المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : --هبـــة الله-- --قصة مراهقة--



روعة الايمان
15-08-2008, 01:51 AM
--هبـــــــــــة الله--





لم تعي أن سن ذلك الرجل ضعف سنها 3 مرات و انه بدأ يستعد لاستقبال مرحلة الشيخوخة فقد قضى من عمره الكثير الحلو والمر رفقة زوجته سهام وبناته التوأم روان وريم اللتان تبلغان 17 عاما,وهي الأخرى لم تتعدى ذلك السن بعد ولكنها دخلت دوامة الكبار منذ يوم نجاحها. في ذلك اليوم الذي أخدها والد صديقتيها روان وريم المسمى طلال إلى نزهة قصيرة في أرجاء المدينة و تعرفت على الأماكن التي لم تزرها من قبل مع والديها.فهي لم تحظى يوما بأم حنونة ذلك أنها وافتها المنية عندما كانت طفلة لم تتجاوز 5 من عمرها أما والدها فطالما كان جسده موجودا أما روحه فهي غائبة قبل ولادتها,يتناول الخمر كل ليلة ليس لأنه فقد زوجته ولا لأنه سخط على وضعيته وإنما لان بعده عن خالقه كبعد السماء عن الأرض.أما أخوها كان شابا مستقيما متدينا لأنه تربى عند عمه بعد وفاة والدته منذ مراهقته حتى أصبح راشدا يبلغ 25 سنة ويدعى كمال.

لم يكن دخول هبة إلى دوامة الكبار في مجال العمل ولا في مجال الدراسة وإنما في حفرة الحب الأعمى,فقد أحبت والد صديقاتها طلال حينما قدم لها هدية النجاح فلمست فيه الأب الموجه والأم القلقة على ابنتها وهو بدوره كان يشفق على الفتاة المسكينة.كان طلال يعتبر هبة ابنة له ويدعوها لقضاء أيام العطل مع بناته فتخرج العائلة كلها لتبضع والاستجمام فلم تجد هبة أروع من ذلك الجو النقي بين أفراد العائلة حتى تنسى صراخ والدها الدائم الغير مبرر وصورة والدتها التي تضعها قرب وسادتها.

بعد مرور سنة,بقيت اللقاءات على حالها يزداد معها حب الفتاة لذلك الرجل وتزداد معها الأسئلة في جعبته حول سر نظراتها الغريبة له واهتمامها الزائد بخدمته.إلى أن صادفت ذات يوم صورة طلال وهو يبدو في حالة سكر في إحدى الحفلات فانهمرت دموعها لما رأته لأنها رأت فيه صورة والدها التي لطالما حاولت نسيانها معوضة إياها بصورة طلال.لم تكد تضع هبة البوم الصور حتى دخلت صديقتها روان وقد لاحظت دموعها فما كان منها إلا أن سألتها عن السبب فبررت هبة بكائها بتذكرها لحالة والدها واستفسرت عن الصورة لتعلم أن الملاك طلال في عينها كان نسخة لوالدها وإلا لما كانا صديقين أما الفضل في استقامته الحالية فيعود لله تعالى وزوجته المخلصة التي أرشدته للطريق الصحيح بعد عناء سنوات.ربما كان هذا ما لم تستطع والدة هبة القيام به ولشدة مرضها توفيت وتركت له هبة أمانة ضيعها منذ أول يوم.بقيت في غرفة صديقتها دون أن تفارق الدموع عينيها وما زاد الطين بلة أن حرارتها ارتفعت ومرضت,حاول طلال وزوجته معرفة السبب دون جدوى,فلم تتكلم ذلك أن صورة طلال انكسرت في مخيلتها أما روان فقد استبعدت أن يكون رؤيتها للصورة سببا في مرضها وانطوائها.
مرت ساعات بقيت فيها زوجة طلال قرب الطفلة المسكينة وقدمت لها الدواء كما لو أن والدتها عادت للحياة من جديد,أحست لأول مرة بحنان الأم لكن صوت قرع الباب في منتصف الليل أيقظها من حلمها الجميل.لقد كان والدها الذي تذكر أن ابنته لم تعد للبيت فجاء للبحث عنها,شرح طلال سبب تأخرها كونها مريضة ولابأس إن تغيبت يوما واحدا,لكن والدها لم يكن ليفهم يوما معنى الرحمة وطلب منها أن تأتي معه كما قال:ليس لدي بنات ينامون في بيوت الناس أو يتغيبون عن المدرسة لأي سبب كان.
طلال:أخي أنا لم اقصد أي شيء مما قلت الفتاة بنتنا وبيتنا هو بيتها وفي ظل غياب والدتها وانشغالك من الأفضل أن تقضي يومها هنا.
الوالد عيسى:أتظن انك الوحيد الذي يهتم بأبنائه أنا أيضا اهتم بهم أكثر منك أما ابنتي فليست بيتيمة حتى تشفق عليها ومن الآن فصاعدا لن تطأ قدماها هدا البيت من جديد حتى تفارقني الحياة.
رافقت هبة والدها الذي لم يتوقف عن توبيخها طيلة الطريق فيما كانت حسرتها وألمها لا يفارقانها فاليوم فقدت أسرتها الوحيدة وازدادت تعاستها في حين بقيت العائلة صامته لم يجد احدهم شيئا يعبر به وتداخلت المشاعر بين الشفقة و الم فقدان احد أفراد الأسرة .أما هبة فأخذت حقها من الصفع والركل في غياب أخيها الذي ذهب لزيارة جده.

إن كل ليلة تمر كالجمرة في قلبها بعيدا عن رجل أحلامها و صديقتيه ووالدتها الثانية.أما التوأم فكانا يشعران بضعفهما يوما بعد يوم في دراستهما بينما قلق وتفكير والدتهما في هبة يكبر و شوق طلال لنظراتها الغريبة يزداد. مرت 5 أشهر على غياب هبة عنهم وانغماسها في شغل البيت وشتم والدها المستمر لها كونها انقطعت عن الدراسة منذ ذلك اليوم.

ما كان من الفتاة إلا أن اهتمت بترتيب البيت وإعداد الطعام ليدخل أخوها متعبا من عمله في البناء و يستحم قبل أن يخرج ليجد طعامه جاهزا فيأكل ما قسم الله له من رزق ثم يقبل جبين أخته ويشكرها وبيديه هديه بسيطة لها.إنها ثاني هدية تصلها بعد هدية طلال التي كانت عبارة عن مجموعة قصصية,أما هذه المرة فهي عبارة عن عطر و عباءة أنيقة.لم تتمالك هبة نفسها وبدأت بالبكاء على كتفي أخيها حتى نامت,فوضعها في سريرها قبل أن يذهب ليصلي ركعتين استعدادا لنومه.نامت هبة وحلمت بأنها قد تزوجت وأنها تلعب مع أطفالها في حديقة المنزل لكن صفعة والدها أفاقتها من حلمها.لقد جاء والدها المدمن وبدأ من جديد في صراخه المعتاد وضربها بحجة أنها لم تستقبل والدها وتعد له الطعام فوق الطاولة.ازداد توبيخ الوالد ليوقظ الأخ كمال من نومه ليوقف والده عن حده.طلب الأخ من أخته أن تجمع ملابسها في حقيبتها لتسافر معه ويتركا الأب المدمن لوحده لعله يستيقظ من غفلته ويخدم نفسه لمرة واحدة في حياته.رغم تردد هبة في ذهابها خوفا من والدها وخوفا عليه إلا أن كمال أصر على ذلك فخرجا مسرعين في حين غفي الأب من كثرة صراخه ومن سكره.

قضى كمال وهبة الليلة في السيارة,و ما أن أشرقت شمس الصباح حتى ذهب الأخ ليقتضي اجر عمله الذي لم يكتمل في بناء عمارة في إطار مجموعة عمال وودع زملائه وغادرا البلد متجهان إلى بلد أجنبي.مكنهما المبلغ من السفر و كراء شقة صغيرة جدا.بعد تناول الغداء خرج كمال مسرعا ليبحث عن عمل قبل انتهاء اليوم وبقيت هبة في المنزل تتصفح كتاب ذكرياتها مع صديقاتها روان و ريم وكان القسط الأكبر لذكريات والدهما طلال الذي لم يفارق خيالها طيلة مدة السفر.أخذت قلمها وكتابها وبدأت في خط هذه الكلمات:
علمي بأنك مستحيل اكبر من هذا الكون
علمي بان الجحيم آتي أعلى من كل الظنون
إني ابحث عن الأمان يا رجلا
عن الدفء..عن الحنان..عن الاستقرار
ألا يمكن أن تحضنني في حياتك
بين أوراق أزماتك وحفلاتك؟
اعلم انك لست لي وان امرأة سبقتني إليك
لكنني لن أرضى وستأتي
أحاول أن اخفي إحساسي من أمام عينيك
فهن سهام,رماح,سيوف تقطع قلبي
لما بات السن حكما في هذا الزمان؟
لما تاريخ الميلاد أصبح القاضي في حياتي؟

قامت بعدها,توضأت ثم صلت ركعتين لله,وبدأت في تلاوة بعض الآيات من كتاب الله الذي كان بحوزة والدتها والذي وجدته عندما كانت تنظف المنزل في احد الأيام.

لم تمر إلا ساعة حتى وصل أخوها وبيده بعض الخضر و مستلزمات المنزل والتي جني ثمنها من مسحه لزجاج المحلات.أخذت الأخت الأغراض بعد أن سلمت عليه وتوجهت للمطبخ لتعد بعض الشاي في حين توجه كمال ليغير ملابسه ويصلي صلاة العصر.أعدت هبة الشاي وجلست مع أخيها وكان قد احضر معه راديو صغير ليسمعا أخبار العالم في غياب التلفاز.طال الحديث بينهما عن مشواره في البحث بحيث عرض عليه لحد الأشخاص العمل في محل للأغذية بدأ من الغد..فرحت هبة وشكرته كثيرا على جهده ودعت الله أن ييسر له خطاه.

مرت سنة كاملة من مكوث كمال و هبة في البلد الأجنبي ...وازدهرت حياتهما من خلال عمل الأخ في المحل التجاري فاشتريا مستلزمات المنزل كاملة و كذا الملابس وانتقلا من المنزل المكري إلى شقة اشتراها كمال.لم يسأل كمال يوما عن والده بينما كانت هبة تبعث له الرسائل وتعلمه بحالهما بعد أن طلبت منه السماح لكن كل رسائلها لم يكن لها جواب من الأب الذي لم يكلف نفسه عناء كتابة رسالة واحدة لابنيه. في كل سنة, كانت هبة تزداد جمالا ومع بلوغها سن 19 سنة أصبح كمال البالغ 27 سنة يعرض عليها فكرة الزواج من صديق كان يعمل معه في بلدهما الأصلي,إلا أن هبة لم تكن تعطيه جوابا مقنعا فمازال طلال يستولي على تفكيرها. كانت تراسل صديقتيها وكانت تعرف من خلالهما أخبار والدهما الذي أصبح رجل أعمال معروف يحسب له ألف حساب بينما التحقت الأختان بكلية الاقتصاد.

وفي احد الأيام وأثناء انشغالها بالرسم الذي هو هوايتها المفضلة,رن هاتفها النقال لأول مرة منذ سنة كاملة..إنها رسالة.فرحت هبة كثيرا وأرادت استكشاف الرسالة وكانت كالتالي:
يا صباح الورد يا زين الورود
يا صباح الخير يا نور النهار
يا عبير المسك في بيض الخدود
طال بعدك والحشا صابه انهيار


استغربت هبة من الرسالة لأنها تعرف رقم هاتف روان و ريم رغم أنها لم تتصل بهما يوما ولم يفعلان هما ذلك أيضا لأنهما كما جاء في رسالتهما ضيعا رقم هاتفها أما هي فكانت تخاف أن يجيب والدهما فتنبض مشاعرها من جديد,كما كانت تعرف رقم هاتف أخي كمال.
استفز فضول المراهقة نفس الفتاة فقررت أن تجيب صاحب الرسالة فكان ردها:
غرامي في الهوى طبعي غرامي
وأموت أموت في زين المحيا
يلي من كان في لحظة أمامي
أحس الكون من دونه شويا

يتبع...

روعة الايمان
15-08-2008, 01:59 AM
مع أنها شعرت بالذنب لردها على رجل غريب إلا أنها لم تستطع مقاومة فضولها.توجهت بعدها إلى المطبخ لتقلب الطعام ولم تكد تنتهي حتى رن هاتفها من جديد وهذه المرة:
توك صغيرة والهوى كله جروح
حرام قلبك في يدك تجرحينه
عيشي حياتك خلي الهم والنوح
خلي العنا والهم لا تتبعينه
والقلب ما هو مثل ما كان مفتوح
وأحلى المشاعر في حياتي سجينه

خافت الفتاة أن يكون كمال من يراسلها ليختبرها في حين أنها جاوبته وخصوصا انه ذكر أنها صغيرة وما أدراه أن تكون صغيرة إن كان مجرد شخص عابث.توقفت عن الرد عليه وعادت لعملها منتظرة أن يدخل كمال وفي قلبها كل الخوف من توبيخه لها.
عاد كمال على غير عادته من عمله لكنه هذه المرة كان برفقة رئيسه بالعمل الجديد,استقبلت هبة الشابين بابتسامة مصطنعة ذلك أن الخوف كان يخالج قلبها خوفا من أن يكون كمال هو صاحب الرسالة الهاتفية.عرفها كمال على صديقه جواد الذي يبلغ 27 سنة وهو من نفس بلدهم إلا أن ظروفه الخاصة دفعته إلى الدراسة بالخارج و الاستثمار كذلك.لم يعرفهما بسبب انتقاله ولم تكن هبة بحاجة إلى ذلك لان خوفها كان اكبر من أن تتعرف على أي شخص كان.مدح جواد الطعام الذي أعدته هبة و اخبرهما انه يذكره بما كانت تحضره والدته رحمها الله.بعد المسامرة الطويلة,استأذن جواد للمغادرة ولكن زيارته لم تكن كذلك مع كل عماله فهو صارم في عمله ولكن كمال كان بالنسبة له رائحة طيبة من بلده وكانت له مكانة خاصة عنده بسبب ذلك.

جمعت هبة أواني الطعام وكانت سريعة في جمعها فلم تعطي لكمال فرصة للتحدث أو حتى إبداء رأيه في الضيف,غسلت الأواني,رتبت البيت,أعدت الحمام لكمال,ووضبت له غرفة نومه في حين كان يحاول أن يفاتحها في موضوع معين في كل لحظة لكنها كانت تقاطعه.دخلت غرفتها ,أخذت سجادتها وبدأت تصلي ركعات لله تدعوه فيها أن لا يكون صاحب الرسالة.انتهت من صلاتها واطمئن قلبها.حينها استطاعت أن تعطيه شيئا من وقتها جلست ويديها ترتجفان وقالت له:
أظن أن لديك شيئا ما تريد أن تكلمني فيه فقد لاحظت ملاحقتك لي من غرفة إلى أخرى.
كمال:الحمد لله لأنك فهمتي أخيرا أنني أريد التحدث معك.
....الحقيقة أن لدي موضوعا حساسا لا اعرف كيف سأبدأ..في عاداتنا يا هبة أن الفتاة لا تت...
تقاطعه..هبة:والله العظيم أنني اعلم هذا لكن ما حصل هو أنني تهورت ولم اسمع كلامك لي.
كمال:..لا تقلقي لقد تفهمتك واعلم أن المراهقات متهورات قليلا وبدأ يضحك.
هبة:يعني انك سامحتني؟؟
كمال: بالطبع وهل لي أخت غيرك لأسامحها؟
وبدأا يضحكان
كمال:أتعرفين؟لقد فكرت أن صديقي الذي يعمل في البناء سيطلب أن تعيشي معه في بلدنا إذا تزوجتي به وهذا ما سترفضينه مادمت اعمل هنا لذلك كان رفضك له جيدا لنا بحيث تعرفت على رئيس عملي وهو يليق بك أكثر وعمله هنا فلن ..
هبة: كمال لحظة
كمال:دعيني أكمل حديثي...لن تضطري للرحيل إلى بلد أخر..ويمكنك زيارتي وقتما تشائين كما يمكنني أن أرى أبنائك عندما ارغب في ذلك.
هبة:ولكن يا كمال..
كمال: انتظري حتى أكمل...ستقولين إنني سأعرضك عليه...لا لا الأمر ليس كذلك بعد أن تناول العشاء هنا..وقبل أن يصل إلى بيته أرسل لي رسالة لأخذ رأيك في زواجك به...وبما انك فتاة مطيعة فأنت قد قبلتي ذلك.
حينها فهمت هبة انه كان يتحدث في موضوع زواجها وانه ليس بصاحب الرسالة في حين كانت هي تتحدث بموضوع أخر.
..سقطت دمعتين من عينيها وبللتا يديها المرتجفتين.
كمال:ااااه لا تكوني عاطفية أكثر من اللزوم فانا لن أغيب عنك كما تعتقدين فمباشرة بعد شهر العسل سأكون أول من يستقبلك,و سأزورك كل يومين.
هبة:{والدموع في عينيها} شكرا لك أخي على اهتمامك بي وعلى كل ما تقوم به من اجلي.
كمال:لا إن هذا واجب والمهم أن تكوني سعيدة طيلة حياتك....سارد على جواد بموافقتك وساترك له حرية اختيار موعد الزواج.

...ذهب كمال و الفرحة تعلو وجهه ,وطارت معها ابتسامة الفتاة التي لم تدع الفرصة لقلبها ليختار شريكه أو لعقلها ليوافق على جواد ولكنها أعطت الفرصة لأخيها ليفرح بها بعد أن قضى شبابه في بناء حياتهما من جديد.
دخلت الزهرة الذابلة إلى غرفتها وفتحت كتابها لتكتب رسالة لوالدتها التي توفيت منذ 14 سنة:
أمي العزيزة...إنني أتمنى من كل قلبي أن تكوني على قيد الحياة لكن هيهات أن تلتقي السماء بالأرض.
إنني اشتاق إليك كثيرا فرغم أني لم اذكر وجهك الجميل إلا أني مازلت اذكر صدرك الحنون...لن أخبرك بما حصل سابقا لكنني أريدك أن تعلمي ما يحصل الآن..بعد أيام سأتزوج وأتمنى أن تكون بقربي تساعديني على لبس ملابس الزفاف وتفتخرين بي بين صديقاتك,لكم أتمنى أن تمسحي دموع حزني هذه بدل دموع فرحي...
داهم النوم عيني الفتاة دون أن تشعر حتى داعبت عينيها أشعة الشمس صباحا.
استيقظت استحمت,أعدت طعام الفطور ثم أيقظت كمال.
كمال:صباح الخير عروستنا.
هبة:{بابتسامة مصطنعة} صباح الخير اخو العروس.
كمال:اليوم يجب أن ارتب الأمور مع جواد لكي نبدأ في شراء اللوازم ويمكن أن تأتي عمته لتساعدك في هذا لأنه يعيش معها منذ سنوات وهي امرأة طيبة جدا.
هبة:هل استيقظت لصلاة الفجر؟
كمال:نعم..وما سبب هذا السؤال الآن؟
هبة:لاشيء..فقط لان ساعتي لم ترن ولم أصليه في وقته.
كمال:يمكنني إيقاظك في المرة القادمة..والآن يجب أن اذهب للعمل..اهتمي بنفسك.
هبة:وأنت أيضا.
لم يكد يغادر كمال حتى رن هاتف هبة,وكان نفس الشخص الذي راسلها سابقا وهذه المرة:
يحبونك كثير من الناس لكن مش مثل حبي
إذا هم لبسوك التاج أنا الي صانعه بيدي

لم تجب الفتاة وبقيت مستغربة وتلاه أخر يقول:
إن هواك في قلبي يضيء العمر إشراقا
سيبقى حبنا أبدا برغم البعد عملاقا

لم تعد غلطتها السابقة ولم تجب المرسل.مرت ساعتين ثم جاءت عمة جواد لكي تساعدها في التجهيز وبيدها بعض الهدايا,تعرفت عليها هبة وعرفتها بنفسها ثم توجها للسوق لاختيار بعض الملابس و الإكسسوارات وكذا تنظيم تجهيزات العرس. استمتعت العمة في مشوارهما فهي تحب السوق كبقية النساء والأروع من هذا أن ذوقها لا يعلى عليه في حاجيات البنات بينما لم تكن تزداد هبة إلا شحوبا وتعبا فلم يرقها شيء لان فكرة الزواج لم تدخل رأسها منذ البداية.
عادتا إلى المنزل متأخرتان فوجدتا كمال قد اعد طعام العشاء.وضعت العمة الأغراض وأرادت أن تتصل بالسائق ليقلها لبيت ابن أخيها جواد,لكن كمال اخبرها أنه لديه اجتماع في بلد أخر وقد عجله ليهتم فيما بعد بترتيبات الزواج الذي سيكون بعد أسبوع بالضبط ولن يكون في البيت ويفضل أن تنام عند هبة هذه الليلة.

بعد العشاء,استلقت كل من هبة والعمة كل واحدة في سريرها وبعد أن عرفت قصة حياة هبة الشاقة أرادت العمة أن تروي لها قصة جواد و تعلمها بما يحب وما يكره حتى تكون نعم الزوجة لزوجها:
إن جواد منذ صغره كان طفلا شقيا,كان وحيد أبويه,أمه تدعى مياسم رحمها الله ووالده يسمى طلال {خفق قلب هبة بشدة لسماعها الاسم} لقد كان رجلا غير مسؤول وكثيرا ما ينسى أن لديه أسرة,لذلك تركته زوجته وانتقلت للعيش عندنا أنا وزوجي رحمه الله.توفيت مياسم من جراء مرض عضال وتركت جواد في عامه العاشر.إن قصته تشبه قصتك,الفرق انك بقيتي وحيدة أما هو فقد تكفلت بتربيته لان الله لم يرزقني بالذرية لكنه كان نعم الابن ,ثم أكمل تعليمه والتحق بمجال الاقتصاد كوالده {ازداد خفقان قلب هبة أكثر فأكثر}.انه يتقن عمله فقد بدأ من لاشيء وأسس شركته وحياته حتى بعد وفاة زوجي الذي كان أكثر من الأب بالنسبة له ,لقد لاحظت هذا بعد وفاته لأنه توقف عن العمل مدة شهرين حزنا عليه وهو يزور قبره مرة كل أسبوع.
هبة:عمة؟
العمة:نعم
هبة:هل لي أن أسألك سؤالا؟
العمة:نعم بالطبع
هبة:الم يسأل جواد عن والده؟الم يفكر في زيارته؟وماذا تعرفون عنه الآن؟
العمة:لقد سأل عن والده بالطبع,لكنه بعدما علم بقصته مع والدته لم يشأ أن يلتقي والده أبدا نظرا لما قاصته والدته بسببه..أما نحن فنعرف بالطبع أحوال طلال فهو رجل مشهور جدا لا يخفى على احد في بلادنا,لقد تزوج ثانية و لديه الآن ابنتان توأمان إحداهما تدعى روان والأخرى ريم ولكن..
هبة......هبـــــــــــة..هبة ماذا بك؟
يا كمال تعال ساعدني لقد سقطت هبة
دخل كمال فزعا...كمال:ماذا حصل لها؟
العمة:لا ادري لقد كنا نتحدث حتى أغمي عليها..اتصل بالطبيب أرجوك بسرعة أما أنا فسأتصل بجواد..
كمال:حاضر ..حاضر..

.................

العمة:السلام عليكم
جواد:وعليكم السلام
العمة: جواد تعال بسرعة..لقد أغمي على هبة فجأة يجب أن تكون هنا.
جواد:ماذا؟ حاضر..سأستقل أول طائرة فورا وسأكون هناك بعد ساعة.
.....................

جواد في اجتماعه يجمع أوراقه ويحمل حقيبته..
جواد:أسف يا سادة يؤجل الاجتماع إلى وقت آخر..لدي أمر طارئ.

...................
في المنزل..

كمال:دكتور هل أختي بخير؟
الطبيب:ليست كذلك حاليا,إنها تعرضت لانهيار عصبي,وستكون بخير إذا ارتاحت لمدة 3 أيام.
.................
يصل جواد بعد 45 دقيقة.

يتبع...

روعة الايمان
15-08-2008, 02:00 AM
جواد:إن شاء الله خير..ماذا بها هبة؟
العمة:لقد كنا نتحدث بعد العشاء حتى أغمي عليها,لا اعرف السبب ويقول الطبيب انه انهيار عصبي.
كمال:أظن أنها ترتيبات الزواج والسوق.
جواد:دعونا ننتظر حتى تستيقظ.
كمال:تعال لتشرب كأس قهوة وترتاح قليلا.
جواد:لا ليس الآن سأجري بعض الاتصالات لتأجيل كل اجتماعاتي لمدة 40 يوما.
كمال:هل جننت المدة طويلة وربما تخسر بعض الشركات.
جواد:هذا لن يكون على حساب عائلتي.
كمال:هذا من طيب أصلك.
..........
انتظرت العائلة ساعات,أيام,وأسابيع,حتى تشفى هبة رغم أنها لم تخبرهم بالسبب الذي اثر فيها والذي كان معرفتها بان طلال والد زوجها المستقبلي.وبعد 3 أسابيع استطاعت أن تتعافى من جديد فقد قضت أياما تحت الفراش تذرف فيها الدموع وتخفيها عن العمة وفي النهاية اقتنعت أن جواد شاب طيب وحتى لو لم تكن تحبه فهو يحبها ومعه يمكنها أن تبني حياتها بشكل جيد,فاستسلمت لواقعها وشاركت في آخر تحضيراتها قبل يومين من الزواج.

انتهت التحضيرات أخيرا...تم استدعاء جميع أصدقاء جواد في العمل وزوجاتهم,عائلة عمة العريس وعائلة زوجها,كما بعثت هبة دعوة لكل من والدها وصديقتاها روان و ريم ووالديهما وكلها أمل ألا يأتي طلال ويغضب جواد.أما جواد فلم يفكر في بعث دعوة لوالده رغم إصرارها على ذلك.

...............
دخلت هبة قاعة الحفل بفستانها المحجب وفي قلبها حسرة على غياب والدتها ووالدها الذي لم يحضر وحتى صديقاتها لم يحضرن ولم يعتذرن لأسباب لا تدريها.أما أصدقاء جواد وعائلة أبيه الثاني فلم يتغيب منهم احد.
كانت الفرحة تعم الجميع وأكثر جواد الذي كان يحاول إخراج هبة من حزنها في كل لحظة يلمح دمعة في عينيها.
مر احفل الزفاف على أحسن ما يرام,وأصبح زفافهما حديث الجالية في البلد الأجنبي وكذا بين الأجانب.
توجه العروسان إلى بلد آخر لقضاء شهر العسل في جزر أسيا,وفي حوزة جواد مال الدنيا كله ليجعل هبة سعيدة وراضية عن حياتها.وهي بدورها لم تتأخر بشيء عن زوجها حتى أصبح يصلي ركعتين في كل ساعتين حمدا لله على نعمته هذه.في الليلة السابعة عشر رن هاتف هبة.انه المرسل المعتاد ورسالته كانت:
حبيتك وهجرتني
واغليتك وأبعدتني
من فينا الظالم
ومن يا ترى فينا المظلوم

لم تعد تستغرب هبة هده الرسائل فقد كثرت ولم تعد لها معنى وبمجرد أن وصل زوجها حتى أخبرته بشان الرسائل وبفضل رزانته لم يشتم صاحب الرسائل بل أغلق الهاتف و قدم لها هاتف نقال جديدا شكرته عليه ودعت له بالتوفيق.مع انه كان قلقا إلا انه قضى يومه يمزح معها ويغير جوها وفي النهاية تحدث بجدية:هبة أتسمحي لي أن انهي رحلتنا هذه؟
هبة:كل ما يريح زوجي سيريحني بطبيعة الحال.
جواد:إنني لا أريد هذا لكن عمتي أخبرتني البارح أن طلال مريض جدا ويجب ان ازوره.
هبة:انه والدك يا جواد
جواد:نعم اعلم ذلك ولكنه...
هبة:كفى..غدا سنستقل الطائرة لرؤيته ولا يجب أن تعترض.
جواد:ليصنك الله لي ويحفظك من كل شر.
هبة:وجميع المسلمين..هيا لترتاح إن الوقت متأخر.
..............
طلت شمس اليوم الجديد,فتوجه الزوجان إلى بلدهم الأصلي بغرض الاطمئنان على صحة طلال الذي أصيب بنوبة قلبية ونقل إلى المستشفى منذ أيام.لكن القلق كان يظهر على وجه جواد طيلة فترة السفر.
وصل جواد وهبة إلى الشارع الذي يتواجد فيه منزل طلال فقال جواد:لست متأكدا من رقم المنزل.
هبة:انه رقم 77 وأنا متأكدة
جواد:ماذا تعني بمتأكدة؟
هبة:آه لم أخبرك أنني علمت بالصدفة أني اعرف بنات طلال.
جواد:ماذا تقولين؟ و هل يجب أن أكون آخر من يعلم بالموضوع؟
هبة:لا ليس كذلك لقد داهمنا الوقت للسفر ولم أجد الوقت المناسب لأخبرك.
جواد:لم أكن اعلم أن الحديث بين الزوجين يحتاج لوقت مناسب حتى يعلم الزوج أن زوجته تعرف عائلته مسبقا.
هبة:لم اقصد.اسمع..
جواد:لا أريد أن اسمع شيئا.
غضب جواد بشدة وتوجه للمنزل دون الرد على نداء هبة التي حاولت أن تشرح الموقف.
رن جرس المنزل وفتحت ريم.
ريم:هبـــــــــــة
هبة:أهلا حبيبتي لقد اشتقت إليك.كيف حالك؟ بخير؟
ريم:نعم أنا بألف خير عندما رأيتك..وأنتي؟
جواد:هل يمكنني أن ادخل؟{بغضب}
ريم:نعم بالطبع. أنا آسفة لم اسلم عليك بعد.تفضلوا.
جواد:لا بأس.
ريم:هل يكون زوجك؟
جواد:نعم أخوك.
عانقت ريم أخاها بسرعة وكلها فرح.
ريم:لقد فرحت جدا عندما علمت من بطاقة الدعوة انك ستتزوجين أخي..لقد لاحظت أن اسمه كاسمنا فسالت أبي واخبرني انه أخي.سأطير من الفرح.
هبة:شكرا لك غاليتي ولكن كيف حال والدك؟
في تلك اللحظة نظر إليها جواد بريبة ثم سأل ريم:هل هو بالمستشفى؟
ريم:نعم لقد مرض جدا.يمكنني أن أرافقكما إلى المستشفى,لحظة سأخبر أختي.
جواد:ليس هناك داعي أريد العنوان فقط سأذهب وحدي.
هبة:لا لا لا سأذهب أنا أيضا.
ريم:نعم وأنا...
جواد {يقاطعهما} قلت لا يعني لا ادخلا هيا.
ريم:حاضر.هبة تعالي ستفرح أمي وروان لرؤيتك كثيرا.
لكن هبة بقيت تنظر إلى زوجها بغرابة فقد أصبح قاسيا كما لو انه يشك بشيء.
...........................
دخلت هبة وريم للمنزل والتقت روان ووالدتهما اللتان اشتقتا إليها كثيرا وبدأت أحاديث النساء التي لا تنتهي, لكن كل هذا لم يغير في هبة شيئا أكثر من نظرة زوجها القاسية التي لم تفارق مخيلتها.
...................
وفي المستشفى,دخل جواد غرفة والده ولا احد فيهما يعرف ملامح الآخر.
جواد:السيد طلال ال...؟
طلال:نعم هل أخدمك؟
جواد:كيف ستخدمني وأنت في السرير,وأنت لم تخدمني وأنت واقف على رجليك؟ كيف حالك؟هل تشعر بتحسن؟
طلال:كالحصان وأنا مستعد لخدمة الجميع.
جواد:{والدموع تتساقط من عينيه} ربما تستطيع أن تخدم مقاولا في شركتك أو شركاء لك ولكن ليس أنا,يمكنك أن تخدم فتاة بعمر بناتك,ولكن ليس أمي,يمكن أن تصاب بسكتة قلبية لسماعك بزواج هبة وليس لسفر مياسم.
طلال:{يصرخ}توقف.اخبرني من أنت وإلا سأطلب أن تخرجك الممرضة.
جواد:ربما لتخرجني من الغرفة أما قلبك فقد خرجت منه,وربما لتخرجني من المستشفى أما حياتك فقد خرجت منها وربما لتخرجني من البلد أما الحياة فقد خرجت أمي منها بسببك.
طلال:يا ممرضة.
جواد:تريد أن تخيفني؟ أظن أن زر النداء بقربك ولا تحتاج إلى إرهاق نفسك.
............................
في نفس الوقت وصلت هبة رسالة من أخيها يرغب فيها أن يطمئن عليها وهي في شهر العسل وهو لا يدري أنها عادت للبلد فأجابته بأنهما بخير وهما سعيدين بالرحلة.فوجدت أنها الفرصة لتغادر باتجاه المستشفى مدعية أن زوجها جواد طلبها لتلحق به.
وصلت عند باب الغرفة ولم تدخل فقد سمعت جواد يقول:أنت لم تتركني وحيدا فقط بل سلبتني أمي أيضا,أنت لم تحرمني الحنان فقط بل علمتني أن اكره اسمك,أنت لم تأخذ مني اللحظة التي ترافقني لعقد قراني بزوجتي المستقبلية بل حرمتني منها أيضا.
في كل كلمة كان ينطقها جواد,تزداد دقات قلب هبة خوفا من أن يتأزم الموقف وتذرف دموعها بغزارة اكبر.
استند جواد على حائط وجلس أرضا والدموع مازالت بعينيه وأكمل:أتعرف شيئا لقد قرأت مذكرات زوجتي التي وجدتها صدفة في اليوم الثاني بعد زواجي فوجدت اسمك في كل صفحة فتحتها, لقد اشتعلت النار في قلبي وبحثت في هاتفها النقال ووجدت رسائلك الغرامية التي أجابتك عليها قبل أن تخبرني هي بذلك بعد أن مسحت رسالتها لك.أردت أن أتأكد وبعثت احد عمالي ليحضر لي رقمك نعم انه نفسه الشخص النقي الطاهر الذي يراسل زوجتي.وقتها فهمت سبب نوبتك هذه وكنت أظنك فقدت مجموعة من أسهمك في البورصة وعلمت أن نوبتها قبل زواجنا كانت بسبب علمها بان دمي من دم طلال.كما فهمت لماذا أرادت أن ترافقني لرؤيتك.أتعرف الآن كم كنت احتاج وجودك في حياتي؟ لأنك الآن تحتاج فقط اسمي لتفهم كل ما قلته لك فكيف بشخص يحتاج لشخص ليفهم حياته كاملة؟ إني جواد ابن مياسم.ليست مشكلتي الآن أن تكون أبي أم لا فأنت من تركنا ثم تركناه ولكن مشكلتي أن زوجتي تحبك وأتحدى أن ينطق شخصا في العالم كله بكلمة لا.
هبة: لا.
جواد:{وقف}هبة؟
هبة:نعم هبة.لقد سمعت كل ما قلته.صحيح أنني كنت أحب والدك طلال ولكنني فهمت أخيرا أن لديه زوجة اهتمت بي كما لو كنت ابنتها,ولديه ابنتان يحبانني كثيرا واعتبرهما من عائلتي والأكثر من هذا لديه ابن شملني بكل عطفه وحبه وعلمني أن أحبه واحترمه وأعيش تحت ظل جناحه.لقد كنت تعرف كل شيء عني لكنك لم تعلم أنني كنت في أيام سفرنا ل 17 يوما أصلي كل يوم لله واشكره كما كنت تفعل لأنه رزقني بزوج رائع.
جواد:هبة لن لجبرك على البقاء معي,وكما أن لوالدي زوجة يمكن أن تكون له زوجتان,أما أنا فسأعيد بناء حياتي على أنقاض الماضي وسأهب حياتي لعملي.
طلال:بني.زوجتك بين يديك.والحب الماضي بيننا لن يكسر حصن بيتك الذي بنيته معها,اعلم أن ابن مياسم رجل صامد ومقدام,وان كل الخلق فيك وبه كسبت قلب زوجتك وأنا أرى في عيني هبة كل الحب لك وكل الأمل للعيش معك.
في تلك اللحظة سقطت دمعة واحدة من عيني كل واحد فيهم وارتسمت بسمة واحدة على شفاههم جميعا.فقال الأب:إن ما حرمتك منه سيهبك الله إياه في قلب هبة الله.عانقت هبة زوجها فرن هاتفها وكان المتصل كمال الذي يريد إعلامها بوصول والدهما اليوم إلى منزل كمال.
هبة:مرحبا كمال.هل تعلم كمال؟لا يوجد أجمل من شهر العسل.




**انتهى**

لؤلؤة2005
29-09-2012, 05:02 AM
بارك الله فيك .