المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (زوجة الشهداء )



أنات حائرة
22-10-2008, 08:23 PM
قصص القدوات

(زوجة الشهداء )


يرتوي التاريخ عبقا ..
ويمتلأ طرقاته بالورود ..
تتناثر راذاذاته علينا فننتعش وننظر بإكبار إلى الوراء
وبإصرار إلى الأمام ..
يسقي أسطرنا بماء الذهب عن أناس رحلوا ولم يرحلوا ..
ويسقينا جرعات من بصماتهم فلانرتوي...
يلفح قلوبنا غبار الحياة فيقرأ التاريخ سيرهم
علينا فيعيد لنا همما قد نسيناها بين ركام
الأيام ...لم يكن الشرف لي وحدي فقد
تغنى الزمن بهذه المرأة ..!
ازدحمت حروفي في مصب قلمي ..
فتركت للتاريخ أن يملي ...!
عن تلك المرأة ...الصابرة ..القوية ..الثابته
عن تلك المرأة الشاعرة ...الرقيقة ...العاقلة ...
عن تل المرأة المتيقنة .. المؤمنة ...!
نشأت في بيئة صالحة .. وترعرت فيها .. كانت امرأة جميلة, خلوقة, ذات دين
تسارع الخطاب لخطبتها فقبلت بذلك الشاب التقي الصالح الذكي ..
ذلك التقي ابن الصديق عبدالله رضي الله عنهما ...
فهام فيها حبا ...وهامت فيه حبا ..
أحبا بعضهما حبا شديدا حتى أصبح عبدالله رضي الله عنه
فتخلف عن الجهاد وترك التجارة
وكان أبو بكر رضي الله عنه يغضب لذلك ..

وذات يوم خرج أبو بكر رضي الله عنه لصلاة الجمعة مبكرا
فمر بجانب بيت ابنه عبدالله فسمع ابنه يتغزل بالشعر في زوجته
وهي ترد عليه تغزلا فيه ..
صمت أبو بكر وذهب إلى المسجد ...صلى ..وعاد .. وابنه
وزوجته لازالا يتغازلان ..
فناداه "ياعبدالله أجمعت؟! "
فقال عبدالله :يا أبتي أوصلى الناس ؟!
فقال أبو بكر أشغلتك عن الصلاة أيضا ؟! طلقهــــــا!
فطلقها وهو كاره ..طلقها وهو يحبها ويهيم فيها ...
فازداد لها حبا ...وازدادت له حبا
فما حال المحب البعيد ؟!
ماحال المحب المشتاق ؟!
ماحال الذي يذوي شوقا ويحترق حنينا فلا يستطيع أن يصل لمن يحبه!!
فأصبح عبدالله رضي الله عنه يئن أنين الملتاع من الشوق ...
ويقول في زوجته القصائد والأشعار ..
وفي ليلة من ليالي شوقه وهو يئن في سطح منزله ...
فسمعه والده رضي الله عنه الذي فرغ من صلاته وقد كان يصلي على سطح منزله
فأخذ يستمع لابنه ...
وعبدالله رضي الله عنه يئن كالمتوجع ويقول
أ..........لا أنساك ما ذر شارق
وما ناح قمري الحمام المطوق
أ......... قلبي كل يوم وليلة
لديك بما تخفي النفوس معلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب
وخلق سوي في الحياة ومصدق
فلم أرى مثلي طلق اليوم مثلها
ولا مثلها في غير ذنب يُطلق ...

فرقّ قلب أبو بكر رضي الله عنه , وعلم بتعلق ابنه لزوجته ,
. فناداه :يـــــــاعبدالله راجعها !
فقال عبدالله رضي الله عنه فرحا :أشهد يا أبتي أني قد راجعتها
ونادى غلامه وأعتقه لوجه الله فرحا بعودته لزوجته وعودة زوجته له ..

وأنشد قائلا في مطلع أبياته :
أ......... قد ُطلقت في غير ريبة
وروجعت للأمر الذي هو كائن
كذلك هو أمر الله غاد ورائح
على الناس فيه ألفة وتباين

فعادت له رضي الله عنهما جميعا .. فأصبح يخرج للجهاد
وشارك في غزوات كثيرة وفي إحداها أصابه رضي الله عنه سهم
فأخذت تلك الصابرة رضي الله عنها تطببه وتسهر لراحته وتداوي جرحه
وتبقى في خدمته فلما شارف على الموت
قال لها "لكِ هذا الحائط على ألا تتزوجي بعدي"
..فمات رضي الله عنه .. فحزنت حزنا شديدا ...
ورثته بأبيات تبكي الصخر ..وتحرك قلوبا قد جمدت ..
رزيت بخير الناس بعد نبيهم
وبعد أبي بكر وماكان قصّرا
فالله عينا من رأى مثل لهفتي
أكر وأحمى في الجهاد وأصبرا
فآليت لاتنفك عيني سخينة
عليك ولاينفك جلدي أغبرا

