المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : .::: وكانت البداية :::.



رهف الروح
21-10-2008, 07:43 PM
وكانت البداية
في ذلكـ المنزل الكبير ذو الغرف المترامية الأطراف هناك كنت أسكن مع عائلتي ..
أبي المستثمر الكبير الذي أراه في الشهر مرة واحدة لا تزيد عن ساعة واحدة ..
أمي امرأة الأعمال الشهيرة ..
أختي شهد في الثالث الابتدائي وأخي عبد الله في السادس
كنت حينها في الصف الثاني المتوسط ..
لكمـ تمنيت أن أجلس مع والدتي ،، تكون لي صديقة معينة ،، أفرغ لها ما بداخلي من أحاديث ومواقف وما يسبقهما من مشاعر ..
وأختي كذلكـ ،، عندما أرى الأخوات معاَ في المنزل والمدرسة حتى الصديقات يشاركنهن أشعر بغبطة شديدة ،،
فرغمـ منزلنا الضخمـ ووفرة الأموال في أيدينا إلا أني لمـ أشعر يوماَ بطعمـ السعادة ،، فكل منشغل بنفسه ،، والدي يقضي معظمـ أيامه مسافراَ بين مشاريعه في شتى بلدان العالمـ ،، ووالدتي أكاد أجزمـ أنها تقابل أوراقها وملفاتها أكثر مما نلمحها في المنزل ،، وكمـ من مرة احتجتها في أ/ر خاص واعتذرت بمواعيدها ،، وكمـ اتصلت عليها راجية سماع صوتها ورؤيتها لكنها كانت توكل أمر الهاتف لمساعدتها فلا أـمكن من الوصول إليها ..
هكذا هي حياتنا في المنزل ،، أسرة واحدة لكن لا يجمعنا سوى المسمى ،، فلا أحد يعلمـ شيئاَ عن الآخر ،، أذهب إلى مدرستي وأعود فأجد خادمتي الخاصة قد جهزت لي حمامي ومن ثمـ غدائي ،، لتتركني بعدها لآخذ قسطاَ من الراحة لأستيقظ الساعة الثامنة لأتنقل بين الهاتف والحاسب والتلفاز إلى الثانية عشر ،، لأتفقد بعدها حقيبتي لمدة لا تزيد عن النصف ساعة ،، الصلوات لا ألقي لها بالاَ إلا ما ندر ،، فلمـ تكن علاقتي بالله قوية ،، فكمـ سمعت من مدرساتي عن أهمية الصلاة ،، لكني لمـ أرى أحداَ اهتمـ بها يوماَ ما ،،
مللت حياتي الروتينية ،، طمحت إلى التغيير ،، لكن كيف ومتى ومن سيساعدني ؟،، ما الذي يمكن أن أصل إليه وحدي ؟ فأنا ابنة الثالثة عشر ،، هكذا كنت أحدث نفسي في كل مرة ولا أغير شيئاَ ،،
رن الهاتف ،، إنه عصامـ
رزان : ألو مرحبا
عصامـ : أهلاَ حبيبتي ،، كيف حالكـِ ؟
رزان : الحمد لله بخير
عصامـ : ماذا كنتِ تفعلين ؟
رزان : لا شيء كنت أفكر فقط .
عصامـ : فيمـ تفكرين ؟
رزان : عصامـ هل هذا تحقيق ؟
عصامـ : لا يا حبيبتي ،، فقط أردت الاطمئنان عليكـِ
رزان : أنا بخير لا تقلق ..
عصامـ : حبيبتي ،، أود أن أطلب منكـِ طلباَ
رزان : من عيوني ،، تفضل
عصامـ : أريد صورة لكـِ لأراكـِ ،، فكل مرة نخرج لا أرى فيها وجهكـِ ،، كما أ،ي أريد أ، تبقى صورتكـِ دائماَ معي ..
رزان : الحقيقة منذ زمن لمـ أتصور ،، لكن أعدكـ أن أفعل ذلكـ من أجلكـ فقط ،،
عصامـ : أريدكـِ بأبهى منظر ،، فكمـ حبيبة لي !!
رزان : يكفي حبيبي أحرجتني بكلامكـ
عصامـ : أحبكـِ من قلبي ،، أنتِ عمري ،، أنتِ حياتي ،،
رزان : ...................
عصامـ : قريباَ سنتزوج ونصبح في منزل واحد ،، سأتركـ أعمالي من أجلكـِ ،، سأسافر بكـِ كل البلدان ،، سأشتري لكـِ ما تتمني ،، و...........
رزان : عصامـ يكفي أشعر بالحرج من كلامكـ ،، يكفي هذا أريد أن أنامـ
عصامـ : حسناَ حبيبتي لكـِ ما أردتِ ،، لكن لا تنسي أمر الصورة ،، تصبحي على خير ..
رزان : تصبح على خير ..
