شهيددة فلسطين
12-09-2008, 07:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الورد التاسع : حقيقة قصة مريم وعيسى عليه السلام
الآيات من 42 -47 وتقع في الجزء الثالث من القرآن الكريم
{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } *
مطلوب تدوين الآيات من 42 - 47 والتقييم حتى مساء الأحد
كلام الملائكة مريم والدلالة على الوحي
وكأنما كانت هذه الخارقة تمهيدا في السياق لحادث عيسى الذي انبثقت منه كل الأساطير والشبهات وإن هو إلا حلقة من سلسلة في ظواهر المشيئة الطليقة فهنا يبدأ في قصة المسيح عليه السلام وإعداد مريم لتلقي النفخة العلوية بالطهارة والقنوت والعبادة وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين وأي اصطفاء وهو يختارها لتلقي النفخة المباشرة كما تلقاها أول هذه الخليقة آدم وعرض هذه الخارقة على البشرية من خلالها وعن طريقها إنه الاصطفاء للأمر المفرد في تاريخ البشرية وهو بلا جدال أمر عظيم ولكنها حتى ذلك الحين لم تكن تعلم ذلك الأمر العظيم والإشارة إلى الطهر هنا إشارة ذات مغزى وذلك لما لابس مولد عيسى عليه السلام من شبهات لم يتورع اليهود أن يلصقوها بمريم الطاهرة معتمدين على أن هذا المولد لا مثال له في عالم الناس فيزعموا أن وراءه سرا لا يشرف قبحهم الله وهنا تظهر عظمة هذا الدين ; ويتبين مصدره عن يقين فها هو ذا محمد ص رسول الإسلام الذي يلقى من أهل الكتاب ومنهم النصارى ما يلقى من التكذيب والعنت والجدل والشبهات ها هو ذا يحدث عن ربه بحقيقة مريم العظيمة وتفضيلها على نساء العالمين بهذا الإطلاق الذي يرفعها إلى أعلى الآفاق وهو في معرض مناظرة مع القوم الذين يعتزون بمريم ويتخذون من تعظيمها مبررا لعدم إيمانهم بمحمد وبالدين الجديد أي صدق وآية عظمة وأية دلالة على مصدر هذا الدين وصدق صاحبه الأمين إنه يتلقى الحق من ربه ; عن مريم وعن عيسى عليه السلام ; فيعلن هذا الحق في هذا المجال ولو لم يكن رسولا من الله الحق ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين طاعة وعبادة وخشوع وركوع وحياة موصولة بالله تمهيدا للأمر العظيم الخطير وعند هذا المقطع من القصة وقبل الكشف عن الحدث الكبير يشير السياق إلى شيء من حكمة مساق القصص إنه إثبات الوحي الذي ينبىء النبي ص بما لم يكن حاضره من أنباء الغيب في هذا الأمر ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون وهي إشارة إلى ما كان من تسابق سدنة الهيكل إلى كفالة مريم حين جاءت بها أمها وليدة إلى الهيكل وفاء لنذرها وعهدها مع ربها والنص يشير إلى حادث لم يذكره العهد القديم ولا العهد الجديد المتداولان ; ولكن لا بد أنه كان معروفا عند الأحبار والرهبان حادث إلقاء الأقلام أقلام سدنة الهيكل لمعرفة من تكون مريم من نصيبه والنص القرآني لا يفصل الحادث ربما اعتمادا على أنه كان معروفا لسامعيه أو لأنه لا يزيد شيئا في أصل الحقيقة التي يريد عرضها على الأجيال القادمة فلنا أن نفهم أنهم اتفقوا على طريقة خاصة بواسطة إلقاء الأقلام لمعرفة من هي من نصيبه على نحو ما نصنع في القرعة مثلا وقد ذكرت بعض الروايات أنهم ألقوا بأقلامهم في نهر الأردن فجرت مع التيار إلا قلم زكريا فثبت وكانت هذه هي العلامة بينهم فسلموا بمريم له وكل ذلك من الغيب الذي لم يكن الرسول ص حاضره ولم يبلغ إلى علمه فربما كان من أسرار الهيكل التي لا تفشى ولا تباح للإذاعة بها فاتخذها القرآن في مواجهة كبار أهل الكتاب وقتها دليلا على وحي من الله لرسوله الصادق ولم يرد أنهم ردوا هذه الحجة ولو كانت موضع جدال لجادلوه ; وهم قد جاءوا للجدال
خلق عيسى بن مريم ونبوته والأن نجيء إلى مولد عيسى العجيبة الكبرى في عرف الناس والشأن العادي للمشيئة الطليقة
