اجتمع قلمين أحدهما من ذهب و آخر من نحاس في قاعة فكان بينهما هذا الحوار القصير

قال الأول للثاني: كيف تجرؤ على مضايقتي، و أنت و حالك الدنيئ لا تساوي شيئا؟؟؟ ما أنت إلا قلم ضعيف يباع على الأرض، أما أنا فقد وضعوني في فترينه من زجاج حتى لا يمسني أمثالك لغلاء شأنـــي..

أجاب قلم النحاس في تواضع و قال: لا أنكر أنك من ذهب، تباع بأغلى الأثمان، بريقك مكانه الواجهات و أكبر المحلات، لا يشتريك إلا الأثرياء.. لكن اعلم يا صديقي أن الأثرياء لا يقرؤون و لا يكتبون.. أتدري لماذا؟؟

أجاب قلم الذهب: كيف لا يقرؤون و لا يكتبون و هم أثرياء؟؟؟

قال قلم النحاس: نعم يا صديقي.. إنهم لا يقرؤون و لا يكتبون ، إنهم يحملونك سوى للتباهي، و لملئ الشيكات في البنوك، لأن المادة تجرهم أينما كانوا و حيث ما وجدوا، أنت بالنسبة لهم مجرد رمز للتباهي، ليوهموا الناس أنهم مثقفون و أصحاب معرفة..

أما أنا قلم النحاس الرخيص الثمن كل الناس تقبل علي، كلهم يشترونني، يحبونني و يهتفون بي، الكبير و الصغير ، أتدري لماذا؟؟
لأنهم بسطاء متواضعون و البساطة شيمتهم، ففي البساطة تنشر المحبة، و الفكرة الطيبة، كما تنشر الشمس دفئها على البشرية جمعاء دون تمييز أو تعجرف، اعلم يا صديقي أننا دعاة محبة و سلام و إنسانية، أما أنتم فقد تعودتم على الغطرسة و التعجرف، و تجردتم من الإنسانية، أما نحن فقد آلامنا الواقع المرير، و علمنا أن حب الكلمة هي قمة العطاء الإنساني، الكلمة الحقيقية، الصادقة الهادفة..لا ننتصر لأحد.. لا نصوت لأحد.. نسجل و نقول: « هذا من صنع الفكر الإنساني.. » فالفكرة الطيبة لا تخرج إلا في المناخ الطيب،و في التربة الطيبة، علمنا الواقع التضحية الغير مشروطة، و الإبتسامة البريئة، لأن هذه كلها من صفات المحبة والصدق الإنساني، و سكت قلم الذهب عن الكلام و لم ينطق بكلمة.

ما نستخلصه من هذا الحوار هو أن قلم النحاس هو ذلك الذي يخط الكلمة الحرة الصادقة البعيدة عن كل غش أوخيانة، هو ذلك القلم الذي تمرد على الظلم و التعسف ، من أجل مبدأ أو موقف ، أو من أجل فكرة نظيفة يضعها كاتبها في إطارها الإنساني ..

أما قلم الذهب فقد باع نفسه لرجال المال و السياسة، ليحصل على رضاهم، أصبح يرقص الرقصة التي يريدونها.. في كلمات منمقة و أساليب ملتوية بعيدة عن الواقع الإجتماعي.

القلم الذهبي هو مجرد برواز مثله مثل لوحة ، اليوم في حائط و غدا في حائط آخر يحركونها حسب أهوائهم،

و هنا أتساءل أين تكون قيمة القلم سواء كان ذهبا أو نحاسا..؟؟؟

هل في رونقه أم في وظيفته، و في جوهره الإنساني النبيل؟؟

و من هذه الفوارق نعرف أن قيمة القلم تكون في أنامل أو أصابع صاحبه .. في أخلاقه.. في صدقه و استقامته.. في كرامته و شرفه، تلك الأنامل التي استعاضت بالجوهر عن المظهر، هي من صنع قلم النحاس في تغييره للإنسان..

إن حامل القلم الحر فيلسوف .. حين يكتب لا يغتاب ، لا يحمل في قلبه عداوة لأحد .. لا يغش.. لا يحقد... لا يستعمل الفتنة كسلاح لإثارة شخص على شخص، أو شعب على شعب..

قلم النحاس هو صانع حضارة و الحضارة تكون في قلب هذا القلم، و لن تقوم حضارة بدون هذا القلم

و هكذا علينا أن نقرر اي من القلمين نختار .. و الفرق بينهما واسع.