المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنـــــــــــــه الله جل جلاله



الصابره المحتسبه
19-02-2008, 06:36 PM
رحمة الله


في القرآن العظيم آيات لو تدبرها الناس لكفتهم، ولفتحت عليهم بابا كبيرا الى الخير، وأغلقت عنهم أبواب الشر......
من تلك الآيات هذه الآية:
{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك له وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم}..

..هذه الآية تتحدث عن رحمة الله، التي يرسلها تارة، ويمسكها أخرى، ولا أحد يقدر على ذلك غيره سبحانه وتعالى.

هذه الآية من تدبرها واستيقنها واستقرت في قلبه، تحول تحولا كاملا في:
... تصوراته... واتجاهاته... وموازينه..

- إنها تقطعه عن كل قوة، وتصله بقوة الله..
- تيئسه من كل رحمة، وتصله برحمة الله..
- توصد أمامه كل باب، وتفتح أمامه باب الله ..
- تغلق في وجهه كل طريق، وتشرع له طريقه الى الله.
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لايحصيها العد، ويعجز الانسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها، فمن مظاهرها:

- خلق الانسان، وتكوينه، وتكريمه، وتسخير الأرض له، وهدايته بالرسل والكتب..
- ومن قبل بفطره على معرفته ومحبته، قال تعالى :
{ وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها } ، وقال : { وما بكم من نعمة فمن الله } .
- ورحمة الله ليست قاصرة على ما وهب وأعطى، بل تمتد إلى حرم
ومنع:

فما حرم شيئا إلا رحمة بخلقه، وما منع رزقا إلا لرحمته بعباده، حرم الربا، والزنا، والخمر، والقمار، رحمة بهم، حتى لاتفسد معيشتهم حياتهم، ومنع بعض عباده المال والصحة رحمة بهم كيلا يكفروا، ويطغوا، ويعيثوا في الأرض فسادا.
- رحمة الله يجدها من يفتحها الله له، في كل مكان، وفي كل شيء، وفي كل حال، يجدها في نفسه، وفيما حوله، ولوفقد كل شيء مما يعد الناس فقده حرمانا.... ورحمة الله يفقدها من يمسكها الله عنه، في كل شيء، وفي كل حال ومكان، ولو وجد كل شيء، مما يعد الناس وجده من الإنعام..

وما من نعمة يمسك الله عنها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة:

ينام الانسان على الأرض فوق التراب مع رحمة الله فإذا هي مهاد، وينام على الحرير وقد أمسكت عنه رحمة الله فإذا هو شوك..
يعالج أعسر الأمور برحمة الله فإذا هي هوادة ويسر، ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت عنه رحمة الله فإذا هي مشقة وعسر..
يخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام، ويعبر بدونها المسالك الآمنة فإذا هي مهلكة وبوار ..

ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها..
لا ضيق معها ولو كان صاحبها يعيش في فقر، وتحت العذاب والأذى، ولاسعة مع إمساكها ولو تقلب في أعطاف النعيم.
هذه الرحمة تفتح.. ثم يضيق الرزق والسكن والعيش وتخشن الحياة، فلا عليك فهو الرخاء والسعادة والأمن والراحة..
وهذا الفيض يمسك.. ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء، فلا جدوى إنما هو الضنك والبلاء والشقاء والعذاب.

يبسط الله الرزق مع رحمته، فإذا هو متاع طيب، ورغد في الحياة، وزاد الى الآخرة، بالإنفاق، وتحري الحلال، والرضا بالنصيب.. ويمسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف وحسد وبخل وطمع وتطلع الى الحرام وتوغل في الشبهات.
يمنح الله الذرية مع رحمته، فإذا هي زينة ومصدر فرح واستمتاع وذخر للآخرة وعون في الدنيا.. ويمسك رحمته، فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء وسهر بالليل وتعب بالنهار.