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ; ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
لقد تأهلت مريم إذن بالتطهر والقنوت والعبادة لتلقي هذا الفضل واستقبال هذا الحدث وها هي ذي تتلقى لأول مرة التبليغ عن طريق الملائكة بالأمر الخطير إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين إنها بشارة كاملة وإفصاح عن الأمر كله بشارة بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى بن مريم فالمسيح بدل من الكلمة في العبارة وهو الكلمة في الحقيقة فماذا وراء هذا التعبير إن هذه وأمثالها من أمور الغيب التي لا مجال لمعرفة كنهها على وجه التحديد ربما كانت من الذي عناه الله بقوله أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله إلخ ولكن الأمر أيسر من هذا إذا أردنا أن نفهم طبيعة هذه الحقيقة الفهم الذي يصل القلب بالله وصنعته وقدرته ومشيئته الطليقة لقد شاء الله أن يبدأ الحياة البشرية بخلق آدم من تراب وسواء كان قد جبله مباشرة من التراب أو جبل السلالة الأولى التي انتهت إليه من تراب فإن هذا لا يقدم ولا يؤخر في طبيعة السر الذي لا يعلمه إلا الله سر الحياة التي لابست أول مخلوق حي أو لابست آدم إن كان خلقه مباشرة من التراب الميت وهذه كتلك في صنع الله وليست واحدة منهما بأولى من الأخرى في الوجود والكينونة من أين جاءت هذه الحياة وكيف جاءت إنها قطعا شيء آخر غير التراب وغير سائر المواد الميتة في هذه الأرض شيء زائد وشيء مغاير وشيء ينشىء آثارا وظواهر لا توجد أبدا في التراب ولا في مادة ميتة على الإطلاق هذا السر من أين جاء إنه لا يكفي أننا لا نعلم لكي ننكر أو نهذر كما يفعل الماديون في لجاجة صغيرة لا يحترمها عاقل فضلا عن عالم نحن لا نعلم وقد ذهبت سدى جميع المحاولات التي بذلناها نحن البشر بوسائلنا المادية لمعرفة مصدرها أو لإنشائها بأيدينا من الموات نحن لا نعلم ولكن الله الذي وهب الحياة يعلم وهو يقول لنا إنها نفخة من روحه وإن الأمر قد تم بكلمة منه كن فيكون ما هي هذه النفخة وكيف تنفخ في الموات فينشأ فيه هذا السر اللطيف الخافي على الأفهام ما هي وكيف هذا هو الذي لم يخلق العقل البشري لإدراكه لأنه ليس من شأنه إنه لم يوهب القدرة على إدراكه إن معرفة ماهية الحياة وطريق النفخة لا يجديه شيئا في وظيفته التي خلقه الله لها وظيفة الخلافة في الأرض إنه لن يخلق حياة من موات فما قيمة أن يعرف طبيعة الحياة وماهية النفخة من روح الله وكيفية اتصالها بآدم أو بأول سلم الحياة الذي سارت فيه السلالة الحية والله سبحانه يقول إن النفخة من روحه في آدم هي التي جعلت له هذا الامتياز والكرامة حتى على الملائكة فلا بد إذن أن تكون شيئا آخر غير مجرد الحياة الموهوبة للدود والميكروب وهذا ما يقودنا إلى اعتبار الإنسان جنسا نشأ نشأة ذاتية وأن له اعتبارا خاصا في نظام الكون ليس لسائر الأحياء وعلى أية حال فهذا ليس موضوعنا هنا إنما هي لمحة في سياق العرض للتحرز من شبهة قد تقوم في نفس القارىء لما عرضناه جدلا حول نشأة الإنسان المهم هنا أن الله يخبرنا عن نشأة سر الحياة ; وإن لم ندرك طبيعة هذا السر وكيفية نفخه في الموات وقد شاء الله بعد نشأة آدم نشأة ذاتية مباشرة أن يجعل لإعادة النشأة الإنسانية طريقا معينا طريق التقاء ذكر وأنثى واجتماع بويضة وخلية تذكير فيتم الإخصاب ويتم الإنسال والبويضة حية غير ميتة والخلية حية كذلك متحركة ومضى مألوف الناس على هذه القاعدة حتى شاء الله أن يخرق هذه القاعدة المختارة في فرد من بني الإنسان فينشئه نشأة قريبة وشبيهة بالنشأة الأولى وإن لم تكن مثلها تماما أنثى فقط تتلقى النفخة التي تنشىء الحياة ابتداء فتنشأ فيها الحياة أهذه النفخة هي الكلمة آلكلمة هي توجه الإرادة