البداية والعقدة والجسد والنهاية في القصة القصيرة جدا بالمغرب :
قصص جمال الدين الخضيري نموذجا
للدكتور / جميل حمداوي
أنـــواع البدايــات في القصــة القصيــرة جــدا:
تستعمل القصة القصيرة جدا كما هي عند الكاتب المغربي جمال الدين الخضيري مجموعة من أشكال البدايات، حيث يقوم الكاتب بتنويع بداياته الاستهلالية، وتغيير وضعياته الاستفتاحية من قصة إلى أخرى.
وقد تشترك القصة القصيرة جدا في هذه البدايات بشكل من الأشكال مع القصة القصيرة والرواية، مادامت الصياغة السردية في الاستفتاح متشابهة إلى حد كبير بين هذه الأجناس الأدبية الثلاثة.
ويمكن الحديث عن مجموعة من البدايات التي تستند إليها قصص جمال الدين الخضيري،
ويمكن حصرها في الأنواع التالية:
1/ البدايـــة الفضائيــة:
يشغل جمال الدين الخضيري في مجموعة من قصصه القصيرة جدا ما يسمى بالبداية الفضائية أو الظرفية، والتي تتحدد في الزمان والمكان على حد سواء، وتتضح البداية الفضائية الزمانية
في قصته:” فليعش المجنون” التي استهلها الكاتب بمؤشر زماني: ” في عز شمس الظهيرة”.
وقد تكون هذه البداية الظرفية مكانية كما في قصة:”التنين الفاغر فاه”: “في المطعم الشرقي،
ويعني كل هذا أن البداية الظرفية هي التي ترتكز على الزمان والمكان، وذلك باعتبارهما خلفية إطارية محددة للشخوص والأحداث الواردة في القصة القصيرة جدا.
2/ البدايـــة السرديــــة:
من الطبيعي أن تكون بدايات كثير من القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري سردية، مادامت هذه القصص تتكئ على عمليتي التحبيك والتخطيب على المستوى السردي،
كما يتجلى ذلك بوضوح في قصة:”حب على شاكلة البعير”:” زارتني أختي كعادتها في غرفتي نهاية هذا الأسبوع .
ويتضح، مما سبق، بأن البداية السردية هي التي ترتكز على إيراد الأحداث تمهيدا وتعقيدا وانفراجا.
3/ البدايـــة الوصفيــة:
تستهل بعض القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري ببداية وصفية ، وذلك من أجل وصف الشخصية أوالأمكنة أو الأشياء أو الوسائل
كما في قصة:” الحاصد”:” طويل القامة. بارز العروق. منحن على منجله طول يومه. خلّف وراءه أكواما من الحصاد. تراءت له أفعى رقطاء تتجه نحوه. استمر في انحنائه ولم يبال بها قط. وما أن غرست أنيابها في ساقه نافثة سمها حتى سقطت ميتة. أخذها وربط بها قبضة من السنابل.”
ويلاحظ أن الكاتب قد أسبغ على شخصية الحاصد مجموعة من الأوصاف الخارجية التي تبين قوته وشجاعته ورباطة جأشه.
4/ البدايـــة الشخوصيــة:
ترتكز بعض القصص القصيرة جدا على الشخوص المحورية تبئيرا ورصدا وتركيزا
كما في قصة” الرجل المنجل”: ” يسمى الرجل المنجل لكثرة تأبطه له.
رأيناه مرة يجري تجاه امرأته، يصيح كالملدوغ، ويصرخ في وجهها:
- ناولوني المنجل، أين المنجل أيتها…؟
حاول أن يتجرد من سرواله التقليدي المشدود بعناية حول خصره بحبال وأحزمة عديدة فلم يفلح.
وهكذا، فالبداية الشخوصية هي التي تدور حول شخصية رئيسية أو محورية تلتف حولها الأحداث تشبيكا وتعقيدا وتمطيطا وتخطيبا .