يهب الله الصحة والقوة مع رحمته، فإذا هي نعمة وحياة طيبة.. ويمسك عنها رحمته، فإذا الصحة والقوة وسيلة الى الحرام وتعدي الحدود والطغيان والظلم.
ويعطي الله السلطان والجاه، مع رحمته فإذا هي أداة إصلاح ومصدر أمن، ووسيلة لادخار الصالح من العمل والأثر.. ويمسك عنها رحمته، فإذا هي مصدر قلق وطغيان وبغي واستكبار، يدخر بها رصيدا ضخما من العذاب في الآخرة.
- ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله:
فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك، ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها، وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها، وتوقعها في كل أمر هو الرحمة.. والعذاب في احتجابك عنها، أو يأسك منها، أو شكك فيها، وهو عذاب لايصبه الله على مؤمن أبدا:
{ إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ..
- رحمة الله لاتعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال :
وجدها إبراهيم عليه السلام في النار..
ووجدها يوسف عليه السلام في الجب، كما وجدها في السجن ..
ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ..
ووجدها موسى عليه السلام في اليم، وهو طفل مجرد من كل قوة،، كما وجدها في قصر عدوه فرعون..

ووجدها أصحاب الكهف في الكهف، حين افتقدوها في القصور والدور، فقال بعضهم لبعض:
{ فأووا الى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته } ..
ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصاحبه في الغار، والقوم يتعقبونهما، ويقصون الآثار..
ووجدها كل من آوى إليها يأسا من كل ما سواها، منقطعا عن كل قوة ورحمة، قاصدا باب الله وحده دون الأبواب.
- ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها:
ومن ثم فلا مخافة من أحد، ولارجاء في أحد، ولامخافة من شيء، ولارجاء في شيء، ولا خوف من فوت وسيلة، إنما هي مشيئة الله يفعل ما يشاء.
وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه، من غير

وسائط، بل التوجه الى طاعته، وترك معصيته، والثقة برحمته، والاستسلام له .
---
- آية واحدة ترسم للحياة صورة جديدة:
تغير القلوب وتملأها بالطمأنينة والثقة، وتطرد عنها الأوهام والوساوس، وتبدلها خوفها أمنا، واضطرابها ثباتا، وجزعها رضا، وترزقها حسن الظن بالله.
آية واحدة لو استقرت في قلب إنسان لصمد كالطود للأحداث، ولو تضافر على عداوته الجن والإنس، وهم لايفتحون رحمة الله ولايمسكونها، فلم الخوف منهم ولم الرجاء فيهم؟..
{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم } .
----
يحدثنا القرآن الكريم عن عن علم الله ورحمته أنهما وسعا كل شيء، قال تعالى في ثلاثة مواضع من كتابه:
- { وسع ربي كل شيء علما } ..
- { ورحمتي وسعت كل شيء }..
وقد جمعا في آية واحدة:
- { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما } ..

فعلم الله شامل لايغيب عنه مثقال ذرة، ومن هنا كانت رحمته شاملة، فالرحمة الشاملة لابد لها من علم شامل، فإن الرحمة لاتكون إلا بعلم، فالله تعالى أخبر عن علمه أنه وسع كل شيء، وعن رحمته أنها وسعت كل شيء، حتى يتعلق العباد برحمته، ثم بين لنا أنه استوى على أعظم مخلوقاته، وهو العرش، باسم الرحمن فقال : { الرحمن على العرش استوى} ..

والعرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى:
{ ورحمتي وسعت كل شيء} ..
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده موضوع على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي ).
فإذا تأملنا:
- أن علم الله وسع كل شيء،..
- وأنه استوى على العرش باسم الرحمن..
- وأنه كتب كتابا ووضعه على العرش فيه: أن رحمته تغلب غضبه..
عرفنا عظم رحمة الله ووسعها ......!!!!!!....
فالخيبة كل الخيبة لمن حُرِمها، ولايُحْرَمها إلا خاسر، وأما الفائز بها فهو السعيد وصفته كما قال تعالى:
{ ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة وهم الذين هم بآياتنا يؤمنون } ..
فمن أراد رحمة الله أن تناله، فليتق الله في كل أموره:
- بفعل الطاعات..
- واجتناب المعاصي..
- وليؤد حق الله في ماله..
- وليؤمن بكل بكل ما جاء عن الله، بلا تردد.
والسلام..