آلكلمة كن التي قد تكون حقيقة وقد تكون كناية عن توجه الإرادة والكلمة هي عيسى أو هي التي منها كينونته كل هذه بحوث لا طائل وراءها إلا الشبهات وخلاصتها هي تلك أن الله شاء أن ينشىء حياة على غير مثال فأنشأها وفق إرادته الطليقة التي تنشىء الحياة بنفخة من روح الله ندرك آثارها ونجهل ماهيتها ويجب أن نجهلها لأنها لا تزيد مقدرتنا على الاضطلاع بوظيفة الخلافة في الأرض ما دام إنشاء الحياة ليس داخلا في تكليف الاستخلاف والأمر هكذا سهل الإدراك ووقوعه لا يثير الشبهات وهكذا بشرت الملائكة مريم بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى بن مريم فتضمنت البشارة نوعه وتضمنت اسمه ونسبه وظهر من هذا النسب أن مرجعه إلى أمه ثم تضمنت البشارة كذلك صفته ومكانه من ربه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين كما تضمنت ظاهرة معجزة تصاحب مولده ويكلم الناس في المهد ولمحة من مستقبله وكهلا وسمته والموكب الذي ينتسب إليه ومن الصالحين فأما مريم الفتاة الطاهرة العذراء المقيدة بمألوف البشر في الحياة فقد تلقت البشارة كما يمكن أن تتلقاها فتاة واتجهت إلى ربها تناجيه وتتطلع إلى كشف هذا اللغز الذي يحير عقل الإنسان قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر وجاءها الجواب يردها إلى الحقيقة البسيطة التي يغفل عنها البشر لطول الفتهم للأسباب والمسببات الظاهرة لعلمهم القليل ومألوفهم المحدود قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وحين يرد الأمر إلى هذه الحقيقة الأولية يذهب العجب وتزول الحيرة ويطمئن القلب ; ويعود الإنسان على نفسه يسألها في عجب كيف عجبت من هذا الأمر الفطري الواضح القريب وهكذا كان القرآن ينشىء التصور الإسلامي لهذه الحقائق الكبيرة بمثل هذا اليسر الفطري القريب وهكذا كان يجلو الشبهات التي تعقدها الفلسفات المعقدة ويقر الأمر في القلوب وفي العقول سواء
الورد التاسع : حقيقة قصة مريم وعيسى عليه السلام
الآيات من 42 -47 وتقع في الجزء الثالث من القرآن الكريم
{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } *
مطلوب تدوين الآيات من 42 - 47 والتقييم حتى مساء الأحد
كلام الملائكة مريم والدلالة على الوحي
وكأنما كانت هذه الخارقة تمهيدا في السياق لحادث عيسى الذي انبثقت منه كل الأساطير والشبهات وإن هو إلا حلقة من سلسلة في ظواهر المشيئة الطليقة فهنا يبدأ في قصة المسيح عليه السلام وإعداد مريم لتلقي النفخة العلوية بالطهارة والقنوت والعبادة وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين وأي اصطفاء وهو يختارها لتلقي النفخة المباشرة كما تلقاها أول هذه الخليقة آدم وعرض هذه الخارقة على البشرية من خلالها وعن طريقها إنه الاصطفاء للأمر المفرد في تاريخ البشرية وهو بلا جدال أمر عظيم ولكنها حتى ذلك الحين لم تكن تعلم ذلك الأمر العظيم والإشارة إلى الطهر هنا إشارة ذات مغزى وذلك لما لابس مولد عيسى عليه السلام من شبهات لم يتورع اليهود أن يلصقوها بمريم الطاهرة معتمدين على أن هذا المولد لا مثال له في عالم الناس فيزعموا أن وراءه سرا لا يشرف قبحهم الله وهنا تظهر عظمة هذا الدين ; ويتبين مصدره عن يقين فها هو ذا محمد ص رسول الإسلام الذي يلقى من أهل الكتاب ومنهم النصارى ما يلقى من التكذيب والعنت والجدل والشبهات ها هو ذا يحدث عن ربه بحقيقة مريم العظيمة وتفضيلها على نساء العالمين بهذا الإطلاق الذي يرفعها إلى أعلى الآفاق وهو في معرض مناظرة مع القوم الذين يعتزون بمريم ويتخذون من تعظيمها مبررا لعدم إيمانهم بمحمد وبالدين الجديد أي صدق وآية عظمة وأية دلالة على مصدر هذا الدين وصدق صاحبه الأمين إنه يتلقى الحق من ربه ; عن مريم وعن عيسى عليه السلام ; فيعلن