قُم للمعلم وفِّه التبجيلا
قُم للمعلم وفِّه التبجيلا
رزق عبد المنعمنشر في الوطن يوم 22 - 10 - 2014
للمعلم مكانة عظيمة فى المجتمع؛ لأنه الأساس فى تربية النشء؛ حيث إن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء، كما نعلم، لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً بل ورثوا العلم، فهم عماد النهضة، بعلمهم وأخلاقهم وسلوكهم، وكثيراً ما يتركون بصماتهم الواضحة فى شخصيات تلاميذهم، والكثير منا يذكر المدرس الفلانى الذى كان سبباً فى تفوقه فى تخصصه والوصول إلى ما هو عليه الآن، والآخر الذى كان معول هدم فى شخصيته ومستقبله، بل إنه كان سبباً فى ضياعه. فلو علم المدرس خطورة الدور الذى يقوم به فى المجتمع، لكان حريصاً على عمله وتلاميذه، ويذكر التاريخ أن الخلفاء والملوك والسلاطين كانوا يقومون برعاية المعلم والعناية به والالتفات إلى مطالبه، كما يذكر أن هارون الرشيد قد اتخذ «الكسائىَّ»، إمام النحاة فى الكوفة، مربياً ومعلماً لابنيه «الأمين» و«المأمون»، وحينما جلس «الكسائى» ذات مرة فى حضرة هارون الرشيد، سأله «الرشيد»: مَن أفضل الناس؟ فقال «الكسائى»: «أوَغيرك يستحق الفضل يا أمير المؤمنين؟». فقال الخليفة: «نعم، إن أفضل الناس من يتسابق الأميران إلى إلباسه خُفيه»، وكان «الأمين» و«المأمون» يقدّران «الكسائى» ويتسابقان على إلباسه نعله، عندما كان يريد الخروج من عندهما. ترى كيف تحول هذا التقدير وهذا العرفان بالجميل إلى هذا الجحود والنكران عند بعض أبنائنا بل عند بعض أولياء الأمور؟ هل لأن المعلم نفسه تغير وأصبح يجرى وراء لقمة العيش، بأن يذل نفسه ويضعها تحت سيف الدروس الخصوصية التى تجعله يستمرئ الإهانة، أم أن الأجيال تغيرت وتجرأت فأهانته وصار ذلك شيئاً عادياً، فى ظل عدم حمايته من قِبل الدولة وتجاهله ودفعه إلى ما هو عليه الآن؟
خطرت ببالى ذكريات «الابتدائى» و«ضمير» المدرس و«إخلاصه»، وكيف كان أبناء هذا الجيل من المدرسين يتفانون فى عملهم إلى أبعد حدود، وما يتمتعون به من «خفة ظل» كما يصدق فى هؤلاء المعلمين قول الشاعر: «قُم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا».
منقول