المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤالي عن عذاب القبر



oum alaeddine22
08-02-2006, 01:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ارجو الاجابة على سؤال يقض النوم من عيوني عذاب القبر هل هو للجسد ام الروح اريد تفسيرا شافيا جزاكم الله خيرا

الشيخ محمد العويد
26-02-2006, 11:23 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحضرت هذا الجواب من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو قد فصل في المسألة طويلا
فإن كان الجواب واضحا وإلا فأخبرينا نختصره قدر الإمكان ، والله الموفق .

سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه وهو بمصر عن عذاب القبر هل هو على النفس والبدن أو على النفس دون البدن والميت يعذب في قبره حيا أم ميتا وإن عادت الروح إلى الجسد أم لم تعد فهل يتشاركان في العذاب والنعيم أو يكون ذلك على أحدهما دون الآخر
فأجاب رضي الله عنه
وجعل جنة الفردوس منقلبة ومثواة آمنين
الحمد لله رب العالمين بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين كما يكون للروح منفردة عن البدن
وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح هذا فية قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة والكلام وفى المسالة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة والحديث قول من يقول إن النعيم والعذاب لايكون إلا على الروح وان البدن لا ينعم ولا يعذب وهذا تقولة الفلاسفة المنكرون لمعاد الابدان وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين
ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون لايكون ذلك فى البرزخ وانما يكون عند القيامة من القبور وقول من يقوب إن الروح بمفردها لاتنعم ولا تعذب وإنما الروح هى الحياة وهذا يقولة طوائف من أهل الكلام المعتزلة واصحاب أبى الحسن الاشعرى كالقاضى أبى بكر وغيرهم وينكرون أن الروح تبقى بعد فراق البدن وهذا قول باطل خالفه الاستاذ أبو المعالى الجوينى وغيرة بل قد ثبت فى الكتاب والسنة واتفاق سلف الامة أن الروح تبق بعد فراق البدن وانها منعمة أو معذبة
والفلاسفة الالهيون يقولون بهذا لكن ينكرون معاد الأبدان وهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان لكن ينكرون معاد الأرواح ونعيمها وعذابها بدون الأبدان وكلا القولين خطأ وضلال لكن قول الفلاسفة أبعد عن أقوال أهل الاسلام وان كان قد يوافقهم عليه من يعتقد انه متمسك بدين الاسلام بل من يظن انه من اهل المعرفة والتصوف والتحقيق والكلام
والقول الثالث الشاذ قول من يقول ان البرزخ ليس فيه نعيم ولا عذاب بل لا يكون ذلك حتى تقوم القيامة الكبرى كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ونحوهم الذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه بناء على أن الروح لا تبقى بعد فراق البدن وان البدن لا ينعم ولا يعذب
فجميع هؤلاء الطائفتين ضلال فى امر البرزخ لكنهم خير من الفلاسفة لانهم يقرون بالقيامة الكبرى
فاذا عرفت هذه الاقوال الثلاثة الباطلة فاليعلم أن مذهب سلف الامة وائمتها إن الميت اذا مات يكون فى نعيم أو عذاب وان ذلك يحصل لروحه ولبدنه وان الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وانها تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم والعذاب
ثم اذا كان يوم القيامة الكبرى اعيدت الارواح الى اجسادها وقاموا من قبورهم لرب العالمين
ومعاد الأبدان متفق عليه عند المسلمين واليهود والنصارى وهذا كله متفق عليه عند علماءالحديث والسنة
وهل يكون للبدن دون الروح نعيم أو عذاب اثبت ذلك طائفة منهم وانكره اكثرهم ونحن نذكر ما يبين ما ذكرناه فأما احاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبى مثل ما فى الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى مر بقبرين فقال أنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير اما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز فى كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا
وفي صحيح مسلم عن زيد بن ثابت قال بينا رسول الله في حائط لبني النجار على بغله ونحن معه إذا جالت به فكادت تلقيه فإذا أقبر سته أو خمسة أو أربعة فقال من يعرف هذه القبور فقال رجل أنا قال فمتى هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر قال تعوذوا بالله من عذاب النار قالوا نعوذ بالله من عذاب النار قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال
وفي صحيح مسلم وسائر السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليقل أعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
وفي صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصار قال خرج النبي وقد وجبت الشمس فقال يهود يعذبون في قبورهم
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على عجوز من عجائز يهود المدينة فقالت إن أهل القبور يعذبون في قبورهم قالت فكذبتها ولم أنعم أن أصدقها قالت فخرجت فدخل علي رسول الله فقلت يا رسول الله عجوز من عجائز أهل المدينة دخلت علي فزعمت أن أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال صدقت إنهم يعذبون عذابا يسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر
وفي صحيح أبي حاتم البستي عن أم مبشر رضي الله عنها قالت دخل على رسول الله وأنا في حائط وهو يقول تعوذوا بالله من عذاب القبر فقلت يا رسول الله للقبر عذاب فقال إنهم ليعذبون فى قبورهم عذابا تسمعه البهائم
قال بعضهم ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مغلت الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما فان أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى والجهال تظن انهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله وإنما هو من هذا القبيل فقد قيل ان الخيل اذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغل والحديث فى هذا كثير لا يتسع له هذا السؤال
وأحاديث المسألة كثيرة أيضا كما فى الصحيحين والسنن عن البراء بن عازب رضى الله عنه أن رسول الله قال المسلم اذا سئل فى قبره شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قول الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة وفى لفظ نزلت فى عذاب القبر يقال له من ربك فيقول ربى الله ودينى الاسلام ونبيى محمد وذلك قول الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدينا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وهذا الحديث قد رواه أهل السنن والمسانيد مطولا كما فى سنن أبى دواد وغيره عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال خرجنا مع رسول الله فى جنازة رجل من الانصار فانتهينا الى القبر ولما يلحد فجلس النبى وجلسنا حوله كانما على رءوسنا الطير وفى يده عود ينكت به الارض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين او ثلاثا وذكر صفة قبض الروح وعر وجها الى السماء ثم عودها اليه الى أن قال وإنه ليسمع خفق نعالهم اذا ولوا مدبرين حين يقال له يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك
وفى لفظ فيأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له من ربك فيقول ربى الله فيقولان له ما دينك فيقول دينى الاسلام فيقولان ما هذا الرجل الذى أرسل فيكم قال فيقول هو رسول الله فيقولان وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت به فذلك قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء قال فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فافرشوا له فى الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له بابا الى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها قال ويفسح له مد بصره قال وان الكافر فذكر موته وقال وتعاد روحه الى جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدى فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدى فينادى مناد من السماء أن كذب عبدى فافرشوا له من النار والبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار قال ويأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه قال ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب الا الثقلين فيصير ترابا ثم تعاد فيه الروح
فقد صرح الحديث باعادة الروح الى الجسد وباختلاف أضلاعه وهذا بين فى أن العذاب على الروح والبدن مجتمعين
وقد روى مثل حديث البراء فى قبض الروح والمسألة والنعيم والعذاب رواه أبو هريرة وحدثيه فى المسند وغيره ورواه أبو حاتم بن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى قال ان الميت اذا وضع فى قبره يسمع خفق نعالهم اذا ولوا عنه مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الصدقة عن شماله وكان فعل الخير من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان عند رجليه فيأتيه الملكان من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلى مدخل ثم يؤتى عن يمينه ويقول الصيام ما قبلى مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلى مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان ما قبلى مدخل فيقول له إجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أصغت للغروب فيقول دعونى حتى أصلى فيقولون إنك ستصلى أخبرنا عما نسألك عنه أريئتك هذا الرجل الذى كان فيكم ما تقولون فيه وماذا تشهد به عليه فيقول محمد نشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك تبعث ان شاء الله ثم يفتح له باب الى الجنة فيقال هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له فى قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بديء منه وتجعل روحه نسم طير يعلق فى شجر الجنة قال فذلك قولة تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
وذكر فى الكافر ضد ذلك أنه قال يضيق عليه قبره الى أن تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنك التى قال الله تعالى له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى هذا الحديث أخصر