هذا الحق في هذا المجال ولو لم يكن رسولا من الله الحق ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين طاعة وعبادة وخشوع وركوع وحياة موصولة بالله تمهيدا للأمر العظيم الخطير وعند هذا المقطع من القصة وقبل الكشف عن الحدث الكبير يشير السياق إلى شيء من حكمة مساق القصص إنه إثبات الوحي الذي ينبىء النبي ص بما لم يكن حاضره من أنباء الغيب في هذا الأمر ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون وهي إشارة إلى ما كان من تسابق سدنة الهيكل إلى كفالة مريم حين جاءت بها أمها وليدة إلى الهيكل وفاء لنذرها وعهدها مع ربها والنص يشير إلى حادث لم يذكره العهد القديم ولا العهد الجديد المتداولان ; ولكن لا بد أنه كان معروفا عند الأحبار والرهبان حادث إلقاء الأقلام أقلام سدنة الهيكل لمعرفة من تكون مريم من نصيبه والنص القرآني لا يفصل الحادث ربما اعتمادا على أنه كان معروفا لسامعيه أو لأنه لا يزيد شيئا في أصل الحقيقة التي يريد عرضها على الأجيال القادمة فلنا أن نفهم أنهم اتفقوا على طريقة خاصة بواسطة إلقاء الأقلام لمعرفة من هي من نصيبه على نحو ما نصنع في القرعة مثلا وقد ذكرت بعض الروايات أنهم ألقوا بأقلامهم في نهر الأردن فجرت مع التيار إلا قلم زكريا فثبت وكانت هذه هي العلامة بينهم فسلموا بمريم له وكل ذلك من الغيب الذي لم يكن الرسول ص حاضره ولم يبلغ إلى علمه فربما كان من أسرار الهيكل التي لا تفشى ولا تباح للإذاعة بها فاتخذها القرآن في مواجهة كبار أهل الكتاب وقتها دليلا على وحي من الله لرسوله الصادق ولم يرد أنهم ردوا هذه الحجة ولو كانت موضع جدال لجادلوه ; وهم قد جاءوا للجدال
خلق عيسى بن مريم ونبوته والأن نجيء إلى مولد عيسى العجيبة الكبرى في عرف الناس والشأن العادي للمشيئة الطليقة
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ; ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
لقد تأهلت مريم إذن بالتطهر والقنوت والعبادة لتلقي هذا الفضل واستقبال هذا الحدث وها هي ذي تتلقى لأول مرة التبليغ عن طريق الملائكة بالأمر الخطير إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين إنها بشارة كاملة وإفصاح عن الأمر كله بشارة بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى بن مريم فالمسيح بدل من الكلمة في العبارة وهو الكلمة في الحقيقة فماذا وراء هذا التعبير إن هذه وأمثالها من أمور الغيب التي لا مجال لمعرفة كنهها على وجه التحديد ربما كانت من الذي عناه الله بقوله أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله إلخ ولكن الأمر أيسر من هذا إذا أردنا أن نفهم طبيعة هذه الحقيقة الفهم الذي يصل القلب بالله وصنعته وقدرته ومشيئته الطليقة لقد شاء الله أن يبدأ الحياة البشرية بخلق آدم من تراب وسواء كان قد جبله مباشرة من التراب أو جبل السلالة الأولى التي انتهت إليه من تراب فإن هذا لا يقدم ولا يؤخر في طبيعة السر الذي لا يعلمه إلا الله سر الحياة التي لابست أول مخلوق حي أو لابست آدم إن كان خلقه مباشرة من التراب الميت وهذه كتلك في صنع الله وليست واحدة منهما بأولى من الأخرى في الوجود والكينونة من أين جاءت هذه الحياة وكيف جاءت إنها قطعا شيء آخر غير التراب وغير سائر المواد الميتة في هذه الأرض شيء زائد وشيء مغاير وشيء ينشىء آثارا وظواهر لا توجد أبدا في التراب ولا في مادة ميتة على الإطلاق هذا السر من أين جاء إنه لا يكفي أننا لا نعلم لكي ننكر أو نهذر كما يفعل الماديون في لجاجة صغيرة لا يحترمها عاقل فضلا عن عالم نحن لا نعلم وقد ذهبت سدى جميع المحاولات التي بذلناها نحن البشر بوسائلنا المادية لمعرفة مصدرها أو لإنشائها بأيدينا من الموات نحن لا نعلم ولكن