أنين المطر...
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 13

الموضوع: أنين المطر...

  1. #1
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10

    مميز أنين المطر...

    هنا انطلقت أولى صرخاتى فى الحياة بين جدران هذا المنزل وهنا أيضاً نزلت أولى دمعاتى وانفجرت أولى ضحكاتى التى تعد على أصابع اليد الواحدة.
    كنت الأنثى المنتظره أنثى بجوار اثنان من الصبيان, كم أنا محظوظه أبوان محبان وإخوة كزهر الجلنار.
    كُنت اكثر من يغار منها أقرانها في العائلة فقد كنت المدللة همساتى أوامر و طلباتى مرسومات ملكية . لكن أكثر ماكنت أنا أتعجب منه هو حبُ أبي الشديد لأمي لاحظت شرارة الحب والعاطفة بينهما حين كنت أسترق السمع لأحاديثهم وأنا فى مهدي
    كنت أستمع لأبي وهو يأمر أمي أن تحضر من يعاونها فى أعمال المنزل وأتعجب من حجة أمى أن لا إمرأة تدخل مملكتها سواها
    وحين كبرت قليلاً أحسست أن أمي بها شيئ لا أفهمه بها ألمٌ يعتصرها يمزقها وأرى الدمع ينتحر في محاجر أبي دون أن يذرف دمعه سخياً من مقلتيه
    وأحس في صدور إخوتى هم ثقيلاً والكل معي محب .. عطوف .. حنون وكأن شيئ لا يكون ..
    كل يومٍ كنت أرى أمي تذبل أمامي وتتساقط أوراقها وكأن فصل الخريف يمر بها شديد الأثر
    كنت لازلت لاأستطيع النطق بالكلمات ولكن حروفى المقطعة كانت تستصرخها تسئلها مابكِ أمي! ما الذي يجري بداخلكِ ؟ ومابه أبي! من وضع السكين بصدره وكل ليلة يطعنه به عدة طعنات ويتركه فى بحر دمائه يسبح؟
    ولكن لا سؤال يشفى حيرتى ..
    فجئه أشرق صبحٌ لا توجد فيه خيوط الشمس الذهبية و البيت يلفه حزنٌ أسود وأمى تحتضن الصبية وتوصيهم خيراً بأبي وابنته وأنا اصرخ فهى ترتدي عبائتها أريد أن أذهب معها لأعود إلى المنزل وفي يدي قطعة حلوى أو من يدري قد أستبدل الحلوى باللعبة لكن أمى احتضنتنى وأحسست بها مرتفعة الحرارة ودمعها ينسكب على وجهي مطراً فأخذت أهطل مطراً معها أظنها لاتريدنى برفقتها
    وخرجت أمى من باب المنزل والمطر لازال ينسكب من غيوم محاجرها وأبي يحمل في يده حقيبة و يمسك بيدها لتتكئ عليه وإخوتي انهارت قواهم وأراهم يبكون بصمت فقط أدمع من المقل و الشفتان تعلوها ابتسامة لى حتى أكف عن البكاء ولكنى لم أستطع التوقف عن البكاء فكيف لطفلة ترى أمها وأباها يخرجان من المنزل دونها ويريدونها أن تهدء؟ أريد أخرج معهم فالنسبة لى مجرد فتح باب المنزل يعنى خروجاً لعالم آخر.
    مر الوقت بطيئاً وأنا أنتظر عودتهم ومر الوقت جمراً على إخوتى رأيت لهيب الانتظار في أعينهم وعدم قدرتى على توصيل الحروف ببعض منعنى من سؤالهم ماذا يحدث ولما القلق؟
    صوت مفاتيح! صوت صرير الباب .. وبكائي انقطع لأركض مع إخوتى نحو الباب كان القلق يبث فيهم سرعة رهيبة وكان الفرح يبث فيا سرعة أكبر فقد عاد والدى ياترى هل يحملون قطعة حلوى؟ أم ثوباً جديد! أم أنهم أحضرو لى دمية زهرية الملبس؟
    كنت أقف عند قدمي إخوتى كنت قصيرة القامة بالكاد أمشي مشياً صحياً دون أن أقلد البطة كان إخوتي يحجبون الرؤية
    وأنا بين أقدامهم أبحث عن فراغ لأرى أمي وأبي فلقد أنهكنى البكاء وأنا أنتظرهم فهل سينهكنى الوقوف خلف إخوتى لرؤيتهم
    يزن:هل ستبقى فى المستشفى ؟ وفى فكرى دار استفهام عن معنى مستشفى هل هو مكان لبيع الأشياء الجميلة؟
    يزيد: لماذا أتيت لماذا تركتها وحيده؟
    يزن بعصبية:كفاك أسئلة سخيفة .و يعود بوجهه إلى أبي ويرتجف السؤال على شفتيه: هل ستبدء العلاج الكيميائي غداً؟
    يزيد يدفع يزن ليتهلل وجهى بشراً فلقد لمحت أبي أخيراً ويزيد يكمل بعصبيته المعتادة و أطباعه الشرسة :لست أسئل أسئلة سخيفة من المفترض أن يكون أحداً منا معها إن احتاجت شيئ من سيعاونها
    استشاط يزن عصبية وقام بضرب يزيد لأندفع أنا إلى الخلف حتى لا أصاب بأى رضوض أو كسور فأنا أحفظ هذا المشهد ستشتعل الأمور بينهم وسيصرخ بهم أبي ولن يستجيبو مع أول صرخه وسيعود أبي للصراخ عليهم مره واثنتان ولربما اضطر الى فك تشابك أيديهم بيديه لكن ما الذى يحدث ؟لماذا تركهم ابي يقتتلون وحملنى وذهب بي الى غرفة نومنا؟ أخذت أتمتم بحروفى المقطة أبي إنهم لازالو يتعاركون أصرخ عليهم مايفعلونه خطأ
    لكنه لم يستمع لي بل اكمل طريقه دون مبالاة دون أدنى اهتمام بما يفعلون.
