المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحسد داء الأمم



الشيخ محمد العويد
17-11-2003, 06:03 AM
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ،وآله وصحبه والتابعين ، أما بعد:

خلق ذميم يجب علينا استئصاله من أنفسنا ومحاربته والقضاء عليه ، لأنه إذا وصل إلي القلوب أفسدها ، وبعد بياضها سودها ، وبتأكد علينا اجتنابه في كل زمان ومكان، ألا وهو الحسد المذموم ،إذ هو من الذنوب المهلكات ، وهو أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقا وكراهية لنعمة أنعمها الله على عبد من عباده في دينه أو دنياه ، حتى إنه ليحب زوالها عنه ، بل وربما سعى في إزالتها ، وحسبك في ذمه وقبحه أن أمر رسوله بالاستعاذة منه ومن شره ، قال تعالى : ( وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) [الفلق:5].



والحسد المذموم مدخل من مداخل الشيطان إلي القلب ، فبالحسد لعن إبليس وجعل شيطانا رجيما ، ولقد ذم الله الحسد في القرآن الكريم وشدد النكال على ما اتصف به ، لأن الحاسد عنده شيء من الاعتراض على أقدار الله التي قدرها على عباده، وهو داء عظيم من أصيب به تبلد حسه وفتح عينيه على كل صغير وكبير ، وفلا يهمه إلا زوال الخير عن الغير ، فلا هو قانع بما قسم الله له ولا هو راضي بما قسم الله لغيره ، مما يدل على تحريمه

قوله e : (( الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب )) [ رواه أبو داود وابن ماجه]. وقوله : (( لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد))[ رواه البيهقي وابن حبان ]



وهو نتيجة من نتائج الحقد ، وثمرة من ثمراته المترتبة عليه ،فإنه من يحقد على إنسان فإنه يتمنى وزال النعمة عنه، ويغتابه في المجالس ، ويتعدي على عرضه ويشمت فيه.



ومن أهم أسبابه العداوة والبغضاء بين الناس لأي سبب كان ، ومنها ، التعزز والترفع، وهو أن يثقل على الحاسد أن يرتفع عليه غيره، ومنها العجب والكبر وهو استحقار وتنقص عباد الله، لأنهم حصلوا على ما لم يحصل عليه ، ومنها حب الرياسة وطلب الجاه والثناء ، لأن بعض الناس يريدون أن يمحوا في المجالس ن وأن يجلسوا ويتربعوا على ذلك الكرسي الذي يسيل لأجله لعاب الكثيرين ،ومنها خبث النفس وحبها للشر وشحها للخير ، فتجد الحاسد إذا ذكر عنده رجل ومدحه الناس تلون وجهه ، وتوغر صدره ، ولم يطق المكان الذي هو فيه ، أما إذا ذكر عنده رجل حصلت له مشاكل ونكبات استنار وجهه، وخرج إلي مجلس آخر ليبث وينشر خبره وربما أتي بإشاعات في صورة الترحم والتوجع، وهذا من ذلة وخسة طبعه اللئيم .



ولذلك يعسر معالجة هذا السبب ، لأن الحاسد ظلوم جهول ، وليس يشفي صدره ويزيل جزارة الحسد الكامن في قلبه إلا زوال النعمة عن غيره ، فحينئذ قد يتعذر الدواء.

وداريت كل الناس لكن حاسدي

مداراته عزت وعز منالها

وكيف يداري المرء حاسد نعمة

إذا كان لا يرضيه إلا زوالها



والطامة الكبرى أن تجتمع كل الأسباب في شخص واحد ، فهذا لاخير فيه ، ولا أمل في علاجه إلا أن شاء الله.

أعطيت كل الناس من نفس الرضا

إلا الحسود فإنه أعياني

لا أن لي ذنبا لديه علمته

إلا تظاهر نعمة الرحمن

يطوي على حنق حشاه إذا رأى

عندي كمال غني وفضل بيان

ما أرى يرضيه إلا ذلتي

وذهاب أموالي وقطع لساني



وللحسد أضرار عظيمة منها أنه يورث البغضاء بين الناس ، ويقطع حبل المودة ، لأن الحاسد يبغض المحسود ، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمن وأخيه ، يقول e : (( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا)) [متفق عليه].



