المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصابرة بنت الصديق



ام يحيى
28-10-2008, 02:14 AM
قصة القدوات

الصابرة بنت الصديق


كانت أسماء بنت أبو بكر رضي الله عنها وعن ابيها تعيش بمكة في رغد في بيت أبيها التاجر الكبير، و لكنها منذ طفولتها تشارك الخدم في إعداد الموائد للضيوف، الذين لا تخلو منهم قاعة البيت الكبيرة في يوم من الأيام، سواء أن كانوا من الفقراء و المساكين أو من القاصدين بأمور التجارة، فقد كان والدها من كبار تجار مكة، أو من الذين يأتون ليفصل بينهم في أمور الديات، و كثيراً ما كان يقصده العلماء و النسابون ليزدادوا من علمه.
و كانت أسماء سعيدة و هي تساعد الخدم في إعداد الموائد غير متعالية ولا متكبرة، و كانت تزداد فخراً و تيهاً بأبيها عندما يقابلونه الناس بالبشر و الترحاب، و تسأل أبيها عن كل أمور الحياة و تتعلم منه و من أخلاقه الكريمة و صفاته الحميدة، و أسلمت أسماء بمجرد أن علمت بإسلام أبيها و قد دعى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يقوى إيمانها و يثبتها على الحق و أن يضاعف لها الثواب و الأجر في الدنيا و الآخرة.
أصبحت أسماء في سن تصلح للزواج و لابد من إختيار زوج لها، و ليس عيب أن يختار الأب الإنسان الصالح لأبنته، فقد وجد في الزبير بن العوام هذا الرجل، و لكن كيف يبدأ الحديث معه، هل يفاجئه بالموضوع أم يلمح له من بعيد ؟، و بينما أبو بكر رضي الله عنه يفكر في هذا الشأن إذ حضر الزبير و أقترب منه و قال له : يا أبا بكر، جئتك لأطلب منك يد أبنتك لنفسي، سكت الأب ثم حدث نفسه قائلاً (و الله أنه لمن صنع الله)، و دخل على أبنته أسماء و همس في أذنيها بكلمات أحمر لها وجهها، و أطرقت بوجهها إلى الأرض حياء، و لم تتكلم، فضمها الوالد إلى صدره و عاد إلى الزبير قائلاً : وافقنا على الخطبة، فعلى بركة الله.
سار الخبر في مكة و باركه رسول الله فأم الزبير عمته و العوام بن خويلد أخته السيدة خديجة زوجة النبي، و جاء موعد الزواج و أجتمع أهل مكة في بيت أبي بكر و أقيمت الموائد و ضربت الدفوف و دعى الجميع للعروسين.
ذهبت أسماء مع زوجها إلى بيته و الفرح يملأ قلبيهما و كان الزبير فقيراً فلم يكن في بيته إلا فراش خشن و وسادة من ليف و مرتبة فيها مثل ما في الوسادة، و قربة من الجلد للشرب و الإغتسال، و لكنها راضية سعيدة صابرة تحملت شظف العيش و عبء الحياة الزوجية فلم تضجر و لم تكلم زوجها بما لا يطيب فكانت متعاونة تهيء له كل أسباب الراحة و تشاركه في العبادة، و حفظ ما يلزم من القرآن، و عن حياتها الزوجية قالت رضي الله عنها : كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، و كان له فرس و كنت أسوسه و كنت أحتشي له و أقوم عليه، و ذات يوم شكت أسماء لأبيها الصديق رضي الله عنهما غيرة زوجها، فقال لها يا بنية أصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة.
كان لأسماء رضي الله عنها دور في أعظم أحداث التاريخ هو حادث هجرة الرسول إلى المدينة، فقد ترك الزبير زوجته أسماء ليذهب بتجارة إلى الشام فأنتقلت أسماء إلى بيت أبيها مع أخيها عبد الله و أختها عائشة، و في يوم دق الباب و أسرعت أسماء لتفتح فإذا برسول الله يأتي إلى صديقه الصديق ليخبره بأمر الهجرة، و قال له الصديق : الصحبة يا رسول الله، رد عليه الرسول : الصحبة يا أبا بكر، و خرجا في طريقهما و في نفس الوقت سار المشركون و أتجه أبو جهل و معه جماعة من المشركين إلى بيت أبي بكر و طرق الباب فأقتربت أسماء ثم نادت : من الطارق ؟، قال : أبا جهل، بصوت عالي، أفتحي يا بنت أبي بكر، فتحت أسماء الباب، قال : أين أبوك ؟ أجابت : أبي خرج من البيت، فسألها متى خرج ؟، أجابت : لا أدري وقت خرجوه، قال : إلى أين سار ؟، قالت : لا أعرف مكانه، و لم يملك أبو جهل نفسه من شدة الغيظ فهوى على وجه أسماء بيده القوية و لطمها على وجهها لطمة وصلت لأذنها فشقتها و سقط القرط منها و قد تخضب وجهها بالدماء لكنها ثبتت و لم تتزحزح رغم ما تعانيه من شدة الضربة، أما أبو جهل فقد أنسحب في خزي و عار لضربه لأنثى و قد لامه أهل مكة على ضربها بدون ذنب جنته.