    وضعنى على السرير و أخذ ملابسه ودخل إلى الحمام وخرج مبتل الشعر مرتدياً ملابس النوم وحملنى بين ذراعيه وأنا أسئله ببرائة الاطفال: أين أمي؟ هل أحضرت لى الحلوى؟
    لكنه لم يجبنى الجواب الشافى اكتفى بابتسامته الحنونه وقبلة على جبيبنى وأخذ يغير لى ملابسي و يلبسنى استعداداً لنوم وهو يقول : أنين الجميلة ستنام الآن لستسيقظ غداً وتذهب معنا لنزور ماما في المستشفى
    نظرت إلى عينيه وأنا لا افهم شيئ يبتسم ويقبلنى وعينيه تزدحم بقطرات الدمع
    تتسارعت الطرقات على باب الغرفة واحتد النقاش خارجه
    يزيد: أنت من ستعتذر أولاً
    يزن: بل أنت المخطئ لم تحترم حالة أبي وابتدئت الشجار
    يزيد: كف عن حماقاتك أنا لا دخل لى أنت من يحب أن يمثل دور العاقل وكل من حولك حمقى لايفقهون شيئاً
    يزن: أوووهوو أرأيت من يفتعل المشكلات؟ أظن أننا جئنا لنعتذر
    يزيد: قل لنفسك هذا الكلام
    وعاد الطرق على الباب وأبي ترتسم على شفتيه بسبب نقاشهم ابتسامة متعبة
    ولازالو يطرقون الباب حتى اكمل أبي إلباسي ثياب النوم واذن لهم بالدخول
    دخلوا مطرقين والخجل يظلل رؤسهم وأبي ينظر إليهم والشرر يتطاير من عينيه
    غريب أبي كيف يستطيع التنقل من حال إلى حال في ثوان..!
    قبل قليل كان يبتسم و الآن عاقد الحاجبين
    يزن : آسف
    يزيد: لم نقصد أن نزيد همك لكنك تعرفنا مثل الديك و الدجاجة حتى في شرب الماء نتشاجر
    انفعل أبي واخذ يصرخ فيهم: لاأريد أن أعرف أحداً ولا أريد شجارات الوضع لايحتمل تفاهات مشكلاتكم بدل من أن تكونو ظهراً لي و سنداً أتكئُ عليه ستزيدون من همي و تضاعفون مشاكلى هل ألتفت لعلاج أمكم أم للإنتباه على أختكم أم أتفرغ لحل منازعاتكم السخيفة متى ستكبرون متى ستتحملون المسؤلية كنت أتوقع أن يكون أول سؤال هو كيف صحتها ما نتيجة التحاليل وليس هذه الأسئلة السخيفة تسئلون أسئلة اجابتها لديكم مسبقاً وحين فكرتم فى الإعتذار تتجادلون أيكما المخطأ أنت أسوأ من أخيك وهو أسوأ منك كلاكما في نفس الكفة من الميزان لاتزيدون عن بعض في شيئ
    صدح صصوتي بالبكاء وكان قلبي يدق بشدة أحسست بسرعة نبضاته أحسسته سيفر من قفصي الصدري و يهرب إلى أين لا أدرى
    أحتضننى أبي وأخذ يهدء من روعي وأنا لا أفهم لماذا كانت ردة الفعل هذه ولا أفهم لماذا غضب أبي كل هذا الغضب؟
    وعاد أبي لانفعاله عليهم وبلهجة صارمة وصوتٍ هادئ: جعلتومنى أنفعل وكاد قلبها أن يقف اسمعا أنتما الإثنان إن الحمل على كتفى ثقيل ثقيل جداً والفترة القادمة ليست صعباً علي وحدى بل على الجميع و أولكم أنين فهى لاتفهم لماذا لم تأتى أمها حتى الآن ,الفترة القادمة أحتاجكم يداً وقلباً واحد أريد أن أحس أن لدى رجال يعتمد عليهم اغربو الآن عن وجهى غداً سأوقظكم باكراً سأذهب قبلكم الى المستشفى وسأوقظكم لتراعو أنين في غيابي وبعد الظهر سيمر عمكم ليحضركم إلى المستشفى هيا لا أريد أن أسمع لكم صوتاً حتى الصباح
    ولازال أبي يحتضننى ويهدء من روعي وإخوتى يجرجون انفسهم الى غرفتهم وأنا أنظر الى أبي ولازلت لا افهم لماذا خفت منه وأنا أحبه
    استلقي أبي على السرير وبمجرد أن لامسه جسده الفراش حتى تأوه تأوه بألم يبدو أنه لم يسترح منذ أن خرج.
