<><> « دعوة صامتة ، أم سكوت عن الحق ؟ ! »<><>
دعوة صامتة ، أم سكوت عن الحق ؟ !
و به نستعين..
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة
للعالمين محمد بن عبد الله و على آله و صحبه أجمعين ،
و بعد..
لقد كانت الدعوة الإسلامية في بادئ أمرها مشتملة على أقرب
المقربين ، قبل أن ينزل الأمر الرباني الكريم بأن يجهر
صاحب الدعوة الأمين صلى الله عليه و سلم بها :
{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) }* الحجر*
،،،
وما كانت الدعوة الإسلامية الغراء لتبلغ ما بلغت لولا أن اختار
لها الله عزو جل هذا النهج , نهج التبليغ في بقاع الأرض
كلها : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} الأنبياء 107
و لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعايشون مع فصول
الدعوة الإسلامية من أولى باكوراتها إلى أن تجسد بفضل الله
المجتمع المسلم المثالي .. و لقد كانوا ينهلون من فيض أخلاق
النبي الكريم صلوات الله و سلامه عليه ،
رضوان الله عليهم.
و قد قاموا من بعده بحمل شعلة الدعوة الإسلامية رضوان الله
عليهم من خليفة إلى رعية..
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع الإسلامي
الأول :
كان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أبرز السمات
التي تفرد بها ديننا الحنيف ، لأنهما عنصران فاعلان في
وظيفة التغيير و التاثير من أجل الغاية الأسمى و هي عبادة الله
عزو وجل على النحو الذي يريده و يرضاه
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} الذاريات
فسجل التاريخ الإسلامي أروع النماذج التي تجسد فيها الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر في أكمل صوره ، حتى إن
رجلا من الرعية يسأل الخليفة : من أين لك هذا؟
بل و امرأة من الرعية تقول : أصابت امرأة و أخطأ عمر.
ومتى ترك هذا الأمر وتركت هذه الوظيفة فإن العاقبة سيئة؛
لأن تركها يكون سببا لحلول البدع وانتشار المنكرات، وحصول
الفواحش والمحرمات، وكثرة المعاصي؛ فيكون ذلك سببا
للعقوبات التي تعم جميعهم.
في حديث أبي بكر الذي في السنن قال رضي الله عنه: أيها
الناس إنكم تقرءون قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ..وإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم
يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ( أوشك )؛ يعني
أحرى، وقرب أن تعمهم العقوبة إذا رأوا المنكر وهم قادرون
على أن يغيروه فتركوا تغييره، فإن هذا يكون سببا لعموم
العقوبة أن يعمهم الله بعقاب من عنده، سيما إذا كانت المعاصي
ظاهرة مشاهدة، فإن العقوبة عليها عامة.
[[ المصدر موقع شيخ ابن جبرين]]
لماذ اختفى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في مجتمعاتنا؟
ما نراه اليوم من سكوت منكر عن المنكر ، حتى كاد أن
يكون المنكر معروفا و المعروف منكرا ، دون أن يتحرك ساكن
لم يأت عبثا..
إنه سوء فهم لهذا الأصل الركين في الدعوة الإسلامية ، ليس
في حسِّنا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أساسيات
الدعوة الإسلامية .
إننا لم نترب على أن الأمر بالعمروف و النهي عن المنكر
أساس لا غنى عنه في الدعوة ، إذ كان الشغل الشاغل للمربي
المسلم أن ينشأ أبناؤه على الإسلام و أخلاقهم، و يأمرهم و
ينهاهم و لكنه لم يربهم على أن يأمروا و ينهوا خارج البيت
، و ربما هذا راجع إلى عدم إدراك أهمية الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
لهذا من الخطأ أن نعتبرها دعوة صامتة ، بل هو سكوت عن
الحق.. و الساكت عن الحق شيطان أخرس .. و سنتعرف
على المعنى الحقيقي للدعوة الصامتة في
النقاط اللاحقة بإذن الله تعالى
المسلمة الداعية :
ما يهمنا أن نتحدث عنه مدى وجود هذين الأساسين في
المحيط الدعوي للمرأة المسلمة ...
إن الدور المسند للمرأة المسلمة في الدعوة ليس أقل قيمة منها
عند الرجل ، بل إنها تكاد تكون أعظم ، و الحقل الدعوي
النسوي زاخر بالطاقات العجيبة التي سخرها الله عزو جل
لإمائه.
و لكن لماذا نرى إحجام المرأة المسلمة عن الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر ، و عن الدعوة عموما؟
من المفاهيم الخاطئة لدينا أن
1- نتحجج بالخجل بمسمى الحياء ، ولا يخفى على أية واحدة
منا الفرق الشاسع بينهما ، هذا مع أن الحياء دافع قوي لإنكار
المنكر لا السكوت عنه.
ثم إن الخجل الذي يمنع من إقرار الحق و إنكار الباطل خلل في
شخصية ما ينبغي أن تكون في شخصية المسلم
لأن المسلم بمعية الله عزوجل قوي صلب ..