وحديث البراء المتقدم أطول ما فى السنن فإنهم اختصروه لذكر ما فيه من عذاب القبر وهو فى المسند وغيره بطوله وهو حديث حسن ثابت يقول النبى فيه ان العبد المؤمن اذا كان فى اقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت اليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجى الى مغفرة ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فى السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذونها فيجعلونها فى ذلك الكفن وذلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الارض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه فى الدنيا فينتهون به الى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له قال فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التى تليها حتى ينتهوا بها الى السماء السابعة فيقول اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوه الى الارض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه فى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه وذكر المسألة كما تقدم قال ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له أبشر بالذى يسرك فهذا يومك الذى قد كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذى يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلى ومالى قال وإن العبد الكافر اذا كان فى اقبال من الاخرة وانقطاع من الدنيا نزل اليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجى الى سخط الله وغضبه فتفرق فى أعضائه كلها فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فتتقطع معها العروق والعصب قال فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلونها فى تلك المسوح قال فيخرج منها كأنتن ما يكون من جيفة وجدت على وجه الارض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملاء من الملائكة الا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التى كان يسمى بها فى الدنيا حتى ينتهوا الى السماء الدنيا فيستفتحون لها فلا يفتح لها ثم قرأ رسول الله لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين ثم يقول الله تعالى اكتبوا كتابه فى سجين فى الارض السلفى قال فتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تهوى به الريح فى مكان سحيق قال فتعاد روحه فى جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدرى وساق الحديث كما تقدم الى أن قال ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح فيقول أبشر بالذى يسوؤك هذا عملك الذى قد كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذى لا يأتى بالخير قال أنا عملك السوء فيقول رب لا تقم الساعة ثلاث مرات
ففى هذا الحديث أنواع من العلم منها أن الروح تبقى بعد مفارقة البدن خلافا لضلال المتكلمين وأنها تصعد وتنزل خلافا لضلال الفلاسفة وأنها تعاد الى البدن وأن الميت يسأل فينعم أو يعذب كما سأل عنه أهل السؤال وفيه أن عمله الصالح أو السئ يأتيه فى صورة حسنة أو قبيحة
وفى الصحيحين عن قتادة عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم أتاه ملكان فيقررانه فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه محمد عبد الله ورسوله قال فيقول انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال رسول الله فيراهما كليهما قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له فى قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا الى يوم يبعثون ثم نرجع الى حديث أنس ويأتيان الكافر والمنافق فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول كما يقول الناس فيقول لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطارق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين
وروى الترمذى وأبو حاتم فى صحيحه وأكثر اللفظ له عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قبر أحدكم الإنسان أتاه ملكان أسوادن أزرقان يقال لهما منكر والآخر نكير فيقولان له ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد فهو قائل ما كان يقول فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان أنا كنا لنعلم أنك تقول ذلك
ثم يفسح فى قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويقال له نم فيقول أرجع الى أهلى فأخبرهم فيقولان له نم كنومة العروس الذى لا يوقظه إلا أحب أهله اليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال لا أدرى كنت أسمع الناس يقولون شيئا فقلته فيقولان إنا كنا نعلم أنك تقول ذلك ثم يقال للأرض التئمى عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وهذا الحديث فيه اختلاف أضلاعه وغير ذلك مما يبين أن البدن نفسه يعذب
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال اذا احتضر الميت أتته الملائكة بحريرة بيضاء فيقولون أخرجى كأطيب ريح المسك حتى انه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما أطيب هذا الريح متى جاءتكم من الأرض فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه يسألونه ماذا فعل فلان فيقولون دعوه فإنه فى غم الدنيا فإذا قال أنه أتاكم قالوا ذهب الى أمه الهاوية وأن الكافر اذا إحتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون أخرجى مسخوطا عليك الى عذاب الله فتخرج كأنتن جيفة حتى يأتوا به أرواح الكفار رواه النسائى والبزار ورواه مسلم مختصرا عن أبى هريرة رضى الله عنه وعند الكافر ونتن رائحة روحه فرد رسول الله ريطة كانت عليه على انفه هكذا والريطة ثوب رقيق لين مثل الملاءة
