السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بملامحه التي ظهرت عليها أمارات اليأس والإحباط
توجه الشاب الضرير "أمجد"
إلى قطار الدرجة الثانية بصحبة أخيه
والذي أجلسه في مقعد خال متستعينًا بمصباح هاتفه
حيث ساد القطار المتهالكـ ظلام سائد ثم ودعه وانصرف.
وحتماً لم يدر أمجد بأنه يجلس بجانب رجل
يبدو من هيئته بأنه قد تجاوز عقده الخامس
يجلس في مقعده وابتسامة عذبة قد ارتسمت على محياه
حال الظلام والعمى بين أمجد وبين رؤيتها.
جرس الهاتف يدق فيخرج أمجد هاتفه من جيب معطفه
وظهر أن المتصل هو والده والذي حادثه قليلًا
ثم رد عليه أمجد:
لا تقلق يا والدي فابن عمي سينتظرني كما تعرف في محطة
لا تخف وضحكـ ضحكة متهالكة ساخرة قائلًا:
حتى إن حدث لي مكروه فلن يضر العالم وجودي من عدمه
أنا أعيش كالحيوانات أتناول طعامي وأخرجه
وأنام لا أختلف عن السرير الذي أنام عليه
كيف لا أقول ذلك الكلام يا أبي؟ أليست هذه حقيقة؟
إنني أتمنى الموت في كل دقيقة
حسنا يا أبي، سأتصل بك بمجرد وصولي
انتهت المكالمة الهاتفية
فإذا بيد حانية تأخذ طريقها إلى كتف أمجد
تبعتها كلمات ذلك الشيخ الذي يجلس بجواره؟
لماذا كل هذا القدر من التشاؤم يا ولدي؟
الحياة جميلة أجمل مما تعتقد
أمجد وهو يكبت ضيقه:
جميلة؟ وما الجميل فيها يا والدي؟
الشيخ:
أنكـ موجود فيها.
أثارت الكلمة انتباه أمجد فرد باهتمام: كيف؟
الشيخ:
لأنها من أجلكـ هكذا خلقت
من أجلكـ أنت كانت الشمس والنجوم والشجر والبحار والأنهار
لأنكـ خليفة في الأرض
أمجد:
قل هذا الكلام لمن يرون الحياة ويشاهدون ما تتحدث عنه
الذين يشاهدون جمال الطبيعة كما تشاهدها أنت تمامًاً و...
قاطعه الشيخ:
لكن تلكـ المشاهد حية في كيانكـ في حسكـ
فقط دع عنكـ اليأس والإحباط
سترى جمال الحياة كما أراها سترى مشهد الغروب
عندما تعانق الشمس صفحة المياه وتغيب في أحضانها
بدا أمجد مدهوشاً من تلكـ العبارات
التي بدت وكأن صاحبها يرسم بها لوحة شعرية
لكنه تابع الإنصات والشيخ يستطرد:
سترى مع تفتح الزهرة أمل جديد في الحياة
سترى سريان ماء ينتقل بكـ من مكان الى مكان ويعبر بكـ الزمن
قاطعه أمجد باهتمام: سيدي هل أنت شاعر؟
ابتسم الشيخ ابتسامة عريضة مجيبًاً:
لا يا ولدي ولكنني أرى جمال الحياة
وحطم جمالها كل ذرة يأس قد يدب إلى نفسي.
أمجد:
ليتني كنت متفائلًا مثلكـ ولكن كما يقال:
يدكـ في المياه ويدي في النار ولن تشعر بمرارتي.
الشيخ:
يا ولدي إن كان الله قد أخذ بصركـ فلم يحرمكـ من البصيرة
وإن كان قد سلب منكـ نعمة فقد أنعم عليكـ بما لا تحصيه عددًا
لماذا تنظر إلى ما أُخذ منكـ ولا تنظر إلى ما أعطيت
لا تستصغر نفسكـ وتحتقرها على حالها
وانظر إلى ما ذخر به العالم
ممن سلبوا نعمة البصر وصاروا فخرًا لأن يذكرهم التاريخ
لماذا ترى نفسكـ أقل من هؤلاء؟
أمجد:
أتعرف انني لم يسبق لي أن حدثني أحدهم بهذا الشكل
كلامكـ أجد له أثرًا عميقاً في نفسي
الشيخ:
إذاً فلتطوي صفحات الماضي
واعتبر هذه اللحظات بداية حياتكـ
وولادتكـ الجديدة وعاهدني على أن تستثمر
كل موهبة وطاقة لديك في أن تسير إلى الأمام
تهلل وجه الشاب وهو يقول:
لقد فجرت في نفسي مشاعر كنت أظن أنها ماتت
إنني أشعر الآن بقوة لم أعهدها وأرجوكـ كن على صلة بي دائمًا
وتفقد أحوالي أنا أحتاج لمثل هذه الروح التي بعثت في الأمل من جديد.
ربت الشيخ على كتف الشاب في حنان وهو يقول:
إنكـ لست بحاجة إلى فأنا على يقين من أنه قد ولد فيكـ العزم من جديد
سأنزل في المحطة القادمة
في رعاية الله يا ولدي
وفي سرعة سأله أمجد:
هل كنت في عمل؟
أجاب مبتسماً:
نعم عمل يومي أستقل القطار يومياً من المدينة التي أقيم فيها إلى هذه المحطة
وأعود في أول قطار
تعجب الشاب، وقال: لماذا؟
اتسعت ابتسامة الشيخ وهو يقول:
أزرع الأمل في قلوب مات فيها الأمل
قالها وهو ينهض حيث توقف القطار في محطة
وودعه: في رعاية الله يا ولدي .. في رعاية الله
فأجاب الشاب ممتناً:
في أمان الله يا زارع الأمل
ولكنه سرعان ما اتسعت حدقتاه دهشة
إذ سمع صوتًا مألوفاً لديه من قِبل الشيخ
صوت عصا طويلة رفيعة يملكـ أمجد أختها
يتحسس بها الأعمى الطريق.
عجبكم
طيب زرعو الامل فيني لي تقيم موضوعي
ولا تنسون
مواقع النشر