    أخذ يلاعبنى ويلاطفنى وكأنه شخص آخر غير الذى كان يثور غضباً قبل قليل
    أبي: أنين اليوم ستنام في حضن بابا ياسلام الآن سيأتى يزن و يزيد ويقولون نحن أيضاً نريد أن ننام في حضن بابا
    أنا وبحروفى التى أتعجب كيف يفهمونها: لا هما كبيرين سيألمانك ان ناما في أحضانك
    قهقه أبي على ردي واحتضنى أحسست بإحساسي غريب و كأنى أبي يريد أن يقول شيئاً لكن حروفه خانته ففضل أن يحتضننى على دفء أحضانه يغنيه عن الحروف .
    استلقيت بجواره والتعب ينطق من عينيه كان يحتاج إلى النوم بشدة لكنى كنت أمنعه فكيف أنام وأنا التى اعتدت أن أنام على همسات أبي وأمي ولازال أبي يحاول أن يضع رماد النعاس في عيني وأنا اطرده ماذا أقول له؟أريد أن أستمع لصوتك أنت وأمي حتى أنام؟ أقول له أنى أسترق السمع لأحاديثهم وكأنها قصة قبل النوم؟
    ومرت الليلة بين غمضة واستفاقه وطلع الصبح وأبي قد خطف من النعاس بضع ثوان وأنا بعد أن أرهقته وأقلقت مضجعه ككل الأطفال فى عمرى استسلمت للنوم وأغمضت أجفانى
    صوت المنبه ... استيقظ أبي وهو في الاصل لم يذق من النوم إلا بضع لقيمات
    ارتدى ملابسه ,خرج من الغرفة , اتجه لغرفة الصبية
    أبي: يزن يزيد هيا ساذهب إلى المستشفى بعد قليل
    يزن: لست نائماً بالأحرى لسنا نائمين
    أبي بقلق يعتصره الحزن : لماذا؟
    يزيد ويكاد يختنق بعبراته: لم نستطع النوم كيف ننام وأمى بالمستشفى تتألم دون أن يكون
    أحداً منا بجوارها
    لم يستطيع ان يكتم عبراته اكثر وانفجر باكياً : لماذا لم تبقى بجوارها لماذا لم تجعل واحداً منا يبيت عندها
    أبي وقد أحس بعجزه عن احتواء الموقف: الطبيب أخبرنى أن بقائنا بجوارها لن يفيد دعونا من هذا الجدال العقيم سأكمل ارتداء ملابسي واذهب عند الواحده ظهراً سياتى عمك ناصر لاتعطلوه وانتبهو لأنين حين تستيقظ اعدو لها الحليب
    خرج من الغرفة و يزيد لازال يغرق في دمعه و شهقاته تخترق هدوء الصباح
    يزن: يزيد تمالك اعصابك أرجوك لاتُحمل أبي فوق طاقته
    يزيد لم ينجب حرفاً بل توجه لدورة المياه ليكمل بكائه و يفرغ شحنة الحزن دون أن ينتقده أحد

  2. #2
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10
    استيقظت أنا تلفت حولى أبحث عن أبي أين ذهب؟ أغمضت عيني وهو بجوارى؟ وبدئت بمحاولة النزول من السرير ولقِصر قامتى في هذا العمر كانت محاولاتى للنزول من السرير تنتهى بأن أسقط على مؤخرتى
    ذهبت أبحث عن أبي في دورة المياة الخاصة بالغرفة لكنى لم أجده و خرجت مسرعة ابحث عنه على أجده يرتشف فنجان قهوته في المطبخ لكنى وجدت إخوتى في غرفة الجلوس وكل واحد منهم يستلقى على أريكة دون أن يكون بينهم جو من الألفة وكأنهم في قطيعة منذ سنين
    كيف سألفت انتباههم؟لاحيلة الا البكاء
    وانفجرت باكية أصرخ:بابا ...بابا
    اسرعو الى وحملنى يزن واخذ يحاول إنسائي سؤالى : هيا سنشرب الحليب ثم سنشاهد أفلام الكرتون
    لكن محاولته اليتيمة بائت في الفشل فقد بدء إلحاحى فأنا أريد إجابة لسؤالى أنام دون أمى وأستيقظ لأجد أبي ليس بجوارى؟!