*******
في اليومـ التالي ،، في الحصة الأولى كانت مدرسة العلومـ منهمكة في الشرح لكني لمـ أعد أفقه مما تقول شيئاَ ،، أحسست بدوار شديد ،، وفجأة ،، لمـ أعد أرى أمامي ،، ولمـ أشعر بنفسي إلا وأنا مستلقية على السرير في غرفة المرشدة ،، كانت تجلس بقربي وفي يدها سجل كبير ،، كانت تواصل عملها وهي بجانبي ،، عندما فتحت عيناي ،، شعرت بحركتي فالتفتت تجاهي ،، نظرت إلي بحنان لمـ أعهده من قبل قالت : حمداَ لله على سلامتكـِ يا رزان ،،
تلعثمت ،، لمـ أدرِ ما أٌقول ،، هممت بالنهوض خجلاَ ،، فوضعت يدها علي طالبة مني البقاء ،، كانت تنظر إلى عيناي بنظرات غريبة لمـ أفهمها ولمـ أدركـ معناها ،، كان الارتباكـ بادياَ على وجهي ،، فأنا لمـ أتحدث معها من قبل ،، كنت أراها في أرجاء المدرسة ،، وكنت أسمع حديث الطالبات عنها لكن لمـ أجلس معها من قبل ،،
ساد صمت في أرجاء الغرفة ،، وهي مازالت تنظر إلي ،، بادرتني قائلة ،، أرى تساؤلات عديدة في عينيكـِ ،، لكني لمـ أبدِ تجاوباَ ،، فما بداخلي أكبر من أن يوصف بنظرات العيون ،،
تظاهرت بالإعياء ،، فتركتني وتوجهت إلى مكتبها ،، كان تفكيري متجه حول ما حصل لي ،، لماذا وما السبب ؟؟
نظرت إليها وهي منهكة في عملها ،، رفعت عينيها لتلتقي مع عيوني فابتسمت وغيرت اتجاه نظري ،،
في الفسحة أحضرت لي إفطارا وكانت تطعمني بيدها ،، شعرت بحرج كبير من ذلكـ ،،
كانت تتحدث وأنا صامتة تماماَ ،، كنت فقط أستمع لحديثها ،، كانت تتحدث عن الاهتمام بالذات وعن ضرورة عدمـ تعريضها لضغوط كثيرة ،،
انتهى ذلكـ اليومـ ولا أعلمـ كيف خرجت من المدرسة ،، شيء واحد أذكره ،، أ.مها وهي تودعني وتشد على يدي بسلامها ،،
تغيبت عن المدرسة ثلاثة أيامـ متتالية ،، وعندما عدت ،، وفي أثناء الطابور لمحت أ.مها ،، كانت تنظر إلي ،، نعمـ أنا متأكدة ،، حاولت الهروب من نظراتها ،، لكنها كانت تلاحقني بنظراتها إلى أن وصلت إلى غرفتها ،، سرت قشعريرة في جسدي ،، لمـ أنتبه إلا على نداء صديقتي بأن المدرسة قد حضرت ودورنا في التوجه للصف ،،
مرت الحصة الأولى ،، فالثانية ،، وفي منتصف الثالثة دخلت علينا طالبة تسأل عني ،، أخبرتني أن المراقبة تريدني ،، خرجت معها ،، كان صوت ضربات قلبي يعلو ويعلو ،، فماذا عساها تريد ،، أنا متغيبة منذ ثلاثة أيامـ ولمـ أخالف شيء ،، كنت أسير بخطى متثاقلة ،، فالتفكير قد أخذني بعيداَ ،، وصلت إلى غرفتها ،، طرقت الباب وأخبرتها أني أنا رزان ،، أخبرتني أن أ.مها تريدني وقت الفسحة ،،
عدت إلى الفصل ،، عندما دخلت كانت أعين الطالبات تتجه نحوي ،، حتى المدرسة بادرتني بالسؤال عما تريده المراقبة ،، فأخبرتها أن أ.مها تريدني وقت الفسحة ،،
مضت الحصة بطيئاَ ،، كنت في عالمـ بعيد ،، جسدي على الكرسي وعقلي في السماء ،،
دق الجرس معلناَ نهاية الحصة ،، الحمد لله سأذهب الآن ،، نزلت إلى الساحة ،، طرقت باب الغرفة بعد أن ابتلعت ريقي ،، رددت السلامـ ودخلت ،، كانت هي أسبق مني للحديث ،، طلبت مني الجلوس بجانبها ،، أخذت تسألني عن صحتي وعن غيابي وماذا قال الطبيب ،، ثمـ بادرتني بالسؤال عن أهلي ،، تلك النقطة التي لا أتجرأ على مساسها ولا التحدث عنها ،، قالت اتصلنا على والدكـِ ووالدتكـِ يومـ مرضكـِ فلمـ يجبنا أحد ،، هل الأرقامـ المخزنة لدينا صحيحة ،، وأعطتني السجل المدونة فيه الأرقامـ ،، هنا توقف لساني عن الحديث وتغير لون وجهي ،، قلت نعمـ إنها صحيحة لكن والداي كانا مشغولين ذلك اليومـ ،، أمسكت بيدي ووضعت الأخرى على كتفي وقالت : رزان ،، اعتبريني والدتكـِ ،، اجعليني صديقتكـِ المقربة ،، صارحيني بما في قلبكـِ ،، صدقيني سأكون لكـِ الصدر الحنون ،، سأساعدكـِ مهما كلفني الأمر ،، أرى في عينيكـِ الكثير من الحزن ،، وهذا كثير على طفلة في مثل عمركـِ ،، فقط أريدكـِ أ، تثقي بي ،،
بنيتي ،، لا تجعلي حياتكـِ كالقبر تدفنين بها نفسكـِ ،، تحدثي لتتخلصي مما أنتِ فيه ،،
اسمعيني يا حبيبتي ،،
الشخص منا بحاجة لمن يستمع إليه ،، يبث إليه همومه ومشاكله ،، يساعده على تخطي الأزمات ،، فلكل منا طاقته في التحمل ولا بد من وجود من يساعده ،، المرء يا ابنتي لا يمكن أن يعيش بمفرده ،، لا بد من وجود معين له في الحياة بعد الله تعالى ،،
حبيبتي رزان ،، أنا على أتمـ الاستعداد لسماعكـِ ولو استغرق ذلكـ جل وقتي ،، فمهمتي مساعدة بنياتي في هذه المدرسة ،، والله إني لأشعر بشعوركن بل وحتى أستطيع قراءة ما يدور به تفكير إحداكن ،،
بنيتي ، أنا بانتظار ردكـِ ،،
هنا انفجرت ببكاء هستيري ،، فمنذ متى وأنا أتمنى أن أجد صديقة أتحدث معها ،، فقد كنت ضمن مجموعة من الزميلات اللاتي تسود على أحاديثهن النكت والطرائف فقط ،، كنت أحضر متأخرة للمدرسة ،، وأتجه للفصل مباشرة ،، في وقت الفسحة كنت أجلس أحياناَ مع الفتيات وفي معظمـ الأيامـ كنت أتجه للمصلى '' كنت أستمع لكلمات رائعة ،، أتمنى أن أحقق شيئاَ منها ،، وكلما هممت بضبطِ نفسي وجدت التخاذل طريقها ،، ''
والآن أجد من تعرض لي الصداقة والأمومة دون مقابل ،،
يااالله ،، هل أصدق ما قالته ،، أمـ أنها مجرد أحاديث تتداول ،، جلست في صمت إلى نهاية الفسحة ،، وما إن أعلن الجرس انتهاء الوقت حتى هممت بالخروج أو بمعنى أصح '' بالهروب '' لكنها أمسكت بيدي مشيرة إليّ أن معلمة الحصة الرابعة قد تغيبت هذا اليومـ وقد قامت هي بأخذ الإذن من معلمة الاحتياط ،، يااالله ماذا أفعل ،، جلست وأخذت أمسح دموعي المنهمرة على وجنتي ،، نظرت إليها ولمست صدقها في الحديث ،، لا أعلمـ كيف بدأت بالحديث معها ،، أخبرتها بوضعنا في المنزل ،، وانسقت بالحديث إلى أن انتهت الحصة الخامسة ،، كنت أتحدث وهي تستمع إلي باهتمامـ ،، كنت أبكي بمرارة ،، فمنذ متى وأنا أطلب من والدتي التفرغ لي ولو ساعة لأحدثها بأمر مهمـ ،، لكنها سرعان ما كانت تتعذر بمواعيدها ومشاغلها التي لا تنتهي ،، والآن مدرستي تضمني بحرارة وتحتوي ألمي وحزني ،، ارتميت في أحضانها من شدة البكاء ،، وتوقف لساني عن الحديث ،، كانت تمسح دموعي وتهدئ من بكائي ،، وتحاول التخفيف عني ،،
طلبت مني نسيان الماضي بأكمله وبدء حياة جديدة معها ،، وعدتني بالمساعدة والتواصل الدائمـ شريطة أن ألتزمـ معها بما تقول دون إهمال ،،
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراَ ،، إنه موعد انصرافي ،، سألتني عمن سيأتي لاصطحابي فأخبرتها أن لدي سائقي الخاص ،، لكنها طلبت مني الاتصال به وإبلاغه بعدمـ الحضور فهي من سيوصلني اليومـ للمنزل ،،
عدت إلى المنزل ،، ذهبت للنومـ ،، لكن شعرت بشيء غريب ينتابني ،، لمـ أستطع النومـ ،، كنت أفكر بما حدث لي مع أ.مها ،، فما هدفها من ذلكـ ؟؟ كنت أود معرفة مدى حرصها على مصلحتي ،، رباااااه ،، الساعة الواحدة ليلاَ ولا أستطيع النومـ ،، أريد أن أطمئن ،، التفكير أخذ جل وقتي ،، لكن ......
قطع تفكيري صوت الجوال ،، إنها أ.مها ،، ترى ماذا لديها ؟؟ لماذا تطلبني في هذا الوقت ؟؟
أنا : ألو مرحبا
أ.مها : السلامـ عليكمـ ورحمة الله
أنا ''وكلي حرج'' : وعليكمـ السلامـ ،، أهلاَ أ.مها
أ.مها : أهلاَ رزان ،، كيف حالكـِ ؟
أنا : الحمد لله بخير - كيف حالكـِ أنتِ ؟
أ.مها : الحمد لله ،، حبيبتي رزان ،، لماذا لمـ تنامي حتى الآن ؟؟
أنا : لا - لا لشيء
أ.مها : بنيتي - اتفقنا على الصراحة ،، أليس كذلكـ ،، ما بكـِ يا ابنتي ؟ هل حدث ما يضايقكـِ ؟
أنا : لا - لا شيء ،، كنت أحاول النومـ فقط ،،
أ.مها : أتمنى لكـِ أحلاماَ سعيدة ،، لكن لا تنسي أذكار النومـ ،، ولا تنسي أريد رؤيتكـِ غداّ ،، اتفقنا ؟ - تصبحين على خير حبيبتي ،،
أنا : اتفقنا ،، تصبحين على خير ..
أ.مها : مع السلامة ..
أغلقت الهاتف لكن التفكير بها لمـ يكن ليغادرني ،، كأنها عرفت أني أفكر بها ،،
كلماتها أوجدت إجابة لكل تساؤلاتي السابقة وأدخلت الطمأنينة على قلبي وجعلتني أنامـ سريعاَ وكأن حملاَ ثقيلاَ قد أزيل عن كاهلي ،،
***********
مرت الأيامـ تلو الأيامـ ،، كنت في كل يومـ أجلس للتحدث معها قرابة الساعتين ،، لمـ تكن تعطني شيئاَ ،، فقط كانت تستمع إلي ،، حدثتها عن صلاتي ،، وعن علاقتي بعصامـ ،، وعن مكوثي بالساعات على الشات ،، كذلكـ عما أشاهده في التلفاز من صور وأفلامـ ومسلسلات ،، كنت لا أنامـ إلا وصوت الأغاني يدق في أذناي ،،
بعدما أنهيت ما لدي بدأت هي بالتحدث وإعطاني بعض المواعظ بطريقة غير مباشرة ،،
********
ذات يومـ بعد عودتي من المدرسة تلقيت رسالة من عصامـ ،، كان يريد مني الخروج معه هذا المساء ،، ترددت كثيراَ ،، لمـ أجد نفسي إلا وأنا أتصل على أ.مها لأبلغها بالأمر ،، استغربت هي اتصالي في هذا الوقت فللتو كنت معها في الغرفة ،،
في البداية تلعثمت في الحديث ،، ثمـ أخبرتها بالأمر ،، وأخبرتها أني لا أعلمـ كيف سأتصرف ،، طلبت مني الصلاة والدعاء ،، قالت لي الدعاء يا رزان ،، حاولي فقط تأجيل الموعد فترة إلى حين بدء الإجازة ،،
أغلقت الهاتف وكلي عزمـ على تنفيذ طلبها دون تردد ،، حادثته وطلبت منه تأجيل الموعد ،،
