المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفاتيح سورة المائدة الدعوية 2



المعهد العلمى
27-09-2012, 05:28 PM
تقسيم آيات السورة موضوعيا



تتكون سورة المائدة :
من ثلاثة أقسام، وخاتمة : (10)
القسم الأول : يبدأ بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..}
[ الآية الأولى ]
وفيه ثلاثة فقرات :


القسم الثانى : ويبدأ بقوله تعالى: { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر ...} [الآية 43 ] .


وفيه فقرتان :


القسم الثالث : ويبدأ بقولـه تعالى:{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..} [الآية 67]. وفيه فقرتان



ثم خاتمة السورة
وهى تبدأ بقوله تعالى :{ يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب} [الآية :109 - الى آخر السورة] .


وبذلك تكون السورة مقسمة إلى سبع فقرات وخاتمة


ونعرض لذلك بشئ من التوضيح على النحو التالى :



الفقرة الأولى : عبارة عن [11] آية
من الآية الأولى وحتى نهاية الآية [11]


وفيها : البدء - كما هو واضح - بالأمر بالوفاء بالعقود، وينتهى بتذكيرنا بنعمة الله علينا، حيث كف أيدى الناس عنا بعد إذ هموا - والأمر كذلك كلما هموا – باستئصالنا .



وكأن الفقرة بذلك تقول لنا : أيها المؤمنون ..!! كونوا مسلمين ملتزمين بما ذكرت لكم، أمرا أو نهياً، ولا يحملنكم خوف الناس - أو تخويفهم – على التخلى عن إسلامكم .



ولذلك كان ختام الفقرة بالأمر بالتقوى والتوكل على الله { واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .



الفقرة الثانية : عبارة عن [23] آية
من الآية [12] وحتى نهاية الآية [34]



وقد جاءت هذه الفقرة مذكرة بالعهود الأساسية التى أخذت على بنى إسرائيل، والتى منها : إقامة الصلاة ,ونصرة الرسل , ومبينة كيف كان موقفهم منها ..!!


وذلك لتأخذ الأمة الإسلامية من ذلك العبرة والعظة كما أرتنا هذه الفقرة: كيف أن بنى اسرائيل نكصوا عن القتال .


وفى هذا السياق يأتى الكلام عن القتل الظالم، ليكون ذلك كله مقدمة للفقرة الآتية.



الفقرة الثالثة : وهى عبارة عن [6] آيات
وهى من الآية [35 ] حتى نهاية الآية [40]


وهذه الفقرة تعد امتداد للفقرة السابقة، من حيث أنها تأمر بحسم مادة الفساد فى الأرض، وذلك :


بجهاد الكافرين، وقطع يد السارق .
إذ تبدأ - كما نلاحظ - بذكر طريق الفلاح، وهو اجتماع التقوى والعمل والجهاد وتنتهى، بتخويف من يحيد عنه، وتبشير من يسير فيه .



الفقرة الرابعة : عبارة عن [10 ] آيات
من الآية [41] حتى نهاية الآية [50]


وهذه الفقرة : تبين لنا - بعد تبشيعها لأكل السحت، والسماع للكذب، والتجسس للكافرين، والمنافقين، والمسارعة إلى الكفر، مع ما فيه من :


نقض العهد، وافساد فى الأرض، وقطع لما أمر الله به أن يوصل - تبين أن الحكمة فى إنزال التوراة والإنجيل هى أن يحكم بهما، وأن يحتكم إليهما، وأن من لم يحكم بكتاب الله فهو كافر ظالم فاسق .
وإذا كان هذا هو الشأن فى التوراة والإنجيل : فما بالنا بالقرآن الذى أنزله -الله عز وجل - مصدقا للكتب ومهيمناً عليها ..؟



كما أنه تعالى فى سياق التحذير من الإحتكام لغير القرآن يقول : {فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون } مما يدل على أن ترك حكم الله ردة والإحتكام إلى الأهواء : فسوق؛ يستحق به أصحابه الإضلال.



الفقرة الخامسة : عبارة عن [16 ] آية
من الآية [51] حتى نهاية الآية [66]



وفى هذه الفقرة : يحرم الله عز وجل علينا موالاة أهل الكتاب
ويحذرنا من الردة
ويبين لنا خصائص الجماعة المسلمة، وأن من جملة هذه الخصائص الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .


ثم ينهانا ربنا سبحانه عن موالاة الكافرين مطلقاً .
ويبين لنا كثيراً من مواقف الكافرين جملة، ومواقف أهل الكتاب خاصة، مما هو كالتعليل لمنعنا عن موالاتهم .



الفقرة السادسة : عبارة عن [20] آية
من الآية [67] حتى نهاية الآية [86]



وهذه الفقرة تأمر بالبلاغ، وتخص بهذا البلاغ : أهل الكتاب، وتحدد ما يقال لهم .


وتذكر موقف بنى اسرائيل من الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو موقف لا يستغرب معه موقفهم من محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته .


ثم تذكر بعض تصوراتهم الخاطئة فى شأن الله تعالى .



والفقرة كلها : فى البلاغ وماهيتة, وخاصة لأهل الكتاب .
وفيها تيئيس من اليهود، ورجاء فى النصارى .



الفقرة السابعة : عبارة عن [22] آية
من الآية [87] حتى نهاية الآية [108]


وهذه الفقرة : تبدأ بالنهى عن تحريم الطيبات، ثم تتحدث عن الأيمان المنعقدة وكفارتها، ثم تبين لنا بعض ما أخذ علينا العهد باجتنابه وما أحل لنا وحكمة ذلك.


ثم ينتقل السياق الى ما لم يرد فيه تحريم ابتداء , حتى يصل الفقرة فى آخرها الى الحديث حول الوصية فى بعض الأحوال والشهادة والإيمان.



وفى النهاية تكون خاتمة السورة :
وهى عبارة عن [12] آية
من الآية [109]حتى الآية [120]
وهى خاتمة آيات السورة



وفيها يعرض علينا رب العزة كيف أنه سيجمع الرسل عليهم السلام، ويسألهم عن جواب أقوامهم لهم .


وكأن هذه النقلة التى يطوى فيها الزمن : تشير الى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ، وأن على الناس أن يستجيبوا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهيد على الموقف .


ومن بين الرسل جميعا : يخص المسيح عليه السلام بكلام تتقرر فيه صحة ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فى شأنه.ً




عاشراً : أبرز موضوعات السورة



إن الحديث عن موضوعات سورة المائدة : حديث شيق ممتع , حيث تكشف هذه الموضوعات بتنوعها وكثرتها وطريقة عرضها عن عظمة هذا الدين, وكذلك إعجاز هذا الكتاب .



ذلك أن السورة الكريمة والقارىء ينتقل بين أفنان آياتها , ودون معاناة منه أو غموض عليه, يرى أنها :



1- أوجبت أمورا لابد من الإلتزام بها والتنفيذ لها.
2- وحرمت أمورا لابد من الإبتعاد عنها.
3- وبينت وفصلت أحكاماً من الدين تشتد الحاجة اليها.
4- كما وضعت أصولاً وقواعد وأسسا راسخة فى هذا الدين الخاتم.



فمن الأول على سبيل المثال:



* نرى أنها قد أمرت وأوجبت على المؤمنين: الوفاء بالعقود التى يتعاقد الناس عليها فى جميع معاملاتهم الدنيوية من شخصية ومدينة, يقول تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} الآية [1]
وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة
وهى أن الله تعالى وكّل أمر العقود التى يتعاملون بها إلى عرفهم ومواضعاتهم، لأنها من مصالحهم التى تختلف باختلاف الأحوال .



فلم يقيدهم فى أحكامها وشروطها بقيود دائمة إلا ما أوجبه الشرع مما لا يختلف باختلاف الأحوال والعرف، كتحريم أكل اموال الناس بالباطل فى مثل الربا والقمار .



ولذا : فكل عقد يتعاقد عليه الناس لم يحل حراماً وام يحرم حلالا مما ثبت بالنص ولو اقتضاءً فهو جائز، ويجب الوفاء به. (11)



*ونرى أنها قد أمرت وأوجبت على المؤمنين :


التعاون على البر والتقوى , يقول تعالى: { وتعاونوا على البر والتقوى } الآية [2] .


ويقاس عليه ويندرج تحته : كل ما من شأنه أن يؤدى إلى البر ويساعد عليه ويرشد إلى التقوى ويعين عليها .


وذلك فى مثل : تأليف الجمعيات الخيرية التى تعنى بوجوه الخير فى المجتمع , كمناصرة الضعفاء والمظلومين, أو رعاية الفقراء واليتامى والمحتاجن, وكذلك: الجمعيات العلمية التى تعنى بالبحث الموصل لمعرفة الله عن طريق آياته فى الأنفس والآفاق مما يؤدى إلى تقوى الله وطاعته .



