وإليكم الجزء الثالث أرجو أن ينال إعجابكم ورضاكم

نظرتْ إلي باستهجان وقالت:سأجيبك إكراماً للخالة ولحبها لك، الجان يا عزيزتي لا يعلم إلا ما نطقنا به، والخالة كانت تستطيع معرفة حتى الذي لم ننطق به، فهي تعرف لغة العيون،لا أقول إنها تعلم الغيب حاشا لله، وإن الناس الذين كانوا يمرون من أمامها وينظرون لها لم يتجملوا أو يحاولوا إخفاء مشاعرهم أمامها، لذا كانتْ بكل سهولة تكتشف ما يجول بخاطرهم، الله أعطانا العقل لكي نفكر ونتأمل ثم نحكم لكن أهل الحي وضعوا أحكامهم المسبقة حتى قبل الحديث معها أو معرفتها جيداً، وكذا أنتِ يا قطر الندى، وأيضاً الخالة أمينة التي أحبتكِ دون أن تعرف معنى نظراتكِ البريئة لها، لقد أجدتِ التمثيل عليها بشكل جيد...... وغصتْ الكلمات في حلقها فصمتت وأنزلت دموعاً كانت كاللهب الذي كوت به قلبي.
- ورحت أفكر وأنا أنظر للزنابق، بأني لم أبح بشكي بها وخوفي منها لأحد، حتى الأسئلة التي جالت بخاطري لم أنطق بها أمام أحد قط، وقد سمعتُ مرة من الخالةِ نعيمة إن العين تنطق قبل اللسان، وإن هناك من يعرف حديث العيون، مددتُ يدي وأخذتُ زنبقة وقبلتها وقلت لها أرجو أن توصلي قبلتي هذه للخالة أمينة، وأرجعتها إلى مكانها وانحنيت، وبكيت طويلاً،
وإذا بالفتاة تمسح دموعي، وتقول لي: نسيت أن أعرفك على نفسي، أنا جيهان بنت التاجر المعروف بهاء الدين، كنت اقطن في ذلك القصر الفخم هناك، أما الآن فأسكن في الحي الشعبي في قبو العمارة الخامسة.
-هل هذا القصر كان لوالدك، إنه الآن ملك للراقصة سمارة، عفواً هذا ما أسمعه من أهل الحي.
ضحكت جيهان-فكشفت عن لؤلؤ رائع- وقالت نعم نعم هذا صحيح، وجلست على الحافة وقالت لي: تعالي واجلسي بجانبي كي أقص عليك حكايتي كاملة وكيف تعرفت على الخالة أمينة.
نظرت بعينيها الجميلتين إن لهما لون العسل الرائع، وبشرتها الفاتحة الجميلة وشعرها الذهبي اللامع، وقلت لها أنت لا تشبهين أهل الحي هنا.
-نعم فأنا من أصل تركي وأمي من سكان هذا الحي،ابنة النجار عبد الله،
-جدك الحاج عبد الله.
-نعم هل تعرفينه.
-ومن لا يعرف هذا الملاك الطاهر، وهو يعرفني جيداً.
-إذن تعرفين جدتي سليمة.
-لا فأنا أعرف جدك لأن ورشته في طريق مدرستي الثانوية وكنت أراه كل يوم عند ذهابي وعودتي، ما أخباره فلم أعد أراه منذ دخلت الجامعة.
-لقد كبر كثيراً ولم يعد يستطع الذهاب إلى الورشة، وقد باعها ليدفع لجدتي ثمن العملية التي أجرتها العام الماضي.
-عافاهما الله وأمدهما بالصحة والقوة، الآن ما رأيك يا جيهان لو تأتي معي لزياتي في البيت، وهناك قولي لي كل ما تشائين.
-حسناً فأود أن أتعرف على أهلك.
-أهلي ليس لي إلا أمي التي تعمل في مصنع الحلويات وهي الآن قد ذهبت لعملها، ولكن ستبقين عندي حتى عودتها، كي أعرفك عليها.