توضأت وصليت ودعوت الله في سجودي ألا يحصل إلا ما فيه الخير ،، ثمـ ذهبت للنومـ ،،
استيقظت على صوت الهاتف ،، إنه عصامـ ،، لمـ أكن أرغب بمحادثته ،، تجاهلت الرنين مرة واثنتين وثلاثة ،، ثمـ رسالة ،، أريد التحدث معكـِ للضرورة ،،
كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصراَ ،، يااااالله ،، منذ متى لمـ أستيقظ في مثل هذا الوقت ،،
أمسكت الهاتف وأرسلت رسالة إلى أ.مها ،، وسرعان ما أتاني الرد منها ،، ثمـ تتالت رسائل مختلفة منها ما تحث على الصلاة ومنها ما تبين فضلها وأهمية الحرص عليها في وقتها ،،
تركت ما في يدي وأسرعت للصلاة ،، كلمات تلكـ الرسالة جعلت بداخلي حافزاَ للصلاة والمجاهدة من أجلها ،،
************
مرت الأيامـ وفي كل يومـِ يمر كنت أودع معه نصيب أكبر من إهمالي للصلاة ،، كانت رسائل أ.مها لا تنقطع عني مطلقاَ ،، في كل وقت تصلني عدة رسائل تشجعني على الصلاة والمحافظة عليها ،، وبعد شهر التزمت بجميع الصلوات في أوقاتها ولله الحمد ،،
أحببت أن أزف تلكـ البشارة إلى من كانت سبباَ بعد الله في وصولي لذلكـ ،، فكرت بإرسال رسالة ،، لكن ..... لن تكون مفرحة كما لو أخبرتها بنفسي ،،
سأخبرها غداَ صباحاَ بإذنه تعالى ،،
****
في الصباح ،، وقبل الطابور ،، طرقت باب الغرفة ،، دخلت فإذا بها تستقبلني بابتسامة تملأ شفتيها ،، قلت لها أن لدي بشارة ستفرحها كثيراَ ،، عندما أخبرتها كانت ردة فعلها مختلفة عما توقعت ،، نهضت من مكانها وأمسكت بي واحتضنتني ،، بكت وبكيت معها ،، كانت دموع الفرح تنهمر من أعيننا ،،
**********
كان عصامـ يتصل بي كل ليلة مما أزعجني كثيراَ ،، كنت أرد على بعض اتصالاته لكن سرعان ما أغلق متعللة بانشغالي ،، كنت أشعر أن حبه زال من قلبي ،، أريد التخلص منه بأي طريقة ،، لكن كيف ؟؟
كنت أـهرب منه أكثر مما أجيبه ،، رسائله كانت مصدر إزعاج بالنسبة لي ،،
خطرت بي فكرة للتخلص منه لكنها تحتاج لموافقة أ.مها
اتصلت عليها وأخبرتها بالأمر ،، سألتني عما أنوي فعله ،، طلبت منها المساعدة والوقوف بجانبي فوحدي لن أتمكن من فعل ما أنويه ،، لمـ تمانع من مساعدتي ،، شرط أن تكون كل تصرفاتي في ذلكـ الأمر تحت موافقتها ،،
أردت تحويل مكالمته لرقمها بحيث ترد هي عليه وتخبره أنها والدتي وقد علمت بأمري وإن لمـ يبتعد عني فإنها ستبلغ الهيئة ،، وبالفعل اتصل وتمـ تحويله ،، وتمـ الأمر كما هو متفق ،، في البداية استجاب لتهديدها ،، لكنه لمـ يتركني ،، كان يرسل لي مقاطع مسجلة بصوتي وكان يهددني بنشرها ،، والأكبر من ذلكـ صورتي التي أرسلتها له ،،
اتصلت بي أ.مها ،، وأخبرتها بالأمر ،، فطرأت لها فكرة للتخلص منه ومن تهديداته دون إحداث ضجة ،، لكن كنا بحاجة لمساعدة الهيئة ،،
ذهبنا إلى مقر الهيئة ،، طلبت منهمـ أ.مها توفير الحماية لي أثناء جلوسي معه ومن ثمـ القبض عليه ،،
تمـ الاتفاق على ذلكـ بعد تحديد المكان والزمان ،، اتصلت به وأخبرته أني أريد لقاءه لأمر ضروري وأخبرته بالمكان ،،
في اليومـ المحدد ،،خرجنا قبل الموعد بنصف ساعة لترتيب الأمر ،،
حان الوقت المنتظر ،، أتى عصامـ وجلس بجانبي ،، طلبت منه الجلوس في الجهة المقابلة لأتمكن من التحدث معه ،، كنت أعتذر له عن عدمـ تمكني من الرد ،، وأمضي الوقت إلى أن أتى رجال الهيئة ،، تمـ القبض عليه ،، وفيما بعد تمـ تخليص الصورة والمقاطع منه وأخذ عليه عهد بعدمـ التعرض لي مرة أخرى ،،
***************
بعد عدة أيامـ ،، أصبت بحمى شديدة ،، اضطررت معها للانتقال للمشفى ثلاثة أيامـ ،، في كل يومـ كانت أ.مها تأتي لزيارتي والاطمئنان على صحتي ،،
خرجت من المشفى ،، مكثت في المنزل أسبوع إلى أن تحسنت حالتي ،،
عندما عدت إلى المدرسة أدركت أن الكثير من الدروس قد ضاعت علي واستصعب علي فهمها وحدي ،،
وعدتني أ.مها بالتحدث مع المدرسات وتوفير الوقت لشرح تلكـ الدروس لكن بشرط ،، أن أعدها أنا أيضاَ بالاهتمام بدراستي أكثر ،،
كانت توفر لي حصة يومياَ لتعويض ما فاتني من الدروس ،، لاحظت اهتمامـ المدرسات بي وتشجيعهمـ لي والحرص علي ،،
كنت في المنزل أذاكر دروسي بشكل يومي حتى لا أضغط فترة الاختبارات ،، إلى أن لاحظ الجميع تحسن مستواي الدراسي بدرجة كبيرة ،،
استغربت الطالبات حولي من اهتمامي ،، أثار انتباههمـ بدروسي ومواظبتي على حضور الحصص والانتباه مع الشرح ،، كنت محط أنظار الجميع تلكـ الفترة ،، فالمدرسات يثنون على نشاطي ،، والمديرة قامت بتكريمي على مستوى المدرسة ،، حتى زميلاتي في الصف أصبحن يسألنني عما يصعب عليهن ،، شعرت بسعادة تغمرني ،، شعرت وكأني فراشة أحلق في الفضاء لأبهر الجميع ،،
كان ذلكـ قريباَ من نهاية الفصل الدراسي الأول ،، كنت أطمح أن تكون درجاتي في اختبار الشهر جيدة ،، لكنها كانت وللأسف أكثر من أن يقال عنها سيئة ،، تحدثت مع أ.مها علها تساعدني ،، فما وجدت منها غير الترحيب ووعدتني بالخير ،،
بعد يومين أعطتني جدولاَ لإعادة الاختبارات ،، فرحت بذلكـ وعزمت أن أكون ضمن متفوقات ذلكـ العامـ ،،
حرصت على المذاكرة مبكراَ ،، فقد كانت الاختبارات بعد أسبوعين من الآن ،،
ذاكرت وذاكرت إلى أن أتى أدركت أول يومـ ،، مرت الأيامـ سريعاَ ،، أنهيت جميع المواد في أسبوع واحد ،، وأحضرت النتيجة ،، الحمد لله لمـ أخسر شيء من الدرجات ،، درجة كانت مقسمة على جميع المواد ،، كان ذلكـ الخبر بمثابة هدية تقدمـ لي ،، فرحت بها كثراَ ،، عزمت ألا أخسر شيئاَ في النهائي أيضاَ ،، فما تبقى عليه إلا أسبوع واحد ،، مرت الأيامـ مسرعة ،، كنت أنامـ ساعتين في اليومـ ،، وما تبقى من الوقت أقضيه في المذاكرة ،، فقد كنت أتحدى نفسي وأتحدى جميع زميلاتي بأني سأكون هذه السنة ضمن المتفوقات ،،
هاهو اليومـ الأول ،، قرأت آيات من القرآن ،، وقبل دخولي قاعة الامتحان أمسكتني أ.مها وشدت من عزيمتي وذكرتني بالله وقالت : رزان ،، لن يخيب من أوكل أمره لله ،،
توكلت على الله ودخلت القاعة ،، مضى اليومـ الأول فالثاني فالثالث ،، وهاهو اليومـ الأخير ،، حمدت الله أن وصلت لذلكـ بعد استعانة وتوكل عليه ،،
وفي يومـ النتائج كان الخوف يسيطر علي ، فهذه المرة الأولى التي أترقب فيها النتيجة باحثة عن التفوق لا النجاح فقط
خرجت أ.مها من باب غرفة الإدارة والابتسامة تعلو محياها ،
لمـ تنتبه لوجودي ،، اتجهت لمجموعة من الطالبات بالقرب منها ،،
أخبرتني إحدى الطالبات أن أ.مها تطلبني ،،
ذهبت إليها والوجل يتملكني ،، سلمت عليها وقبل أن أتحدث بكلمة واحدة أخرجت لي النتيجة وقبلتني بشدة وهي تفخر بي لحصولي على تلكـ النتيجة،،
الحمد لله حصلت على المركز الأول ،، كان الفارق بيني وبين الثانية جزء بسيط من الدرجة ،، لمـ أتمالكـ نفسي ،، بكيت من شدة فرحتي ،، تمنيت أن يشاركني أهلي هذه الفرحة ،، طلبت مني أ.مها أن نخرج سوياَ هذا المساء ،، وبالفعل أخذتني لمكان لمـ أشاهد بروعته من قبل ،، كانت تعد لي حفلة كبيرة وكانت المفاجأة أن وجدت معلماتي وزميلاتي الخيرات هناكـ ،، قضيت معهمـ وقتاَ رائعاَ ، سعادتي كانت لا توصف وعندما عدت كنت محملة بهدايا كثيرة منهمـ ، تأملتها طويلاَ - الهدايا- ياااالله لكـ الحمد ، لمـ أكن أتوقع الوصول لهذا يوماَ ما ،
-----------
توالت الاتصالات بيني وبين أ.مها طيلة فترة الإجازة ، كانت تعطيني دروساَ بطريقة غير مباشرة ، كنت أشعر بذلكـ لكني كنت سعيدة بها ، كانت تحدثني عن أشخاص ومواقف لتعطيني منها العبر ، شعرت أن حياتي بدأت تتغير ، شجعتني للانضمام إلى دار تحفيظ قرآن فهي حقَا ستفيدني ، وبالفعل مع بداية الفصل الدراسي الثاني التحقت بالدار المجاورة لنا ، بدأت أحفظ وأحفظ ، كان في البداية صعباَ لكن مع توكلي على الله كنت من المتميزات على الحلقة ،،
-------
ذات يومـ سألتني أ.مها عن برامج التلفاز التي أتابعها ، لمـ توجه لي أي نوع من الحديث سوى السؤال لكني فهمت ما ترنو إليه،
كنت أجاهد نفسي شيئاَ فشيئاَ ،، بدأت أحدد وقتاَ للتلفاز ، ثمـ ألغيت بعض البرامج التي لا فائدة منها ولا يليق بي مشاهدتها ،،
كنت في كل فترة أقلل من وقت جلوسي على التلفاز ومع مرور الوقت أصبحت أكره التلفاز ولا أجلس عليه إلا لمتابعة البرامج الدينية إن كان لدي وقت لها ،
أخبرت أ.مها بما وصلت له ، فرحت بذلكـ فرحاَ كبيراَ - علمت أني وصلت لفهمـها دون أن تتحدث - ،،
كانت دائمة الدعاء لي أمامي وفي غيابي ،
علمت أني ظلمتها في البداية ، فلمـ أعتد الاهتمامـ من أحد قبل ذلكـ ،
أردت أن تسامحن لسوء ظني بها ، فضحكت مني ومن أفكاري ، إذ كيف تسول لي نفسي مثل تلكـ الأفكار الغريبة ،،
بعد ذلكـ بفترة ليست بالقصيرة تركت سماع الأغاني واستبدلتها بالأناشيد الإسلامية ،
أصبحت لا أنامـ إلا ومسجلي قد فتح على آيات كتاب الله ، تركت المنتديات المختلطة و الشات وغيرها من التفاهات ،
نومي معتدل ،، يومي مليء بالأعمال ، فلا فراغ لدي أقضيه في الملهيات ، أصبحت أستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة لصلاة ركعتين لله وأنتظر صلاة الفجر لأصليها ومن بعدها أذهب إلى المدرسة،،
عندما أعود آخذ قسطاَ من الراحة لا يتجاوز 45 دقيقة ثم أستيقظ لمذاكرتي إلى أن يحين موعد ذهابي للدار ،
عندما أعود أصلي المغرب وأكمل ما تبقى من المذاكرة ،
ثـمـ أصلي العشاء وأجلس لحفظ نصابي القرآني ، وعند الساعة 11 أخلد للنومـ براحة واطمئنان ،
-----------
قبل نهاية الفصل الدراسي بشهر كان موعد حفل الأمهات ، فرحت بذلكـ وكان الاستعداد له يملأ جل وقتي ، فهذه المرة الأولى التي سأشاركـ فيه ، والمرة الأولى التي سأكون ضمن ركب الطالبات المتفوقات ،
أخيراَ ، سأكون بين المتفوقات وسأشعر بشعورهن ، سألبس تاج التفوق هذه المرة ، لقد كان حلماَ يراودني واليوم أصبح حقيقة ،
-------
قبل الحفل بيومـ تمـ توزيع بطاقات الدعوة ، كانت كل واحدة من الطالبات فرحة ، فأمها ستحضر غداَ لتسمع عبارات المدح والتفوق من معلماتها ، أما أنا فمن سيحضر ليسأل عني ؟
بالتأكيد والدتي لن تحضر ، فأعمالها أهمـ من حضور حفل المدرسة ، ياااالله ، وقفت في حيرة وحزن ، قررت تخبئة البطاقة وعدمـ إظهارها لأحد ،
قبل خروجي من المدرسة ذلكـ اليومـ طلبتني أ.مها وسألتني عمن ستحضر الحفل معي بالغد ، لمـ أجد إجابة فقط صمت وطأطأت رأسي ، فماذا عساي أن أقول ؟
أأقول أن والدتي مشغولة ؟
أمـ أقو أنها لا تملكـ وقتاَ لتضيعه في الحفل ؟
نظرت في عينيها فقرأت العديد من العبارات بداخلها ، كانت تقول لي ( هذا ما تبقى أمامكـِ يا رزان ، غداَ سأحل محلها ، لكن عليكـِ فيما بعد جعلها متواجدة ، عليكـِ جمع شتات عائلتكـِ ، يجب أن تكونوا يداَ واحدة )
دمعت عيناي ، أمسكت قلماَ وورقة عن مكتبها وكتبت عليها ( أحبكـِ يا أمي ) وقبلتها وذهبت ،
----------------
في المنزل ، كنت أحلق في أرجائه من شدة الفرح ، انتقيت أجمل الربطات ، أخذت حماماَ دافئاَ ، سرحت شعري بطريقة منظمة ، وجهزت نفسي وكأني ذاهبة إلى أجمل حفلة في حياتي ، خلدت للنومـ وكان تفكيري منصباَ على حفل الغدِ ، كيف سيكون حالي عند مناداتي؟
غططت في نومـِ عميق وما استيقظت إلا عند الساعة الرابعة ، توضأت وصليت ودعوت الله أن يتمـ سعادتي ، ،
------------
بدأ الحفل وبدأت الفقرات تتابع ، كنت أجلس في الصف الخلفي بجانب أ.مها ، كانت تريدني أن أتابع الحفل بصحبتها ،
الآن تكريمـ المتفوقات ، شدت على يدي وذهبت إلى بقية الطالبات للانضمام معهن في الصفوف لبدء التكريم ،
كنت الأولى على مرحلتي ، وقفت في البداية وعندما نودي على اسمي ألبستني المديرة طوقاَ من الورد لمـ يكن لأحدِ غيري ، وقبل إكمال التكريمـ أخذتني بجانبها وأخذت المكبر وكانت تحدث الأمهات عني ، كانت تثني علي ثناءاَ كبيراَ ، شعرت بالخجل واحمرت وجنتي ،،
--------
انتهى الحفل ، تنقلت بصحبة أ.مها في أرجاء المدرسة ، فقد كانت هي بمثابة والدتي ،
كانت النظرات من حولي تدخل على نفسي الحرج ، فالأصابع تشير إلي وكأنني ملاكـ أسير بينهمـ ،
حمدت الله أن سمعتي تحسنت في أرجاء المكان ،،
-----------
انتهى اليوم ، أوصتني أ.مها إلى المنزل ، ودعتها وذهبت ، كنت في قمة السعادة لما حدث هذا اليومـ ، دعوت الله أن يعينني على مواصلة المسير ،
---------
بعد عدة أيام كنت أفكر في كيفية جعل العائلة تمضي سوياَ ،
أحببت أن أبدأ من أختي الصغيرة شهد ، فهي الآن كما كنت أنا سابقاَ ، بالتأكيد هي الآن بحاجة إلى حضن يضمها ويرعاها ويهتم بها ،
توكلت على الله واتجهت إلى غرفتها ، طرقت الباب ، أجابتني بصوتها الطفولي " تفضل"
عندما رأتني تفاجأت ، فمنذ فترة طويلة لمـ أدخل غرفتها ،جلست بجانبها وأخذت أتسامر معها قضيت معها ساعات ثلاث لعبنا سوياَ ثمـ ساعدتها في دروسها ، تعمدت أن يأتي وقت صلاة العشاء وأنا بجانبها ، عندما بدأ المؤذن بالتكبير أوقفت حديثنا وكنت أردد معه بصوت مرتفع ، كانت شهد تحدق بي بشكل غريب لكنها لمـ تتحدث بشيء ، بعد أن انتهى اقترحت عليها القيام لأداء الصلاة معي ، لمـ تمانع لكن علامات الاستغراب ما زالت ترتسم على وجهها ، توضأنا سوياَ وصلينا جماعة ،
مع مرور الأيام وجلوسي المستمر معها أحسست أنها بدأت تتغير بل وحتى أصبحت تبحث عني عندما أتغيب عنها ،
بدأت تحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها ، على أن تمكنت من جذبها بحمد من الله وفضله ،
-----
الآن دور أخي عبد الله ، سيكون الوضع مختلفاَ هذه المرة ، فشهد فتاة مثلي ، أما عبد الله فذكر ، الصلاة في المسجد وخروجه لا يمكن لي ضبطه ، يا رب أعني ،
توجهت إلى غرفته فقابلني عند بابها ،
رزان : مساء الخير يا عبد الله
عبد الله : أهلاَ رزان ، ....
