كان أب الطفلة صفاء، وهي واحدة من ضحايا المعلم الذي يدرس بمؤسسة تعليمية بسلا هي حي الانبعاث3، لايزال تحت تأثير الصدمة عندما تحدثنا إليه. (ب.س) يقطن بسلا ويعمل بقالا وهو أب لطفلتين، الكبرى هي صفاء التي لم تكمل بعد سنتها الثامنة، والأم ربة بيت، «صفاء طفلة عاقلة جدا لم يسبق أن تعاملت معها بعنف لأنها فلذة كبدي، ومن الطبيعي أن أخاف عليها، علاقتي بها جيدة جدا لكنها تغيرت منذ أن عاشت تلك المشكلة»، كانت صفاء -يحكي الأب متألما- تعانقه كثيرا وتعبر له كأغلب الفتيات عن تعلقها به وحبها له كأب، لكنها لم تعد كذلك، فقد تغيرت نفسيا وجسديا وأصبحت هزيلة ومنطوية وغير اجتماعية، صرخ الأب قائلا: «أويلي، ابنتي التي لم تبلغ بعد عامها الثامن أصبحت وكأنها تجاوزت سن الثامنة عشر».
صفاء تمضي العطلة الدراسية حاليا في بيت جدتها بالبادية، أرادها والدها أن تبتعد ما أمكن عن المشكلة روحا وجسدا، فهو متخوف أن يفقد الطفلة الصغيرة التي عرفها دوما، ويؤكد أنها إن لم تعد لسابق عهدها وتأخرت حالتها، سيأخذها إلى أخصائي نفسي لعلاجها.
يعود الوالد بالذاكرة إلى الوراء ويقول إن زوجته كانت أول من عرف بالمشكلة، لكنها صمتت لأنها اعتقدت أن ما حكته لها ابنتها مجرد خيال أطفال، لكنه ذات مساء وهو عائد من عمله أخبرته إحدى أخواته أن لديه مشكلة كبيرة تتعلق بابنته، وحكت له ما قالته الطفلة بأن المعلم كان يجبر بعض التلميذات على الدخول تحت مكتبه لتلبية رغباته الجنسية عن طريق الفم أو المداعبة باليد. والد صفاء قال إن ابنته أخبرته أن المعلم كان يكتفي بوضعها فوق رجليه لوقت مطول مع الضغط على جسدها ووضع لسانه في فمها.
في الصباح الموالي سأل الأب ابنته هل ما سمعه حقيقي فأجابته بنعم، فتوجه إلى المؤسسة وهناك اكتشف أن ابنته لم تكن الضحية الوحيدة، فهناك زميلات كثيرات لها كان يستغلهن المعلم لتلبية رغباته الشاذة.
وبعد أن كسب أبو صفاء ثقة طفلته، بدأت تحكي له تفاصيل ما كان يفعله المعلم بها وببعض زميلاتها في الفصل، بوشعيب كالعديد من الآباء المغاربة لم يسبق له أن تفقد أحوال ابنته في المدرسة، فهو منشغل بالعمل الذي ينتهي منه متأخرا، كما أن الأهل يشعرون بالاطمئنان التام وأبناؤهم في رحاب المدرسة بين أيدي التربويين، اليوم اكتشف الأب أنه لا يوجد مكان يمكن أن يكون فيه الطفل في أمان تام، وأن الآباء يجب أن يتابعا أطفالهم أينما كانوا، والأهم ألا يتعاملوا مع ما يحكيه الأبناء باستخفاف ويتهموهم بالكذب وسعة الخيال، وهذا ما آخذ بوشعيب زوجته عليه.
أصبح أبو صفاء مهتما أكثر بطفلته، يتقرب منها، ويسألها عن أحوالها ويعلمها كيفية التصرف مع الناس وفي مختلف المناسبات حتى لا تقع ضحية مجرم آخر كما قال. رفض بوشعيب الصمت إزاء الاعتداء الذي تعرضت له ابنته، وقال إن «الشوهة» الحقيقية هي السكوت على المعتدين على الأطفال الأبرياء، الذين يجب فضحهم وعدم التسامح أو التنازل عن متابعتهم، لأن تأثير الاعتداء لا يطال الطفل فقط بل يقلب موازين أسرته كلها. بوشعيب يدعو آباء كل الأطفال الذين مروا من مشكلة مشابهة ألا يشعروا بالعار أو الخوف من إعلانها، فلا يجب أن يحس طفلهم بالذنب، والحديث في الموضوع يساهم في التوعية والحد من الظاهرة التي أصبحت خطيرة وتؤرق الآباء.
عن جريدة المساء المغربية
مواقع النشر