    يزيد: أنين الحلوة ستشاهد التلفاز وستمسك جهاز التحكم في يدها
    أجلسونى أمام التلفاز و وضعو جهاز التحكم في يدى
    أتعجب من نفسي وقتها كيف استطاعو بجهاز تحكم أن يُنسونى قلقى؟ وكيف حين كبرنا إن فعلنا مافعلنا لن يبعد أى شيئ قلقنا
    هناك في ذاك المكان الذى يخص أمى ويخصها فقط كان يُعج بأصوات القرقعه وهناك تحديداً احتدم النقاش
    يزن: سنضع لها ماء من البراد الكهربائي
    يزيد: أحمق وستبقى أحمق
    يزن: نعم نعم وتركت الذكاء لك لترثه
    يزيد يضربه على رأسه : رغماً عنك ستتركه لى أنا حين ولدت ولد الذكاء مربوطاً في إصبع قدمى الصغرى
    يزن: نعم والدليل أنك كنت تظن أن عمى ناصر هو أباك
    يزيد : قلت لى نضع الماء من البراد الكهربائي؟
    يزن يقهقه منتصراً: نعم سنضعه من قسم الماء الساخن فى البراد
    يزيد: لكنى كنت أرى أمى تقوم بتسخين الماء على النار
    يزن: متأكد؟
    يزيد: نعم متأكد
    صوت جرس الباب
    يزن: قم انت بإعداد الحليب سأفتح الباب
    ويهربُ مسرعاً من المطبخ ويزن يصرخ خلفه: كم ملعقةً أضع من الحليب؟
    وضاع سؤاله في الهواء
    جرس الباب لازال يُدق وانا تركت جهاز التحكم وكأن صوت الجرس أيقظنى من غيبوبة كنت أعيشها وتذكرت أنى كنت أبحثُ عن أبي واتجهت مسرعة صوب الباب وقبل أن أخطوآخر خطوة سمعت صوت نسائياً مألوف
    يزن : أهلاً وسهلاً هل عمي ناصر معك؟
    الصوت أجاب: كلا سيأتى بعد ساعتين وسينتظرنا في السيارة
    صوت الباب يغلق ويزن و الصوت النسائي قادمان نحو لأتفاجئ بعمتى نوره تلك التى لا افهم طبيعتها هل هى شريرة؟ أم طيبة القلب؟ هل تحبنا أم تكرهنا بشدة؟
    عمتى نوره تبسمت وهى تقول: أهلاً أنين الحلوة اشتقت لكى كثيراً
    واحتضنتى وحملتنى متجهةً نحو الأريكة كنت أريد أن أسئلها إن صادفت أبي أو رأته لكنها أنستنى سؤالى حين أخذت تحدث أخي وتسئله وأصوات القرقعة تتصاعد من المطبخ : ماذا يفعل يزيد؟
    يزن بخجل : يعد الحليب لأنين
    قهقهة عمتى وتردد صدى ضحكتها فى أرجاء منزلنا الذى لم تسمع فيه ضحكة منذ أيام : كل هذه الجلبة من أجل إعداد الحليب سوف أذهب لإنقاذه قبل أن يقلب المطبخ رأساً على عقب
    اتجهته عمتى للمطبخ واتجهته خلفها لأننى اليوم أحسست نحوها بشعور غريب لا أستطيع تفسيره ربما لأنها لأول مره تأتى إلى منزلنا وتضحك مثل هذه الضحكة الجميلة؟ فأنا لم أستمع إلا لصراخها مع أمى أو نظراتها لها التى تتطاير شرراً
    يزيد لازال يحصى عدد ملاعق الحليب الذى يضعها ولازال في حيرته أيضع سكراً أم لا؟
    إن طلبنا منك أن تقلي بيضاَ كم أسبوعً كنت ستأخذ لتعده؟ قطع سؤال عمتى الساخر حيرة أخي الذى احمر وجهه خجلاً من سخريتها ولم يجب على سؤالها بل اكتفى بأن سلمها مهمة إعداد الحليب .
