ام سارة**
26-08-2015, 10:50 AM
http://forum.hawahome.com/clientscript/ckeplugins/picwah/images/extra5.png
الحب الإلكتروني
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد لله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، صلوا عليه وآله، اللهم صل وسلم وزد وأنعم عليه وعلى آله وصحابته وعترته.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة الأكارم: كانت سعيدة بزوجها، يتبادلان أجمل الكلمات، ويتناغمان أحلى العبارات، ينثني عليها كما ينثني الغصن، وتنعطف عليه كما ينعطف الجدول، فإذا ما التقيا التحما في تضام حميم، وعند توديعه في ذهابه لعمله، أو شغله، يتبدلان أشهى القبلات.
بيت هادئ، وزوجة مطيعة، حياة هانئة ترفل في ثوب من السعادة، تشيب وينهنه تلك السعادة نغمات وكركرات يتردد أصداؤها من طفل مولود بينهما.
هكذا ظلت حياتهما، إلى أن حدث مقدور الله -سبحانه وتعالى-.
في ظل هذا الوئام الأسري، أراد هذا الزوج أن يتحبب إلى زوجته، وأن يتودد إليها، فذهب وقد أطل عليها في يوم بهدية مغلفة، أقبلا ليفتحاها جميعا، فإذا به يهديها فرحا جزلا، جهاز الحاسب، مع اشتراك في الانترنت.
أراد هذا المسكين أن يقضي بهذه الهدية فراغ وقت هذه المرأة، وأن يبدد تلك الساعات التي تقضيها وحيدة في انتظاره.
بدأت تتعلم استخدام هذه الأداة، وبدأت تبحر من موقع إلى موقع، فمن "دات كوم" إلى "دات نت" متنقلة من موقع إلى موقع.
أخذ الانترنت بلبها، وعبث بعقلها، حتى أصبحت من مدمنيه.
وأصبحت تلك المرأة التي كانت تستقبل زوجها بالحفاوة، وتودعه بالتكريم والقبل، أصبحت تقضي الساعات الطويلة إبحارا في مواقع هذا الجهاز.
وكان لها أن تمر بتلك القنطرة التي يمر بها كل مدمن على هذا الجهاز.
في إحدى المرات دخلت إلى ما يعرف بغرف الدردشة، أو المحادثة، أو الشات، وفي هذه الغرف يميل الناس إلى خلق شخصيات جذابة، تلفت الانتباه، وتستقطب الاهتمام والإقبال، لتفوز بالحصول على الإعجاب، وسط جمهور كبير، هو رواد حجرات الدردشة.
بدأت في التعرف والتحدث من خلال هذه الغرف، من غرفة إلى غرفة، ومن شخصية إلى شخصية، حيث يتقمص كل صاحب شخصية في هذه الغرف أحلى العبارات، وأجمل التسميات، ليأخذ بألباب رواد هذه الغرف.
تعرفت على شاب معسول اللسان، فصيح البيان، فاستهواها حديثه، واستمالتها طريقته، فحادثته، ثم أعجبت بأفكاره، وجدت فيه الصدق –زعمت-، ووجدت فيه الصديق –زعمت-، تلقاها من خلال الشبكة ليحملها بضلوع حانية.
مرت الساعات الطويلة، وهي لا تشعر بها، تواعدا أن يلتقيا مرة أخرى في نفس هذه الغرفة، وبدت هذه المرأة التي كانت زوجة مثالية، والتي كانت تستقبل زوجها وتودعه، بدأت تقضي ساعات طويلة خلف هذه الشاشة، وزوجها لا يساوره شك أنها عفيفة، وأنه لا يمكن أن تتطرق لهذا الوحل.
تكررت اللقاءات الالكترونية، امتزجت العواطف الوجدانية، لتطرق أول مسمار في نعش الحياة الزوجية؛ سبعة أشهر طوتها هذه المرأة طيا، وهي تتنقل مع هذا الفارس من غرفة إلى غرفة، لم يتركا طيلة السبعة الأشهر هذه، لم يتركا شيئا مما بين الأرض والسماء إلا وتحدثا عنه.