* ونرى كذلك أنها قد أمرت وأوجبت على المؤمنين:


الشهادة بالقسط, والحكم بالعدل, والمساواة فيما بين غير المسلمين كالمسلمين، ولو للأعداء على الأصدقاء, وتأكيد وجوب العدل فى سائر الأحكام والأعمال.


يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } الآية [8] .


وهذه قمة الرقى فى مجال التعاملات بين البشر، وهى – فيما ترى - من علامات الوسطية، ومن مؤهلات الزعامة العالمية للمسلمين, المذكورة فى قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس }
البقرة [143] .



* كما أمرت المؤمنين وأوجبت عليهم: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؛ حتى لا يضيع بينهم المعروف ويشيع فيهم المنكر، فيلفهم الضياع، ويعمهم الخراب، وتحل عليهم اللعنة، ويغشاهم العذاب.


وهذا ما حدث من الذين كفروا من بنى إسرائيل .
يقول تعالى { لعن الذين كفروا من بنى اسؤائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون*ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون } المائدة [78-90].
وهذه سنة من سنن الله لا تتخلف .



ولذا : يأمر الله المؤمنين بما ينجيهم منها ويبعدهم عن أخطارها، وذلك بقيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .



* وأمرت السورة كذلك المؤمنين وأوجبت آياتها عليهم: ضرورة إصلاح أنفسهم أفراداً وجماعات
يقول تعالى{يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبؤكم بما كنتم تعملون} المائدة [105] .



وفى هذا المقام : تكشف الآيات الكريمة أنه - بفضل الله وقدرته - لا يضرهم من ضل من الناس إذا هم استقاموا على صراط الهداية.


أى: لا يضرهم ضلاله فى دنياهم، لأن الله تعالى لا يجعل له سبيلا عليهم, ولا يضرهم ضلاله –كذلك- فى أمر دينهم وآخرتهم؛ لأن الله تعالى لم يكلفهم إكراه الناس على الهدى والحق، ولا أن يخلقوا لهم الهداية خلقاً, وإنما كلفهم أن يكونوا مهتدين فى أنفسهم، بإقامة دين الله تعالى فى الأعمال الفردية والمصالح الإجتماعية، ومنها : الدعوة الى الحق والخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. (11)



* كما أمرت السورة المؤمنين وأوجبت عليهم: أن يفوضوا أمر الجزاء الأخروى -نعيماً أو عذاباً- إلى الله تعالى وحده سبحانه


حيث إن عيسى عليه السلام الذى هو روح الله وكلمته : لم يقطع فى هذا الأمر برأيه ولم يقل فيه بقولـه مع علمه بضلال من اتخذوه وأمه إلاهين من دون الله، بل فوض الأمر لله تعالى معللا ومدللا على وجوب هذا التفويض إذ قال : {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} المائدة[118].



ولذلك : فلا ينبغى لأحد -مهما علا شأنه- أن يحكم لأحد بدخوله الجنة ونجاته من النار، أو أن يحكم على أحد بدخوله النار، وحرمانه من الجنة أبداً، فهذا من اختصاص الله تعالى وفى علمه وحده.
ومنتهى حكم العبد للعبد أن يقول له فقط: أصبت أو أخطأت، أما أمر الجزاء فإلى الله وحده الأمر فيه والحكم به .



إلى غير ذلك من الأمور التى بينت السورة وجوبها على جماعة المسلمين، وضرورة التزامهم بها .
ومن الثانى الذى حرمته السورة على سبيل المثال:



* أنها حرمت الإعتداء على الغير بسبب البغض والكراهية فقط:



بقول الله تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } المائدة [2].


ومع أن المسجد الحرام أشرف مكان والصد عنه والمنع منه ظلم وإثم كبير، ولا يباح -والحال كذلك – الإعتداء على منع منه أو صد عنه بسبب بغضه أو كراهيته.


فكان هذا الأمر أولى بعدم إباحة الإعتداء على الغيربدافع البغض والكراهية والعداوة فقط.
ولذا: يجب على المسلمين –دائماً- أن يلتزموا الحق والعدل ولا يكونوا كأهل السياسة المدنية.



* أنها حرمت على المسلمين التعاون على الإثم والعدوان:


يقول تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } المائدة [2].


ولذا: لا يباح، بل يحرم كل ما من شأنه أن يؤدى إلى ارتكاب إثم أو يساعد على عدوان.