    ************************************************** **
    اجتمعنا على سفرة الإفطار وبيدي كأس الحليب أرشف منه رشفه وأسرق لحظات غفلتهم عنى بأنى أخذ قطعة الزيتون وأغمسها في كأس الحليب و أقوم بمصها ثم أعيد الكرة بنفس الزيتونة ثم أقوم بأخذ قطعة جبنة وأقوم بغمسها في ذات كأس الحليب ليسقط نصفها في قاع الكاس والنصف الآخر أركض به نحو فمي قبل أن أفقده في عمق الكأس
    حين أتذكر هذه اللحظات أتعجب من نفسي لماذا كنت أفعلها خفيه دون أن يرانى احداٌ منهم هل لانى اعلم أنهم سيعاقبونى على هذا الامر؟ وإن كنت أعلم لماذا فعلته؟ ياللأطفال ويالأفعالهم ..!
    العمة نورة: هل ستجرى أمكم العملية؟
    يزن: قال الطبيب أن إجرائها للعملية لن يغير من الأمر شيئ
    العمة نوره: إذن هي أيام معدودة ؟
    يزيد انفجر غاضباً وكاد أن يكسر الأطباق ويرمى بكأس الشاى على رأسها: ليست أيام معدودة من يكرهها هو من أيامه معدودة كلها ايام وستعود إلى المنزل معافاه
    انفجرت عمتى بغضب يفوق غضبه: مابك يافتى؟ هل نسيت نفسك أم أنها لم تربيك على الأدب ؟
    انضم يزن لثورة غضبهم : بل ربتنا جيداً وأحسنت تربيتنا ويكفى حديثاً عن الموضوع
    وشد يزيد من قميصه واتجه به نحو الغرفة
    العمة نورة كانت تصرخ بصوتها والغضب يكاد يخنقها : لقد أخبرت والدك من بادئ الامر أكبر خطأ وقع به أن تزوج من جنسية أخرى لو أنها كانت من جنسيتنا لكان مرضها أخف وطأً عليه لكان وجد أمها أو إخوتها بجوارها بدلاً عن هذه الأزمة التى هو بها لو كن خالاتكم هنا كن على الأقل إعتنين بأنين الآن من سيعتنى بها؟ من سيدير أموركم ويلبى طلباتكم؟
    وهناك خلف باب الغرفة كان يزيد يكاد أن يجن ويخرج ليقتلها : هل تسمعها؟ تتحدث وكأن أمى ماتت؟ من الذى شكى لها الحال؟ هل طلبنا منها شيئاً؟ لماذا تدس أنفها دعنى سأخرج لها وأحطم وجهها
    يزن: إذكر الله ودعها تنعق بما تشاء
    يزيد: لالن أدعها فهى تتحدث عن أمى أم أنك لم تعد تفهم العربية
    يزن: بلى أفهم وأفهم أكثر منك لكن ما الفائدة من الرد عليها؟ أم أنك تريد أن تدخلنا في مشكلات لا عدد لها إن جادلناها ستخبر أبي وستفتعل مشكلة وأبى سيغضب منا وإن كان الحق معنا
    هدء غضب يزيد وألقى بجسده على السرير وهو يكاد أن نفجر بخليط من الحزن و الغضب: حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل
    **********************************************
    الغرفة رقم 1287 .. فتح الباب .. ممر طويلٌ أمامي ..و وقعت عينى على أبي الذى كان يجلس بجوار سرير .. اكتملت الرؤية لأرى أمى ممدة على السرير و العديد من الأسلاك تستقر فيها وكمامة على فمها
    تهلل وجهى بشرا وكدت أن أطير من بين ذراعى أخى لأحط في حضن أمى أو ربما أبي لا أدرى فقد اشتقت للإثنان بنفس القدر اخذنى أبي وحملنى بين ذراعيه وعينانى ترقب أمى وجهها مصفر وعيناها ذابلتين وإخوتى يقبلون يدها ورأسها و الدمع يتراقص في أعينهم لم يتمالك يزيد نفسه وانفجر باكيا وهو يحتضن أمى يا ليزيد ويالطبعه العجيب رغم عصبيته وشراسته المفرطة واستخدامه لعضلاته قبل يده إلا أنه معجون بحنان ورقة الأرض.
    أمى نظرت إليه دون أن تبادله الأحضان أو أن تنجب له حرفاً يشبع شوقنا لصوتها وفي غمرة أحزانهم وغمرة ذهولى سمعت صوت لا أدرى ماهو لكنه كان كجرس إنذار للجميع بعد أن كبرت وأدركت فهمت أن هذا الصوت ليس الا صوت جهاز نبضات القلب.
