بنت الرمال
18-03-2007, 09:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخوخة ألم!
اليكن هذا المنقول
ابتسام عبد العزيز
أقبل يتهادى في مشيته تهادي الذل بعد العز.. والضعف بعد القوة.. والألم بعد الأمل.. والسقم بعد الصحة... شيخ
قارب الثمانين من عمره... ذو لحية كثيفة بيضاء يمشي على ثلاث.. ينظر يمنة ويسرة.. يتجول في أرجاء مزرعته
الخالية من البشر... يجول ببصره هنا وهناك كمن يبحث عن شيء قد فقده.. أنَّ أنَّةً يغلب فيها أنة الناقة عند فقد
وليدها... جلس على مرتفع كالمجلس بل هو مجلس الأمس.."إيه" أطلقها بمرارة: أحقاً لعبت بي الشيخوخة هكذا!! يا
الله... هذا المجلس كم ضم من الأولاد والأحفاد.. الكل كانوا مجتمعين.. يلعبون أو يتسامرون ثم يتحلقون حول مائدةٍ
يأكلون.. ما أسعدها تلك الليالي التي كنت أنادي فيها ابنتي فأجدها عن يميني وأنادي ولدي فأجده عن يساري...
مسح دموعاً تندت بها لحيته.. حرّك عصاه قليلاً ينكت في الأرض وكأنه يهرب من نظرات شخص أمامه حتى تختفي
دموعه، لكن تأبى الدموع إلا الخروج! فقد ظهرت لعبة من بين التراب لتفتت كبده حزناً وأسى لأنها لحفيده الغالي
عبدالعزيز.. نفض عنها التراب وغبار السنين ثم ضمها إلى صدره وكأنه يضم عبدالعزيز... يا الله... كم هي مؤلمة الحياة
بعد الشباب والقوة... ما أقسى الشيخوخة لا ترحم!!
"إيه" الكل رحل... الابن مع زوجته والبنت مع زوجها والزوجة إلى قبرها... يا له من عذاب... صوت الماكينة ينطلق مدوياً
كعادته... ذكره بأحبابه... بجلسةً يتمنى أن تعود...
نعم تذكر عندما كان يعلو صوتها ويعلو صوت ذريته أعلى منها بضحكاتهم ومزاحهم وصراخهم... تذكر حينما كان لا
يسمع صوت المتحدث بسبب صراخهم... كم كان ينهرهم، يخاصمهم... لكن أظنه الآن يقول عودوا ولن أنبسّ ببنت
كلمة... فقط عودوا... أملؤوا المكان صراخاً سئمت الهدوء... قلبي يتأجج من الحزن... يتقطع... أين تلك الولائم التي
كانت تقام ويحضرها الجميع... فلان مجتمع هو وذريته في مزرعته إنهم سعيدون.. إنه رجل محظوظ وشهم.. كل هذا
يتذكره.. نعم إنه كلام الناس عنه... يتسابق إليه الصبية ليقبلوه فيفرح كثيراً لكن يتشرط! من هنا يكون تقبيل اليد ومن
هنا الرأس ومن هنا تقبيل الأنف.. وهكذا... لكن من سيقبلهن اليوم؟! الكل غاب ولسان حاله يقول: الآن قبلوني من
حيث شئتم المهم أن أحسس بحبكم... لن أنهركم فقد ضعفت وخارت قواي... كان يتمنى الهدوء يوماً واحداً حتى ينجز
أشغاله وما علم أنه الهدوء سيكون هدوءه في يوم من الأيام... يعود لبيته فتعود دمعة الأحزان... يخرج لصلاة العصر
فيستقبله أبناء الجيران عند المسجد فيقبلهم ويقول: ابلغوا سلامي لأبيكم وهو يمسح دموعه من على ملابسهم،
لأنه تذكر أحفاده... فأين هم الآن؟!
شيخوخة ألم!
اليكن هذا المنقول
ابتسام عبد العزيز
أقبل يتهادى في مشيته تهادي الذل بعد العز.. والضعف بعد القوة.. والألم بعد الأمل.. والسقم بعد الصحة... شيخ
قارب الثمانين من عمره... ذو لحية كثيفة بيضاء يمشي على ثلاث.. ينظر يمنة ويسرة.. يتجول في أرجاء مزرعته
الخالية من البشر... يجول ببصره هنا وهناك كمن يبحث عن شيء قد فقده.. أنَّ أنَّةً يغلب فيها أنة الناقة عند فقد
وليدها... جلس على مرتفع كالمجلس بل هو مجلس الأمس.."إيه" أطلقها بمرارة: أحقاً لعبت بي الشيخوخة هكذا!! يا
الله... هذا المجلس كم ضم من الأولاد والأحفاد.. الكل كانوا مجتمعين.. يلعبون أو يتسامرون ثم يتحلقون حول مائدةٍ
يأكلون.. ما أسعدها تلك الليالي التي كنت أنادي فيها ابنتي فأجدها عن يميني وأنادي ولدي فأجده عن يساري...
مسح دموعاً تندت بها لحيته.. حرّك عصاه قليلاً ينكت في الأرض وكأنه يهرب من نظرات شخص أمامه حتى تختفي
دموعه، لكن تأبى الدموع إلا الخروج! فقد ظهرت لعبة من بين التراب لتفتت كبده حزناً وأسى لأنها لحفيده الغالي
عبدالعزيز.. نفض عنها التراب وغبار السنين ثم ضمها إلى صدره وكأنه يضم عبدالعزيز... يا الله... كم هي مؤلمة الحياة
بعد الشباب والقوة... ما أقسى الشيخوخة لا ترحم!!
"إيه" الكل رحل... الابن مع زوجته والبنت مع زوجها والزوجة إلى قبرها... يا له من عذاب... صوت الماكينة ينطلق مدوياً
كعادته... ذكره بأحبابه... بجلسةً يتمنى أن تعود...
نعم تذكر عندما كان يعلو صوتها ويعلو صوت ذريته أعلى منها بضحكاتهم ومزاحهم وصراخهم... تذكر حينما كان لا
يسمع صوت المتحدث بسبب صراخهم... كم كان ينهرهم، يخاصمهم... لكن أظنه الآن يقول عودوا ولن أنبسّ ببنت
كلمة... فقط عودوا... أملؤوا المكان صراخاً سئمت الهدوء... قلبي يتأجج من الحزن... يتقطع... أين تلك الولائم التي
كانت تقام ويحضرها الجميع... فلان مجتمع هو وذريته في مزرعته إنهم سعيدون.. إنه رجل محظوظ وشهم.. كل هذا
يتذكره.. نعم إنه كلام الناس عنه... يتسابق إليه الصبية ليقبلوه فيفرح كثيراً لكن يتشرط! من هنا يكون تقبيل اليد ومن
هنا الرأس ومن هنا تقبيل الأنف.. وهكذا... لكن من سيقبلهن اليوم؟! الكل غاب ولسان حاله يقول: الآن قبلوني من
حيث شئتم المهم أن أحسس بحبكم... لن أنهركم فقد ضعفت وخارت قواي... كان يتمنى الهدوء يوماً واحداً حتى ينجز
أشغاله وما علم أنه الهدوء سيكون هدوءه في يوم من الأيام... يعود لبيته فتعود دمعة الأحزان... يخرج لصلاة العصر
فيستقبله أبناء الجيران عند المسجد فيقبلهم ويقول: ابلغوا سلامي لأبيكم وهو يمسح دموعه من على ملابسهم،
لأنه تذكر أحفاده... فأين هم الآن؟!