بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصداقة معناها وموقف الإسلام منها
الخطبة الأولى
الحمد لله فارج الكربات مسبغ النعم والهبات – معلي الدرجات وغافر السيئات – أحمده سبحانه وأشكره وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد ان نبينا محمد عبده ورسوله أرشد الى الطاعات – وختم الله برسالته الرسالات عليه من ربه أفضل السلام والصلوات وعلى آله وصحبه ما هبت النسمات 0
أمـــا بعـد :-
أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واحرصوا على ما يقربكم منه جل وعلا من فعل المأمور واجتناب المحذور .
أيها الأخوة في الله – في أيامنا هذه وفي وقتنا الحاضر ومع تقارب الديار وسهولة الاتصال وزحمة الحياة كثرت الصداقة والصحبة بين الناس – وهذه الصداقة على نوعين – أحدهما مبني على علاقة العمل والمصالح وتبادل المنافع وهذا النوع وهو الأكثر في زمننا هذا لكنه قصير العمر ضعيف الأسس ينتهي ويزول غالبا بزوال المصلحة والمنفعة بين الاثنين.
أما النوع الثاني فهو الصداقة المبنية على الإخلاص والنية الحسنه والمحبة في الله وهي علاقة إخاء وعطف ومودة على أساس من الانتقاء والمفاضلة والمشاركة في الميول والمساواة والألفة والمخالطة والإخلاص .ولقد عظّم الله تعالى منته بإيقاع المحبة بين المؤمنين فقـــــال ( لو أنفقت مافي الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألّف بينهم)
وقال عز وجل ( إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداّ) ..
وللصداقة أثر عظيم في حياة الناس الاجتماعية لذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابة لتزيد ألفتهم ويقوى تضافرهم وتناصرهم.
أيها الأخوة / إن الصداقة الحق هي الصداقة القائمة على الخير والصدق لخلوّها من الغرض لأن الصداقة من الصدق والصديق سمي كذلك لصدقة ولابد أن تكون المصاحبة على خير (قال لهم موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا).
وقد جاء في الحديث (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقيّ) ولخطورة الصداقة وجب على المسلم أن يتريث في اختيار الصديق فلا يجوز مصاحبة شخص ميّال إلى الراحة متباطئ عن الحركة لأن ذلك خلق رديء وينبغي لحذر كذلك من مصاحبة الأحمق والملول وكثير الطمع وصاحب المعاصي ولا يقدم المرءعلى فضيلة الصداقة إلا إذا وجد تجانسا في الصفات بينه وبين الآخر بحيث يمكنها الإخاء والائتلاف – يقول الماوردي رحمه الله تعالى (فإذا عزم على اصطفاء إخوانه سبر أحوالهم قبل إخائهم وكشف عن أخلاقهم قبل اصطفائهم قالت الحكماء أعرف الرجل من فعله لا من كلامه وأعرف محبته من عينه لا من لسانه.
إن الصداقة في الإسلام ينبغي أن تكون مجرّدة عن الهوى والمنفعة الدنيوية فقد روى الشيخان عنه صلى الله عليه قال( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
إن أعظم ما تصادق عليه اثنان هو هذا الدين العظيم وشريعته السمحة فإن تارك هذا الدين عدو لنفسه فكيف يرجى منه مودة غيره ثم أن المرء يقيم بما لديه من صداقة مع لآخرين فينظر إليه من زاوية صداقته يقول عليه الصلاة والسلام ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) والصديق الصالح الوفي هو من أفضل نعم هذه الحياة يقول عدي بن زيد :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكــــل قريــــن بــالـــمـقارن يــقــتـدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع ألرديّ
ولما كان أيها الأخوة تأثير الصديق كبيرا فقد نهى الحديث الشريف عن مجالسة أصدقاء السوء لأن أخلاقهم تعدي وفي ذات الوقت يحث المسلم على مجالسة أصدقاء الخير والصلاح ( إن مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما تجد منه ريحا طيبه ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ) الشيخان.
وقد يفتخر بعض الناس بصداقة الأغنياء والوجهاء ولا مانع من ذلك ان كانوا أهل صلاح آما ان كانوا غير ذلك فالأولى الأعراض عنهم لأن صداقتهم غير مبنية على تقوى الله والله عز وجل يقول: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا) .. ويوصي بصداقة الفقراء المعوزين حينما يكونوا صادقين صالحين محبين لله ورسوله ( وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ..
إن الصديق الحقيقي أيها الأخوة / الذي يشارك صديقه في السراء والضراء يلقاه بوجه طلق بشوش وخلق رحب ويواسيه في حال الشدة بما ينبغي من جاه ومال – وليحذر من مماراته وجداله فإن ذلك يقتلع المودة من أصلها ويسبب الاختلاف .
كما ينبغي التغاضي عن العيوب والهفوات والتسامح عن صغارها لتدوم المحبة والصداقة وليحذر من كثرة العتاب .
بارك الله لي ولكم بهدي كتابه الكريم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الحليم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو التواب الرحيم 0
الخطبة الثانية
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه
أمــــا بعد :-
ان الصديق من أنفس الذخائر وأفضل العُدد فهو معاون عند سوء الحال ومؤانس عند حسنها ولهذا تعددت نصائح الحكماء والأدباء في توعية الناس بالحرص على الصديق الصالح ، يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – (لقاء الإخوان جلاء الأحزان ) ..
ويقول علي لأبنه الحسن ( يابنيّ : الغريب من ليس له حبيب )
وقد قال بعض الحكماء : ( رب صديق أود من شقيق ) ..
ويقول أحد الأدباء (الثعالبي) صاحب الطرائف والظرائف .
ما ضاع من كان له صاحب ***** يقدر أن يصلح من شأنه
فـــإنــما الـدنــيا بــسكانـــها ***** وإنــما الــمرء بــإخـوانه
أيها الأخوة في الله .. حينما تَصْدُقْ المودة ويطيب المقصد وتخلص النية في الصداقة والأخوة فالنتيجة هي رضا الله تعالى وجنته ..
جاء في الحديث الشريف ( أن رجلاً زار أخاً له في الله فأرسل الله على مدرجته ملكاً فسأله الى أين أنت ذاهب ؟ قال : لأزور أخي فلان قال له الملك : وهل لك من نعمة تربها إليه ؟ قال : لا ولكن أحببته في الله قال له الملك :
أعلم أن الله تعالى أحبك كما أحببت هذا الرجل فيه ) .. فأي فضل وأي عظمه وأي بشرى ينالها المؤمن آن يحبه الله تعالى 0
اللهم أرزقنا حبك وحبَ من يحبك وأجمعنا بحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم في دار كرامتك يا رب العالمين 0
(منقوووووووووووووووووووووووول)
مواقع النشر