بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد: بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 9/3/ 2/ 2939 وتاريخ 11/ 8 /1388 هـ ، ومشفوعه البطاقة المرفوعة إليكم من الاتحاد الإسلامي في الغرب ، وهذا نصها : دعوة جميع المسلمين في روما إلى مقر الاتحاد الإسلامي في الغرب في الساعة السابعة والربع من مساء السبت تاريخ 19/ 10/ 1968م بمناسبة " ذكرى المعراج المعظم " في ليلة 27 رجب للعام الثاني عشر من الرسالة إذ حضر محمد صلى الله عليه وسلم الوحي الأمين جبريل عليه السلام ، وعرج بالمصطفى عينا وروحا إلى المسجد الأقصى القدس الجريحة ، فصلى سيد الأنبياء ، ثم عرج به السماء ليريه من آيات ربه .
إن الاتحاد الإسلامي في الغرب يدعو كل مسلم بعد إقامة صلاة المعراج : 12 ركعة كل في بيته ، التفضل إلى مقر الاتحاد للإسهام بالدعاء الخاص بهذه المناسبة ( سبحان الله . أستغفر الله . اللهم صل بإمامية الشيخ باكير إمام الاتحاد الإسلامي في الغرب ، سيختم الاحتفال بتلاوة قصيرة من آيات الله البينات ) انتهى .
وتطلبون منا الجواب عن ذلك .
والجواب : هذا ليس بمشروع لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل ، أما الكتاب فقد قال تعالى :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣]، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد موته ، وقال تعالى : ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١] وقال تعالى : ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور: ٦٣].
وأما السنة :
فالأول : ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وفي رواية لمسلم : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) .
الثاني : روى الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إياكم والمحدثات ، فإن كل محدثة ضلالة).
الثالث : روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة)، رواه الطبراني، إلا أنه قال : (ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة).
الرابع : روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)، ورواه الطبراني، إلا أنه قال : (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته).
وأما الاستصحاب فهو هنا استصحاب العدم الأصلي ، وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية ، فلا يقال : هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع ، ولا يقال : إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة أو الاستحسان أو القياس أو الاجتهاد ؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لتلك فيها .
وأما المعقول فتقريره أن يقال : لو كان هذا مشروعا لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم .
هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج ، وإن كان من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم ، ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله ، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين ، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك ، فيسعنا ما وسعهم .
ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك ، فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه " تنبيه الغافلين " : ومنها - أي : البدع المحرمة - ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب ، وهي " ليلة المعراج " الذي شرف الله به هذه الأمة ، فابتدعوا في هذه الليلة ، وفي ليلة النصف من شعبان ، وهي الليلة الشريفة العظيمة ، كثرة +وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد ، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعا يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد ، وكثرة اللعب فيه واللغط ، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات ، ويبتن في المسجد بأولادهن ، فربما سبق الصغير الحدث ، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة ، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد ، وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد .
وكل ذلك حرام ، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد ، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد ، فينجسه وهو لا يشعر ، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة ، وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين ، مع ما في ذلك من الإسراف في +الوقيد والتبذير وإضاعة المال .
وقال أيضا : واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع وأقبح السيئات ، بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثما عظيما ، فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات أن لا يحضر الجامع ، وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجدا سالما من هذه البدع ؛ لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها ، وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه ، وترك المنهي عنه واجب ، وفعل الواجب متعين ، هذا إن لم يكن مشهورا بين الناس .
فإن كان مشهورا بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن لا يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات ؛ لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاما للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها ، وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة ، وأنكر ذلك بقلبه لعجزه ، ربما يسلم من الإثم ، ولا يغتر به غيره ، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية ؛ لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى ، فيظن الجهال والعوام أن ذلك مستحسن شرعا ، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال ، بل لو عجزوا عن الإنكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ، ولا يرضاها أهل الدين ، وربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم ، فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب ، والامتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين ، وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر .
وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه " الإبداع في مضار الابتداع " تحت عنوان : " المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه " : ومنها " ليلة المعراج " التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها ، وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات ، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا كثيرة كالاجتماع في المساجد ، وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات ، مع الإسراف في ذلك ، واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج ، وكان ذلك حسنا لو كان ذكرا وقراءة وتعلم علم ، لكنهم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ، ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير . انتهى.
وإن أردتم المزيد من الكلام على الموضوع فعليكم مراجعة " الاعتصام " للشاطبي ، و" البدع والحوادث " للطرطوشي ، و" البدع والنهي عنها " لابن وضاح القرطبي ، هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه ، والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
( ص - ف - 1125 في 02/جمادى الآخرة/ 1389هـ )
المصدر : مجلة البحوث الإسلامية
منقول
مواقع النشر