في ظل هذا الامتداد الزمني السحيق، ظن كل واحد منهم أن سبعة أشهر كفيلة بصنع ما يصنعه الملح والطعام في أعرافنا العربية، وأنها كفيلة أن تخلق نوعا من الثقة، تصل إلى حد تبادل أرقام الهواتف!.
ويا ليتها لم تفعل!!.
في نقلة خطيرة، خطيرة؛ تبادلا أرقام الهواتف، وصار الحديث المحموم الذي كان ينقل عبر ما يسمى بالكيبورد أصبح ينقل عبر سماعة الهاتف، ليتصل الحديث بالحديث، وليقرع الأذن، ذلك الصوت الدافئ.
أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى *** فصادف قلبا خاويا فتمكن
وصدق بشار، إذ يقول:
يا قومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة *** والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا
أوقات غارقة كانت هذه المرأة تقضيها مع هذا الشاب، في ظل غياب الزوج المتكرر، كانت تقول له بلسان الحال:
قُلْ لي -ولو كذباً– كلاماً ناعماً *** قد كادً يقتُلُني بك التمثالُ
وفي ظل هذا الفورة من هذه المرأة؛ ساءت علاقتها بزوجها، أصبح منها إهمال مفرط للبيت، وغفلة متناهية عن الطفل، وغيبة عن الفراش.
لقد انقلبت المرأة رأسا على عقب، فلم تعد الزوجة المثالية التي يعرفها الزوج، ولم تعد الإنسانة التي يعهد.
وهنا -وبدون أن يساوره أدنى شك في هذه المرأة- سارع الرجل بما عساه أن يكون السبب في تردي العلاقة الزوجية بينه وبين زوجته، أخرج جهاز الكمبيوتر، وبالفعل، وهنا اتسعت الهوة، وزاد الشقاق والتنافر بينهما.
وفي المقابل استعر التواصل الهاتفي، مع فارس النت، أو ما يسمى بالشات عبر الهاتف، ليخطط إلى مرحلة تصاعدية، ليخطط إلى اللقاء المحموم التي تتصل فيه الصورة بالصورة، كنتيجة طبيعة لكل ما مر من الحوادث.
وبالفعل -أيها الإخوة-: وفي ظل غياب الزوج، وفي ظل هذه الهوة المتسعة بينهما، يتم اللقاء، وتقع العين على العين.
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ *** قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ *** وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو اْنَّهُ *** لم يَجْنِ قتلَ المُسلمِ المُتحرِّزِ
إنْ طالَ لم يُمللْ وإِن هىَ أَوجزتْ *** وَدَّ المُحدَّثُ أَنَّها لم تُوجِزِ
وبعد هذا اللقاء، تم التدبير والتخطيط لهدم كيان الزوجية القائم بينها وبين زوجها، لتقوم على أنقاض هذه العلاقة المهجومة، علاقة الزواج الشرعي، أخذت تختلق المشاكل بينها وبين زوجها، حتى تم لها ما رامت، وفي تخطيط بينها وبينه في الهاتف حصلت على ما كان تصبو إليه، وهو: ورقة الطلاق!.
سارعت إلى جهاز الهاتف، اتصلت بفارسها، وهذا الاتصال المحموم قابل منه برودا، وهذا الإقبال واجه صدودا، وهنا صرخت بأعلى صوتها: ألم تعدني بالزواج؟! فقال لها ضاحكا: ما كنت لأتزوج امرأة خانت زوجها، وخرجت، وكان منها ما كان، في ضمن ذلك اللقاء، إن مثلك من الملوثات لا يصلحن لمثلي!.
أغلق سماعة الهاتف لتفتح عينيها مع بوابة الدمع التي لا تقف، والحرقة التي لا تبرد أبداً.
ولك -أيها المستمع الكريم-: للوهلة الأولى أن تجري قواعد النقص، وقواعد الجرح والتعديل، لتخرج أنها من الخيال، ربما، لكن هذا الركام الهائل، وهذه الأقاصيص العجيبة التي تطالعنا بها الفتيات يوما بعد يوم، تؤكد أن هذا الركام الأسود، وهذا الدخان الكثيف، نار تأجج بالداخل.
ليس بعيدا على أسماعنا ولا أعيننا، منذ أشهر طالعتنا هذه الشبكة العنكبوتية، بصور فاضحة لفتاة خليجية، تعرفت على شاب عن طريق ما يسمى ب"الشات".
وفي ظل هذه الثقة المفرطة أرسلت إليه صورتها عن طريق النت.
وبعض المغفلين -أيها الإخوة-: في مرة -وأنا أتحدث عن المواقع الإباحية التي يمكن التوصل إليها عن طريق هذه الشبكة- ذكرت أن أحدنا يستطيع أن يستعرض أرقامها في أحد محركات البحث، فظن بعض المغفلين أن هذه الطرق البدائية أساليب لتعليم الناس عبر منبر الجمعة!.
وما درى أن الشباب والناشئة فينا يستطيعون أن يخترقوا ما لا يمكن اختراقه، وحسبكم أن تعلموا أقوى المراكز الدفاعية، وأن أعظم الصروح الكمبيوترية، وهي البنتاجون، وزارة الدفاع الأمريكية، تم خرقها من هواة لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة.
أيها الإخوة: طالعتنا الشبكة العنكبوتية قبل أشهر بصورة لفتاة خليجية أرسلت إلى عشيقها عبر الشات، لينشر هذا الخائن صورتها، وقد ركب عليها صورة قادحة، لينشرها عبر المواقع والمنتديات، ولتصبح هذه الفتاة زبالة يلوكها الناس بألسنتهم: وبنت فلان بن فلان!.
فلم تجد حيلة إلا أن انتحرت هذه الفتاة في نهاية الطريق.
ترى ماذا تحمل لنا هذه الشبكة؟
الانترنت، الشبكة العالمية التي ولدت سفاحا بين التقنية الغربية، وبين العداء المحموم المستعر بين المعسكر الشرقي والغربي، لينتج بين هذا السفاح مولودا حراما، هو هذا الانترنت!.
ولكنه، وإن كان مولودا من سفاح إلا أن فيه منافع ومضار، لا يجهلها الوالج إلى هذه الشبكة، ولسنا من الذين يحرمون هذه الأشياء، أو الذين ينادون بمقاطعتها، ولكننا ننادي بالتقنين الشرعي لمثل هذه الوسائل، التي فتحت على مصرعيها للناس.
في مدرسة قريبة وجدت اسطوانة مع طالب لم يتجاوز سن الحلم، فيها أكثر من 1500 صورة لفتاة عارية، وشباب عراة، استطاع أن ينسخها من الانترنت، وقام بتوزيعها بين الطلاب.
أيها الإخوة المباركون: إن هذه المشاهد التي تتكرر عبر ما يسمى ب"المحادثات"، تمر كما يقول أحد الخبراء النفسانيين، وهو الدكتور/ أحمد عبد الله: تمر عبر عدة لقطات أجملها لكم بتصرف وزيادة.
اللقطة الأولى: دهشة غامرة أمام تقنية جديدة تتيح الكثير، وتفتح السبيل للاتصال على مصراعيه، بعيدا عن حواجز المجتمعات المنغلقة، يختلط فيها موروث الدين والقيم مع أدوات الحداثة بآفاتها وخطرها على نحو عجيب، يستدعي التأمل والبحث، ودون فهم لهذه التركيبة وأثارها الاجتماعية والنفسية.