فيحرم تكوين جماعات أو شركات تتعاون فيما بينها على ارتكاب معصية أو إشاعة فاحشة أو إفساد للبلاد أو العباد.


كما يحرم تكوين جماعات تتعاون فيما بينها على إيذاء الغير أو الإعتداء على ممتلكاته أو حريته ...أو غير ذلك .



* أن السورة الكريمة حرمت على المؤمنين ونهتهم عن موالاة الكافرين: يقول تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين* فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين} المائدة [ 51-52].



ويقول تعالى: { يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعباً من الذين أوتوا الكتاب والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين*وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} المائدة [57-58] وهذه الآيات: فى الوقت الذى تحرم فيه موالاة المؤمنين للكافرين، تبين كذلك أن من يخالف هذا النهى: لن يهديه الله أبدا،ً حيث يعد من الظالمين {والله لا يهدى القوم الظالمين}.



وأن المسارعة فى موالاتهم من دون المؤمنين: من آيات النفاق، ومرض القلوب، ولذا فهم يسارعون ذلك خوفاً من أن تدور الدائرة على المؤمنين فتكون لهم بهذه الموالاة يد عند أعدائهم يستفيدون بها منهم.



وأن هذه المخالفة: تؤدى إلى إحباط أعمالهم، وبطلانها، وعدم نفعها، وصيرورتهم لبطلانها من الخاسرين.



أن ضرر هذه المخالفة عليهم فقط؛ إذ سوف يستبدل الله بهم آخرين أفضل منهم، حيث يأتى { بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } المائدة [ 54].



أن الولى الحق الذى ينبغى موالاته فقط دون غيره: هو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك {الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } المائدة [55].



أن الذى يتخذ الله والرسول والمؤمنين ولياً له: فهو من حزب الله، و{إن حزب الله هم الغالبون} المنتصرون دائماً.


أن الذين يهزأون بدين الله أو بأحكامه وتعاليمه: {قوم لا يعقلون}.
ولذا لا ينبغى لعاقل أن يتخذهم أبداً أولياء .



* كما حرمت السورة ونهت آياتها: عن الغلو فى الدين، والتشدد فيه: يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين* وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون} المائدة [ 87-88].
والغلو: هو الإفراط وتجاوز الحد فى الأمر , ويكون فى الدين والعبادات:



الغلو فى الدين : تجاوز حد الوحى المنزل إلى ما تهوى الأنفس، فيما يتصل بالعقائد .. كجعل الأنبياء والصالحين أرباباً ينفعون ويضرون، واتخاذهم لأجل ذلك آلهة يعبدون، فيدعون من دون الله تعالى أو مع الله تعالى، سواء أطلق عليهم لقب الرب أم لا.
الغلو فى العبادات: تجاوز حد الوحى المنزل الى ما تهوى الأنفس فيما يتصل بالتشريع.. كتشريع عبادات لم يأذن بها الله، أو تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، حتى ولو كان ذلك على سبيل المبالغة فى التعبد والطاعة.



وقد ضربت الآية الكريمة مثلاً لهذا الغلو والتشدد، بتحريم الطيبات وترك التمتع بها والإعتداء على حق الله تعالى فى التشريع.



وكذلك الإعتداء على دين الله تعالى بإضافة ما ليس منه له، أو تنقيص شىء منه، أو إبداله بغيره.
وكل ذلك وغيره من صور الغلو: محرمة على المؤمنين.



* وكذلك حرمت السورة الكريمة ونهت آياتها المؤمنين عن الخمر والميسر:



والخمر: هو كل مسكر , والميسر : هو القمار.
يقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطات أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة [90-91].
وهكذا كان النهى صريحاً والتحريم قاطعاً.
إلى غير ذلك مما حرمت السورة على المؤمنين ونهتهم عنه نهياً واضحاً.



ومن القسم الثالث -الذى فصلت فيه السورة الأحكام وبينتها- على سبيل المثال كذلك:



* بيان السورة وتفصيلها لأحكام الصيد والذبائح للمحرم وغيره: بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وإذا حللتم فاصطادوا} المائدة[ 2].



وبقول الله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق } المائدة [3].



ويقول الله تعالى { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب } المائدة [4].



ويقول الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشىء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم*يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاءُ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام *أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً واتقوا الله الذى إليه تحشرون} المائدة [94-96].