الله الذي وهب الحياة يعلم وهو يقول لنا إنها نفخة من روحه وإن الأمر قد تم بكلمة منه كن فيكون ما هي هذه النفخة وكيف تنفخ في الموات فينشأ فيه هذا السر اللطيف الخافي على الأفهام ما هي وكيف هذا هو الذي لم يخلق العقل البشري لإدراكه لأنه ليس من شأنه إنه لم يوهب القدرة على إدراكه إن معرفة ماهية الحياة وطريق النفخة لا يجديه شيئا في وظيفته التي خلقه الله لها وظيفة الخلافة في الأرض إنه لن يخلق حياة من موات فما قيمة أن يعرف طبيعة الحياة وماهية النفخة من روح الله وكيفية اتصالها بآدم أو بأول سلم الحياة الذي سارت فيه السلالة الحية والله سبحانه يقول إن النفخة من روحه في آدم هي التي جعلت له هذا الامتياز والكرامة حتى على الملائكة فلا بد إذن أن تكون شيئا آخر غير مجرد الحياة الموهوبة للدود والميكروب وهذا ما يقودنا إلى اعتبار الإنسان جنسا نشأ نشأة ذاتية وأن له اعتبارا خاصا في نظام الكون ليس لسائر الأحياء وعلى أية حال فهذا ليس موضوعنا هنا إنما هي لمحة في سياق العرض للتحرز من شبهة قد تقوم في نفس القارىء لما عرضناه جدلا حول نشأة الإنسان المهم هنا أن الله يخبرنا عن نشأة سر الحياة ; وإن لم ندرك طبيعة هذا السر وكيفية نفخه في الموات وقد شاء الله بعد نشأة آدم نشأة ذاتية مباشرة أن يجعل لإعادة النشأة الإنسانية طريقا معينا طريق التقاء ذكر وأنثى واجتماع بويضة وخلية تذكير فيتم الإخصاب ويتم الإنسال والبويضة حية غير ميتة والخلية حية كذلك متحركة ومضى مألوف الناس على هذه القاعدة حتى شاء الله أن يخرق هذه القاعدة المختارة في فرد من بني الإنسان فينشئه نشأة قريبة وشبيهة بالنشأة الأولى وإن لم تكن مثلها تماما أنثى فقط تتلقى النفخة التي تنشىء الحياة ابتداء فتنشأ فيها الحياة أهذه النفخة هي الكلمة آلكلمة هي توجه الإرادة آلكلمة كن التي قد تكون حقيقة وقد تكون كناية عن توجه الإرادة والكلمة هي عيسى أو هي التي منها كينونته كل هذه بحوث لا طائل وراءها إلا الشبهات وخلاصتها هي تلك أن الله شاء أن ينشىء حياة على غير مثال فأنشأها وفق إرادته الطليقة التي تنشىء الحياة بنفخة من روح الله ندرك آثارها ونجهل ماهيتها ويجب أن نجهلها لأنها لا تزيد مقدرتنا على الاضطلاع بوظيفة الخلافة في الأرض ما دام إنشاء الحياة ليس داخلا في تكليف الاستخلاف والأمر هكذا سهل الإدراك ووقوعه لا يثير الشبهات وهكذا بشرت الملائكة مريم بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى بن مريم فتضمنت البشارة نوعه وتضمنت اسمه ونسبه وظهر من هذا النسب أن مرجعه إلى أمه ثم تضمنت البشارة كذلك صفته ومكانه من ربه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين كما تضمنت ظاهرة معجزة تصاحب مولده ويكلم الناس في المهد ولمحة من مستقبله وكهلا وسمته والموكب الذي ينتسب إليه ومن الصالحين فأما مريم الفتاة الطاهرة العذراء المقيدة بمألوف البشر في الحياة فقد تلقت البشارة كما يمكن أن تتلقاها فتاة واتجهت إلى ربها تناجيه وتتطلع إلى كشف هذا اللغز الذي يحير عقل الإنسان قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر وجاءها الجواب يردها إلى الحقيقة البسيطة التي يغفل عنها البشر لطول الفتهم للأسباب والمسببات الظاهرة لعلمهم القليل ومألوفهم المحدود قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وحين يرد الأمر إلى هذه الحقيقة الأولية يذهب العجب وتزول الحيرة ويطمئن القلب ; ويعود الإنسان على نفسه يسألها في عجب كيف عجبت من هذا الأمر الفطري الواضح القريب وهكذا كان القرآن ينشىء التصور الإسلامي لهذه الحقائق الكبيرة بمثل هذا اليسر الفطري القريب وهكذا كان يجلو الشبهات التي تعقدها الفلسفات المعقدة ويقر الأمر في القلوب وفي العقول سواء