[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

إن المال غني عن التعريف، فما من إنسان إلا ويعرفه حق المعرفة، فشهرته تغطي كل أرجاء الكرة الأرضية، وهو غني عن بيان مكانته عند الناس فهو الحبيب الغالي عند معظم الخلق ذكورهم وإناثهم؛ فالمال ضروري للإنسان للعيش في هذا الزمان وفي كل زمان، إلا في آخر الزمان حيث سيكون المال وفيرًا حتى لا يقبله أحد لعدم الانتفاع به، بل تكثر رغبة الناس في الصلاة التي تكون خيرًا من الدنيا وما فيها لعلمهم بقرب الساعة بعد نزول عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها». وحتى قبل هذا الوقت سيأتي على الناس زمان يكثر فيه الرزق والمال حتى أن الخليفة لا يعد المال عدًّا بل يغرفه بيديه غرفًا؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيًا لا يعده عددًا».

والرزق أو المال غني أيضًا عن شرح مدى فوائده الدنيوية التي يعرفها الناس جميعًا ولذلك تهالكوا في طلبه حتى أنساهم ذلك أو غفلوا عن ملاحظة ومعرفة أمور وأشياء مهمة وخطيرة تتعلق بالمال؛ وهي أمور منها ما أمر الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بها أو حث عليها؛ وهي أسباب لكسب المال، أو حفظه، أو زيادته. ومنها ما نهى الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم عنها أو حذَّر منها؛ وهي أسباب لخسارة المال، أو إنقاصه، أو هلاكه. وبلغت عناية القرآن الكريم للرزق والمال حدًا كبيرًا حتى تكرر لفظهما أكثر من مائتي مرة ، أما كتب الحديث الشريف فقد طفحت بذكرهما.

وفي الحقيقة فإن تكرار لفظ الرزق والمال في القرآن كان هو الدافع إلى تأليف هذا الكتاب الذي لم يكن في البال أو في الخاطر وإنما حدث ذلك فجأة ودون سابق إنذار بتقدير الله جلَّ جلاله. فقد كنت أكتب فصولاً لكتاب آخر هو «كيف تكون ناجحًا ومحبوبًا» ولما أردت كتابة فصل عن النجاح مع المال قمت بمراجعة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ففوجئت بتكرار لفظ الرزق مع لواحقه مائة وثلاثة وعشرون مرة، ولفظ المال مع لواحقه ستة وثمانون مرة، وذلك في موضوعات مختلفة ومتنوعة مهمة وخطيرة كتبت أسماءها وصرت أضع تحت كل اسم موضوع الآيات الخاصة به فجعلني ذلك أشعر كأنني أكتب عناوين فصول لكتاب مستقل خاص بالرزق والمال.

وبالفعل فقد وجدت أن الموضوعات أكبر من أن تكون مجرد فصل واحد في كتاب، بل تستحق أن تكون فصولاً في كتاب مستقل عن المال؛ وهكذا وُلدت فكرة هذا الكتاب فتوقفت عن الكتابة في الكتاب الآخر وبدأت في كتابة هذا الكتاب الذي أسميته «أنت والمال».

ولا بد من التنبيه إلى أن ما سوف يُذكر من أسباب كسب المال أو أسباب حفظه وزيادته يجب فعلها والعمل بها على أساس أنها أولاً وآخرًا عبادة لله عزَّ وجلَّ وطاعة له، لا أن تُتخَذ مجرد أسباب الغرض منها مجيء الرزق والمال، وإن كان فعلها يجلب الرزق والمال إذا صلحت النية. ومثال على ذلك الصلاة؛ فإنها عبادة لله تعالى أولاً وآخرًا ولكن الله تعالى جعل لها فوائد بدنية كثيرة يحصل عليها المحافظ على أدائها دون أن يلقي لها بالاً، فأداء الصلاة يجب أن يكون على أساس أنها عبادة لا على أساس الحصول على فوائدها البدنية ؛ وهكذا أسباب كسب المال وحفظه وزيادته يجب فعلها على أساس أنها عبادة فيكون ذلك سببًا في مجيء الرزق والمال، على العكس مما لو فُعلت وكانت النية من فعلها استجلاب الرزق والمال ولم تكن النية طاعة الله وعبادته؛ فقد لا يقدِّر الله عزَّ وجلَّ حصول الرزق والمال لمثل هذا النوع من الفعل، لأنه تعالى هو مسبب الأسباب وخالقها وخالق ما ينتج عنها، وقد يجعلها لبعض الناس بلا نتيجة؛ فهو الرزاق ذو القوة المتين الذي يرزق من يشاء، ويوسع في الرزق لمن يشاء، ويحرم الرزق من يشاء، ويضيق في الرزق على من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

أدعو الله العلي القدير أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يغنينا بفضله عمن سواه، وأن يرزقنا الرزق الحلال الطيب، وان يقنعنا بما رزقنا، وأن لا يجعلنا الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا. ونعوذ بالله عزَّ وجلَّ من زوال نعمته، ومن سوء المنقلب في المال، ونعوذ به تعالى من الفقر والقلة والذِّلة، ومن شر فتنة الغنى، ومن غلبة الدَّين، ومن الإسراف والتبذير، ومن البخل والشح والتقتير. وأدعوه جلَّ جلاله أن ينفع بهذا الكتاب الإسلام والمسلمين، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم الدين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

[/align]