وأخرجه أبو حاتم فى صحيحه وقال إن المؤمن اذا حضره الموت حضرت ملائكة الرحمة فاذا قبضت نفسه جعلت فى حريرة بيضاء فتنطلق بها الى باب السماء فيقولون ما وجدنا ريحا أطيب من هذه الرائحة فيقال دعوه يستريح فانه كان فى غم الدنيا فيقال مافعل فلان ما فعلت فلانه وأما الكافر اذا قبضت روحه ذهب بها الى الأرض تقول خزنة الأرض ما وجدنا ريحا أنتن من هذه فيبلغ بها فى الارض السلفى ففى هذه الأحاديث ونحوها إجتماع الروح والبدن فى نعيم القبر وعذابه وأما انفراد الروح وحدها فقد تقدم بعض ذلك
وعن كعب بن مالك رضى الله عنه أن النبى قال انما نسمة المؤمن طائر يعلق فى شجر الجنة حتى يرجعه الى جسده يوم يبعثه رواه النسائى ورواه مالك والشافعى كلاهما وقوله يعلق بالضم أى يأكل وقد نقل هذا فى غير هذا الحديث
فقد أخبرت هذه النصوص أن الروح تنعم مع البدن الذى فى القبر اذا شاء الله وانما تنعم فى الجنة وحدها وكلاهما حق
وقد روى ابن أبى الدنيا فى كتاب ذكر الموت عن مالك بن أنس قال بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت وهذا يوافق ما روى أن الروح قد تكون على أفنية القبور كما قال مجاهد إن الأرواح تدوم على القبور سبعة أيام يوم يدفن الميت لا تفارق ذلك وقد تعاد الروح الى البدن فى غير وقت المسألة كما فى الحديث الذى صححه ابن عبد البر عن النبى أنه قال ما من رجل يمر بقبر الرجل الذى كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليها إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام وفى سنن أبى دواد وغيره عن أوس بن أوس الثقفى عن النبى أنه قال ان خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا على من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة على قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ما يضيق هذا الوقت عن استقصائه مما يبين أن الأبدان التى فى القبور تنعم وتعذب اذا كما وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومنعمة ومعذبة
ولهذا أمر النبى بالسلام على الموتى كما ثبت فى الصحيح والسنن أنه كان يعلم أصحابه اذا زادوا القبور ان يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا ان شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وأغفر لنا ولهم
وقدإنكشف لكثير من الناس ذلك حتى سمعوا صوت المعذبين فى قبورهم ورأوهم بعيونهم يعذبون فى قبورهم فى آثار كثيرة معروفة ولكن لا يجب ذلك أن يكون دائما على البدن فى كل وقت بل يجوز ان يكون فى حال دون حال وفى الصحيحين عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإنى وجدت ماا وعدنى ربى حقا فسمع عمر رضى الله عنه قول النبى صلى الله عيه وسلم فقال يا رسول الله كيف يسمعون وقد جيفوا فقال والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا فى قليب بدر
وقد أخرجاه فى الصحيحين عن إبن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا وقال انهم ليسمعون الآن ما أقول فذكر ذلك لعائشة فقالت وهم ابن عمر انما قال رسول الله انهم ليعلمون الآن أن الذى قلت لهم هو الحق ثم قرأت قوله تعالى انك لا تسمع الموتى حتى قرأت الآية
وأهل العلم بالحديث والسنة اتفقوا على صحة ما رواه أنس وابن عمر وإن كانا لم يشهدا بدرا فإن أنسا روى ذلك عن أبى طلحة وأبو طلحة شهد بدرا كما روى أبو حاتم فى صحيحه عن أنس عن أبى طلحة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فى طوى من أطواء بدر وكان إذا ظهر على قوم أحب أن يقيم فى عرصتهم ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها فحركها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نراه ينطق الا لبعض حاجته حتى قام على شفاء الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قال عمر بن الخطاب يا رسول الله ما تكلم من أجساد ولا أرواح فيها فقال النبى صلى الله عليه سلم والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
قال قتادة أحياهم الله حتى سمعهم توبيخا وتصغيرا ونقمه وحسرة وتنديما وعائشة تأولت فيما ذكرته كما تأولت أمثال ذلك
والنص الصحيح عن النبى مقدم على تأويل من تأول من أصحابه وغيره وليس فى القرآن ما ينفى ذلك فإن قوله إنك لا تسمع الموتى إنما أراد به السماع المعتاد الذى ينفع صاحبه فإن هذا مثل ضرب للكفار والكفار تسمع الصوت لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء
فهكذا الموتى الذين ضرب لهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع السماع المعتاد أنواع السماع كما لم ينف عن الكفار بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذى ينتفعون به وأما سماع آخر فلا ينفى عنهم وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما أن الميت يسمع خفق نعالهم اذا ولوا مدبرين فهذا موافق لهذا فكيف يدفع ذلك ومن العلماء من قال ان الميت فى قبره لايسمع ما دام ميتا كما قالت عائشة واستدلت به من القرآن واما اذا أحياه الله فانه يسمع كما قال قتادة أحياهم الله له وإن كانت تلك الحياة لا يسمعون بها كما نحن لا نرى الملائكة والجن ولا نعلم ما يحس به الميت فى منامه وكما لا يعلم الانسان ما فى قلب الآخر وان كان قد يعلم ذلك من أطلعه الله عليه
وهذه جملة يحصل بها مقصود السائل وان كان لها من الشرح والتفصيل ما ليس هذا موضعه فان ما ذكرناه من الادلة البينة على ما سأل عنه ما لا يكاد مجموعا والله أعلم
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم