الجزء الثاني
وتمضي الآيات في الحديث عن قصة سيدنا آدم حتى نصل إلى الآية 38 (قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم
مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ (38).وهنا نتذكر أنّ الهدى الذي سيأتي من عند الله
تعالى قد ذكر
في أول السورة على أنه القرآن (ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ
رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لّلْمُتَّقِينَ)، ونحن ندعو الله في الفاتحة أن نسير على هذا الهدى
(ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ) فهل بدأت أخي المسلم تستشعر معي حلاوة
القرآن وترابط آياته.
تجربة بني إسرائيل



تبدأ تجربة بني إسرائيل بالآية 40 من سورة البقرة لتبيان فشلهم في امتحان
مسؤوليتهم عن الأرض.

باب المهمة: تذكر
النعم.



وأول آية في هذا السياق تقول: (يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ
ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ
بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ).فأول آية
يخاطب الله بها بني إسرائيل (ٱذْكُرُواْ
نِعْمَتِيَ) وأول كلمة خاطبنا الله إياها في منهجنا (ٱلْحَمْدُ لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ). وكأنَّ
بداية مسؤولية واستخلاف كل أمة تكون بتذكّر نعم الله تعالى.

نماذج نعم الله تعالى على بني إسرائيل


وبعد هذه الآية يبدأ الله تبارك وتعالى بتعداد نماذج من هذه النعم فيقول
لهم في الآية 50: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ
فَأَنجَيْنَـٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)
ويقول لهم في الآية 52 (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مّن
بَعْدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ويقول أيضاً في الآية 57 (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ
ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَمَا
ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

آيات متتالية تتحدث عن النعم ثم تنتقل للحديث عن أخطاء الأمة السابقة، وكل
هذا الكلام لكي ننتبه ونتجنب الوقوع في أخطائهم.

أخطاء الأمة السابقة


وتبدأ الآيات التي تصف أخطاء بني إسرائيل (وَإِذْ
قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱلله جَهْرَةً (55)لأنهم
أمة مادية للغاية وكأنَّ الخطأ الجسيم الذي قد تقع به أي أمة ويكون سبباً
في استبدالها هو طغيان المادية فيهاً، ومعنى المادية أنهم لا يؤمنون إلا
إذا رأوا أمراً ملموساً. وهنا نتذكر أول صفة للمتقين في بداية السورة (ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ (2).

وتمضي الآيات الكثيرة في الحديث عن بني إسرائيل والموبقات التي ارتكبوها
كقتل الأنبياء بغير الحق، وعصيانهم وكفرهم بآيات الله، واعتداء أصحاب السبت
وتحايلهم على آيات الله، إلى أن تصل بنا الآيات إلى القصة المحورية: قصة
البقرة.

لماذا سميت السورة
بالبقرة؟


قد يتساءل البعض لماذا سميت هذه السورة بسورة البقرة؟
قد يجيب البعض بأنها سميت كذلك لأنّ قصة البقرة جاءت في هذه السورة، مع
العلم بأنَّ هذه السورة قد جاء بها قصص كثيرة فلماذا سميت السورة باسم هذه
القصة دون غيرها؟

إنّ قصة البقرة قد جسّدت الأخطاء الأساسية الكبرى لبني إسرائيل، فسميت
السورة باسمها لكي يتذكر المسلم المسؤول عن الأرض هذه الأخطاء ويتجنبهافتجد
فى القصه ما يلى .....

الجدل مفتاح الشرور


وهذه الأخطاء التي ارتكبها بنو إسرائيل تظهر من أول الآية
السابعة والستين (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ
لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱلله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ
أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱلله أَنْ أَكُونَ مِنَ
ٱلْجَـٰهِلِينَ  قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ
عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ  قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا
بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ  قَالُواْ
ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ
عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء ٱلله لَمُهْتَدُونَ  قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلاْرْضَ وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ
مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلئَـٰنَ جِئْتَ بِٱلْحَقّ
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (67-71)..


[size=21]إخيتارها
لحكمة


في الختام تأتي آية رائعة بتلخيصها حياة سيدنا يعقوب (وإسرائيل) في أسطر (أَمْ
كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ
آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133).فهنا حرص
سيدنا يعقوب على نقل أمانة الاستخلاف من آبائه إبراهيم واسحق إلى ابنائه
وذريته بني إسرائيل.





وقصة البقرة أنّ

رجلاً من بني اسرائيل قتل ولم يعرف من قتله، فاختلف فيه فأوحى الله إليهم

أن اذبحوا بقرة وأن يأخذوا قطعة منها ثم يضربوا بها الميت فيحييه فيقول من
الذي قتله ولقد طلب الله تعالى منهم ذلك لأنهم ماديون للغاية وليريهم بأنه
تعالى قادر على كل شيء وأن الأمور ليست كما تعوّدوا عليه دائماً فيحيي
الميت بالميت فينطق.
وبما أنهم لم يفهموا الحكمة وبما أنهم
ماديون جداً فقد رفضوا تطبيق الأمر، وقصة البقرة تجسّد أخطاء بني إسرائيل،
من المادية إلى الجدل وعدم طاعة أنبيائهم إلى عدم طاعة الله تعالى
والإلتواء على منهجه وحتى حين نفّذوا ما أمرهم الله به نفّذوا ذلك مكرهين
مجبرين (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ).




وكأنّ قصة البقرة

تنبّه من المادية الشديدة وكأنها تنبّه من الجدل في دين الله تعالى، تنبّه

من المراوغة والتحايل على شرع الله تعالى، أو أن تنفّذ شرع الله تعالى وأنت
كاره لذلك فسمّيت سورة البقرة لخطورة هذه الأفعال.






وتمضي الآيات إلى أن نصل إلى الآية التي يذكر فيها لأول مرة (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ).


وهذا يتجلى في قوله تعالى (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ
(104).
لقد كان اليهود يخاطبون النبي صلى اله
عليه وسلم بقولهم (راعنا) ومعنى راعنا أي راعي أمورنا ولكنهم كانوا يقصدون
بها معنىً سيئاً بلغتهم (إسمع لا سمعت) أو تعني شيئاً من الرعونة. ومن لا
يفهم لغتهم ولا يعرف ما يقصدون يظن بأنهم يقولون للنبي راعي أمورنا. فالله
جل وعلا يقول للصحابة لا تقولوا راعنا ولكن قولوا انظرنا والكلمتان تحملان
المعنى نفسه ولكن ذلك تغيير في المصطلح..
وكأن المعنى: ......تميّيزوا حتى في مصطلحاتكم. فالله تعالى يريد
أن يفهمنا بأن الأمة السابقة قد وقعت بأخطاء شديدة فلا تتّبعوها أو
تقلّدوها، وتميّزوا عنها حتى في مصطلحاتكم وهنا علاقة مع سورة الفاتحة حين
يطلب المؤمن أن لا يكون مثل بني إسرائيل (غَيْرِ
ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ) وتأملوا شباب اليوم كيف
تقلّد الأمم الأخرى وكيف تقلّد الغرب في أتفه الأشياء بينما الله تعالى
يعلّمنا أن نتميّز حتى في مصطلحاتنا.
وبعد ذلك تعددت الايات التي تحذّر من
التبعية، لأنها تبدأ بالأشياء الثانوية ولن تنتهي الا بالكفر والعياذ
بالله: (وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن
بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا(109)



التجربة الناجحة:إبراهيم عليه السلام


ونصل إلى الربع

الأخير من الجزء الأول والذي يتحدث عن تجربة

إبراهيم وهي تجربة ناجحة جاءت في نهاية
الجزء للتحفيز على النجاح
في امتحان الاستخلاف: (وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ
إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
(124). ولاحظ أن سيدنا إبراهيم
لم ينجح في الامتحان نجاحا عاديا بل
(أَتَمَّهُنَّ) أي قام بهنّ خير قيام فلما أتمّ هذه الابتلاءات (الرمي في
النار، الهجرات وترك الولد في الصحراء، ذبح الولد..). أخبره الله انه
سيجعله للناس إماماً (الاستخلاف) لأنه قد اطاع الله تعالى فقال إبراهيم
عليه السلام (قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي
ٱلظَّـٰلِمِينَ (124)
فقوله لا ينال عهدي الظالمين درس هام لنا
بأن الله تعالى لا يحابي أحداً حتى أمة محمد والاستخلاف مقرون بالطاعة لا
بالنسب وبهذا المعنى يدعو سيدنا إبراهيم أن يستخلف واحداً من ذريته
(رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً(129).
ومن المفيد هنا ملاحظة بدايات القصص
الثلاث: فكلها بدأت بآيات تبيّن مجال الاستخلاف وكلها اشتملت على اختبارات
في طاعة الله تعالى:


قصة

آدم: أول آية في القصة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ

إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلارْضِ خَلِيفَةً (30) (اختبار آدم في مسألة عدم الأكل
من الشجرة).


قصة

بني اسرائيل : أول آية في القصة: (يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ

نِعْمَتِى ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
ٱلْعَـٰلَمِينَ (47) (الاختبار في تنفيذ أوامر الله المختلفة وشكر النعم).
قصة إبراهيم: أول آية في القصة وهي الآية 12
(إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا )(وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)



(تحدي الاب - تحدي القوم - الرمي في النار – الهجرة - ترك

الولد والزوجة في الصحراء - الذبح).


وقفات ولطائف



ونلاحظ

أيضاً في ختام الجزء الأول وبعد أن قصّ علينا القصص الثلاث تأتي الآية

(قُولُواْ ءامَنَّا بِٱلله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى
إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلاسْبَاطِ وَمَا
أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ
نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136).


فهذه الآية تفصيل

للذين أنعم الله عليهم المذكورين في سورة الفاتحة (ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ

ٱلْمُسْتَقِيمَ  صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).



من فضلك اقرأ هذا

الجزء بنفسية من يريد أن يكون مسؤولاً عن الأرض ليستخلفه الله، وأن يستفيد

من أخطاء غيره، وأن يحذر المادية والجدل والتحايل على شرع الله ويتحرى
طاعته.
يحدد الجزء الثاني من سورة البقرة الأوامر
والنواهي التي لا بد للأمة من الأخذ بها حتى تستخلف. وكل هذه الأوامر
والنواهي - كما سيتبين معنا - متعلقة بثلاثة أمور:











1.طاعة الله

2.تميّزالأمة


3.تقوىالله

إن من سيستخلف على



[center]الأرض لا بد له من منهج ليسير عليه، هذا المنهج هو الجزء الثاني من سورة
البقرة

يتبع منقول