بسم الله الرحمن الرحيم
في قرية نائية عرف الناس شابا اسمه فالح ..كان وسيما فارع الطول..رشيق الحركة..جميل الخلقة..لكنه رث الثياب..بعيد عن كل مظاهر الزينة..يمشي في الأسواق..ويتحرك بحركات..تنم فيما يبدو عن خلل في عقله..لا يختلط بالناس ولا يكلمهم..اللهم أنه كان يحمل عن الشيخ الضعيف وعن المرأة العجوز متاعهم إلى بيوتهم ..ثم يمضي لشأنه..ولكنه كان يسمع من الناس كل ألفاظ السباب والبذاءة والتندر عليه بما يشاءون..وأقل ما يسمع منهم "كالح...كالح.."تحريفا لاسمه فالح ..فكان ينظر إليهم ويلتفت برأسه يمينا وشمالا ويشير بأصبعه إلى السماء..
ثم يمضي في حال سبيله ولا يجيبهم بكلمه..كانت تلك سيرته منذ توفي شيخه ..الشيخ صلاح الدين الرفاعي..فقد صحب هذا الشيخ ولازمه ..وعندما توفي الشيخ هام فالح على وجهه بين الناس..ولم يعد يأوي إلى بيت أبيه إلا نادرا..وإنما يخرج كل مساء إلى المزارع والحقول ثم يعود قبيل الفجر..فيصلي الفجر مع الجماعة ثم يخرج بعد طلوع الشمس..ليمشي في الأزقة والأسواق كعادته..
كان أبوه العم راشد أحد أغنياء القرية ووجهائها..قد استعان بكل ذي رأي ليحاول تعديل سلوكه..ورده إلى ما كان عليه قبل هذه الحالة..التي عرضت له فلم يفلح..حسب أن به مسا من الجن ..فعرض أمره على المشايخ ليقرأوا عليه ..فأخبروه أنه سليم معافى..وقد كلمه أكبر المشايخ الذين يقرءون لمن به مس..فسمع منه كلاما يدل على سلامة عقله ووفور ذكائه..قال له الشيخ:
-هل تحس شيئا يضايقك ويؤذيك..؟
-قال:نعم!!
-بم تحس؟؟
-أحس بوحشة من ذنوبي..
-فماذا تفعل؟؟
-استغفر ربي..
-هل أنت متضرر من شيء؟؟
-ولماذا؟
-لنساعدك ونعينك..
-"وإن يسمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو.."
-ادع لي يا فالح..
-هدانا الله وإياك..وأخرج حب الدنيا من قلوبنا..
-هل تحب الدنيا يا فالح؟؟
-ومن لا يحب الدنيا؟؟
-إن بعض الناس يقولون:إنهم لا يحبون الدنيا..
-إنهم يكذبون..
-ما أحب شيء إليك من الدنيا؟؟
-ولماذا؟؟
-لأساعدك على الحصول عليه..
-إذا أخبرتك بما أحب أصبحت تنافسني عليه أنت!!..فنصبح اثنين يحبون هذا الشيء!!
وكان جواب فالح بذلك ذكيا مسكتا دل على سلامة عقله..ووفور ذكائه..بخلاف ظن كثير من الناس فيه..
وقال الشيخ لوالد فالح:إن ولدك فالح عاقل راشد..ومن قال لك غير ذلك فلا تصدقه..وأرجو الله تعالى ألا يسلمه عقله إلا إلى خير..يسرك ويرضيك..
ومرت الأيام والسنون..وفالح على هذه السيرة بين الناس والناس معه على سيرتهم..وكان أبوه يستشعر الغصه والألم كلما نظر إليه..ويتذكر كلام الشيخ ..فيحس بشيء من الطمأنينة..إنه يملك ثروة طائلة..وجاها كبيرا بين الناس..ويملك محبة الناس الصادقة..وحرصهمعلى خدمته وبذل الخير له..لأنه لا يقصر معهم في شيء..ومع ذلك فلا يستطيع أحد أن يعينه على تغيير حال هذا الشاب بأي شيء..
وكما هي عادة الناس في المجتمعات الصغيرة تكون المشكلة البسيطة حديث الناس في المجالس يتحدثون بها وتملأ أوقاتهم..وكم آذى والد فالح أن يرى الناس يتحدثون عن ولده وهو لايستطيع أن يمنع ذلك ..كما أنه كان يقف أحيانا موقف التساؤل من بعض ذوي الفضول وما أكثرهم:فلعله ضرب ولده ضربا مبرحا فمسه الجن..أو آذاه في عقله؟أولعله يمنع عنه أمرا يحبه فهو تعقد من حياته..ويتخذ موقف ردة فعل من أبيه..ولعله ولعله..؟؟!! إلى آخر كلام الناس الطويل..
ما هو سر فالح يا ترى؟؟..
الجزء الثاني إن شاء الله
رد مع اقتباس
مواقع النشر