* بيان السورة وتفصيلها لأحكام الأطعمة,:


يقول الله تعالى:{ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب * اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} المائدة [4-5 ] , ويقول الله تعالى: {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيباً واتقوا الله الذى انتم به مؤمنون } المائدة [ 88].



ويقول الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين } المائدة [93].



* بيان السورة وتفصيلها كذلك فى أحكام الوضوء:



يقول الله تعالى{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } المائدة [ 6].



* بيان السورة وتفصيلها لحد المحاربين الذين يفسدون فى الأرض ويخرجون على أئمة العدل:



يقول الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم* إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم } المائدة [33-34].



* بيان السورة وتفصيلها لأحكام الأيمان:


يقول تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم لعلكم تشكرون} المائدة [ 89]



* بيان السورة وتفصيلها للتفاوت بين الخبيث والطيب:


يقول الله تعالى { قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون } المائدة [100]



* إنفراد السورة بأشياء تحدثت عنها وبينت، أحكامها، ومن ذلك:


أ- المنخنقة , الموقوذة, المتردية, النطيحة, وما أكل السبع, وما ذبح على النصب , والإستقسام بالأزلام
وذلك فى قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية ....} الآية [3].


ب- حكم أكل ما أمسكته الجوارح المعلمة من الصيد .


وذلك فى قوله تعالى: { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب} المائدة [ 4 ].


ج- حكم طعام الذين أوتوا الكتاب والزواج من نساء أهل الكتاب وذلك فى قوله تعالى: { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات ....} الآية [ 5 ].


د- الوضوء للصلاة فى قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق ....} الآية [ 6].


هـ- حد السرقة.
فى قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} المائدة [38].


و- الآذان.
فى قوله تعالى { وإذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } المائدة [ 58].


وما جاء فى سورة الجمعة [ الآية :9 ] خاص بصلاة الجمعة, أما هذا فعام على جميع الصلوات.


ز- حكم قتل الصيد للمحرم.
فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم..} المائدة [ 9]


ح- الحديث عن : البحيرة , السائبة , الوصيلة , الحام.
فى قوله تعالى:{ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} المائدة [ 103]


ط- بيان الشهادة على الوصية حين الموت.
فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ...} المائدة [106].
إلى غير ذلك مما بينته السورة، وفصلت فيه.



ومن القسم الرابع أى من الأصول والقواعد والأسس التى وضعتها السورة نرى على سبيل المثال:



1- أنها قررت أصلا من الأصول، وهو كمال هذا الدين، وبينت أن الله تعالى أتم على المسلمين -بجانب ذلك- نعمته عليهم بالإسلام:



بقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً } المائدة [3].


2- أنها وضعت قاعدة إباحة الإضطرار للمحرم لذاته فيما يضطر إليه, بقوله تعالى: بعد أن ذكر محرمات الأطعمة وغيرها { فمن اضطر غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} المائدة [3].
ومن هذه الآية –وغيرها- أخذ الفقهاء قولهم " الضرورات تبيح المحظورات ".


3- أنها نفت الحرج من دين الإسلام.
وذلك من باب التيسير على المسلمين، وعدم التكليف بما لا يطاق.


إذ بعد أن فصلت الآيات أحكام الوضوء والتيمم تفصيلاً دقيقاً، قد يشعر بالتضييق بينت أن ذلك من باب التيسيير ورفع الحرج باعتماد البدل الهين الميسر عند انعدام الأصل المتعسر.


حيث يقول الله تعالى { ....ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } المائدة [ 6 ].


4- أنها بينت أصلا من أصول هذا الدين بل من أصول الأديان جميعاً، وهو : هيمنة القرآن الكريم على الكتب الإلهية السابقة عليه كلها يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} المائدة [ 48 ].


5- أنها بينت –كذلك- عموم بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وأمره بالتبليغ العام لهذه الرسالة التى كلف بها, يقول الله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } المائدة [ 67 ].


وقد ذكرت السورة من أدلة رسالته صلى الله عليه وسلم: أنه بين لأهل الكتاب كثيراً مما كانوا يخفون فى كتبهم وهو قسمان :



الأول : ما ضاع منه قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم بناءً على الأصل المبين وهو أن فريق منهم { نسوا حظاً مما ذكروا به } المائدة [ 14 ] .



