المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المؤمن إذا ذُكِّر ذَكَر



ام سارة**
24-11-2014, 04:23 PM
http://forum.hawahome.com/clientscript/ckeplugins/picwah/images/extra5.png


المؤمن إذا ذُكِّر ذَكَر

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.


أما بعد:
فإن هذه الصفةَ هي إحدى العلامات الفارقة بين أهل الإيمان وبين غيرهم، وهي إحدى تلك الفَوارقِ التي تميِّزُهم عمن سواهم، والتي أخبر بها رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما من عبدٍ مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفَيْنَةَ بعد الفَيْنَةِ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارِقَ الدنيا، إن المؤمن خُلِقَ مُفتَنًا توَّابًا نَسِيًّا، إذا ذُكِّر ذَكَر))[1].

وهذا الحديث ليس معناه بالطبع الرُّضوخَ، كما أنه ليس دعوةً للرضا بالواقع، وليس دليلاً على استحسان الوضع والإقامة عليه كيفما كان، أو كيفما اتَّفق، أو العكوف عندَه والاستسلام له؛ إنما المراد منه - حتمًا - التذكير بالرجاء في موضع اليأس، والدعوة إلى التوبة عندَ النسيان، والتذكُّرُ عند الذكرَى ليس إلا، وبهذا يتضِحُ أن الحديث يعالج جانبَ الرجاء والخوف عند المسلم، ويوازنُ بينهما، ويحض بالمقابل على المسارعة إلى العُزوفِ عن الذنوب، وتصحيح المسلم لسيره، وتفقُّد خطاه، وتقويم نفسه، ويبين أن هذا من الوصف الذي لا يكون إلا للمؤمن، وهذه هي المجاهدة المندوبُ إليها، والتي قال الله - عز وجل - عن أهلها واعدًا لهم بالتوفيق والهداية والسداد: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]
ففي الحديث نفسه ردٌّ على من طعن في الحديث بسبب معناه، والله أعلم.


وهذه الكلمة - أعني: ((إذا ذُكِّر ذَكَر)) - عندَ التأمل فيها، ولا سيما في سياق الحديث - الآنف الذكر - الذي جاءت فيه: ميزانُ عدل، يستطيع الواحد منا أن يَزِنَ نفسه بها، ويتساءل: كيف هو إذا ذُكِّر بالله عز وجل؟

ثم لينظر بعد ذلك - وكل واحد منا حسيبُ نفسِه - مقدارَ ما يمكنه أن يأتي منها وما يذر، ثم ليعلم بعد ذلك - لزامًا - أنه بقدر ذلك - وجودًا وعدمًا، وقلةً وكثرةً - يكون إيمانه.

ولعمرُ اللهِ - عز وجل - إنها من الموازين الحكيمة والمحكمة، والصادقة والبيِّنة، والتي تُجلِّي وبوضوح دون غبشٍ ورين مقدارَ الإيمان في النفوس، ومكانتَه في الصدور والقلوب.

وإن كل من يستشْعِرُ بقلبه هذا، ويتخذه طريقًا له ومنهجًا، ويقيس عليه، فتراه: إذا ذُكِّر ذَكَر، وإذا بُصِّر أبصَرَ، وإذا وُعظ اعتَبر، وهكذا...، لهو على هدًى وإيمانٍ؛ ولذلك ينبغي أن يُعلَمَ أن هذه الصفات من أفضل ما أُعطيه العبدُ، فهي إحدى الدرر التي لا يمكن أن تقدر بثمن.

ولذلك لما سئل علي رضي الله عنه عن عمار رضي الله عنه، لم يجد أجملَ ولا أبلغَ لوصفه وحاله من قوله رضي الله عنه: "مؤمنٌ نسيٌّ، وإذا ذُكِّر ذَكَر"[2].

ولا أنسى أن أذكر أن هذه الصفة في الحقيقة وإن كانت من نِتاجِ الإيمان، إلا أنها تدل باللزوم على العقل والعلم، وتشهد لصاحبِها بهما؛ ولذلك قال ابن القيم: "النسيانُ والذهول عرضةٌ للإنسان، وإنما الفاضل العالم من إذا ذُكِّر ذَكَر ورجع"[3].

وختامًا: فإن معنى هذه الكلمة يتجلَّى أكثرَ، ويزداد بيانًا وإيضاحًا، إذا علمنا أن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: ((المؤمن خُلِقَ مُفتَنًا، توَّابًا، نَسِيًّا))
معناه: "أي: ممتحنًا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب والفتن، والممتحن: الذي فتن كثيرًا"[4]
والمفتنُ: "الممتحن الذي فتن كثيرًا"[5]
فكثيرًا ما يكون هذا حاله، وهو مع هذا كله من الفتن التي تعصف بالقلوب، وتتكرر عليه، وترد واحدة بعد الأخرى، إلا أنه مؤمن، يتذكَّرُ دومًا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا ذُكِّر ذَكَر)).

نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا وإياكم ممن إذا ذُكِّر ذَكَر.




[1] أخرجه الطبراني في الكبير (11/304)، قال الهيثمي في المجمع (11/79): "أحد أسانيد الكبير رجاله ثقات"، وقد أعله بعضهم، وسكت عنه السخاوي في فتح المغيث شرح ألفية الحديث (2/381) واكتفى بالإشارة إلى أنه مرفوع، وانظر: السلسلة الصحيحة (5/346) رقم: (2276).

[2]أخرجه الحاكم في المستدرك (3/429)، والطبراني في الكبير (6/213)، وفيه ضعف، لكن له ما يشهد له.

[3]زاد المعاد (5/537).

[4]فيض القدير (5/491)، والتيسير بشرح الجامع الصغير (2/706) للمناوي.

[5]الفائق في غريب الحديث (3/150) للزمخشري.


بكر البعداني

زهور 1431
24-11-2014, 07:41 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكر الله لك هذا الايضاح ونفع به ورزقك اعالي الجنان ومن تحبين ياغاليه ..