توقف هطول المطر و لا زال لدي أمل بتساقط المزيد منه ....
فتحت قبضة يدي التي أمسكت بداخلها قطرة من قطرات المطر إحتفظت بها
لكي أتأملها فإذا هي قد تبخرت و جفت بفعل الحرارة و لم يبق لها أثر ...
أدهشني هذا الأمر كثيرا و توقفت عن مواصلة سيري إلى منزلي الذي كنت
أقصده ...
و جلست على جذع شجرة متوسطة الحجم سقطت بفعل الرياح التي هبت قبل
نزول الأمطار فساقاي لم تعد تقوى على الوقوف والمشي فالمشوار طويل
و لا بد من الراحة قليلا ...
رائحة التربة بعد المطرتملأ الجو بعبيرها الخاص المميز فتنعشني و تجدد
في داخلي النشاط و الحيوية ...
تفحصت المكان من حولي فاستنكرته و تعجبت هل حقا ما أراه أمامي ؟
أم أن خيالي و إرهاقي الشديدين سيطرا على مركز التفكير في عقلي
و أجبراني على تخيل أشياء غريبة لم تحدث ...
فقد أصبحت ملامح الطريق واضحة أمامي كوضوح الشمس ..
تلمست المكان من حولي فتأكدت من أنه حقيقة و واقعا لا خيالا ...
لقد كان الطريق الذي أسير عليه غامضا
كغموض الأحوال الجوية في الوقت الحالي ،
و غير واضح الرؤية و الملامح ...
مما زادني حيرة في معرفة الطريق الذي يؤدي إلى الوصول إلى منزلي بأمن
و سلام دون ضياع أو دخول في متاهات لا تحمد عقباها ،
لأنه كان مليئا بالأتربة و أوراق الشجر و أغصانها المتساقطة هناك و هناك
حمدت الله كثيرا سرا و جهرا فذهني كان منشغلا بكيفية تجاوز تلك الأزمة ،
أوقف دوران التناقضات و التساؤلات المتلاحقة في عقلي
كدوران عقارب الساعة بصوتها الكئيب و الممل ،
ميلان قرص الشمس الذهبي إلى الغروب
فقمت فزعة من مكاني
حتى لا يداهمني الظلام فلا أجد من يؤنس و حدتي في هذا المكان
فتمزقني السباع بأنيابها المخيفة حينئذ مهما صرخت بكل قوتي فصدى صوتي
لن يثير انتباه آذان من كان في سبات عميق سكران ...
و لن يلفت اهتمام إنسان يقظان العين لاهي العقل سرحان ...
تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لمشاهدة الصورة كاملة. الصورة الأصلية بأبعاد 800 * 600 و حجم 103KB.
حثيت الخطى بسرعة عجيبة ....
سبحان الله قبل قليل كنت منهكة القوى و الآن لا أشعر إلا بالنشاط فالخوف
أنساني معاناتي و ألمي ...
ابتسمت ابتسامة و اسعة حتى بدت نواجذي لشدة فرحتي بالوصول
لم أفكر بتناول الطعام مع شدة الجوع الذي أعانيه و قررت حرمان معدتي من
الأكل و لو القليل فهي ليست الوحيدة في هذا العالم التي تشتكي من ذلك فهناك
الملايين الذين يتضورون جوعا و عطشا و لا يجدون ما يسدون به رمقهم
فقررت أن أعاقب نفسي و لا أدللها بتلبية طلبها في كل ما تشتهيه ،
ارتميت على سريري لأخذ قسطا من الراحة فغدا يوم شاق بالنسبة إلي
بعد يوم مليء بالأعمال المجهدة ...
حينها بدأ النعاس يداعب جفوني فخطرت في بالي خواطر و تساؤلات
متتابعة لتنغص علي نومي :
- لماذا لا يغسل البشر قلوبهم كل يوم كما يسعون جاهدين لغسل أبدانهم
ليظهروا أمام الآخرين بأبهى حلة و أجمل منظر ؟
- أليست طهارتنا و صفائنا الداخلي أساس مهم لإكتمال و تحسين جمالنا
الخارجي ؟
- حبات المطر بحجمها الصغير أزالت الأتربة و الغبار من الأماكن التي
هطلت عليها و أبدلتها بعد قدرة الله تعالى خضراء نضرة تسر الناظرين ،
لنتأمل ذلك و نطبقه على أنفسنا فتطبيقه أمر يسير ؟
- لنغسل قلوبنا من كل ما يدنسها و نبدلها بلآليء الإيمان و نور القرآن و
ضياء السنة و جواهر الأخلاق الحسنة ...
لقد طفح الكيل من تساؤلاتي التي لا تمل و لا تكل ...
أمسكت أعصابي لئلا تنفجر و قلت في نفسي :
لعل التساؤل القادم يكون الأخير لأخلد إلى النوم بكل بهدوء و طمأنينة !
فكان التساؤل الأخير عكس ما توقعت تماما :
- هل ستهطل علينا الأمطار يوما ما لتمحي آثار دماء المسلمين الطاهرة
البريئة من جريانها الدائم على الأرض إلى الأبد ،
و تبدلها بأزهار ملونة بألوان الطيف تفوح منها عبير ينعش الأبدان متناثرة
على عشب أخضر ناعم ؟
فسقطت من عيني دمعة حارة
_ حزنا و حياء لموقفي السابق و أنانيتي و تفكيري بنفسي دون الآخرين _
فاستقبلتها راحة يدي بكل حسرة و ألم فأغلقت يدي و شددت قبضتي على
الدمعة التي بداخلها لعلها تجف و تتبخر كما حصل لقطرة المطر قبلها
( لكن الفرق بينها و بين قطرة المطر أنني تمنيت لقطرة المطر أن تزيد
و لقطرة الحزن أن تندثر )
وأغمضت عيني و نمت و أنا لا أزال قابضة على يدي بكل ما أوتيت من قوة
على أمل أن أستيقظ و قد اختفت تلك الدمعة الحزينة .
ومضة :
لن تتمتع بطعم المذاق الحلو حتى تجرب طعم المذاق المر ،
لا يمكنك أن تجلب العسل دون أن تشعر بألم لسعة النحل .
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووول
مواقع النشر