الثانى : ما كان الفريق الآخر يكتمون من الأحكام اتباعاً لأهوائهم مع وجوده فى الكتاب لديهم كحكم رجم الزانى { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين* إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولاتشتروا بآياتى ثمناً قليلاً} المائدة [ 43-44].



6- أنها وضحت أن أصول الدين الإلهى على ألسنة الرسل كلهم واحدة، وهى : الإيمان بالله تعالى, واليوم الآخر, والعمل الصالح يقول الله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } المائدة [ 69 ].


ولذلك: فمن أقام هذه الأصول من أية ملة كان، كما أمرت الرسل {فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } البقرة [ 62].


7-كما قررت أن الله تعالى جعل الكعبة الحرام قياماً للناس فى أمر دينهم ودنياهم:



يقول تعالـى {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السموات والأرض وأن الله بكل شئ عليم } المائدة [97].


وهذا الجعل : تكوينى و تشريعى .


الأول : كونها سبباً فى قيام مصالح الناس ومنافعهم، بإبداع تعظيمها فى القلوب، وجذب الأفئدة إليها، وصرف الناس عن الإعتداء فيها، وعلى مجاوريها، وحجاجها وتسخيرهم لجلب الأرزاق إليها { فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } إبراهيم [ 37 ].



الثانى : كونها قياماً للناس فى أمر دينهم، المهذب لأخلاقهم، المزكى لأنفسهم بما فرض عليهم من الحج الذى هو من أعظم أركان الدين.
إلى غير ذلك ...(11)



8- أن السورة ذكرت أن هذا الدين الكامل مبنى على العلم اليقينى فى : الإعتقاد, والأخلاق , والهداية , والأعمال بقول الله تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون } المائدة [ 104].


فقد بينت الآية الكريمة أن التقليد باطل لا يقبله الله تعالى.


9- أنها وضعت أسساً وقواعد تتعلق بوضعية أهل الكتاب، على أساسها يبنى الفهم لهم والتعامل معهم.


ومن هذه الأسس ما هو عام فيهم ومشترك بينهم جميعاً: كوصفهم بالغلو فى دينهم, المستلزم لتعصبهم الضار، ووصفهم باتباع أهواء من ضل قبلهم من الوثنيين وغيرهم، والمستلزم ضلالهم وبعدهم عن الحق والصواب .


يقول الله تعالى { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل } المائدة [77].


ومن هذه الأسس ما هو خاص باليهود: كبيان أنهم نقضوا ميثاق الله الذى أخذه عليهم فى كتابهم، وأنهم حرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به، وأنهم تركوا الحكم بالتوراة و أخفوا بعض أحكامها......الخ


يقول تعالى { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم....} المائدة [ 13 ].


ومنها ما هو خاص بالبعض الآخر: كبيان أنهم مثل اليهود نسوا حظاً مما ذكروا به، وأنهم { قالوا إن الله هو المسيح بن مريم } المائدة [ 17-72 ] وكذلك { قالوا إن الله ثالث ثلاثة } المائدة [ 73 ].
ومن اللافت للنظر: أن جملة الآيات الواردة فى أهل الكتاب - عامة أو فى بعضهم خاصة - تشهد لنفسها أنها من عند الله تعالى، لا من عند محمد بن عبد الله العربى الأمى , الذى لم يقرأ شيئاً من تلك الكتب.



حيث إن هذه الآيات ليست موافقة لمل فى تلك الكتب ولا لهم موافقة الناقل للمنقول منه، وإنما هى - فوق ذلك - تحكم لهم وعليهم وفى كتبهم حكم المهيمن السميع العليم .(11)

دموع التوبة
27-09-2012, 11:48 PM
جزاك الله خير اختي الغالية في الله و بارك الله فيك و نفع بك غاليتي و جعلها في ميزان حسناتك باذن الله تحليل مفصل للسورة حملت معها الكثير من التوحيد و المعاملات و الحدود و قد تم التقييم

**أم فيصل**
28-09-2012, 02:37 AM
المعهد العلمي
لك كل الشكر على ما تقدميه لنا .....Z
جزاك الله كل خير وجعله في ميزان حسناتك
نحن في انتظار مواضيعك القيمة والمميزة
حفظكِ الله ومن تحبين من كل شر
في أمان الله

زهور 1431
28-09-2012, 12:45 PM
جزيتي الجنان ورضوان الرحمن اختي الكريمه ومن تحبين على جميل طرحك وروعة انتقائك

قطرة ندى
28-09-2012, 01:09 PM
بارك الله فيكي اختي الكريمة