المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدلة السهرة



الفراوله
02-08-2004, 05:42 PM
بدلة السهرة

أنا شاب نشأت في أسرة مكونة من أبي الموظف الصغير بمصلحة الميكانيكا والكهرباء‏,‏ وأمي ربة البيت الطيبة‏,‏ وخمسة أخوة وأخوات أنا أصغرهم‏..‏ ونقيم كلنا في شقة من أربع غرف بالدور الأرضي بإحدي عمارات حي العباسية القديمة‏,‏ ولقد تمتعت في طفولتي المبكرة بعطف أبي وأمي وأخوتي خاصة أكبرهم‏,‏ ثم رحل أبي عن الحياة‏,‏ وأنا في السابعة من عمري وأكبر أخوتي في بداية عامه الثاني بكلية الهندسة‏,‏ حيث كان أمله وأمل أبي أن يصبح مهندسا‏,‏ فواجهت الأسرة مشكلة نفقات الحياة والدراسة لكل الأبناء‏.‏ فقد كان معاش أبي ضئيلا ولا يكاد يكفي لإطعامنا فضلا عن نفقات التعليم‏,‏ وذات يوم وجدت أمي تبكي بحرارة وأخوتي يطيبون خاطرها‏..‏ وعرفت من أختي والتي تكبرني مباشرة أنها حزينة من أجل ابنها الأكبر لأنه اضطر لكي يساعد أخوته وأمه إلي أن يتوقف عن الدراسة ليعمل موظفا صغيرا بالمصلحة التي كان يعمل بها أبي‏,‏ وبالفعل عمل أخي موظفا صغيرا بمساعدة زملاء أبي بالمصلحة‏,‏ ولم يشك من أقداره ولم يتوجع‏..‏ وإنما تقبل الأمر الواقع باستسلام ورضا وأصبح همه الأول هو إعالة اخوته وأمه‏,‏ والحق أن أخي هذا كان منذ صغره إنسانا جادا يتحمل المسئولية‏,‏ وكان أبي يقول عنه إنه ولد رجلا كبيرا وليس طفلا منذ البداية‏..‏ ومضت بنا الحياة وأصبح مرتب أخي ومعاش أبي الضئيل هما موردنا الوحيد‏,‏ وأصبحنا نحن الاخوة نتوجه بمطالبنا إلي أخي هذا الذي أصبح أبا لنا ونحصل منه علي مصروفنا الشخصي‏,‏ وكان دائما واسع الصدر ويتحمل حتي دلعنا ومغالاتنا في مطالبنا‏,‏ ويحرم نفسه لكي يلبي طلباتنا‏,‏ فكان يحرص علي أن نرتدي الملابس التي تحفظ علينا مظهرنا في حدود الممكن‏,‏ ويقضي هو الأعوام بقميصين وبنطلونين يبدلهما في الصيف ويضيف إليهما بلوفرا قديما في الشتاء‏,‏ ولا يشتري لنفسه قميصا جديدا إلا بعد إلحاح شديد منا ومن أمنا عليه‏,‏ وحين ثقلت عليه مطالبنا ونفقتنا بحث عن عمل إضافي وتنقل بين عدة أعمال حتي استقر به المقام في مكتب هندسي عمل فيه ساعيا بعد الظهر‏,‏ وقبل ذلك بلا غضاضة‏,‏ ثم حدث ذات يوم أن بحث صاحب المكتب عن أحد مساعديه ليتولي تحبير رسم هندسي أعده فلم يجده‏,‏ وغضب صاحب المكتب‏,‏ فعرض عليه أخي أن يقوم هو بهذا العمل لإنقاذ الموقف‏,‏ وسأله صاحب المكتب في عصبية‏:‏ وما شأنك أنت بالرسوم الهندسية؟ فأجابه أخي في استحياء‏,‏
أنه كان طالبا بكلية الهندسة واضطرته ظروفه العائلية منذ سنوات للتوقف عن الدراسة‏,‏ فاعتذر له صاحب المكتب عن حدته معه وكلفه بالرسم المطلوب ونفذه علي وجه مقبول‏.‏ فرقاه من ساع إلي رسام هندسي واستعان بغيره للقيام بعمل الساعي وعامل البوفيه‏,‏ واستقر الحال بأخي في هذا المكتب عدة سنوات كان دخله منه خير معين له علي مواجهة نفقاتنا‏,‏ وتحسن مظهره بعض الشيء فاشتري لنفسه فميصين وبنطلونا بعد إلحاح شديد منا‏.‏
وخلال هذه السنوات تقدم أخوتي في مراحل التعليم وبلغت أختي الكبري المرحلة الجامعية‏..‏ وبلغ الأخ الذي يليها الثانوية العامة ووصلت أختي الوسطي إلي نهاية المرحلة الاعدادية‏,‏ ووضعت أنا قدمي علي بداية المرحلة الاعدادية‏,‏ وكانت أجمل أوقاتنا حين نجتمع حول شقيقنا العطوف يوم الجمعة ونتسامر معه ونتبادل الأحاديث والأمنيات الطيبة‏..‏ ونتحدث عن المستقبل حين نتغلب علي ظروفنا‏,‏ وكان أخي هذا مهموما علي الدوام بأمرنا ومشاكلنا‏,‏ فهو يذهب معي للمدرسة ليقابل أحد المدرسين ويحل معه مشكلة لي‏,‏ ويذهب مع أخي طالب الثانوية العامة ليقابل الناظر ويحل مشكلة غيابه عنها لأسباب قهرية‏,‏ وحتي المشاكل العاطفية كان يستمع إليها في صبر وفهم ويشير علينا بالرأي السديد‏,‏ ولا يثور علينا ولا يتهمنا بأننا نعبث وهو يكافح لإعالتنا‏,‏ بل يدافع عنا لدي أمي حين تغضب منا وتقرعنا وتذكرنا بتضحيات أخي من أجلنا وكيف أننا ينبغي أن نقابلها بالجد للانتهاء من دراستنا وتخفيف العبء عنه‏,‏ وكان يقول لها دائما كلما شكت من سلوك أحدنا‏:‏ أنهم شباب يا أمي ولابد أن يعبثوا بعض الوقت أو يخطئوا ثم يعودون للصواب في النهاية‏.‏