    دفع أبي بالجميع إلى خارج الغرفة وألقانى بين ذراعى يزيد واخذ يركض كالمجنون وبذهول تسمر إخوتى أمام الباب
    أحسست بخوف وقلق رغم أنى لا افهم سر هذا الذهول و الخوف الذى يسكن الأعين . عاد أبي ومعه رجلان يرتديان معطفاً أبيض ودخلا إلى الغرفة حيث ترقد أمى متعبه
    لا أدرى بماذا كان يشعر يزيد فقد احتضننى بقوة وخرج بي إلى الشارع ودموعه تنمهر وكم كانت السماء رقيقة وانهمرت أدمعها تشاركه حزنه الذى لم أفهمه إلا بعد مدة
    كان هذا أول لقاء بينى وبين المطر كم هو لطيف هذا المطر انهطل حتى يداعب وجنتى ويبلل شعري لأنسى المنظر الذى رأيته أمام باب الغرفة أخذت أمد يدى أظن أنى سأمسك المطر وكلما تجمعت بضع قطرات في كفي الصغير رششت بها أخى الذى يبتسم لى على مضض و المطر يعانق دمعه على وجهه ماهى إلا دقائق لأجد أبي ويزن مقبلان نحونا وأعينهم تفيض من الدمع وانا ألوح لهم وأعبث بالمطر والفرح يغمرنى والحزن يكاد يقتلهم حملنى أبي بين ذراعيه في صمت وأنا أحرك رأسي يميناً ويسار فرحةً جداً بالمطر المنسكب وإخوتى لازالو يغرقن بين ماء الدمع وماء المطر وأبي يردد{ لهم وبشر الصبابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله وإنا إليه راجعون.}
    لا أعلم لماذا قُدر لى أن أتعرف على المطر فى لحظة وفاة أمى هل كان المطر يريد أن يشغل فكرى عن هذه اللحظة أم أراد أن يغسل ذاكرتى فلا أذكر مرارة هذا الموقف؟
    *********************************
    لم ينم أحد تلك الليلة وكان المنزل يكتظ بالناس عماتى أعمامى وكل من تربطنا به صلة قرابة وكان يزيد يأن أصابته حمى شديده ويزن كان منزوى على نفسه يحتضن نفسه يبكى كطفل رضيع جائع منذ أيام وأبي كان كالعصفور الذى قطع جناحه يطبب هذا ويهدئ من روع هذا ويتفقد أمور مجلس العزاء وأنا كظله حيث كان أكون وأينما ذهب خلفه أتجه وعلى لسانى تترد كلمة واحده :أريد أمى
    كنت أسمع الهمسات من المتواجدين
    كان الله فى عونك يا أخى
    يستحق ماحدث له حذرناه من الزواج من لاتمت له بصله
    ومادخل زواجه بمرضها إنه قدرها وأصابها
    يجب أن يتزوج لن يستطيع الإعتناء بأبنائه وحده علينا أن نبحث له
    عن واحدة بشرط أن تكون من العائله
    من ستبيت عند أخى هذه الأيام؟فأنا مشغولة جداً بعملى وبالمنزل
    سنحضر العزاء ونذهب مباشرة لاشأن لنا بشيئ سنأتى فى الصباح ونغادر قبل الظهر وفى المساء سنعود ونغادر عند التاسعه لانريد أن نتدخل بشي
    كل هذه الأحاديث خزنت بذاكرتى هى و جوه ناطقيها رغم أنى وقتها لم أفهم مدلولاتها إلا أنى قمت بحفظها
    ولازال أبي يركض هنا وهناك ولم يمد يد المساعدة له إلا عمتى نوره كم أنتى غريبة أيتها العمة! تحبين أبي كثيراً بل أكاد أجزم أنه جزء من قلبك ويمشى على الأرض رغم هذا تتفنين فى افتعال المشكلات له .
    أشرقت الشمس واعتذرت أن تدخل خيوطها لبيتنا الصغير ويزن استجمع قواه وخرج ليأخذ العزاء ويزيد المسكين لازال يتقلب على الجمر بفعل الحمى
    طوال ثلاث أيام أرى أناساً يدخلون ويخرجون أرى نساء يبكون ونساءً يتغامزون ولم أفهم معنى عظم الله أجركم فقط كنت أحفظ الأحداث وأخزنها طوال ثلاث أيام.
