[align=center]مفتاح العفة...في يد من؟!

العفة هي التنزه عن الشيء البغيض – وعف عن الشيء يعني تنزهت نفسه وترفعت عنه، والعفة في المجتمع تعني التنزه عن الرذيلة والفحشاء بين الرجال والنساء، واقتصار العلاقة بينهما في حدود الزواج الشرعي الذي يحفظ حق الأسرة ويضمن سلامة وصحة النسل.
وقديما كانت الباغية معروفة بين القوم بممارستها للفاحشة، بمعنى أنها كانت ظاهرة للناس ومعروفة بسوء السمعة.. غير أننا نعيش اليوم زمنا عصيبا تمر به الأمة في مرحلة لتغيير القديم بنظامه الذي أثبت فشله وعدم قدرته على التكييف، وبين التحديث والتطوير الذي بلا شك ترسم صورته أياد كثيرة منها من هو محب لهذا الدين ومنها من يريد تشويهه ومحو الهوية.
عجلة السقوط

نتيجة للانحلال الأخلاقي الذي نعيشه في تلك الفترة العصيبة، والذي بدأت تظهر نتائجه في تلك القضايا التي أصبحت تكتظ بها أروقة المحاكم لإثبات النسب، وفي الأطفال التي تلفظها بطون الساقطات من بنات مجتمعنا وأسرنا وليس "بطون البغايا" تحت مسمى "غلطت مع صاحبي، زنا عرفي (زواج عرفي)..." هؤلاء الأطفال الذين بات مألوفا أن نراهم في أكياس القمامة أو مراحيض المستشفيات.

وتخرج الفتاة للمجتمع وهي تقول: "غلطت زي ما الشاب اللي معايا غلط وللا عشان أنا بنت أتحمل المسئولية وحدي وهو لا؟".. وفي الواقع الذي يتحمل المسئولية لا الفتاة ولا الشاب الذي أخطأت معه بل يتحملها المجتمع عند اضطراره لإنشاء دور للأيتام وأبناء الشوارع.. وبدلا من أن نقدم زكاة أموالنا لتزويج الشباب أصبحنا مضطرين أن ندفع جزءا منها لتلك الدور حتى ترعى هؤلاء الأطفال.

والعجيب أن تذهب الفتاة اللاهية بعد ذلك لسؤال الشيوخ على الفضائيات: أريد أن أتزوج، ولقد تبت وندمت فماذا أفعل حتى لا أفضح؟ ويجيب الشيخ بروح الدين السمح الجميل الذي من سماته الستر لا تخبري الزوج بما حدث.

وتطير الفتاة بتلك الفتوى الفضائية، وتأتي لطبيب النساء ليعيد لها بكارتها حتى تستطيع أن تتزوج وتقوم بالعملية لتعيش هانئة البال وهي تسمع الإعلام من حولها وهو يقول من حق الفتاة أن تخطئ وتتوب مثل الولد، لا يوجد فرق، ثم تخبر تلك الفتاة من تقع مثلها في المعصية بعد ذلك عن ذلك الطبيب الذي أجرى لها تلك العملية وتطمئنها أن الحكاية سهلة و"هتعدي".

وهنا تضيع الحقوق ويشك الشاب في الفتاة ويفقد المجتمع روح الاحترام والثقة المتبادلة بين قطبيه. فكيف ينهض مجتمع يعيش على الكذب والغش؟ كيف نعلم أبناءنا الفضيلة وهم يرون المعصية سهلة والخروج منها ببعض المال فقط؟.

مرارة التهويل تقود للتهوين

لقد عشنا زمانا قديما كانت تتربى البنت فيه على الكبت والسيطرة والتهويل فيما يتعلق بالعذرية، حتى كانت الفتاة تخاف أن تقفز في أثناء اللعب حتى لا تفقد عذريتها.. وفي نفس الوقت كان مألوفا أن تدخل الداية مع الزوجين في ليلة الدخلة لفض البكارة فيما كان معروفا بالدخلة البلدي لتبالغ في الفض حتى تجرح قناة المهبل لتحصل على أكبر كمية من الدم.

بعد ذلك تخرج الداية بذلك المنديل الغارق في الدماء؛ فيراه الشباب غير المتزوج فيظن أن العذراء هي التي تخرج منها كل هذه الدماء، وتظل تلك الصورة في الأذهان يبحث عنها فقط في عروسه متناسيا خلقها وأدبها وأهلها المعروفين بالفضيلة.. وكم من فتيات طلقن في ليلة زفافهن تحت ذلك المفهوم الظالم وهن عفيفات طاهرات.

واليوم وبعد أن ذاق المجتمع مرارة التهويل كان لا بد من أن يؤتى بالبديل وهو التهوين فأصبح يبالغ في المطالبة بمساواة الفتاة في جميع الحقوق والواجبات، وخرجت الفتاة دون أن يعلمها أحد كيف تضبط مشاعرها وكيف تتعامل مع الجنس الآخر وما هي حدود العلاقة بينهما ومتى تصل لمرحلة الخطورة.