من موقع اذكر الله
يتبع

الصابره المحتسبه
19-02-2008, 06:38 PM
عظمته في كمال قهره وعزه وجبروته:
سبحان الله من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء، يا الله أي عظمة تلك في ملائكته، وأي خلقة تلك خلقتهم، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة العرش قرناه عند عرش الرحمن، ورجلاه تخطان في الأرض السابعة، وما بين أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام".
يا الله هذا ملك من ملائكته عبد من عبيده فكيف بمالك الملائكة؟ جاء في الحديث: "خلق الله الملائكة أصنافاً وإن منهم لملائكة قياماً صافّين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلّى الله تبارك وتعالى، ونظروا إلى وجه الكريم، قال سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".
وأي شيء تلك هي جهنم تجر يوم القيامة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، ما أعظم شفيرها وما أبعد قعرها وما أعظم خلقها، وما أشد بأسها "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" ومع هذا كله أي شيء هو خوفها من ربها، له خاضعة وبين يديه طائعة، في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد ؟! حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط، وعزّتك، ويزوي بعضها إلى بعض".
يا سبحانه ما أعظمه شديد القهر، عليّ القدر، المتكبر، "إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"، "إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ" من الذي أرغم أنوف الطغاة عداه، ومن الذي خفض رؤوس الظلمة سواه، أهلك الفراعنة، وكسر الأكاسرة، وقصر الأقاصرة، ومزق الجبابرة، شمخت عاد واستكبرت، واغترت وعلى العظيم تألّت، وقالوا من أشد منا قوة فأجابهم الله قولاً وفعلاً: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ".
نافع مانع قوي شديد *** قاصم ظهر كل باغٍ وعات
كم تألّى ذوو عناد وكفر *** فاستحالت عروشهم خاويات
كم أتى بطشه فأردى شعوباً *** لاهيات في دورها آمنات
وله الكبرياء هل من ولي *** غيره قد أباد كل الولاة

كتبه: فضيله الشيخ
فيصل بن عبدالرحمن الشدي
لا يفوتكم أن تسمعو شريط للشيخ بعنوان سبحانك ما أعظمك
هنيئاً لكم يا أهل الخرج بهذا الشيخ :: لما تعود بي الذاكره لهذه المحافظه أحن إلى للقياه ولدروسه ومحاظراته اسأل الله أن ينفع به وأن يبارك له في عمره وعمله

* أمة الرحمن *
19-02-2008, 10:33 PM
موضوع رائع
كيف وهو يتكلم عن أرحم الراحمين
مشاركات متميزة
لا حرمك ربي أجرها
واصبري يا أخية ولا تثنيك قلة الردود
وكفاك أن الله علم بسعيك
فوا فرحتاه إن قبله منك غدا !

رواء®
20-02-2008, 01:40 AM
بارك الله فيكِ أختي الغالية وكتب لك الأجر بكل حرف ..

وجزى الله الشيخ الشدي خير الجزاء على ما يقدمه من محاضرات ودروس ..

(..مشتــاقة لأمــي..)
20-02-2008, 11:17 AM
بارك الله فيكِ أختي الغالية.


وكتب الله لك الأجر بكل حرف

:rroo::rroo::rroo::rroo:

:rroo::rroo:

:rroo:

حنيني
21-02-2008, 04:28 PM
ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما

جزاك الله خير

نوووته
21-02-2008, 04:39 PM
الرب جل جلاله


خالد بن محمد السليم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فهذا الاسم من أعظم أسمائه جل في علاه , وأشملها معاني .
والرب هو الذي يربي غيره وينشئه شيئا فشيئا ويُطْلقُ على المالِك والسَّيِّد والمدَبّر والمُرَبِّي والقَيِّم والمُنْعِم [1]
فربنا سبحانه هو الذي يخلق ويرزق ويدبر الأمر ويعطي ويمنع ويهدي ويضل وكل ما في الكون مربوب له سبحانه ,خاضع له , لا يخرج أحد عن ملكه .
وإلى هذا الاسم مع اسمه (الله ) , واسمه (الرحمن) مرجع الأسماء الحسنى وبها استفتح الله كلامه , واجتمعت في أعظم سورة في القرآن , قال ابن القيم
"تأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة وهي الله , والرب , والرحمن, كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب , وكيف جمعت الخلق وفرقتهم , فلها الجمع ولها الفرق: فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته , وكل من في السموات والأرض عبد له, في قبضته وتحت قهره , فاجتمعوا بصفة الربوبية , وافترقوا بصفة الإلهية ؛ فألّهه وحده السعداء وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو" [2] والرب سبحانه وتعالى هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم على هدايتها وإصلاحها وهو الذي نظم معيشتها ودبر أمرها ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف:54]
وهذه الربوبية عامة لكل أحد وليس فيها فضل لأحد على آخر , والشأن كل الشأن في الربوبية الخاصة وهي التي يمد الله بها أولياءه ويصنعهم على عينه, قال ابن سعدي" الرب هو: المربي جميع عباده، بالتدبير، وأصناف النعم. وأخص من هذا، تربيته لأصفيائه، بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم وأخلاقهم.ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة." [3]
"فالرب سبحانه إذا علم من محل أهلية لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبب إليه ذلك ووضعه فيه وكتبه في قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسر له طرقه , وأغلق دونه الأبواب التي تحول بينه وبين ذلك , ثم تولاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أحسن من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده الذي هو أحب شيء إليه, فلا يزال يعامله بلطفه ويختصه بفضله ويؤثره برحمته ويمده بمعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع إحسانه إليه وبره به ؛ فيزداد العبد به معرفة وله محبة وإليه إنابة وعليه توكلا ولا يتولى معه غيره ولا يعبد معه سواه ,وهذا هو الذي عرف قدر النعمة وعرف المنعم وأقر بنعمته وصرفها في مرضاته " [4]

ومتى تحققت هذه المعرفة من قلب العبد , تحولت هذه المعرفة إلى منهج حياة , وأثمرت ثمرات مباركات . منها :
امتلاء القلب من محبة هذا الرب العظيم ,فالمحبة إنما تنشأ من أحد أمرين ـوكلاهما يقتضيهما هذاالاسم ـ
أحدهما : يتعلق بذاته وصفاته وأنه أهل لذلك . والثاني متعلق بإحسانه وانعامه ولا سيما مع غناه عن عباده , وانه إنما يحسن إليهم رحمة منه وجودا وكرما , لا لمعاوضة ولا لاستجلاب منفعة ولا لدفع مضرة [5]

1- ومنها : الفرح بالله والرضى به ,فليس في الدنيا من يفعل فعل ربنا سبحانه , قال الله تعالى (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) [سورة الأنعام 6/164]

فيعتز بدينه ويكره أن يكون كافرا كما يكره أن يقذف في النار فتتحق له من هذا ثمرة عظيمة وهي : حلاوة الإيمان فتغدو حياته سعادة كلها ,ويتقلب في النعيم وهو لايزال في دار العمل كما ثبت في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) [صحيح مسلم].
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) [صحيح البخاري]

ومن أعظم الثمرات : التوجه لله وحده بالعبادة , وإسلام الوجه له دون من سواه فكيف يعبد من هو مربوب له , وكيف ُيسأل من لا ينفع نفسه , وقد وبخ الله عز وجل الكفاركثيرا في القرآن بكفرهم مع إقرارهم بأنه الخالق الرازق وحده ,واعترافهم بأن آلهتهم ليس لها من الأمر شيء (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ) [سورة يونس 10/31]
"ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : 22] أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لاشك فيه . وهذا أعظم الذنب كما ثبت عن بن مسعود قال قلت: يا رسول الله (أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) الحديث [6]

ومنها : البراءة من كل ما يعبد من دونه والتضحية من إجل إبطال الشرك وإزالته والسعي في الأرض لإقامة دين هذا الرب قال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام : (قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) ) [الشعراء:75-85] ، فجعل إبراهيم عليه السلام توحيد الله بالربوبية والألوهية مسلكا له في حياته ، وزادا له في ابتلاءاته وذخرا له عند مماته ، وهذا هو العبد الرباني الذي أمر الله عباده أن يتصفوا بوصفه في الاعتقاد والقول والعمل ؛ قال عز وجل : (وَلَـωكِن كُونُواْ رَبَّـωنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ωلْكِتَـωبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) [آل عمران:79] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في تفسير الآية : ( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ )

ومنها : أنه إذا علم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة ؛أثمر له عبودية التوكل عليه باطنا ,ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا ,فأنزل بربه حاجته , وأحسن ظنه به .