2- عدم تلقي تكوين حقيقي في مجال الدعوة و أساسياتها ،
كما نلقن أساسيات التعليم الاخرى!!!
3- الجهل الحقيقي بعواقب ترك الأمر بالمعروف و النهي عن
المنكر ، و بالأجر المترتب على أدائهما ، و حتى النتائج
الإيجابية التي ستثمر و لو بمرور الوقت.
4- قد تحاول الأخت المسلمة في بداية التزامها من التغيير
غير أنها تصطدم بمقاومة و صد شريسين من المجتمع كله ،
و فيدفعها ذلك إلى التراجع و السكوت ، و لو قرأت سيرة
النبي صلى الله عليه و سلم كيف كاد له قومه و أعداؤه بسبب
دعوة الناس إلى الإله الواحد ما اعتبرت ما تعرضت إليه
صعوبة تذكر.
حجج واهية:
أما ما يتحجج بهمن اشتراط الشهادات الجامعية فإنه عذر قد
يكون أقبح من ذنب .
و إن كان من الأولى أن تمارس الأخت الداعية الدعوة على
علم و بصيرة و دراية ، فإنه من قبيح الغلط أن نتحجج
بالشهادة الجامعية ، ليس المطلوب أن تضطلع بمهمة الإفتاء
الذي انثنى عنها العلماء و لكن التغيير و النصح و الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر وظيفة كل مسلم
في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله
عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا
حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
المنكر لا يحتاج إلى شهادة جامعية ، يكفي أن تغير المرأة
الداعية في بيتها بما تستطيع
، و كم من أم لا تقرأ و لا تكتب و لكنها ديِّنة أنجبت صفوة من
الرجال.
و القول بأن الدعوة للعلماء فقط ، هو أيضا يتحجج به في غير
موضعه ، لئن كان الوعيد شديدا في أن يقول أحدنا ما لا يعلم
أو يتقول على الله أو على رسوله ، فإن السكوت عن أمر
يعلمه و كأنه يقره أيضا فيه من الوعيد الشيء الكثير
ديننا سمح لين لا عسر فيه فبين هذا و ذاك لا تتصدي لما لا
تعلمين من الأمور ، و لا تسكتي عما تعلمين.
ما هو المفهوم السليم للدعوة الصامتة ؟
الدعوة الصامتة نمط آخر من الدعوة إلى الله ، فليست فقط قول
و وعظ و تذكير ، إنما السلوك دعوة ، و الأخلاق دعوة ، و
الهدية دعوة .. ، و الإحسان إلى الناس دعوة صامتة
و تبسمك في وجه أخيك صدقة
الدعوة الصامتة لا تلغى تماما!!:
كما أن الدعوة بالقول الصريح و المباشر مطلوبة فإن النوع
الآخر من الدعوة و هي الصامتة مطلوبة كذلك..
لقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يستعمل هذا النمط في
مواقف معينة ، تكون الدعوة الصامتة أبلغ ..
و نذكر هذا الموقف البليغ في حياة النبي صلى الله عليه و
سلم في وقعة الحديبية : ""و لما فرغ رسول الله صلى الله عليه
و سلم ... قال قوموا فانحروا ، فوالله ما قام منهم أحد حتى
قال ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم
سلمة ، فذكرلها ما لقي من الناس ، فقالت : يا رسول الله
أتحب ذلك؟ اخرج ، ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك ، و
تدعو حالقك فيحلقك ، فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى
فعل ذلك ، نحر بدنه ، و دعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس
ذلك قاموا فنحروا و جعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد
بعضهم يقتل بعضاغما ، و كانوانحروا البدنة عن سبعة ، و
البقرة عن سبعة ... "" المصدر :الرحيق المختوم / الشيخ صفي الرحمن المباركفوري
فإذن الدعوة الصامتة مطلوبة في بعض الظروف دون بعض
و لا يمكننا إلغاؤها تماما ، لأنها في مواقف معينة تكون أبلغ
من الكلام ، و لم تكن ذات نفع لما أتاها رسول الله صلى الله
عليه و سلم وما ينطق عن الهوى
و يمكن تلخيص مجالاتها فيما يلي :
1- إضافة إلى التعليم و التوجيه المباشر ، الطفل يحتاج
يحتاج أن يرى تعاليم الإسلام مجسدة في والديه، إنهما المنبع
الأول الذي ينهل منه.
2- المسلمون في الغرب يحتاجون إلى الدعوة الصامتة ،
بأخلاقهم ،بوفائهم بالعهد ، بطيب سلوكهم.
3- وحتى المسلمون مع بعضهم البعض ، في طيبتهم ، إلقائهم
السلام على بعضهم البعض
كظمهم لغيظهم و عفوهم عن بعضهم
فما أعظم الإسلام!!!
.. و السلام مسك ختام
رد مع اقتباس
مواقع النشر