رزان : هل أنت خارج من المنزل ؟
عبد لله : نعمـ كنت أنوي الذهاب للتنزه فقد مللت من هذه الشاشات ،
لكن هل أردتِ شيئاَ ؟
رزان : نعمـ يا عبد الله ، أردت الجلوس معكـ قليلاَ فهل تأذن لي بذلكـ ؟
عبد الله : هل الأمر ضروري ؟
رزان : لو سمحت
عبد الله : أعطني نصف ساعة فقط ،
رزان : نصف ساعة يا عبد الله لا أكثر - وغمزت بعيني ،،
مرت النصف ساعة ، ساعة ، ولمـ يعد عبد الله بعد ، ما الخطب ؟
اتصلت عليه وسألته عن سبب تأخره فأجابني أن الحديث أخذه مع زميله ولمـ ينتبه للوقت ، فعلقت " المسلمون على شروطهمـ يا عبد الله " شعرت أني أحرجته ، فأخبرني أنه سيكون عندي بعد خمس دقائق ، وبالفعل قبل مضي خمس دقائق كان قد وصل للمنزل ،
جلست أتحدث معه عن الحياة وعن الدراسة إلى أن وصلنا إلى الأصحاب ،
أخبرني أنه تعرف مجدداَ على مجموعة من شباب الحي المجاور لحينا وقد قرروا الذهاب في رحلة هذا الخميس،
سألته من يكونون فصدمت من معرفتهمـ ، إنهمـ مجموعة لا يؤتمن لديهمـ شيء ، شباب ليس لديهمـ مبادئ ولا تقاليد ، لا يهمهمـ م يفعلون إن كان حلالاَ أو حراماَ ، وأخي كان على علمـِ بذلكـ ، فسيرتهمـ السيئة على كل لسان وفي كل مكان ،
لمـ أبدِ له أي وجهة نظر تجاه هذا الموضوع فقط طلبت منه الحذر ،
عندما أذن المؤذن للصلاة طلبت منه ألا يخذلني فيما أطلبه منه ، فوعدني بالقبول ، طلبت منه أن يتوضأ ويذهب لأداء الصلاة في المسجد بعد أن ذكرته بفضل الصلاة وواجبنا تجاهها وذكرته بعذاب النار وشدته ،
شعرت أنه كان في البداية ينوي ألا يفي بوعده لكن يبدو أنه أخذه الخوف نوعاَ ما وذكرته بأن المسلم يفي بوعده فابتسم وذهب للتنفيذ دون أن يتحدث ،
هكذا بدأ قلبي بالاطمئنان ، فضمـ إخوتي لصوتي الواحد تلو الآخر له فاعليته في التأثير على والداي ،
بهذه البداية كانت أولى خطواتي مع عبد الله
وبحمد الله تدرجت معه إلى أن أصبح بعد مرور شهر ونصف لا يصلي إلا في المسجد ، و أصبح يستيقظ قبل أذان الفجر ليكون ضمن الصف الأول في المسجد ، وكذلكـ ابتعد بفضل من الله عن تلكـ الفئة الضالة ،
----------
بعد أن ضممت إخوتي لي وتمسكنا يداَ بيد ، ذات يومـ جلست مع عبد الله وشهد ، أخبرتهمـ بما أتمنى حدوثه ، ، وكان لهمـ ذات الرأي في هذا الموضوع ، تسلحت بهمـ واتفقت معهمـ أن نبدأ أنا وشهد بوالدتي فهي تعتبر الأقرب لنا ، وعبد الله
ذهبت أنا أولاَ لأمي ، طلبت منها التفرغ هذا المساء لأمر مهمـ ، بدأت بتعداد المواعيد والأشغال لكني تجاهلت ذلكـ مدعية أن موضوعي مهمـ للغاية ولا يمكن تأجيله ،
وذهب عبد الله لوالدي أخبره بضرورة الحضور في الوقت المحدد لأمر مهمـ
بهذا الاجتماع نكون قد جمعنا أبي وأمي في نفس الوقت لنتحدث معهمـ سوياَ ،
في الوقت المحدد حضرت والدتي وتجمعنا في المجلس الرئيسي ، أحضرنا القهوة وبعض الحلويات ، كانت والدتي تستعجل الأمر فأخبرتها شهد ببراءتها قبل حضور والدي ، كنا - أنا وإخوتي - نرجوها أن تقبل طلبنا ، كنا نتوسل إليها ألا تقابلنا بالرفض ، ومن شدة الموقف وحاجتنا لها كنا نبكي بشدة ، كانت شهد تتحدث وتقول : أمي ، صديقاتي تحضر أمهاتهن للمدرسة ، صديقتي تقول أن أمها تسرح لها شعرها يومياَ ، وتطعمها وتلبسها ثيابها وتوصلها إلى المدرسة وتحضر الظهر لتأخذها إلى المنزل ، أرجوكـِ يا أمي أريد أن تهتمي بي مثل صديقتي ، أريد أن أرتمي بحضنكـِ كل يومـ لأحكي لكـِ ما حدث معي في المدرسة ، أريدكـِ أن تذاكري لي دروسي ، أرجوكـِ يا أمي ، أرجوكـِ ..