والحق أنني لا أدري حتي الآن من أين جاء أخي الكبير بكل هذه الحكمة والصبر‏,‏ ربما لأنه تحمل المسئولية في سن مبكرة‏,‏ وربما لتدينه وخشيته لربه‏,‏ فلقد كان حريصا علي الفروض الدينية ولا يغضب من أحدنا إلا إذا استشعر تقصيره في أدائها‏..‏
وبرغم شبابه المتفجر فقد صرف أخي تفكيره عن الفتيات تماما طوال تلك السنوات‏,‏ ولم يفكر في الحب ولا في الزواج لأن لديه ـ كما كان يقول ـ مسئولية كبيرة لابد أن يؤديها قبل أن يفكر في ذلك‏,‏ إلي أن أحب بعد أن تجاوز الثلاثين فتاة تعمل معه في المكتب الهندسي وكتم هواه عنها لثقته من أن ظروفه لا ترشحه للارتباط بها‏,‏ وظل علي هذا الحال عامين أدرك خلالها زملاؤه في المكتب أنه متيم بها في صمت وشجعوه علي مفاتحتها‏,‏ وأكدوا له أنها تنتظر منه ذلك‏..‏ فتشجع أخيرا وفاتحها ورحبت به‏..‏ وأراد أن يخطبها لكن المشاكل المادية ومشكلة السكن حالت للأسف بينه وبين تحقيق أمنيته‏,‏ فلقد قبلت زميلته بكل ظروفه لكن أبويها رفضا أن تتزوج وتقيم معه في شقة الأسرة‏,‏ واشترطا عليه أن يستقل بمسكنه عن أخوته وأمه أولا قبل الزواج‏,‏ ووافقنا جميعا علي ذلك لكنه لم يستطع تدبير شقة مستقلة ولم يتحمس للاستقلال بحياته عنا ونحن مازلنا نحتاج إليه ونعتمد عليه‏,‏ ولم تستطع فتاته اقناع أبويها باستعدادها للعيش مع أسرته أو لم تتحمس جديا لذلك فتنازل من جديد عن حلمه بالسعادة ولم يكمل مشروع الخطبة وترك العمل في المكتب الهندسي لكيلا يعذب نفسه برؤية من أحبها بصدق ولم يستطع الارتباط بها‏,‏ وبدأ يعطي دروسا خاصة في الرياضيات لطلبة المدارس الاعدادية في البيت ورأيته في هذه الفترة حزينا‏..‏ تطول فترات صمته وسرحانه‏,‏ ويقضي أوقات فراغه في القراءة أو الصلاة أو الجلوس صامتا إلي جانب أمي‏.‏
يتبع........... (الجزء الثاني)

ملكة الثلج
02-08-2004, 06:18 PM
شكراًلك الفراولة ....ننتظرك
لاتطولي علينا;)

حفيدة سمية
03-08-2004, 10:48 PM
بانتظار التتمة

لا تطيلي...:)