اللقطة الثانية: بدافع من الفضول والغريزة المتأججة، المتجاهلة من السياق العام، والمحيط الاجتماعي، وشغل للفراغ للوقت والذهب، وترفيها للنفس، وتبديدا للتعب والزجر، ورغبة في التواصل الإنساني، ينزل الشاب إلى عالم الشات مصطحبا خلفيته الممزوجة بين الموروث والحديث.
اللقطة الثالثة: يعثر على ضالته، فتاة نزلت مثله بأغراض بريئة، تتفق معه في الأسس والمبادئ والأفكار، وبغفلة كاملة مصطحبة أمام تطورات مذهلة ومحتملة لمثل هذه المغامرة المثيرة والخطيرة.
لننتقل إلى اللقطة الرابعة: نصف مفتوحة متوجسة، ثم تنفتح عمقا واتساعا بين الطرفين، ولأن القلوب العربية قريبة من بعضها البعض، ولأن العواطف مشبوبة وملتهبة، غالبا ما تشتعل نيران المحبة، والفتاة ترى في هذا كله نشأة لعلاقة ارتباط شرعي متدرجة.
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ *** يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
في نشأة علاقة وارتباط شرعي متدرجة، كما ظنت المسكينة، وهي تقرأ طلبت الشاب بتصعيد العلاقة ووصفها، وبعلامات قرب الحسم بالتقدم للزواج، وبتركيبة الفتاة العربية تفلح أحيانا في مقاومة التصعيد، ولكنها غالبا تستسلم لأمر الحب الذي عاشت عمرها تنتظره، وتحلم به!.
اللقطة الخامسة: على الجانب الآخر تختلط عند صاحبنا المسائل، فهو من ناحية مأخوذ بهذه اللعبة المثيرة، منتش بالإنجازات التي يحرزها، فهو يعتقد أنه مقنع، وأنه مقبول، وأنه مرغوب فيه، وهذا يغريه بالاسترسال طلبا للمزيد، وفي أوج النجاح يأتيه ضميره ليسأله: إلى أين؟ ولماذا؟
فيجيب في ثقة واقتدار: إلى الارتباط الشرعي.
طبعا، هذا على أحسن الأحوال، أو لمجرد العبث، وإشباع الغريزة.
مهما كانت النتائج، فالشاب في عرفنا جميعا لا يضره شيء، وإنما المآخذ هي الفتاة دائما، على ظل تعلق بالستار الذي يتعلق به الجميع: أنا، ومن بعدي الطوفان!.
اللقطة السابعة: يغرقان في وهم يملأ عليهما حياتهما، يظنانه حبا، فيتشاعران ويتبادلان أعذب الكلمات، وأرق العبارات، حتى يصل بهما الشوق الجامح، والرغبة المستعرة إلى الانتقال من الكتابة إلى الصوت، في نقلة خطيرة خطيرة، فيتبادلان بادئ ذي بدأ، ثم طواعية مفرطة في نهاية الأمر يتبادلان أرقام الهواتف، لينتقل من اللقاء الإلكتروني إلى الحديث الليلي الساهر، إلى ساعات متأخرة، وبشكل شبه يومي.
لينتقل إلى اللقطة الثامنة: يستمر هذا الشوق الذي يؤججه الصوت لينتقل إلى اللقاء، فإذا كان اللقاء كانت نهاية المسلسل المأسوي، وهنا يبدأ العاشقان في اختيار الزمان والمكان، ليتم ما لا تتم به القصة، وما نسميه بداية للنهاية، أو خرابا لمالطا، سمه ما شئت، ولتحقق صورة نزار التي عبث، فأخذ يبثها في أذهان الشباب.
الحب ليس روايةً شرقيةً *** بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ *** وشعورنا ان الوصول محال
هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ *** وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤالُ
هو جدول الأحزان في أعماقنا *** تنمو كروم حوله وغلالُ
هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معاً *** فنموت نحن وتزهر الآمال
هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ *** هو يأسنا هو شكنا القتالُ
هو هذه الكف التي تغتالنا *** ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
الحب الإلكتروني
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد لله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، صلوا عليه وآله، اللهم صل وسلم وزد وأنعم عليه وعلى آله وصحابته وعترته.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة الأكارم: كانت سعيدة بزوجها، يتبادلان أجمل الكلمات، ويتناغمان أحلى العبارات، ينثني عليها كما ينثني الغصن، وتنعطف عليه كما ينعطف الجدول، فإذا ما التقيا التحما في تضام حميم، وعند توديعه في ذهابه لعمله، أو شغله، يتبدلان أشهى القبلات.
بيت هادئ، وزوجة مطيعة، حياة هانئة ترفل في ثوب من السعادة، تشيب وينهنه تلك السعادة نغمات وكركرات يتردد أصداؤها من طفل مولود بينهما.
هكذا ظلت حياتهما، إلى أن حدث مقدور الله -سبحانه وتعالى-.
في ظل هذا الوئام الأسري، أراد هذا الزوج أن يتحبب إلى زوجته، وأن يتودد إليها، فذهب وقد أطل عليها في يوم بهدية مغلفة، أقبلا ليفتحاها جميعا، فإذا به يهديها فرحا جزلا، جهاز الحاسب، مع اشتراك في الانترنت.
أراد هذا المسكين أن يقضي بهذه الهدية فراغ وقت هذه المرأة، وأن يبدد تلك الساعات التي تقضيها وحيدة في انتظاره.
بدأت تتعلم استخدام هذه الأداة، وبدأت تبحر من موقع إلى موقع، فمن "دات كوم" إلى "دات نت" متنقلة من موقع إلى موقع.
أخذ الانترنت بلبها، وعبث بعقلها، حتى أصبحت من مدمنيه.
وأصبحت تلك المرأة التي كانت تستقبل زوجها بالحفاوة، وتودعه بالتكريم والقبل، أصبحت تقضي الساعات الطويلة إبحارا في مواقع هذا الجهاز.
وكان لها أن تمر بتلك القنطرة التي يمر بها كل مدمن على هذا الجهاز.
في إحدى المرات دخلت إلى ما يعرف بغرف الدردشة، أو المحادثة، أو الشات، وفي هذه الغرف يميل الناس إلى خلق شخصيات جذابة، تلفت الانتباه، وتستقطب الاهتمام والإقبال، لتفوز بالحصول على الإعجاب، وسط جمهور كبير، هو رواد حجرات الدردشة.
بدأت في التعرف والتحدث من خلال هذه الغرف، من غرفة إلى غرفة، ومن شخصية إلى شخصية، حيث يتقمص كل صاحب شخصية في هذه الغرف أحلى العبارات، وأجمل التسميات، ليأخذ بألباب رواد هذه الغرف.
تعرفت على شاب معسول اللسان، فصيح البيان، فاستهواها حديثه، واستمالتها طريقته، فحادثته، ثم أعجبت بأفكاره، وجدت فيه الصدق –زعمت-، ووجدت فيه الصديق –زعمت-، تلقاها من خلال الشبكة ليحملها بضلوع حانية.
مرت الساعات الطويلة، وهي لا تشعر بها، تواعدا أن يلتقيا مرة أخرى في نفس هذه الغرفة، وبدت هذه المرأة التي كانت زوجة مثالية، والتي كانت تستقبل زوجها وتودعه، بدأت تقضي ساعات طويلة خلف هذه الشاشة، وزوجها لا يساوره شك أنها عفيفة، وأنه لا يمكن أن تتطرق لهذا الوحل.
تكررت اللقاءات الالكترونية، امتزجت العواطف الوجدانية، لتطرق أول مسمار في نعش الحياة الزوجية؛ سبعة أشهر طوتها هذه المرأة طيا، وهي تتنقل مع هذا الفارس من غرفة إلى غرفة، لم يتركا طيلة السبعة الأشهر هذه، لم يتركا شيئا مما بين الأرض والسماء إلا وتحدثا عنه.
