شهيددة فلسطين
14-09-2008, 09:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الورد الحادي عشر : حقيقة قصة مريم وعيسى عليه السلام
الآيات من 52 - 57 وتقع في الجزء الثالث من القرآن الكريم
{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } *
مطلوب تدوين الآيات من 52-57 والتقييم حتى مساء الثلاثاء
اتباع الحواريين لعيسى عليه السلام
ومن بشارة الملائكة لمريم بابنها المنتظر وصفاته ورسالته ومعجزاته وكلماته هذه التي ذكرت ملحقة بالبشارة ينتقل السياق مباشرة إلى إحساسه عليه السلام بالكفر من بني إسرائيل وإلى طلبه الأنصار لإبلاغ دين الله فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وهنا فجوة كبيرة في السياق فإنه لم يذكر أن عيسى قد ولد بالفعل ; ولا أن أمه واجهت به القوم فكلمهم في المهد ; ولا أنه دعا قومه وهو كهل ; ولا أنه عرض عليهم هذه المعجزات التي ذكرت في البشارة لأمه كما جاء في سورة مريم وهذه الفجوات ترد في القصص القرآني لعدم التكرار في العرض من جهة وللاقتصار على الحلقات والمشاهد المتعلقة بموضوع السورة وسياقها من جهة أخرى والأن لقد أحس عيسى الكفر من بني إسرائيل بعد ما أراهم كل تلك المعجزات التي لا تتهيأ لبشر ; والتي تشهد بأن الله وراءها وأن قوة الله تؤيدها وتؤيد من جاءت على يده ثم على الرغم من أن المسيح جاء ليخفف عن بني إسرائيل بعض القيود والتكاليف عندئذ دعا دعوته قال من أنصاري إلى الله من أنصاري إلى دين الله ودعوته ومنهجه ونظامه من أنصاري إلى الله لأبلغ إليه وأؤدي عنه ولا بد لكل صاحب عقيدة ودعوة من أنصار ينهضون معه ويحملون دعوته ويحامون دونها ويلغونها إلى من يليهم ويقومون بعده عليها قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون فذكروا الإسلام بمعناه الذي هو حقيقة الدين وأشهدوا عيسى عليه السلام على إسلامهم هذا وانتدابهم لنصرة الله أي نصرة رسوله ودينه ومنهجه في الحياة ثم اتجهوا إلى ربهم يتصلون مباشرة به في هذا الأمر الذي يقومون عليه ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وفي هذا التوجه لعقد البيعة مع الله مباشرة لفتة ذات قيمة إن عهد المؤمن هو ابتداء مع ربه ومتى قام الرسول بإبلاغه فقد انتهت مهمة الرسول من ناحية الاعتقاد ; وانعقدت البيعة مع الله فهي باقية في عنق المؤمن بعد الرسول وفيه كذلك تعهد لله باتباع الرسول فليس الأمر مجرد عقيدة في الضمير ; ولكنة اتباع لمنهج والاقتداء فيه بالرسول وهو المعنى الذي يركز عليه سياق هذه السورة كما رأينا ويكرره بشتى الأساليب ثم عبارة أخرى تلفت النظر في قول الحواريين فاكتبنا مع الشاهدين فأي شهادة وأي شاهدين إن المسلم المؤمن بدين الله مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء ; وتؤيد الخير الذي يحمله هذا الدين للبشر وهو لا يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه ومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين صورة يراها الناس فيرون فيها مثلا رفيعا يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمة وأوضاع وتشكيلات وهو لا يؤدي هذه الشهادة كذلك حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياته ونظام مجتمعه وشريعة نفسه وقومه فيقوم مجتمع من حوله تدبر أموره وفق هذا المنهج الإلهي القويم وجهاده لقيام هذا المجتمع وتحقيق هذا المنهج ; وإيثاره الموت في سبيله على الحياة في ظل مجتمع آخر لا يحقق منهج الله في حياة الجماعة البشرية هو شهادته بأن هذا الدين خير من الحياة ذاتها وهي أعز ما يحرص عليه الأحياء ومن ثم يدعى شهيدا فهؤلاء الحواريون يدعون الله أن يكتبهم مع الشاهدين لدينه أي أن يوفقهم ويعينهم في أن يجعلوا من أنفسهم صورة حية لهذا الدين ; وأن يبعثهم للجهاد في سبيل تحقيق منهجه في الحياة وإقامة مجتمع يتمثل فيه هذا المنهج ولو أدوا ثمن ذلك حياتهم ليكونوا من الشهداء على حق هذا الدين وهو دعاء جدير بأن يتأمله كل من يدعي لنفسه الإسلام فهذا هو الإسلام كما فهمه الحواريون وكما هو في ضمير المسلمين الحقيقيين ومن لم يؤد هذه الشهادة لدينه فكتمها فهو آثم قلبه فأما إذا ادعى الإسلام ثم سار في نفسه غير سيرة الإسلام ; أو حاولها في نفسه ولكنه لم يؤدها في المجال العام ولم يجاهد لإقامة منهج الله في الحياة إيثارا للعافية وإيثارا لحياته على حياة الدين فقد قصر في شهادته أو أدى شهادة ضد هذا الدين شهادة تصد الآخرين عنه وهم يرون أهله يشهدون عليه لا له وويل لمن يصد الناس عن دين الله عن طريق ادعائه أنه مؤمن بهذا الدين وما هو من المؤمنين