    فى آخر يوم رن هاتف أبي طويلاً وكان يأخذ الهاتف ينظر إلى اسم المتصل ويترك الهاتف وحين زاد إصرار المتصل أجاب وهو يتملك الغيظ ليأتى صوت المتصل الذكورى يقول بأسى: كيف حالك
    أبي: أظنك تعرف حالى جيداً
    المتصل: بالتأكيد أعرفه فلن يكون أفضل من حالى
    أبي: لماذا لم تحضرو الدفن
    المتصل: لم نستطيع السفر الأمطار غزيرة والمطارات مغلقه
    أبي:ليس عذراً فقد كنتم أول من علم بمرضها ولم تأتو حتى لزيارتها
    المتصل: لاتلمنى لو كان بيدي لأتيتها زحفاً هل تظن أنك تحب ابنتى أكثر مني؟ أنت بالتأكيد مخطئ لاتحكم على فيكفينى أنى أتمزق كل ليلة لأنى لم أراها قبل أن تفارق الحياة
    أبي: لاجدوى من هذا الحديث فما حدث قد حدث وانتهى الامر
    المتصل: هل لى أن أكلم الأولاد؟
    أبي: بالتأكيد لكن ابتعد عن ذكرها فيزن لم يكف عن البكاء ويزيد لازال يأن من الحمى لحظه سأنادي لك يزن
    يزن .. يزن تعال يابنى جدك يريدك على الهاتف
    رأيت يزن يسير نحو أبي بتثاقل شديد ولارغبة له أن يجيب على هذا الاتصال
    تناول يزن من أبى الهاتف وذهب بعيداً ولم تمضى ثوان حتى أعاد لأبي الهاتف وهو يقول : لقد انقطع الاتصال
    نظر إليه أبي بغضب وهو يقول: أتظننى طفلا صغيرا لأصدقك
    يزن :لم ينقطع الاتصال لكنى لا أريد أن أحادث أحدا
    وهرع إلى الغرفة بجوار يزيد الذى تأكل الحمى جسده

  3. #3
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10
    وبدئت الأيام تمر عليهم ثقيلة ويزداد الحمل على عاتقهم ويرهقهم كثيراً وبدئت أكبر وأنا أعرف أنى أمى عند ربي ومع تقدمى فى العمر كان يزيد همي عليهم ويزداد عبئ فأبي فى الصباح فى عمله وإخوتى في مدارسهم كان أبي يستيقظ عند الخامسة فجراً يعد الإفطار ويوقظنا ويبدء بتجهيز نفسه وتجهيزي للخروج يمر بي لمنزل عمتى نوره ويتركنى عندها وأنا أبكى فأنا لا أحب البقاء فى منزلها فابنتاها تعاملاننى بقسوة , ثم يتوجه ليوصل إخوتى لمدرستهم وعند الظهيرة يعيد نفس الكرة و فى المساء كان إخوتى يعملون جليسي أطفال لدى ياه كم حرمتهم من التمتع بشبابهم كنت أحتجزهم في البيت بجوارى كل يوم.
    مرت السنتان والنصف من وفاة أمى وبدء الجميع يعتاد على الأمر رغم الألم الذي يزورهم كل فترة وأصبح عمرى 5 سنوات وإخوتى أنهو دراستهم الثانوية وحصلو على منحة دراسية رأيت فرح أبي بهم كبيراً لكن يزيد أيقظه من فرحته حين سأله: وأنين؟
    تلعثم أبي وسأله :مابها؟
    كان أبي يفهم قصده لكن عدم امتلاكه للجواب جعله يسئل هذا السؤال
    أجابه يزيد بإبتسامة من فهم مغزى سؤاله: ما رأيك أن يسافر يزن وأنا أدرس هنا
    وكان أبي كمن أصابتهم صاعقة كهربائية من كلام أخي: أنين إبنتى وأنا المسؤل عنها تسافر مع أخيك ولن تعود إلا و بيدك شهادة الطب
    يزيد: لكن يا أبي أنت .
    لا تزد حرف انتهى النقاش قاطعه أبي بهذه الكلمة فأخرسه
    بدء إخوتى يستعدون للسفر و وقتها بدئت مفردات الفراق و الحزن تدخل إلى قاموس مشاعري
    قبل سفر إخوتي بيومين كانت عمتى نوره فى منزلنا وتتناقش مع أبي بحدة
    أبي: ألا تملين؟
    العمة نوره: لا لن أمل حتى أُزوجك إن زواجك الآن أصبح حاجة ملحة
    أبي: لم أشتكى لأحد أنا فى أتم السعادة و الفرحة بوضعى هذا
    العمة نورة بغضب : لاتكابر ألا ترى حالك؟ إنظر إلى وجهك فى المرآة من التعب و الإرهاق أصبحت كعجوز بلغ السبعين ونيف
    ضحك أبى على تشبيهها وقال لها مداعباً :عيرتنى بالشيب وهو وقار
    العمة نورة استشاط غضباً : لست أمزح أنا أتحدث بجدية أنت بحاجة إلى مرأة كنت تتحجج أنه لديك شابان فى المنزل والآن سيسافران دراستهم ستستمر 7 سنوات ولن يأتو إلا كل سنة شهر وبعد 7 سنوات بالتأكيد ستزوجهم فلماذا تقسى على نفسك وتقتلها هكذا
    أبي ابتسم لها بحنانه الذى افتقده كثيراً : نوره انا أريد أن أبقى هكذا احترمى رغبتى
    غضبت عمتى نوره وحملت نفسها وخرجت من منزلنا .
