المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيماء



أسماء زكي الدين
27-08-2008, 02:50 AM
يا الله لك الحمد على ما رزقتني ... كانت تلك دعوات مُنى بعد أن وضعت ابنتها البكر الشيماء قضت ثمانية وأربعين ساعة تعاني ألام الطلق حتى ولدت ابنتها مع تكبيرة المؤذن الأولى في المسجد المجاور للمستشفى المتواضع .. الله أكبر الله أكبر .. نعم الله أكبر سبحانه قادر على كل شيء .. الله أكبر وكريم مَنّ عليّ بولادة ابنتي ولادة طبيعية .. نعم عانيت لكن سعادتي عندما شاهدتها لأول مرة أنستني تلك الآلام .. الحمد لله البنت صحتها ممتازة وتكبيرة الأذان جعلتني أشعر بالسعادة والتفاؤل خاصة أن اليوم هو يوم الجمعة ليس فقط إنما أول جمعة في رمضان الكريم .. صرخت ابنتي فور ولادتها .. وكأنها تشدو لا تصرخ كنت أستمتع بسماع صرخاتها والممرضات ملتفات حولها وهي على طاولة مجاورة لسرير الولادة كن مهتمات بإلباسها بعد تنظيف جسدها الرقيق من آثار الولادة .. وكانت طبيبتي مشغولة في تنظيف الرحم وخياطة جرحي .. بعدها حضرت ممرضتان منهن يبدو عليهما سمات الجمال، لا جمال الشكل بقدر جمال الروح كان حولي وابنتي أربع ممرضات اثنتان تهتمان بي وبتبديل ملابسي واثنتان مع ابنتي تهتمان بها.
كن جميعا مبتسمات وسعيدات كأن المولودة مولودتهن .. سمعت الممرضتين عند ابنتي تتهامسان: ثم ضحكتا .. سألتهما عن سبب ضحكاتهما ..
قالت إحداهما ضاحكة: لا شيء فقط ابنتك ستأكلنا إنها جائعة يبدو أنها تبحث عنك تريد أن تفترسك فور ولادتها ..
أخرجوني من غرفة الولادة إلى غرفة مجاورة لأرتاح فيها ... دخل زوجي سعيدا ... قبّل جبيني وهنأني على سلامتي ... كان يتفرس وجهي كأنه يراني لأول مرة !! هذه اللحظة كانت تعني لي الكثير هذا يعني أنني أملك عقله وقلبه وأنني أهم شيء في حياته ...
أفاق من ثباته على صوت والدتي تسأله: ألن تحمل ابنتك وتقبلها؟
نعم، نعم أكيد !! اتجه نحوهما وعيناه عندي ..
ابتسمت له بحنان وحب وسعادة فنظراته أزالت عني الكثير من الهم ..
دخلت الطبيبة التي ولدتني الغرفة علينا دون أن تطرق الباب وكأن لسان حالها يقول أنتم في المستشفى فليس لديكم حق في خصوصية .. هي الوحيدة التي لم أرتح لها دون عن كل من هم حولي ولم أكن اريد أن أضع ابنتي معها ولكن زوجي أصر على ذلك وحجته في ذلك أنها استاذة كبيرة ومتمرسة وجراحة قديمة ولذا فإنه سيكون مطمئنا علينا عندما أضع ابنتي معها دون غيرها من الطبيبات فاستسلمت طلبا في إشعاره بالراحة وخوفا من وقوع أي خطأ يحملني مسئوليته .. لكن حدة نظراتها والتكشيرة التي لا تفارق وجهها لا تبعث على الاطمئنان، لم أتذكر أنني رأيتها مرة تبتسم أو حتى لا تحمل علامات الغضب على وجهها ..
طلبت من زوجي أن يغادر الغرفة بكل سماجة ... لأنها تريد أن تكشف على جرحي قبل أن تغادر المستشفى ... قالت لأمي أنها ستحضر غدا صباحا لتعيد الكشف وتكتب لي على إذن الخروج .. ونظرت بسرعة على الطفلة وقالت لي إنها تتمتع بصحة جيدة استغربت أنها لا تقول أبدا ما شاء الله أو السلام عليكم ولا تذكر الله !! دخلت الممرضة وتوجهت مباشرة جهة الطبيبة التي كانت تكتب في دفترها شيئا قامت بجز بالورقة من الدفتر وأعطتها للممرضة .. قالت لها: هذه الحقنة تعطى الآن للطفلة .. وهاتي للأم دفتر التطعيمات !! لا أدري لم رأيت على وجه الممرضة علامات الدهشة والاستغراب!! خرجت الطبيبة دون أن تلقي علينا السلام ... نظرت الممرضة للطفلة بكل حب وحنان وكأنها أول طفلة تولد معهن !! ثم جالت بنظرها بيني وبين والدتي وخرجت !!
عاد زوجي وحملت أمي طفلتي الشيماء وطلبت من زوجي الجلوس إلى جواري ثم وضعت الطفلة في حضنه.
قالت له مداعبة: لا بد أن تتعلم كيف تحمل طفلتكما وترعاها وتهتم بها فأنت الآن أب وضحكت بنعومة وحنان وانصرفت ترتب في أغراضي وأغراض الطفلة ...
ظللنا ننظر للطفلة باستغراب ياه ما هذا المخلوق الصغير الجميل ضعيف لكنه بالغ القوة ... ياه كيف اجتمع الاثنان معا .. زوجي ينظر لها بحبه المعهود ورأيت دمعات تهرب من مقلتيه رغما عنه ..