ومنها أنه يحمل الحاسد على محاولته إزالة النعمة عن الحسود بأي طريقة ولو بقتله كما حصل مع ابني أدم ما قتل أحدهما الآخر.



ومن أضراره أنه يمنع الحاسد من قبول الحق خاصة إذا جاء عن طريق المحسود، ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه ، كما حصل من إبليس لكت حسد آدم فحمله ذلك على الفسق على أمر الله والامتناع عن السجود ، فسبب له الحسد الطرد من رحمة الله .



كما أنه يحمل الحاسد على الوقوع في الغيبة والنميمة والبهتان وهي من الكبائر ، كما يحمله على ارتكاب ما حرم الله في حق أخيه، وجعله في هم وقلق لما يرى من تنزل فضل الله على عباده وهو لا يريد ذلك ولا يقدر على منع، فيبقى مهموما مغموما.



أصبر على كيد الحسود

فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها

إن لم تجد ما تأكله



فيعيش الحاسد منغص البال ، مكدر المزاج، وكله بما جنته يداه.



أو ما رأيت النار تأكل نفسها

حتى تعود إلي الرماد الهامد

تضفو على المحسود نعمة ربه

ويذوب من كمد فؤاد الحاسد



إضافة إلي أن الحسد يوقع المجتمع في التخلخل والتفكك ، ولهذا قال e ((دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء )) [رواه البيهقي].



أدعو كل حاسد بأن يتقي الله في نفسه ، وأن يقنع بما أعطاه الله ولا يفتح عينيه فيما أعطى الله لغيره ، ولا يتمنى زوال النعمة عنه ، وليدع الخلق للخالق ، وليعلم أن الله يقول :(  وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) [فاطر:43].



لا تحسدن عبدا على فضل نعمة

فحسبك عارا أن يقال حسود



وليعلم أن الحسد ممقوت ، وهو من تتبع الزلات والعورات،وفي الحديث : (( من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته)).[رواه الترمذي وأبو داود].



ولله سطوات وانتقامات ليست من الظالمين ببعيد : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) [إبراهيم : 42].



وأدعو كل مسلم ألا يسئ الظن بأخيه المسلم ،ولكن مع هذا ليكن كيسا فطنا ، وليحذر من لؤماء الطبع ولا يغتر بهم ، ولا ينخدع مظهرهم ، فالحاسد إذا جلس معك أعطاك من حلو الكلام ما تتمنى أنك لا تفارقه أبدا ، وخاصة أنك ترى ابتسامات عريضة في وجهه ، فتنطلي عليك حيلته ومجامتله، ولكن إذا غبت عنه ألبسك ثيابا من التهم والسب والشتم.

يعطيك من طرف اللسان حلاوة

ويروغ منك كما يروغ الثعلب

يأتيك يحلف إنه بك واثق

وإذا توارى عنك فهو العقرب



وإذا علمت بحاسد فلا تجالسة ولا تخالطه ، لأنه ضرر على المجتمع إلا أن تناصحه.



إذا رأيت أنياب الليث بارزة

فلا تظن أن الليث يبتسم



وأدعو كل محسود عندما يصله الخبر أن فلانا حسده أو تكلم فيه أن يتثبت ولا يتسرع ، فربما هي وشاية من واش أو نميمة من نمام يريد الإيقاع بين المسلمين ، وليكن حليما واسع الصدر ، ولا ينتقم فما أنتقم رسول الله e لنفسه من أحد أبدا. ولا تجادله ، ولا تكن سبابا ولا صخابا، فمكانتك محفوظة ورايتك مرفوعة .



ولا تجادل أية حاسد

فإنه أدعى لهيبتك

وأمش الهوينا مظهرا عفة

وابغ رضى الأعين عن هيئتك

أفش التحيات إلي أهلها

سيطلع الناس إلي رتبتك



فإن تأكدت من الأمر فقل لمن أخبرك:



وإذا أتتك مذمتي من ناقص

هي الشهادة لي بأني فاضل

ثم قل لمن حسدك

إذا أدمت قوارضكم فؤادي

كأني ما سمعت ولا رأيت



واعلم أن هذا ابتلاء من الله وأذية من بعض عباد الله ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( [العنكبوت : 2،3].

ولم يحصل لك شيء بالمقارنة مع ما حصل لرسول اللهe وأصحابه ، وعليك بالصبر والاحتساب ، فكل شيء يعلم أجره إلا الصبر، لأن الله يقول: (  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )  [الزمر: 10].



