وبه نستعين
خمسة أوجه للرد على استدلال الخوارج بخروج الزبير والحسين – رضي الله عنهما -
الرد على هذه الشبهة من خمسة أوجه:
الوجه الأول :
أن الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تمنع من الخروج
ولو ظلم ولو فسق ولو عصى , ولم تستثنِ إلا الكفر الصريح .
جاء في حديث ابن عباس – رضي الله عنه – ( خ : 7053 – م : 7467 ) :
« من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر . فإن من فارق الجماعة شبراً فمات ؛ فميتةٌ جاهلية » .
وجاء في حديث أسيد بن حضير – رضي الله عنه – ( خ : 3792 – م : 4756 ) :
« إنكم ستلقون بعدي أثَرةً ؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض » .
قال عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – ( خ : 7055 [ 7056 ] – م : 4748 ) :
دعانا النبي – صلى الله عليه وسلم – فبايعناه . فكان فيما أخذ علينا :
أن بايَعَنا على السمع والطاعة ؛ في منشطنا , ومكرهنا , وعسرنا , ويسرنا , وأثَرَةٍ علينا .
وألاّ ننازع الأمرَ أهلَهُ . قال: « إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » .
الوجه الثاني :
أن ابن الزبير والحسين قد خالفهم الصحابةُ في ذلك – – رضي الله عنهم – أجمعين –
كما أنكر بعضُ كبار التابعين – رحمهم الله – الدخولَ مع ابن الأشعث .
قال الإمام البخاري – رحمه الله – ( 7111 ) :
حدثنا سليمان بن حرب , حدثنا حماد بن زيد , عن أيوب , عن نافع , قال :
لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال :
إني سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول :
« ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة »
وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله , وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع
رجلٌ على بيع الله ورسوله ثم ينصب لـه القتال , وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه
ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه .
وقال العلامة ابن الأثير – رحمه الله – عن خروج الحسين – رضي الله عنه – ( أسد الغابة 2/28 ) :
« فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة , فتجهز للمسير , فنهاه جماعة , منهم :
أخوه محمد ابن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم » انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( المنهاج 4/529 ) :
« وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ؛ كما كان عبد الله بن عمر
وسعيد بن المسيب , وعلي بن الحسين , وغيرهم : ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد .
وكما كان الحسن البصري , ومجاهد , وغيرهما : ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث »
انتهى .
وقال – رحمه الله – ( المنهاج 4/530 ) :
« ولهذا لما أراد الحسين – رضي الله عنه – أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة :
أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
بن هشام : ألاّ يخرج . . . » انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – لمّا ذكر قتال أهل المدينة ليزيد
( البداية والنهاية 8/235 ، حوادث سنة : 64هـ ) :
« وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد
ولا بايع أحداً بعينه بعد بيعته ليزيد » انتهى .
وقال – رحمه الله – عن خروج الحسين – رضي الله عنه –
( البداية والنهاية 8/161 ، حوادث سنة : 60هـ ) :
« ولما استشعر الناس خروجه : أشفقوا عليه من ذلك , وحذروه منه
وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة لـه بعدم الخروج إلى العراق , وأمروه بالمقام بمكة
وذكروا ما جرى لأبيه وأخيه معهم » انتهى .
قال عبد الله بن عبّاس – رضي الله عنهما – :
استشارني الحسين بن علي – رضي الله عنهما – في الخروج
فقلت : لولا أن يزري بي الناس وبك , لنشبت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب .
وجاءه ابن عباس – رضي الله عنهما – وقال :
يا ابن عمّ : إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبيِّن لي ما أنت صانع
فقال لـه : إني قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إن شاء الله تعالى
فقال لـه ابن عباس – رضي الله عنهما – أخبرني : إن كانوا دعوك بعد ما قتلوا أميرهم
ونفوا عدوّهم , وضبطوا بلادهم , فسر إليهم , وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم
قاهر لهم , وعمّاله تجبي بلادهم , فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال .
وجاءه مرّة فقال : يا ابن عمّ : إنّي أتصبّر ولا أصبر , إنّي أتخوف عليك
في هذا الوجه الهلاك , وإن أهل العراق قوم غدر فلا تغترّنّ بهم .