-حقاً..كنت أعتقد أنك تعيشين مع أمك وأباك فقد كنت أرى رجلاً كهلاً يقف على شرفة بيتكم.
- نعم..نعم هذا خالي سعيد يأتي لزيارتنا من الحين للآخر.
-وأين هو والدك الآن؟
-أنا ابنة الشهيد عمار، لقد كان أبي يعمل في الجيش وتوفي بعد زواجه بخمسة أشهر.
-ولم تتزوج أمك بعد استشهاده ؟
-لا، لقد كانت تعشق التراب الذي تحت قدميه، ومازالت تعيش ذكريات الأيام القليلة التي قضتها معه، تفضلي يا جيهان، أدخلي إلى هذه الغرفة لو سمحتي.
-من الذي فتح باب بيت أم هند؟ من أنت؟
-هذه أنا هند يا خالة نعيمة.
-لماذا عدتي من جامعتك مبكرة؟ هل أنت متوعكة يا حبيبتي؟
-لا يا خالة لكن معي ضيفة جاءت لزيارتي لذا عدت للبيت، تفضلي أدخلي يا خالة، أعرفك هذه الخالة نعيمة جارتنا، وجدتنا، وحبيبتنا هنا في العمارة، هذه جيهان تعرفت عليها منذ قليل حفيدة العم عبد الله النجار الذي كان يعمل في الورشة الكائنة في الشارع الخلفي.
-أهلاً يا خالة نعيمة.
-أهلاً بك يا ابنتي، أنت إذاً ابنة سمية، أليس كذلك.
-نعم يا خالة.
-وكيف حال أمك ؟
-لقد توفيت منذ سنتين.
-رحمها الله.
-أنت جميلة كأباك يا جيهان.
-شكراً لك يا خالة.
-أنا ذاهبة للبيت يا هند هل تريدين مني شيء؟
-لا شكراً يا خالة نعيمة، تقدمي يا جيهان، تعالي وتناولي معي الفطور.
-طعامكم لذيذ يا هند.
-حقاً! إنه من عند خالي سعيد، دائماً يجلب لنا الجبن واللبن وكل ما هو طازج من القرية، كما علمت منك إن أباك وأمك غير موجدين، فمع من تعيشين؟
-مع جدي عبد الله وجدتي سليمة أطال الله بعمريهما، وقد كنت أنا وأمي وأبي في أواخر أيامه نعيش معهم.
-هل خسر أباك في تجارته فأضطر لبيع قصركم الجميل ذاك؟
-لا .. بل هو طيش الشاب الجميل الذي كان يفتن كل النساء كيفما تحرك أو تكلم أو حتى شتم، قد كان رائع الجمال، لا تنظر إليه امرأة إلا وفتنت به.
-هل كان مثلك تماماً؟
-لا فأنا أخذت بعضاً من جماله، وكانت والدتي لا تملك من الجمال أو المال شيئاً، وكان أبي كثير المال فائق الجمال، أعرف إنك تسألين نفسك لماذا تزوجها إذاً؟ كل من كان يراهم أو يسمع عنهم يسأل السؤال ذاته، الحب الحب الذي جعله يراها أجمل من أجمل بنت في الحي والنصيب الذي كتبهم لبعضهم، الجميع يرى أنه من حسن حظ أمي أنها تزوجت قمر الزمان بهاء الدين، إلا أنا فأقول بل من سوء طالعها، لا تنظري إلي هكذا، ماذا ستصنع بجمال أبي إن كانت غير سعيدة معه؟
-ألم تقولي لي إنه كان يحبها؟
-بلى لقد رآها أول مرة وهي ذاهبة لورشة جدي آخذة له الطعام، جن بها من النظرة الأولى، ولحق بها وتعرف على بيتها وخطبها من جدي، لقد طارت أمي وأهلها فرحاً بذلك العريس الذي تحلم به كل بنت، و حسدتها عليه كل بنات الحي الشعبي الذي............يتبع