الله ينجي عيسى من مكر أعدائه
ويمضي السياق إلى خاتمة القصة بين عيسى عليه السلام وبني إسرائيل
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ; ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين
والمكر الذي مكره اليهود الذين لم يؤمنوا برسولهم عيسى عليه السلام مكر طويل عريض فقد قذفوه عليه السلام وقذفوا الطاهرة أمه مع يوسف النجار خطيبها الذي لم يدخل بها كما تذكر الأناجيل وقد اتهموه بالكذب والشعوذة ; ووشوا به إلى الحاكم الروماني بيلاطس وادعوا أنه مهيج يدعو الجماهير للانتقاض على الحكومة وأنه مشعوذ يجدف ويفسد عقيدة الجماهير حتى سلم لهم بيلاطس بأن يتولوا عقابه بأيديهم لأنه لم يجرؤ وهو وثني على احتمال تبعة هذا الإثم مع رجل لم يجد عليه ريبة وهذا قليل من كثير ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين والمشاكلة هنا في اللفظ هي وحدها التي تجمع بين تدبيرهم وتدبير الله والمكر التدبير ليسخر من مكرهم وكيدهم إذا كان الذي يواجهه هو تدبير الله فأين هم من الله وأين مكرهم من تدبير الله لقد أرادوا صلب عيسى عليه السلام وقتله وأراد الله أن يتوفاه وأن يرفعه إليه وأن يطره من مخالطة الذين كفروا والبقاء بينهم وهم رجس ودنس وأن يكرمه فيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وكان ما أراده الله وأبطل الله مكر الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة فأما كيف كانت وفاته وكيف كان رفعه فهي أمور غيبية تدخل في المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله ولا طائل وراء البحث فيها لا في عقيدة ولا في شريعة والذين يجرون وراءها ويجعلونها مادة للجدل ينتهي بهم الحال إلى المراء وإلى التخليط وإلى التعقيد دون ما جزم بحقيقة ودون ما راحة بال في أمر موكول إلى علم الله وأما أن الله جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة فلا يصعب القول فيه فالذين اتبعوه هم الذين يؤمنون بدين الله الصحيح الإسلام الذي عرف حقيقته كل نبي وجاء به كل رسول وآمن به كل من آمن حقا بدين الله وهؤلاء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة في ميزان الله كما أنهم كذلك في واقع الحياة كلما واجهوا معسكر الكفر بحقيقة الإيمان وحقيقة الأتباع ودين الله واحد وقد جاء به عيسى بن مريم كما جاء به من قبله ومن بعده كل رسول والذين يتبعون محمدا ص هم في الوقت ذاته اتبعوا موكب الرسل كلهم من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الزمان وهذا المفهوم الشامل هو الذي يتفق مع سياق السورة ومع حقيقة الدين كما يركز عليها هذا السياق فأما نهاية المطاف للمؤمنين والكافرين فيقررها السياق في صدد إخبار الله لعيسى عليه السلام ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين وفي هذا النص تقرير لجدية الجزاء وللقسط الذي لا يميل شعرة ولا تتعلق به الأماني ولا الافتراء رجعة إلى الله لا محيد عنها وحكم من الله فيما اختلفوا فيه لا مرد له وعذاب شديد في الدنيا والآخرة للكافرين لا ناصر لهم منه وتوفية للأجر للذين آمنوا وعملوا الصالحات لا محاباة فيه ولا بخس والله لا يحب الظالمين فحاشا أن يظلم وهو لا يحب الظالمين وكل ما يقوله أهل الكتاب إذن من أنهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودات وكل ما رتبوه على هذا التميع في تصور عدل الله في جزائه من أماني خادعة باطل باطل لا يقوم على أساس