تخرج الفتاة للمجتمع الذي يقول لها أول ما يقول إن البكارة والعذرية ليست في غشاء البكارة، ومن الممكن أن تولد الفتاة بغير غشاء أو تفقده في حادث، وفي نفس الوقت يخبرها أن هناك من تمارس الفاحشة وهي تحافظ على بكارتها، مع أنها ليست عفيفة.. نعم هي غير عفيفة حتى وإن احتفظت ببكارتها؛ لا لأن البكارة ليست دليلا على العفة فقط بل، لأن الكون له إله لا يغفل ولا ينام وسيكشف لها يوما عدم عفتها وإن أخفتها والحكايات في ذلك كثيرة، غير أن المجتمع لا يروي لها إلا نصف القصة فقط.

هي لا تعرف أن أمثال تلك الفتيات يكن معروفات وسط الشباب بما يفعلنه وأن سمعتهن ستسبقهن، وإذا تزوجت إحداهن فستتزوج بمن لا يتقي الله فيها وربما يكون على شاكلتها، وكذلك الشاب الذي يستهين بحرمات الله يقع في زوجة لا تتقي الله فيه ولا ترعى حرمة بيته.. إنها دنيا يدير شئونها خالق حكيم.

المجتمع أصبح الآن لا يحكي للفتاة كل هذا في محاولات لتخفيف حدة التهويل الذي عاشته الفتاة قديما، وكأننا لا يمكن إلا أن نكون في الأطراف دائما، إما مفرطون أو متطرفون ألا يستحق أن تعيش أمة الوسط في الوسط (وكذلك جعلناكم أمة وسطا).

وإذا سألنا أنفسنا إذا أردنا توزيع الأدوار على قطبي الحياة الرجل والمرأة فلمن نعطي مفتاح العفة؟.. ولا أقصد هنا أن يكون طرفا عفيفا وطرفا فاسدا، بل أقصد من يوجه له اللوم أكثر والعتاب إذا فرط في عفته.

توزيع الأدوار

وحتى نكون منصفين علينا أن نعلم قدرات وإمكانات كل طرف حتى نستطيع الحكم.. ولو عقدنا مقارنة تشريحية وفسيولوجية للجنسين لوجدنا الآتي:

الذكر: الأجهزة التناسلية الخارجية كلها ظاهرة للعين وواضحة - هرمونات الرغبة الجنسية لديه أكثر – الرغبة عنده أشد – تظهر علامات الإثارة عليه بوضوح وخاصة في أعضائه التناسلية (الانتصاب) – عندما يعبر عن مشاعره يميل للتعبير الجنسي أكثر من الكلمات والمشاعر.

الأنثى: الأجهزة التناسلية الخارجية لا تظهر إلا في حالة الاستلقاء على الظهر ومباعدة الوركين (lithotomyposition) - الرغبة أقل وتميل أن تكون مطلوبة وليست بادئة - تستطيع إخفاء مشاعرها ولا تظهر الإثارة بوضوح على أنحاء جسدها – لديها عضلات قوية حول الحوض يستحيل معها إدخال أي شيء للفرج إذا ما تشنجت تلك الأعضاء عند الخوف من الملامسة (vaginismus) - تميل للتعبير عن مشاعرها بالكلمات والحب قبل التعبير الجنسي.

لو نظرنا نظرة عاقلة ومنصفة عند توزيع الأدوار لصرخ العقل أن العفة بيد المرأة، وأكرر ليس المقصود هو إعفاء الرجل من المسئولية؛ فعندما نقول إن الأم مسئولة عن تربية الأبناء فلا نعني أن الأب يرفع يده عن تربيتهم، وإذا قلنا إن المرأة من الممكن أن تشارك زوجها في النفقة فلا نعني إعفاءه من أن يكون هو المنفق وهو المسئول عن توفير الحياة الكريمة لأسرته.

إنها فقط أدوار يقوم فيها كل طرف بواجباته وفي حدود قدراته ليكون أكثر مسئولية فيما يخصه، وهذا ما جعل القرآن يذكر الزانية قبل الزاني عند توقيع العقوبة، برغم أنهما سينفذ فيهما نفس العقوبة؛ فلن تجلد المرأة 120 جلدة بدلا من 100، ولكن اللوم والعتاب سيوجه لها أكثر؛ لأنها كانت تستطيع أن تقاوم أكثر وتتعفف أكثر. وكذلك في حد السرقة عندما بدأ بالسارق قبل السارقة؛ لأن اللوم أكثر للرجل؛ لأنه مسئول عن توفير الحياة الكريمة لها، ولكن ستقطع يد الاثنين سواء.. فالله لا يجامل أحدًا ولكنه يعاتب من كان يستطيع أن يمنع المعصية بما لديه من قدرات ولم يفعل.

إننا بلا شك نبحث عن الوسطية التي تمنع الانحلال الأخلاقي والذي تشابكت فيه الكثير من المشاكل من الجهل إلى الفقر إلى الإعلام المشوه إلى المناخ السياسي المضطرب... إلخ.