6/ البدايــــة الحلميــــة:
نعني بالبداية الحلمية تلك البداية التي تستهل بملفوظ حلمي يحول الحقيقة إلى تخييل أو فانطاستيك
كما في قصة “مجرد حلم”: “رأيت فيما يرى النائم أني تحولت عملاقا ضخم الجثة مفتول العضلات مهاب الجانب. فعزمت أن أجهز على أعدائي الذين استضعفوني وجرعوني العلاقم.
ويعني هذا أن البداية الحلمية هي تلك البداية التي يحضر فيها الحلم بشكل بارز و لافت للانتباه، لتصبح فيما بعد إطارا فنيا وجماليا للأحداث والشخوص والأفضية السردية.
7/ البدايـــة الساخـــرة:
تتسم بدايات بعض القصص القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري بخاصية السخرية والفكاهة والتهكم والتندر
كما في قصة”الأصلع”: “أستاذنا أقرع، أصلع، بإمكان المرء أن يمشي على رأسه حافيا دون أن يتأذى.
ويعني هذا أن البداية الساخرة هي تلك البداية التي تثير المتلقي ذهنيا ووجدانيا وحركيا ، وذلك عن طريق خلق لغة الابتسامة والطرافة والضحك، وغالبا ما تنبني تلك اللغة المثيرة على التهجين والباروديا والمحاكاة الساخرة.
8/ البدايــــة التأمليـــة:
هناك قصص قصيرة جدا ذات طابع تأملي في الذات والموضوع
كما في قصة:”قارئة الفنجان”: ” تمعنتْ في قعر الفنجان وحدقتْ في قسماته جيدا حتى استقرت نظراتها على شفتيه
إذاًً، فالبداية التأملية هي تلك البداية التي تستند إلى التدبر العقلاني، والتفكير الملي، والنظر إلى الذات والأشياء نظرة عميقة تأملية قوامها: العقل والمنطق والحدس.
9/ البدايـــة التراثيـــة:
يعتمد جمال الدين الخضيري في كتابة قصصه القصيرة جدا على البداية التراثية ، حيث يكثر من العبارات المسكوكة ، وذلك إن تجريبا وإن تأصيلا . ويعني هذا أن تلك البدايات تسير على منوال البدايات الموجودة في كتب التراث أسلبة وصياغة وكتابة وتناصا .
كما في قصة:”معاذير آفلة”:”أخبرنا في مجلس سمر أحد شيوخنا ممن لا نردُّ خبره، قال:
” قصدتُ مستشفى المدينة بغية إجراء عملية أسفل بطني.
وهكذا، يتبين لنا بأن هذه القصة تراثية المنزع سواء على مستوى السرد والحكي أم على مستوى الصياغة والتعبير والأسلبة أم على صعيد المعجم والمفردات.
10 / البدايـــة الشاعريـــة:
يلاحظ أن جمال الدين الخضيري قد وظف البداية الشاعرية أو ما يسمى بالمحكي الشاعري الذي تختلط فيه الحكاية السردية بالصياغة الشعرية
كما في قصة” نكاية بحكاية ما”:
” مغرمٌ بحكاية “دارة جلجل”.
مغرمٌ بالجارة بلبل.
تفنّنَ في حيّاكة الحكاية لها.
تواعدا على اللقاء عند شطّ حارة الفلفل.
هناك ألفى البلابل بعدد النمل والرمل.
طوّقنه، جرّدنه…، قبع وتقوقع متدثرا باليم.
لا نأمة في البحر، لا ناقة للنحر.
بكى… نكى بالحكاية التي كانت ذات قروح وجروح.
ويعني هذا أن البداية الشاعرية هي التي يمتزج فيها أجواء الشعر مع أجواء النثر والسرد والحكي، فتتقاطع المشابهة (التشبيه والاستعارة) مع المجاورة (الكناية والمجاز المرسل).
مواقع النشر