وبلغ ابنَ عمر – رضي الله عنهما – أن الحسين – رضي الله عنه – توجّه إلى العراق
فلحقه على مسيرة ثلاثة ليال , فقال : أين تريد ؟
قال : العراق , وهذه كتبهم وبيعتهم .
فقال لـه ابن عمر : لا تذهب , فأبى
فقال ابن عمر : إنّي محدثك حديثاً : إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا , وإنّك بضعة من
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما يليها أحدٌ منكم أبداً .
فأبى أن يرجع , فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال :
استودعك الله من قتيل .
وقال سعيد بن ميناء – رحمه الله – :
سمعت عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – يقول :
عجّل حسين – رضي الله عنه – قدره والله , ولو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني .
وجاءه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – فقال :
يا أبا عبد الله : إني لكم ناصح , وإني عليكم مشفق , وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم
من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج فلا تخرج إليهم , فإني سمعت أباك
– رضي الله عنه – يقول بالكوفة :
والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني .
وقال عبد الله بن مطيع العدوي – رضي الله عنه – :
إني فداك وأبي وأمي ؛ فأمتعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق , فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم
ليتخذونا عبيداً وخولاً .
وقال ابن عمر – رضي الله عنهما – له ولابن الزبير – رضي الله عنهم – أجمعين :
أذكركما الله إلاّ رجعتما ولا تفرقا بين جماعة المسلمين .
وكان يقول : غلبَنَا الحسين بن علي – رضي الله عنهما – بالخروج
ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة , فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما
ما كان ينبغي لـه أن يتحرّك ما عاش , وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس
فإن الجماعة خير .
وقال لـه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – :
اتق الله والزم بيتك ولا تخرج على إمامك .
وقال أبو واقد الليثي – رضي الله عنه – :
بلغني خروج الحسين بن علي – رضي الله عنهما – فأدركته بملل
فناشدته بالله ألاّ يخرج , فإنه يخرج في غير وجه خروج , إنما خرج يقتل نفسه .
فقال : لا أرجع .
وقال جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – :
كلمت حسيناً – رضي الله عنه – فقلت :
اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض , فوالله ما حمدتم ما صنعتم , فعصاني .
وكتب إليه المسور بن مخرمة – رضي الله عنهما – : إيّاك أن تغترّ بكتب أهل العراق .
الوجه الثالث :
أن الخروج على الحجاج ليس سببه الفسق !
بل كان بدافع التكفير – عند من رأوا الخروج عليه – .
قال الإمام النووي – رحمه الله –
( شرحه ، جزء 11 – 12 ، ص 433 ، تحت الحديث رقم : 4748 ) :
« قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق ؛ بل لما غيّر من الشرع وظاهر الكفر »
انتهى
الوجه الرابع :
أن الإجماع استقرّ بعد ذلك على منع الخروج على الحاكم ؛ إلا في حالة الكفر الصريح فقط .
قال الإمام النووي – رحمه الله – بعد الكلام عن خروج الحسين وابن الزبير
– رضي الله عنهم – وخروج بعض التابعين – رحمهم الله –
( شرحه ، جزء 11 – 12 ، ص 433 ، تحت الحديث رقم : 4748 ) :
« قال القاضي : وقيل إن هذا الخلاف كان أولاً ؛
ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم » انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( المنهاج 4/529 ) :
« ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة
عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر
على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين »
انتهى .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – ( التهذيب 1/399 ، ترجمة : الحسن بن صالح بن حي ) :
« وقولهم : ( وكان يرى السيف ) يعني أنه كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور
وهذا مذهبٌ للسلف قديم . لكن استقرّ الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشدّ منه
ففي وقعة الحرّة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عِظةٌ لمن تدبّر .
الوجه الخامس:
خروج الزبير والحسين رضي الله عنهما فتنة ولا يصح الإستدلال بالفتنة بل هي حجة عليهم .
نقلاً عن موقع السكينة :
خمسة أوجه للرد على استدلال الخوارج بخروج الزبير والحسين – رضي الله عنهما
مواقع النشر