حبيبي أتبكي؟ هل الطفلة دميمة – قلتها مازحة!
لا أبدا إنها جميلة، ولن استطيع فراقها !!
فراقها؟ ولم تفارقها قلتها باستغراب وتعجب بالغين ..
قال: عندما يأتي خاطبها كيف سأوافق على أن يأخذ ابنتي بعيدا عني؟!
أجبته ضاحكة .. البنت ولدت منذ ساعات وتبكي للحظة زواجها؟ إنك فعلا رقيق القلب فكر كيف ستربيها وكيف ستعلمها وكل تلك الأمور ثم فليأت الخاطب ابن لأب مثلك فنعطيها له دون شروط ... وضحكنا معا ...
قال: سأدخلها أفضل المدارس ولن أحرمها من شيء إن شاء الله ولن أدعها تطلب مني بل سأحضر لها قبل أن تتمنى ..
قلت: حفظك الله لنا وحفظنا لك ...
دخلت الممرضة مبتسمة كعادتها كنت أرى على وجهها الابتسامة دائما .. فتشيع في نفسي الرضى والاطمئنان على عكس الطبيبة كلما رأيتها أشعر بانقباض شديد في صدري ... صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: تبسمك في وجه أخيك صدقة. اتجهت الممرضة نحونا وقالت لزوجي مستأذنة هل لي بأخذ قطعة الحلوى منكم ثوان؟ حقنتها فبكت الطفلة وسرعان ما سكتت ..
حضرت الطبيبة في اليوم التالي ومعها الممرضة وأعادت الكشف علي بقسوتها المعهودة ... ثم اتجهت نحو الطفلة وسألت الممرضة: هل تم تطعيمها؟
الممرضة: لا، لم تأمري بذلك!
قالت لها بجفاء: كيف. ألم أكتب لك أمس على التطعيم؟
الممرضة: سيدتي هذا ما وصفته لنحقن به الطفلة وأشارت إليها بالروشتة. والتي اكفهر وجه الطبيبة مباشرة عندما قرأتها وأخذت الورقة وكتبت لي وللطفلة إذن الخروج بسرعة - كأنها تريد التخلص منا سريعا - وأعطتني تعليمات سريعة ولكن أسلوبها هذه المرة كان مختلفا عن كل مرة .. نظرات الكبر التي تعلو وجهها كأنها قلت. وكانت تتفادى النظر إلينا وهي تحدثنا ثم خرجت مسرعة وتركتنا جميعا في حالة زهول .. ولكن الممرضة كانت تحمل وجها غريبا وقبل أن نسأل الممرضة وجدنا الطبيبة تعيد فتح الباب وتنادي الممرضة بحزم والتي ركضت إليها مسرعة ..
بعد قليل عادت الممرضة وتبدو عليها علامات التعب والحزن فسألناها ما بك؟
قالت: لا شيء. لا شيء.
طلبت منها تفسيرا عن الحقنة التي أعطيت لابنتي.
فأجابت بأنها دواء يعطى لبعض المواليد الذين يعانون من مشاكل معينة فور ولادتهم وابنتي لم تكن بحاجة إليه. وأن الطبيبة أخطأت وكتبته للصغيرة بدلا عن التطعيم.
قلت لها: والآن! ماذا سيحدث للصغيرة؟
قالت: لا أدري عليكم أن تعرضوها على استشاري أطفال فور خروجكم من هنا. وكتبت في ورقة صغيرة اسم الدواء وأخبرتنا أن الطبيبة أخذت الروشتة لأنها تحمل توقيعها ومن دفتر روشتاتها، وأنها أمرتها بالتكتم عن الأمر. قالت: لكني وجدت أن من حقكما أن تعرفا بهذا الخطأ لتعرضاها على استشاري يفيدكما.
انتباتنا جميعا حالة صدمة وحالة من الغضب الممزوج بالقلق والخوف والرعب على ابنتنا ..
خرجنا للبيت وكاد الحزن يقتلني وزوجي لكني كنت أطمئنه بأن الله لن يتركنا وهو سيرعانا ويرعى الطفلة التي وهبها لنا.
ونعم بالله: قالها زوجي وتحمل كل الحزن.
في المساء أخذها والدها ووالدتي إلى الاستشاري المعروف "محمد كمال*" وبقيت في البيت لأنني كنت متعبة ولم أكن أقو على الحركة وسأكون عليهما عبأ. بقيت ونار القلق والانتظار والرعب تأكلني .. منذ خروجهما بها من البيت وأنا في حالة قلق .. أتحامل على نفسي وأطل من الشرفة لعلي أراهم عائدين، كيف لقد خرجوا منذ دقائق فقط! كنت أشعر بالثواني دقائق والدقائق ساعات والساعات كأنها أيام !! ياه ما أصعب الانتظار!!
يا رب، يا لطيف، تولانا وتولاها برحمتك .. أنت تعلم ضعفنا يا أرحم الراحمين .. تناولت دوائي ثم جلست على الكرسي في الشرفة اتنظر عودتهم ... طال الوقت جدا ... لما نظرت لساعتي وجدتها قد مرت ساعتان فقط من وقت خروجهم .. حسبتهما أكثر من ذلك بكثير. سمعت صوت المفتاح .. يبدو أنني قد غفوت .. تحاملت على نفسي وسرت في اتجاه الباب .. وجدت زوجي وأمي متجهمين .. حزن بالغ على وجهيهما ..

لؤلؤة2005
30-09-2012, 08:32 AM
بارك الله فيك .