في ظل هذا الامتداد الزمني السحيق، ظن كل واحد منهم أن سبعة أشهر كفيلة بصنع ما يصنعه الملح والطعام في أعرافنا العربية، وأنها كفيلة أن تخلق نوعا من الثقة، تصل إلى حد تبادل أرقام الهواتف!.
ويا ليتها لم تفعل!!.
في نقلة خطيرة، خطيرة؛ تبادلا أرقام الهواتف، وصار الحديث المحموم الذي كان ينقل عبر ما يسمى بالكيبورد أصبح ينقل عبر سماعة الهاتف، ليتصل الحديث بالحديث، وليقرع الأذن، ذلك الصوت الدافئ.
أتاني هواها قبل ان أعرف الهوى *** فصادف قلبا خاويا فتمكن
وصدق بشار، إذ يقول:
يا قومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة *** والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا
أوقات غارقة كانت هذه المرأة تقضيها مع هذا الشاب، في ظل غياب الزوج المتكرر، كانت تقول له بلسان الحال:
قُلْ لي -ولو كذباً– كلاماً ناعماً *** قد كادً يقتُلُني بك التمثالُ
وفي ظل هذا الفورة من هذه المرأة؛ ساءت علاقتها بزوجها، أصبح منها إهمال مفرط للبيت، وغفلة متناهية عن الطفل، وغيبة عن الفراش.
لقد انقلبت المرأة رأسا على عقب، فلم تعد الزوجة المثالية التي يعرفها الزوج، ولم تعد الإنسانة التي يعهد.
وهنا -وبدون أن يساوره أدنى شك في هذه المرأة- سارع الرجل بما عساه أن يكون السبب في تردي العلاقة الزوجية بينه وبين زوجته، أخرج جهاز الكمبيوتر، وبالفعل، وهنا اتسعت الهوة، وزاد الشقاق والتنافر بينهما.
وفي المقابل استعر التواصل الهاتفي، مع فارس النت، أو ما يسمى بالشات عبر الهاتف، ليخطط إلى مرحلة تصاعدية، ليخطط إلى اللقاء المحموم التي تتصل فيه الصورة بالصورة، كنتيجة طبيعة لكل ما مر من الحوادث.
وبالفعل -أيها الإخوة-: وفي ظل غياب الزوج، وفي ظل هذه الهوة المتسعة بينهما، يتم اللقاء، وتقع العين على العين.
إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ *** قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا
يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ *** وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا
وحديثُها السِّحرُ الحلالُ لو اْنَّهُ *** لم يَجْنِ قتلَ المُسلمِ المُتحرِّزِ
إنْ طالَ لم يُمللْ وإِن هىَ أَوجزتْ *** وَدَّ المُحدَّثُ أَنَّها لم تُوجِزِ
وبعد هذا اللقاء، تم التدبير والتخطيط لهدم كيان الزوجية القائم بينها وبين زوجها، لتقوم على أنقاض هذه العلاقة المهجومة، علاقة الزواج الشرعي، أخذت تختلق المشاكل بينها وبين زوجها، حتى تم لها ما رامت، وفي تخطيط بينها وبينه في الهاتف حصلت على ما كان تصبو إليه، وهو: ورقة الطلاق!.
سارعت إلى جهاز الهاتف، اتصلت بفارسها، وهذا الاتصال المحموم قابل منه برودا، وهذا الإقبال واجه صدودا، وهنا صرخت بأعلى صوتها: ألم تعدني بالزواج؟! فقال لها ضاحكا: ما كنت لأتزوج امرأة خانت زوجها، وخرجت، وكان منها ما كان، في ضمن ذلك اللقاء، إن مثلك من الملوثات لا يصلحن لمثلي!.
أغلق سماعة الهاتف لتفتح عينيها مع بوابة الدمع التي لا تقف، والحرقة التي لا تبرد أبداً.