فعزمت على ألا تتزوج ومرت الأيام ..
وتوافد الخطّاب على منزلها وأخذت تردهم واحد تلو الأخر
حتى أتاها رجل عظيم .. رجل لاتستطيع رده ..
إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقالت :مثلك لايرد ولكن قد آليت ألا أتزوج بعد عبدالله رضي الله عنه ..
وقد أعطاني هذا الحائط ووعدته ألا أتزوج بعده
فقال عمر رضي الله عنه :إنك حرمتي ما أحله الله لك .!فاستفتي
فاستفتت علي رضي الله عنه فقال لها :اعيدي البستان لأهل عبدالله ابن أبي بكر رضي الله عنهما
وتزوجي ...
فوافقت على الزواج بعمر رضي الله عنه ..
فنعمت معه بحياة سعيدة .. وكانت نعم الزوجة ..
وقد اشترطت عليه قبل الزواج الذهاب للمسجد ومع ذلك فهي تستئذنه لكل صلاة
فيقول لها :قد علمتِ هواي في تركك للمسجد
فتقول له :وقد علمت شرطي ولكني لا أدع استئذانك ..
ومرت السنين والأيام ..
إلى أن قتل عمر رضي الله عنه
في صلاة الفجر وكانت تصلي مع الجماعة فشعرت
بان المسجد علا بالضجيج فعلمت أن عمر حصل له أمرا
فأسرعت إلى منزلها و أوتي لها بعمر رضي الله عنه
وأخذت تطببه وتداوي جرحه فاستشهد عمر رضي الله عنه
فقالت
ياعيني جودي بعبرة ونحيب
لاتملي على الامام النجيب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا
قد سقته المنون كأس الشعوب ..

ففجعت برجل آخر في حياتها ..وعاد لها الحزن مجددا..
ولكنها صبرت وثبتت ..رغم ألمها الدفين ..

فخطبها الزبير بن العوام رضي الله عنه وبعد الحاح منه وافقت عليه
وقد كان غيورا كعمر رضي الله عنه بل أشد منه في غيرته
فأشترطت شروطا وأولها الصلاة في المسجد !
فوافق كارها ..
فعند كل صلاة يتأجج جوفه من الغيرة ..!

فخرجت في ذات يوم لصلاة العشاء ..
فأختبئ وقد تلثم ثم (نغزها) من خلفها فأسرع ..
فقالت :قطع الله يدك ياعدو الله !
فعادت إلى المنزل ..فسألها :مالك عدتِ وقد خرجت للصلاة !
قالت :تغير الناس وفسدوا بعدك يا أباعبدالله فالصلاة في البيت خير
من الصلاة في المسجد والصلاة في داخل البيت خير من الصلاة في ساحة البيت ..
فتركت الصلاة في المسجد خوفا من الفتنة ..
ومن ثم وقعت فتنة الجمل
وقد خرج الزبير رضي الله عنه لكيلا يشترك في هذه الفتنه فاستشهد على يد عمرو بن الجرموز ..
فأرثته في أبيات وقالت
غدر بن جرموز بفارس بهمة
يوم اللقاء وكان غير معرد
ياعمرو لو نبهته لوجدته
لاطائشا رعش البنان ولا اليد
والله ربك أن قتلت لمسلما
حلت عليك عقوبة المتعمد ..

فظنت أنها شؤم على الرجال فكلما تزوجت رجلا قتل ..
فعزفت عن الزواج ..فأتى علي رضي الله عنه لخطبتها
فقالت أني أخشى عليك القتل يابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ..
فخُطبت للحسين بن علي رضي الله عنه
فقالت : إني أخشى عليك من القتل ..
فقال ماتزوجتك إلا لأنني أريد الشهادة ..
فتزوجته وظلت معه فترة من الزمن .
فقتل في الفتنة التي حدثت في كربلاء ...
فاجعة صدعت فؤادها رضي الله عنها
فأخذت ترثي الحسين ...
واشتد حزنها على الحسين فماتت بعده بفترة قصيرة ..
فأي صبر سكن فؤاد تلك المرأة وأي ثبات ؟!
تزوجت اربعة من الرجال فاستشهدوا كلهم ..
تزوجت بعبدالله ابن ابي بكر ..ابن الصديق ..
ثم تزوجت عمر رضي الله عنه وهو خليفة رسول الله وأحد العشر المبشرين بالجنة ..
ثم تزوجت بالزبير رضي الله عنه وهو أحد المبشرين بالجنة
ثم تزوجت بالحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو ابن ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب

قال عنها علي رضي الله عنه بعد وفاة عمر رضي الله عنه من أحب ان يقتل
فليتزوج ........ رضي الله عنها ...

هل عرفتم من هي هذه المرأة ؟!
هل عرفتم من هي زوجة الشهداء ؟1
هل عرفتم من هي هذه الصابرة ؟!
هل عرفتم من هذه المؤمنة الثابتة ؟!؟!

إنها عــــــــــاتـــــــكة بنت زيد بن عمرو رضي الله عنها ...
ابنة ذاك الرجل الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم أنه يجرجر ثيابه في الجنة
وأخت أحد المبشرين بالجنة سعيد بن زيد ..!

فأي صبر سكن فؤادها ! وأي ثبات تسلحته !
وأي إيمان سكبته في روحها !

لله درها .! فهلا اقتدينا بها
وأخذنا بها مثلا في الصبر والثبات واليقين !

ا0هـ

لؤلؤة2005
29-09-2012, 04:48 AM
بارك الله فيك .