رق قلب والدتي لما قالته شهد ، ضمتها إلى صدرها وأخذت تمسح دمعاتها وهي تتابع ، أمي صدقيني أنا بحاجة لدفء حضنكـِ ، أقومـ كل ليلة ينتابني الخوف ، فقط أود النومـ بجواركـِ ، أريد أن أشعر بحنانكـِ ، بدفئك ، بحبكـِ لي ، أرجوكـِ يا أمي لا ترفضي طلبي ، أرجوكـِ اقتربي مني وإخوتي ، خصصي لنا جزءاَ من وقتكـِ ، نريد أن نشعر أننا عائلة واحدة نجتمع للحديث سوياَ ، أرجوكـِ يا أمي ،
انهمرت دمعات أمي على وجنتيها ، فما قالته شهد يفوق الوصف ،
في هذه الأثناء دخل والدي المنزل ، اضطرب ، سألنا بحدة ، ما الذي حدث ؟ ، لماذا تبكون ؟،
هنا سكتنا جميعاَ ولمـ تنطق سوى دمعات أمي ، أحست كمـ كانت بعيدة عنا ، شعرت بحاجتنا الماسة لها ،
ذهب كل واحد منا إلى غرفته وبقي والداي وحدهما ، أخبرته أمي بما كنا نود قوله ،لم يجد حديثها مكاناَ لتلكـ الدرجة في قلبه ، كان يعتقد أن توفير المال هو أهمـ أمر بالنسبة لنا ، لمـ يعلمـ أن معيشتنا جميعاَ في غرفة واحدة تجمعنا أفضل من حياتنا تلكـ ،
كانت أمي تحاول إقناعه ، لكنه لمـ يبدِ رأياَ في ذلكـ ،
انتهى اليومـ وخلد الجميع للنومـ ، بدلت ملابسي وسرحت شعري وهممت بإلقاء جسدي المنهكـ على السرير، أوقفني صوت طرقِِ على باب الغرفة ،
رزان : تفضل
كانت والدتي ، طلبت مني أن أنامـ أنا وشهد وعبد الله معها تلكـ الليلة ، فرحنا بهذه البادرة وتسابقنا إلى غرفتها ،
من شدة فرحي هرب مني النومـ ، كنت أفكر وأحمد الله على ما وصلنا له وجنيت ثمرة الجهد المضني طوال الأشهر الماضية ،
في الصباح كنت أول من ينهض من الفراش ، تسللت بهدوء من حضن والدتي وأسرعت بالنزول إلى المطبخ ، أخبرت العاملة أن الجميع سيفطر هذا اليومـ معاَ ، وطلبت منها أن يكون الإفطار جاهزاَ خلال نصف ساعة ،
ذهبت إلى إخوتي ووالدتي وأيقظتهـ ، أخبرتهمـ أن الإفطار بانتظارهمـ في الأسفل ،
كان والدي للتو عائد من الخارج ، طلبت منه النزول لتناول إفطاره ،
تجمعنا على السفرة وبقي والدي ، كنا بانتظاره وعندما أتى استغرب اجتماعنا ، تذكر ما قالته له والدتي بالأمس ، سألنا لما لا تأكلون ، أجبناه بصوت واحد كنا بانتظار قدومكـِ يا والدي فالإفطار بدونكـ لا طعمـ له ،
نظر إلينا وكانت أعيننا تحكي له الكثير ، أسرعنا لتقبيله والارتماء في أحضانه ، قبلناه بحرارة وأمسكنا بيده إلى أن أجلسناه ، كانت الابتسامة تعلو محيانا جميعاَ ، لأول مرة نجتمع سوياَ بهذا الشكل ، منذ زمن وأنا أنتظر هذه الساعة ، الحمد لله أن تمكنت من جمع العائلة من جديد ،
----
انتهى العام الدراسي ، وتتابعت السنوات تلو السنوات ، تمكنت بفضل الله من ختم كتابه في الصف الأول الثانوي ، ولا زلت مستمرة في حلقات المتابعة ،
أنهيت المرحلة المتوسطة ، فالثانوية ، وها أنا على أعتاب الجامعة ،
كنت خلال تلكـ السنوات على اتصال دائمـ مع من كانت سبباَ بعد الله فيما أنا فيه الآن ، أ.مها ، كمـ أكن لكـِ من الاحترام والتقدير ،
التحقت بكلية الدراسات الإسلامية ، كنت في كل عامـ لا أتنازل عن كوني إحدى طالبات المصلى ، خضت تجارب عديدة ، لـ أتوانى في التحاقي لدار تحفيظ القرآن مهما كانت الصعاب ،
بعد سنة ونصف تمكنت أختي شهد وأخي عبد الله من ختمـ كتاب الله ، الحمد لله سنأتي يومـ القيامة لنلبس والدينا تاج الفخر والعزة ،
------
هذا العامـ آخر سنة لي في الجامعة ، اليومـ هو موعد مناقشة رسالتي في الماجستير ،
الحمد لله تمكنت من اجتيازها ، سجدت لله شكراَ أن أوصلني إلى هذه المرحلة ،
كنت أبحث عن مواطن طلب العلمـ إلى أن أصبحت داعية بفضل من الله ونعمة ،
كنت أتنقل بين المدارس ودور التحفيظ والمؤسسات الخيرية ، كنت أنشر ما تعلمته من دروس في حياتي لكل من قابلته ،
بعد فترة تمت خطبتي من شاب متدين ولله الحمد ، تمت الموافقة وخلال 3 أشهر تمـ الزواج ،
بعد سنتين رزقت بطفلتي الأولى
أخذت على نفسي عهداّ ألا أتركـ طفلتي مهما كانت مشاغلي ،
سأكون لها الحضن الدافئ ،
سأكون أماَ وصديقة ،
ولن أهملها أياَ كان ظرفي ،
/

/

تـــــــــــــــــــمـــــــــــــــت

لؤلؤة2005
29-09-2012, 04:51 AM
بارك الله فيك .