المفتاح بيد الفتاة

الوسط الذي أريده كطبيبة نساء لديها بعض المعلومات، وكأم أريد أن يعيش أولادي وبناتي في مجتمع طاهر وكإنسان يحب الخير للجنسين دون أي ميل أو تعصب، وبعيدا عن المجتمع الذكوري والأنثوي.. هو وسط تتربى فيه الفتاة على المعلومة الصحيحة دون تهويل أو تهوين.

فالبكارة لا تفقد إلا إذا أدخلت المرأة شيئا صلبا وبقوة داخلها ولا يوجد فتاة تولد بغير غشاء؛ فقط لأن منشأ الغشاء في الجنين الأنثى يكون مع منشأ الخمس الأسفل للمهبل والجزء الأسفل لقناة الشرج، وغياب الغشاء يعني غياب تلك الأعضاء، وبالتالي لا يوجد أنثى مكتملة النضج بلا تشوهات خلقية، ويكون عندها الغشاء غير موجود.

كما أن أورام الحوض وحوادث الحوض لا تفقد فيها الفتاة البكارة فقط بل ستفقد جزءا كبيرا من أعضائها التناسلية وعظام الحوض أحيانا، هو وسط تعرف فيه الفتاة قدرها ومسئوليتها عن نفسها أمام الله، وأنها ستحاسب تماما مثل الذكر لا مجاملات ولا ارتباط بالجنس هناك أمام الواحد الأحد.

ومن الضروري أن تعرف الفتاة كما الرجل أن العفة والعفاف تبدأ من عفة الأفكار والعين والأذن واللسان وتنتهي عند عفة الفرج، والاحتفاظ بذلك التاج الثمين الذي منحه الله لها جزء لا يتجزأ ولا يستهان به من العفة المنشودة؛ حتى إن ذلك مطلب بات يسعى إليه الغرب ليعلم الفتاة ضرورة الاحتفاظ ببكارتها ليوم زفافها بعد أن ذاق مرارة التفريط.

يجب أن تعرف الفتاة جيدا أن مفتاح العفة بيدها هي، وإنها أقدر أن تتحكم في مشاعرها، ولا تستجيب سريعا للإغواء وأن تبعد نفسها قدر ما تستطيع عما يثير شهواتها في الحرام.

كما يجب أن يتربى الشاب على العفاف ويعلم أنه من الممكن أن يكون قويا ويرد الفتاة التي ضعفت، بل من الرجولة أن يعيدها إلى عقلها عندما تحاول غوايته، وليس من الرجولة أن يستجيب ويقول هي التي أغوتني، وخير مثال لذلك يوسف الصديق عليه السلام.

وعلى الشاب كذلك أن يبحث عن عفة زوجته وشريكته وأم أولاده جيدا، ومبكرا، لا ينتظر ليتأكد منها في ليلة الزفاف أو يذهب للطبيب ليؤكد له ذلك؛ فهي أمامك في فترة الخطبة وقبلها تعرف عليها وعلى أفكارها، انظر إلى من هن صديقاتها ابحث عن أسرتها وأخلاقهم وعن عفتهم وشرفهم.

وعلى الفتاة التي فرطت في نفسها عظم الذنب الذي ارتكبته في حق الخالق سبحانه، بانتهاك حرمة من حرماته، وارتكاب كبيرة شدد الدين في عقوبتها احتراما وتكريما للأسرة وللنسل، وأن توبتها تكون ابتغاء وجه الله وحده وليس بحثا عن الزواج.

ولتعلمي -أيتها الفتاة- أن لهذا الكون إلهًا عظيما وهو الستير يستر كثيرا قبل أن يفضح؛ فلا تستهيني بستره وابذلي الكثير واسكبي الدمع بين يديه راجية العفو منه، ولا تنسي أبدا أنه من يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، والزواج رزق والأولاد رزق؛ فلا تسعي لرزقه بالغش والكذب.

وإن رأيت أنك لا تتحملين ألم العيش مع زوجك دون أن تصارحيه، أو خفت أن يفسد ماضيك حاضرك فصارحيه إذا ما التمست فيه المروءة قبل الزواج، وكوني واثقة أنك كلما صدقت الله في توبتك كان معك في كل خطوة تخطينها، وقد يسوق لك من يقبل توبتك.

إن المجتمع الذي تتمسك فيه بناته بالعفة والحياء ولا تفرط بسهولة في نفسها لمن يغويها لا شك سيسعى فيه الشباب بكل جد واجتهاد للزواج بعد أن يفقدوا المتعة الرخيصة السهلة التي تقدمها المفرطات، مجتمع ليس لديه مشاكل إجهاض ومجهولي نسب وأيتام لقطاء، مجتمع لا يشك فيه الفتى في نصفه الآخر ويحتاج لمن يثبت له عفتها.. وأظن أن هذا المجتمع لن يأتي في ظل التهويل القديم ولا التهوين الحديث.


بقلم د. هالة مصطفى

مدير مركز تخصصي لخدمات تنظيم الأسرة بمصر تابع للوكالة الأمريكية للتنمية –CSI-.
[/align]