الورد الحادي عشر : حقيقة قصة مريم وعيسى عليه السلام
الآيات من 52 - 57 وتقع في الجزء الثالث من القرآن الكريم
{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } *
مطلوب تدوين الآيات من 52-57 والتقييم حتى مساء الثلاثاء
اتباع الحواريين لعيسى عليه السلام
ومن بشارة الملائكة لمريم بابنها المنتظر وصفاته ورسالته ومعجزاته وكلماته هذه التي ذكرت ملحقة بالبشارة ينتقل السياق مباشرة إلى إحساسه عليه السلام بالكفر من بني إسرائيل وإلى طلبه الأنصار لإبلاغ دين الله فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وهنا فجوة كبيرة في السياق فإنه لم يذكر أن عيسى قد ولد بالفعل ; ولا أن أمه واجهت به القوم فكلمهم في المهد ; ولا أنه دعا قومه وهو كهل ; ولا أنه عرض عليهم هذه المعجزات التي ذكرت في البشارة لأمه كما جاء في سورة مريم وهذه الفجوات ترد في القصص القرآني لعدم التكرار في العرض من جهة وللاقتصار على الحلقات والمشاهد المتعلقة بموضوع السورة وسياقها من جهة أخرى والأن لقد أحس عيسى الكفر من بني إسرائيل بعد ما أراهم كل تلك المعجزات التي لا تتهيأ لبشر ; والتي تشهد بأن الله وراءها وأن قوة الله تؤيدها وتؤيد من جاءت على يده ثم على الرغم من أن المسيح جاء ليخفف عن بني إسرائيل بعض القيود والتكاليف عندئذ دعا دعوته قال من أنصاري إلى الله من أنصاري إلى دين الله ودعوته ومنهجه ونظامه من أنصاري إلى الله لأبلغ إليه وأؤدي عنه ولا بد لكل صاحب عقيدة ودعوة من أنصار ينهضون معه ويحملون دعوته ويحامون دونها ويلغونها إلى من يليهم ويقومون بعده عليها قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون فذكروا الإسلام بمعناه الذي هو حقيقة الدين وأشهدوا عيسى عليه السلام على إسلامهم هذا وانتدابهم لنصرة الله أي نصرة رسوله ودينه ومنهجه في الحياة ثم اتجهوا إلى ربهم يتصلون مباشرة به في هذا الأمر الذي يقومون عليه ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وفي هذا التوجه لعقد البيعة مع الله مباشرة لفتة ذات قيمة إن عهد المؤمن هو ابتداء مع ربه ومتى قام الرسول بإبلاغه فقد انتهت مهمة الرسول من ناحية الاعتقاد ; وانعقدت البيعة مع الله فهي باقية في عنق المؤمن بعد الرسول وفيه كذلك تعهد لله باتباع الرسول فليس الأمر مجرد عقيدة في الضمير ; ولكنة اتباع لمنهج والاقتداء فيه بالرسول وهو المعنى الذي يركز عليه سياق هذه السورة كما رأينا ويكرره بشتى الأساليب ثم عبارة أخرى تلفت النظر في قول الحواريين فاكتبنا مع الشاهدين فأي شهادة وأي شاهدين إن المسلم المؤمن بدين الله مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء ; وتؤيد الخير الذي يحمله هذا الدين للبشر وهو لا يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه ومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين صورة يراها الناس فيرون فيها مثلا رفيعا يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمة وأوضاع وتشكيلات وهو لا يؤدي هذه الشهادة كذلك حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياته ونظام مجتمعه وشريعة نفسه وقومه فيقوم مجتمع من حوله تدبر أموره وفق هذا المنهج الإلهي القويم وجهاده لقيام هذا المجتمع وتحقيق هذا المنهج ; وإيثاره الموت في سبيله على الحياة في ظل مجتمع آخر لا يحقق منهج الله في حياة الجماعة البشرية هو شهادته بأن هذا الدين خير من الحياة ذاتها وهي أعز ما يحرص عليه الأحياء ومن ثم يدعى شهيدا فهؤلاء الحواريون يدعون الله أن يكتبهم مع الشاهدين لدينه أي أن يوفقهم ويعينهم في أن يجعلوا من أنفسهم صورة حية لهذا الدين ; وأن يبعثهم للجهاد في سبيل تحقيق منهجه في الحياة وإقامة مجتمع يتمثل فيه هذا المنهج ولو أدوا ثمن ذلك حياتهم ليكونوا من الشهداء على حق هذا الدين وهو دعاء جدير بأن يتأمله كل من يدعي لنفسه الإسلام فهذا هو الإسلام كما فهمه الحواريون وكما هو في ضمير المسلمين الحقيقيين ومن لم يؤد هذه الشهادة لدينه فكتمها فهو آثم قلبه فأما إذا ادعى الإسلام ثم سار في نفسه غير سيرة الإسلام ; أو حاولها في نفسه ولكنه لم يؤدها في المجال العام ولم يجاهد لإقامة منهج الله في الحياة إيثارا للعافية وإيثارا لحياته على حياة الدين فقد قصر في شهادته أو أدى شهادة ضد هذا الدين شهادة تصد الآخرين عنه وهم يرون أهله يشهدون عليه لا له وويل لمن يصد الناس عن دين الله عن طريق ادعائه أنه مؤمن بهذا الدين وما هو من المؤمنين