كم سيد متفضل قد سبه

من لا يساوى طعنة في نعله

وإذا استغاب أخو الجهالة عالما

كان الدليل على غزارة جهله

أهل المظالم لا تكن تبلى بهم

فالمرء يحصد زرعه من حقله

أرأيت عصفورا يحارب باشقا

إلا لخفته وقلة عقله

وأحرص على التقوى وكن متأدبا

وارغب عن القول القبيح وبطله

واستصحب الحلم الشريف تجارة

واعمل بمفروض الكتاب ونقله

واجف الدنيء وإن تقرب إنه

يؤذيك كالكلب العقور لأهله

وأحذر معاشرة السفيه فإنه

يؤذي العشير بجمعه وبشكله

واحبس لسانك عن رديء مقاله

وتوق من عثر اللسان وزله



واعلم أن رب ضارة نافعة، وقد تكتسب خيرا بحسد الحاسد لم تكن تتوقعه وهو لا يشعر به:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار في جزل الغضا

ما كان يعرف طيب نفح العوج



وكان بعض السلف إذا عملوا أن شخصا تكلم فيهم واغتابهم وحسدهم أهدوا إليه هدية كما فعل الشافعي رحمه الله عندما أهدي حاسده هدية وقال له : لقد أهديتني حسنات كثيرة وأنا أكافئك بهدية صغيرة فاقبلها، ثم قال لحاسدة : والله لو أحبني أمثالك لشككت في نفسي.

لما عفرت ولم أحقد على أحد

أرحت نفسي من هم العدوات

إني أحيي عدوي عند رؤيته

لأدفع الشر عني بالتحيات



أخيرا فإن داء الحسد من أعظم الأدواء، والابتلاء به من أشد البلوى ، يحمل صاحبه علي مركب صعب ، ويبعده عن التقوى ، وحق للحاسد أن يعاتبه ربه بقوله ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) [النساء: 54].



وليس للحسد علاج إلا أن يعرف الحاسد ضرره عليه لا على المحسود ، لأن النعمة لا تزول بالحسد ، وأن يتقي الله في لسانه، لأن اللسان ليس كغيره من الأعضاء، فالعين لا تصل إلي غير الصور والألوان ،والأذن لا تصل إلي غير الأصوات، واليد لا تصل إلي غير المحسوسات ، أما اللسان فيصول ويجول في كل شيء وبه يتبين الربح من الخسران ، والمؤمن من أهل الطغيان .

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فلك عورات وللناس ألسن

وعينك إن أبيدت إليك معائبا

فصنها وقل يا عين للناس أعين

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى

ودافع ولكن بالتي هي أحسن



أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ،وأن يبصره لسلوك الطريق المستقيم ألا هل بلغت اللهم فاشهد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول من :
http://www.rasael.net/r/link23.asp?pid=23&id=146

غريبة الروح
17-11-2003, 03:18 PM
بارك الله فيك.

الخزامى
17-11-2003, 09:01 PM
جزاك الله خير اخي ابوابراهيم

الشيخ محمد العويد
18-11-2003, 12:56 PM
شكر الله لكما
وبارك فيكما
وجعلنا وإياكما من المقبولين في شهره الكريم

دموع الصمت
30-11-2003, 10:10 PM
الحســـــــــــــــــــد
العـــــــــــــــــــين
السحــــــــــــــــــر
داء العصر الذي انتشر وللاسف في زماننا الحالي ووالله ان السبب وراء انتشاره هو ضعف الايمان في القلوب واظنك تتفق معي في الرأي اليس كذلك..
فاللهم حبب الينا الايمان وثبته في قلوبنا وأبعد عنا كل الشرور ..
آآآآآآآآمين يارب العالمين ..

الشيخ محمد العويد
30-11-2003, 10:33 PM
نعم أتفق معك أختي الكريمة
وضعف الإيمان هو سبب كل بلاء ومصيبة

^*ديم المحبة*^
30-09-2006, 06:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جزاك الله خيراً

داء أعاذنا الله منها وإياكم

الشيخ محمد العويد
30-09-2006, 12:25 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نسأل الله لنا ولكم الستر والعافية
وأن يجنبنا وإياكم مضلات الفتن