ومنها : أن يظهر العبد في ثوب العبودية ، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية ؛ لعلمه أن المنفرد بها من له علو الشأن والقهر والفوقية ، فيثبت لله عز وجل أوصاف العظمة والكبرياء ، ولا ينازع رب العالمين في كمال شريعته أو يتخلف عن درب النبي وسنته [7]

ومنها : أن يتطلع لربوبية الله الخاصة ويتعرض لها ما استطاع ,ويلح على ربه بهذا الاسم ويناشد ربه على حال وفي كل حين أن يكون من أوليائه الذين غرس الرب كرامتهم بيده ,وسبقت لهم من ربهم الحسنى وزيادة , ويديم ذلك كما فعل أصفياؤه الذين أخبر عنهم ربهم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران : 191] وملاحظة الربوبية الخاصة هو السر والله أعلم في دعاء الأنبياء وعباد الرحمن بهذا الاسم كثيرا , دون غيره .وملاحظة هذا المعنى عند الدعاء نافع جدا [8]

ومنها : أن يتقي العبد ربه فيمن ولاه عليهم ، وألا يصف نفسه بأنه رب كذا تواضعا لربه وتوحيدا لله في اسمه ووصفه ، وإن جاز أن يصفه غيره بذلك ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : ( أن رَسُول اللهِ دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ : مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : أَفَلاَ تَتَّقِى اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ التِي مَلكَكَ اللهُ إِيَّاهَا ، فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ) [9]
وأما النهي عن ذلك تواضعا لله ؛ فقد ورد عند البخاري من حديث أَبِى هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قال لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك , اسق ربك وليقل سيدي مولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي ) زاد أبوداود (وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ : سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي ، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللهُ عَزَّ وَجَل ) [10] .


*/ عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم . قسم القرآن وعلومه
11/3/1428

-------------------------------
[1] تفسير الطبري 1/47 , النهاية في غريب الحديث1/179
[2] مدارج السالكين ج1/ص34
[3] تفسير السعدي 16
[4] طريق الهجرتين ج1/ص172
[5] مفتاح دار السعادة ج2/ص91
[6] في الصحيحين خ 447 م 86 تفسير ابن كثير ج1/ص58
[7] انظر: أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني 5/168
[8] انظر :فتح الرحيم الملك العلام لابن سعدي 48
[9] أبو داود في الجهاد ، ما يؤمر به من القيام على الدواب 3/23 (2548) ، صحيح الترغيب (2269) .
[10] صحيح البخاري ج2/901 ح2414أبو داود في الأدب ، باب لا يقول المملوك ربي وربتي 4/294 (4975) ، صحيح الجامع (7766) .و انظر: أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني 5/ 168 .

** للاستزادة انظر النهج الأسنى لمحمد الحمود 1/409 , أسماء الله الحسنى د محمود الرضواني 5/ 168 ,تحقيق العبودية للدكتورة فوز الكردي

الصابره المحتسبه
15-03-2010, 05:01 PM
جزاكم الله كل خير جميعا

رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا و بنبينا محمدا نبيا ورسولا

الصابره المحتسبه
18-12-2010, 04:35 PM
جزاكم الله كل خير جميعا

رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا و بنبينا محمدا نبيا ورسولا

sho3a3
20-12-2010, 09:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أشكركِ على منقولكِ المفيد...

اللهم أرحمنا برحمتك فنحن عبيدك الفقراء وأنت الغني سبحانك ياالله ..


جعلها الله في ميزان حسناتكِ .. وأعلى منزلتكِ في الدارين ورفع قدركِ أخية ..