الله ينجي عيسى من مكر أعدائه
ويمضي السياق إلى خاتمة القصة بين عيسى عليه السلام وبني إسرائيل
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ; ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين
والمكر الذي مكره اليهود الذين لم يؤمنوا برسولهم عيسى عليه السلام مكر طويل عريض فقد قذفوه عليه السلام وقذفوا الطاهرة أمه مع يوسف النجار خطيبها الذي لم يدخل بها كما تذكر الأناجيل وقد اتهموه بالكذب والشعوذة ; ووشوا به إلى الحاكم الروماني بيلاطس وادعوا أنه مهيج يدعو الجماهير للانتقاض على الحكومة وأنه مشعوذ يجدف ويفسد عقيدة الجماهير حتى سلم لهم بيلاطس بأن يتولوا عقابه بأيديهم لأنه لم يجرؤ وهو وثني على احتمال تبعة هذا الإثم مع رجل لم يجد عليه ريبة وهذا قليل من كثير ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين والمشاكلة هنا في اللفظ هي وحدها التي تجمع بين تدبيرهم وتدبير الله والمكر التدبير ليسخر من مكرهم وكيدهم إذا كان الذي يواجهه هو تدبير الله فأين هم من الله وأين مكرهم من تدبير الله لقد أرادوا صلب عيسى عليه السلام وقتله وأراد الله أن يتوفاه وأن يرفعه إليه وأن يطره من مخالطة الذين كفروا والبقاء بينهم وهم رجس ودنس وأن يكرمه فيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وكان ما أراده الله وأبطل الله مكر الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة فأما كيف كانت وفاته وكيف كان رفعه فهي أمور غيبية تدخل في المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله ولا طائل وراء البحث فيها لا في عقيدة ولا في شريعة والذين يجرون وراءها ويجعلونها مادة للجدل ينتهي بهم الحال إلى المراء وإلى التخليط وإلى التعقيد دون ما جزم بحقيقة ودون ما راحة بال في أمر موكول إلى علم الله وأما أن الله جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة فلا يصعب القول فيه فالذين اتبعوه هم الذين يؤمنون بدين الله الصحيح الإسلام الذي عرف حقيقته كل نبي وجاء به كل رسول وآمن به كل من آمن حقا بدين الله وهؤلاء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة في ميزان الله كما أنهم كذلك في واقع الحياة كلما واجهوا معسكر الكفر بحقيقة الإيمان وحقيقة الأتباع ودين الله واحد وقد جاء به عيسى بن مريم كما جاء به من قبله ومن بعده كل رسول والذين يتبعون محمدا ص هم في الوقت ذاته اتبعوا موكب الرسل كلهم من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الزمان وهذا المفهوم الشامل هو الذي يتفق مع سياق السورة ومع حقيقة الدين كما يركز عليها هذا السياق فأما نهاية المطاف للمؤمنين والكافرين فيقررها السياق في صدد إخبار الله لعيسى عليه السلام ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين وفي هذا النص تقرير لجدية الجزاء وللقسط الذي لا يميل شعرة ولا تتعلق به الأماني ولا الافتراء رجعة إلى الله لا محيد عنها وحكم من الله فيما اختلفوا فيه لا مرد له وعذاب شديد في الدنيا والآخرة للكافرين لا ناصر لهم منه وتوفية للأجر للذين آمنوا وعملوا الصالحات لا محاباة فيه ولا بخس والله لا يحب الظالمين فحاشا أن يظلم وهو لا يحب الظالمين وكل ما يقوله أهل الكتاب إذن من أنهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودات وكل ما رتبوه على هذا التميع في تصور عدل الله في جزائه من أماني خادعة باطل باطل لا يقوم على أساس