ولك -أيها المستمع الكريم-: للوهلة الأولى أن تجري قواعد النقص، وقواعد الجرح والتعديل، لتخرج أنها من الخيال، ربما، لكن هذا الركام الهائل، وهذه الأقاصيص العجيبة التي تطالعنا بها الفتيات يوما بعد يوم، تؤكد أن هذا الركام الأسود، وهذا الدخان الكثيف، نار تأجج بالداخل.
ليس بعيدا على أسماعنا ولا أعيننا، منذ أشهر طالعتنا هذه الشبكة العنكبوتية، بصور فاضحة لفتاة خليجية، تعرفت على شاب عن طريق ما يسمى ب"الشات".
وفي ظل هذه الثقة المفرطة أرسلت إليه صورتها عن طريق النت.
وبعض المغفلين -أيها الإخوة-: في مرة -وأنا أتحدث عن المواقع الإباحية التي يمكن التوصل إليها عن طريق هذه الشبكة- ذكرت أن أحدنا يستطيع أن يستعرض أرقامها في أحد محركات البحث، فظن بعض المغفلين أن هذه الطرق البدائية أساليب لتعليم الناس عبر منبر الجمعة!.
وما درى أن الشباب والناشئة فينا يستطيعون أن يخترقوا ما لا يمكن اختراقه، وحسبكم أن تعلموا أقوى المراكز الدفاعية، وأن أعظم الصروح الكمبيوترية، وهي البنتاجون، وزارة الدفاع الأمريكية، تم خرقها من هواة لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة.
أيها الإخوة: طالعتنا الشبكة العنكبوتية قبل أشهر بصورة لفتاة خليجية أرسلت إلى عشيقها عبر الشات، لينشر هذا الخائن صورتها، وقد ركب عليها صورة قادحة، لينشرها عبر المواقع والمنتديات، ولتصبح هذه الفتاة زبالة يلوكها الناس بألسنتهم: وبنت فلان بن فلان!.
فلم تجد حيلة إلا أن انتحرت هذه الفتاة في نهاية الطريق.
ترى ماذا تحمل لنا هذه الشبكة؟
الانترنت، الشبكة العالمية التي ولدت سفاحا بين التقنية الغربية، وبين العداء المحموم المستعر بين المعسكر الشرقي والغربي، لينتج بين هذا السفاح مولودا حراما، هو هذا الانترنت!.
ولكنه، وإن كان مولودا من سفاح إلا أن فيه منافع ومضار، لا يجهلها الوالج إلى هذه الشبكة، ولسنا من الذين يحرمون هذه الأشياء، أو الذين ينادون بمقاطعتها، ولكننا ننادي بالتقنين الشرعي لمثل هذه الوسائل، التي فتحت على مصرعيها للناس.
في مدرسة قريبة وجدت اسطوانة مع طالب لم يتجاوز سن الحلم، فيها أكثر من 1500 صورة لفتاة عارية، وشباب عراة، استطاع أن ينسخها من الانترنت، وقام بتوزيعها بين الطلاب.
أيها الإخوة المباركون: إن هذه المشاهد التي تتكرر عبر ما يسمى ب"المحادثات"، تمر كما يقول أحد الخبراء النفسانيين، وهو الدكتور/ أحمد عبد الله: تمر عبر عدة لقطات أجملها لكم بتصرف وزيادة.
اللقطة الأولى: دهشة غامرة أمام تقنية جديدة تتيح الكثير، وتفتح السبيل للاتصال على مصراعيه، بعيدا عن حواجز المجتمعات المنغلقة، يختلط فيها موروث الدين والقيم مع أدوات الحداثة بآفاتها وخطرها على نحو عجيب، يستدعي التأمل والبحث، ودون فهم لهذه التركيبة وأثارها الاجتماعية والنفسية.