عرفت أسماء المكان الذي أنتهى إليه الصاحبان، و هو غار ثور فكانت تأتي إليه ليلاً بالطعام و الشراب، يصحبها أخوها عبد الله، و قد ظلا الصاحبان في الغار ثلاثة أيام بلياليها، و في الليلة الأخيرة جهزت أسماء طعام يكفي رحلتهما و معها سقاء الماء و ذهبت بهما مع أخيها إلى الغار، حتى إذا دنى وقت الرحيل وقفت أسماء تساعد في ربط الأشياء، و أرادت أن تعلق السُفرة و السقاء و لم تجد ما تربط به، و بحثت فلم تعثر على ما تريده، ففكت نطاقها، و شقته نصفين، ربطت بإحداهما السُفرة و بالآخر السقاء، رأها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي تفعل ذلك، فقال لها (أبدلك الله بنطاقكِ هذا نطاقين بالجنة) و منذ ذلك الحين سميت بذات النطاقين.
ودّعت أسماء رسول الله و قالت له : في حفظ الله و رعايته و هو خير الحافظين، ثم أقتربت من أبيها و سلمت عليه و قبلته في جبينه و دعت له بالتوفيق في رحلته، و وقفت هي و أخيها يراقبان الركب حتى غابا عن الطريق الطويل المتعرج آخذين وجهتهم إلى يثرب، و عادت أسماء مع أخيها إلى المنزل.
لم يمض وقت حتى هاجر كثير من الصحابة و منهم أسماء، التي رزقت في الطريق بأول مولود يولد بعد الهجرة، و قد سماه النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن الزبير.
قدمت أسماء الدرس الكبير لدور المرأة في الحياة فهي الزوجة التي تهييء لزوجها الراحة و السعادة رغم ضيق اليد، و تعاونه فيما تقدر عليه من أعمال فلا تكلفه عاملاً أو خادماً، تدبر و توفر و تحافظ على ماله، فتوفر له حياة الآمان و الإطمئنان فيتفرغ لعمله و عبادته، و جهاده في سبيل الدعوة الإسلامية، و هي أم أنجبت البنين و البنات و قامت بتربية الجميع على أفضل ما تكون التربية لتقدم للدين علماء و أبطال رفعوا رايته، و لم تنسى نفسها فتعلمت و حفظت لنفسها كرامتها فكانت شخصيتها شخصية المرأة المثالية.
و كما كانت أسماء في مكة كانت في المدينة، تقاسم زوجها خشونة الحياة، فكانت تعلف الفرس، و تدق له النوى و تؤكله فتكفي الزبير مؤونته، و تسقيه الماء، و تخيط الوعاء الذي يحمل فيه الماء، و تعجن الدقيق، ثم أن النبي رق لحال الزبير فأقطعه أرضاً على بعد ثلاثة أميال من المدينة، و كانت أسماء تحمل النوى على رأسها من تلك الأرض، و تذهب به إلى بيتها لتدقه، لكنها صبرت و جعلت رسالتها إرضاء زوجها ليرضى عنها الله سبحانه و تعالى.
لقد قامت أسماء بنت أبي بكر بتربية الأولاد و تثقيفهم و أنفردت بتعليمهم فكانوا قدوة صالحة مخلصين لربهم متمسكين بدينهم، و هي التي قالت لأبنها عبد الله عندما كان يستشيرها في أمر الجهاد في زمن الحجاج (و الله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة)، و عندما قال لها : أخاف يا أماه إن مت أن يمثلوا بجسدي، قالت قولتها الخالدة ( لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها )، و خرج الأبن للقتال و أصابه سهم من سهام الأعداء فسقط قتيلاً و أمر الحجاج بأن يصلب في جزع نخلة في حي من أحياء مكة، و جائت أسماء و جعلت تدعو لأبنها و تخاطبه كأنما هو حي، لا تتأثر و لا تتلجلج، و لا يبدو عليها هلع و لا اضطراب، و عندما علم الحجاج بوصول أسماء جاء مسرعاً و قالت له قولتها المشهور أيضاً (أما آن لهذا الفارس أن ينزل ؟) فأنزله الحجاج و غسلته الصابرة و كفنته و صلت عليه، قبل صلاة الرجال ودفن و من أيام إلا ولبت نداء ربها راضية مرضية، لتترك لنا قدوة حسنة للمرأة المؤمنة الصابرة المحتسبة رضي الله عنها و عن آلها أجمعين.

تمت بحمد الله.

لؤلؤة2005
29-09-2012, 03:28 AM
بارك الله فيك