقيامه

لاقى الشدائد في سبيل مــراد * وتفتن الكفار في إرغامــه
كادوا له، و توعدوه سفاهــة * وأشدهم كفرا ذوو أرحامه 

لقد تخير الشاعر قافية ثرية، بالوصل وهو الضمير المتصل (الهاء)، وقد اقتصر على المتعلق الرئيسي، محمد
"ص" والمتعلق الثاني قومه (قوم أحمد)، أما البقية (الكفار والتاريخ)، التي عادت عليها بعض الضمائر، فهي عناصر واصفة لا موصوفة، لأنها متعلقة بمحور القطعة (محمد"ص" وقومه).
يغلب على القطعة الطابع القصصي، لكثرة ضمائر الغائب فيها، يروي الشاعر فيها دون عناء. والقصيدة مدحية إصلاحية بالدرجة الأولى ، تبحث في سمو وعظمة النبي محمد ، وتحث المؤمنين والمسلمين للإقتداء بأخلاقه الفاضلة والتمسك بسنته الحميدة .
ورغم الإضمار الذي جاء في هذه القصيدة، إلا أن الشاعر كرر أسماء الرسول، (محمد، الأمين، أحمد)، وبالتالي قل اعتماده على الإيحاء، فوصف الرسول الكريم، (بالهادي، والصادق، والنور، والمنارة، والمبلغ، والصابر).
إن الضمير العائد على لاحق يساهم بقسط متواضع في شعرية القصيدة، أما الضمائر المنفصلة، فلها أدوار لا يستهان بها، فهي تقوي الدلالة وتجسد المعنى. رغم ما نراه من خلاف معجمي بين أسماء الأعلام (جبريل، آل زملال، قارون، الثميني، ابن مسعود)، فإن القاسم المشترك بين هذه الأعلام، هو تشاكل الرفعة والتساوي بين مقوماتها، لأن لهذه الأعلام تأثيرا عظيما في الذاكرة الجماعية للشعب،لكونها رموز ذات دلالات دينية بارزة.
وتتضح التراكمات المعنوية من العالمين الأعلى والأدنى، اللذين تمثلهما هذه المعاجم، فـ(جبريل) عليه السلام، من الملائكة المقربين، خلق من نور، عالمه أعلى من عالم المصطفى، الذي ينتمي إلى عالم أدنى، هو عالم البشرية المخلوقة من تراب، غير أن الرسول وهو _خاتم الأنبياء والمرسلين _ ترتفع عليته إلى رفعة جبريل عليه السلام، لأنه أفضل خلق الله على هذه البسيطة، فعالمه أعلى وأرقى، من كل الأعلام التي ذكرها الشاعر، (أبو إسحاق، الثميني، ابن باديس، ابن مسعود). وبهذا التخريج نصل إلى سر وضع هذه الأعلام الإخبارية التي أتى بها الشاعر ، إنه يهدف إلى أن يقتدي شعبه وأمته بهؤلاء العظام، ليلتزموا بشريعة الأوائل.

وما يوافق هذا التفسير ويسايره قوله:
يا آل زملال، صبرا إننا معكم * فالصبر باب وبيت الله رضوان
فكلمة(آل) في المعجم (آل زملال)، فيها تشاكل صوتي، يفيد الرفعة والاستعلاء، بتصريح أو كناية، به يعظم (الحاج عمر بن داود بزملال)، لما عرفه عن الفقيد من إصلاح وثبات في جانب الحق، وجاء الاسم مقترنا بأسلوب النداء، الأمر الذي يوحي بحضور المنادى ووجوده في وجدان الشاعر، رغم استعماله لحرف ( يا) الذي يفيد نداء بعيد واراها التراب، فرثاه بقصيدة تحت عنوان، (يسعى الفتى وسرور العيش يخدعه)، التي مطلعها:
فواجع الدهر أشكال وألوان * والمرء عند حلول الخطب ولهان
كما برزت شخصية (ابن سعود) وهو اسم علم مشتق مرمز، تتجسد فيه السعادة والهناء لكونه إمام المسلمين،(الملك ابن السعود) ، لقد وضعه الشاعر قصديا، ليرمز به للانشراح والارتياح اللذين يقتضيان توفر السعادة، ولا تتوفر السعادة إلا ببلوغ العلياء والمجد والرفعة .
قال حمود:
من جانب الشرق، في قلب الجزيرة في مهد النبوة، قوم بدرهم طلعـــا
أحيوا معالم دين الله، وانتقمـــوا من كل من ضيع الإسلام وانخدعا
وطهروا تربة للمسلمين غـــدت أرضا مقدسة، فيها الهدى شرعـا
وصيروها لحج الناس آمنــــة بفضل سيفهم البتار إذ لمعــــا
ساد السلام بها في كل ناحيـــة، فالأمن فيها كعهد المصطفى رجعـا
لا غرو فالعرب التي فتحـــــت تلك البلاد، كماة تجهل الجزعــا حي البطولة في شخص، له خض تلك الربوع فصار الدين متبعــا " ابن السعود" إمام المسلمين، ومن بحكمة العدل، بين العرب قد جمعـا

فالأبيات تكثيف لأحداث ورموز، تهدف إلى الإصلاح والعظة والاعتبار. أما الشخصية الأخيرة التي ندرجها في هذا البحث هي(الحاج محمد الثميني)، صاحب مكتبة الاستقامة الشهيرة بتونس، وعلينا أن ننظر في اشتقاق اسم العلم (الثميني)، حيث ذكره الشاعر على وزن (فعيل) بقو ذلك الثمين الخلال للعلا صعدا
أكرم به رجلا في الفصل كالمثل
وأنفخ بها قوة تشفي الغليل بها
واصرخ وحرض وأيقظها من الكسل
ويقول:

أمتي ..أمتي، سيري للعلا * أمتي فالويل حظٌ الجاهلين
وقيام بفروض للبـــلاد * ونضال ثم بالسعي الخطير

استخدم الشاعر حين مدح هذه الشخصية، الوصف المحدد (الثمين) بدلا من اسم العلم (الثميني)، وجاءت الوصفية من (ال) الموصولة، لتقييم الرجل وتثمينه، استعمل حمود اسم العلم (الثميني) الحامل لرموز العزة والكرامة، للتعبيرعن مراميه التي تتمثل في الاعتبار والترغيب والوفاء لهذه الشخصيات.
تلك هي الدلالات الخفية لأعلام الإيحاء، التي تصور الرعيل الأول، ومن نهجوا نهجهم، واقتفوا أثرهم.

[وجدوحنين]

بوركتي غاليتي