اللقطة الثانية: بدافع من الفضول والغريزة المتأججة، المتجاهلة من السياق العام، والمحيط الاجتماعي، وشغل للفراغ للوقت والذهب، وترفيها للنفس، وتبديدا للتعب والزجر، ورغبة في التواصل الإنساني، ينزل الشاب إلى عالم الشات مصطحبا خلفيته الممزوجة بين الموروث والحديث.
اللقطة الثالثة: يعثر على ضالته، فتاة نزلت مثله بأغراض بريئة، تتفق معه في الأسس والمبادئ والأفكار، وبغفلة كاملة مصطحبة أمام تطورات مذهلة ومحتملة لمثل هذه المغامرة المثيرة والخطيرة.
لننتقل إلى اللقطة الرابعة: نصف مفتوحة متوجسة، ثم تنفتح عمقا واتساعا بين الطرفين، ولأن القلوب العربية قريبة من بعضها البعض، ولأن العواطف مشبوبة وملتهبة، غالبا ما تشتعل نيران المحبة، والفتاة ترى في هذا كله نشأة لعلاقة ارتباط شرعي متدرجة.
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ *** يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
في نشأة علاقة وارتباط شرعي متدرجة، كما ظنت المسكينة، وهي تقرأ طلبت الشاب بتصعيد العلاقة ووصفها، وبعلامات قرب الحسم بالتقدم للزواج، وبتركيبة الفتاة العربية تفلح أحيانا في مقاومة التصعيد، ولكنها غالبا تستسلم لأمر الحب الذي عاشت عمرها تنتظره، وتحلم به!.
اللقطة الخامسة: على الجانب الآخر تختلط عند صاحبنا المسائل، فهو من ناحية مأخوذ بهذه اللعبة المثيرة، منتش بالإنجازات التي يحرزها، فهو يعتقد أنه مقنع، وأنه مقبول، وأنه مرغوب فيه، وهذا يغريه بالاسترسال طلبا للمزيد، وفي أوج النجاح يأتيه ضميره ليسأله: إلى أين؟ ولماذا؟
فيجيب في ثقة واقتدار: إلى الارتباط الشرعي.
طبعا، هذا على أحسن الأحوال، أو لمجرد العبث، وإشباع الغريزة.
مهما كانت النتائج، فالشاب في عرفنا جميعا لا يضره شيء، وإنما المآخذ هي الفتاة دائما، على ظل تعلق بالستار الذي يتعلق به الجميع: أنا، ومن بعدي الطوفان!.
اللقطة السابعة: يغرقان في وهم يملأ عليهما حياتهما، يظنانه حبا، فيتشاعران ويتبادلان أعذب الكلمات، وأرق العبارات، حتى يصل بهما الشوق الجامح، والرغبة المستعرة إلى الانتقال من الكتابة إلى الصوت، في نقلة خطيرة خطيرة، فيتبادلان بادئ ذي بدأ، ثم طواعية مفرطة في نهاية الأمر يتبادلان أرقام الهواتف، لينتقل من اللقاء الإلكتروني إلى الحديث الليلي الساهر، إلى ساعات متأخرة، وبشكل شبه يومي.
لينتقل إلى اللقطة الثامنة: يستمر هذا الشوق الذي يؤججه الصوت لينتقل إلى اللقاء، فإذا كان اللقاء كانت نهاية المسلسل المأسوي، وهنا يبدأ العاشقان في اختيار الزمان والمكان، ليتم ما لا تتم به القصة، وما نسميه بداية للنهاية، أو خرابا لمالطا، سمه ما شئت، ولتحقق صورة نزار التي عبث، فأخذ يبثها في أذهان الشباب.
الحب ليس روايةً شرقيةً *** بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ *** وشعورنا ان الوصول محال
هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ *** وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤالُ
هو جدول الأحزان في أعماقنا *** تنمو كروم حوله وغلالُ
هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معاً *** فنموت نحن وتزهر الآمال
هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ *** هو يأسنا هو شكنا القتالُ
هو هذه الكف التي تغتالنا *** ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