    كان أبي يحب أن يخفى مشاكله مع أعمامى ورغم أنهم لايزورننا لا يسألون كنا على موعد كل أسبوع بزيارة لهم
    وكالعادة كانت تنتهى الزيارة بمشكلة ودائماً ماتكون مشاكلهم على النقود على الأراضي و البنايات وحين نعود إلى المنزل كنت أسمع إخوتى يلومون أبي على سلوكه وأحياناً يتمادون فيشتمون أعمامى أمام أبي الذى كان قد يصل به الأمر أن يضرب أحد منهم فهو كما يقول أنه مهما حدث بينه وبين إخوته يبقون مسند ظهره ويجب علينا احترامهم وإن رأيناهم يضربون أبي فمابين الإخوة يبقى بينهم.
    *****************************
    جاء موعد سفر إخوتي ووصلنا إلى المطار وأنا لأول مره أتذوق طعم الحزن كان المطر ينهمر وكان هذا ثاني لقاء لى بالمطر لكن هذه المره لم أكن مستمتعه به لم أعُر المطر أى هتمام فقط كنت أنظر لإخوتى فقد تعلقت بهم كثيراً بل أصبحو جزءً لايتجزء منى والآن اخبرونى أنهم سيسافرون وسيسافرون لمدة طويلة لا أستطيع عدها فلم أكن اعرف الأرقام بعد كنت أحس أنهم يبادلونى نفس الشعور ولربما زاد هذا الإحساس بينى وبين يزيد ربما لأن يزن بطبعه متمرد كان يغافل أبي ويتسلل مساءً مع أصدقائه ويتركنى ليزيد ليهتم بي فزادت علاقتى بزيد وأصبحت جذورها ثابته فى أعماق قلبي
    احتضنونى قبلونى سلمو على أبي طبعو قبلة على رأسه وهو أخذ يوصيهم بصلاتهم بصيامهم أن يبقو قلب واحد سنداً لبعضهم
    كم أتعجب من أبي كيف يغرز فينا المحبة وأن نكون قلباً واحد وأي ماكان يحدث بيننا علينا أن ندفنه في أرضه وننساه قبل أن ترف أعيننا وهو لم يعش جو الألفه هذا رغم أن لديه عصبة من الإخوة إلا أنهم متفرقون كل واحد يترقب أى فرصة لكى ينتقم من أخيه .
    عدت إلى المنزل وحيدة فقط مع أبي والمطر كان المنزل كئيباً جداً هذه الليلة لأول مره أتذوق مرارة الفراق أخذت أبكى دون شعور منى احتضننى أبي وهو يقول مبتسماً: لماذا البكاء؟ سنرتاح منهم سندخل غرفتهم ونلعب بأغراضهم.
    ضحكت ضحكة طفولية وكانت أدمعى قد توقفت يا الله كم أتمنى أن أعود لهذا العمر كيف أحزانى تزول ببعض كلمات وكيف السعادة تغمرنى ببضع ضمات .
    اخذنى أبي من يدى وأدخلنى إلى غرفة إخوتى وأخذ يفتح خزانتهم التى أصبحت شبه فارغه وأخذ يخرج منها بعض ماتبقى من ملابسهم وارتدى قميص من قمصانهم أدخل في راسي قميص آخر واخذ يقلد صوت يزيد: يزن هل تريد أن نتصارع؟
    أخذت أضحك من أعماق قلبي على منظر أبي و القميص أصغر منه بمراحل قضينا اللية أنا وأبي نلعب فى غرفة إخوتى ومارست ماكانا يمنعاننى منه أن اقلب غرفتهم رأساً على عقب فهما كانا يحرصان على نظافة المنزل لا لشيئ فقط لكى لاينتهى الامر بهما وهما ينظفان المنزل مرة أخرى.
    كان اليوم التالى إجازة من العمل توقعت أن أستيقظ وأجده نائماً بجوارى لكنه كان مستيقظاً خرجت من الغرفة أبحث عنه بخوف فالآن أنا أصبحت أعرف مفردات جديدة حزن فراق خوف وقلق
    وجدته بجوار الهاتف : حسناً وهل ستقبلها دون مشاكل
    : ولكنهم أخبرونى أن الأمر ليس بيدها بل بيد الأستاذ خالد
    : انهم لايدع قصاصة تمر من تحت يديه دون أن يقبض الثمن ولا تنسى أنها من مواليد
    الخارج
    : نعم عمرها 5 سنوات
    : اعرف لكنى مجبراً على تسجيلها
    : 50 ألف ماذا؟ هل جننت سأذهب بها إلى مدرسة أهلية
    : حسناً سأذهب غداً وأرى ماذا يقول وسأخبره أنى من طرفك
    أغلق أبي الهاتف وأنا كنت قد جلست بجواره ليقول لى : صباح الخير ياحلوتى هيا لتستحمى وتبدلى ملابسك سنذهب لمنزل جدك
    كم أكره هذه العادة لا أحب الذهاب إلى منزل جدي فكل العائلة تجتمع رغم أنه يوجد العديد ممن هم فى مثلي عمرى وأكبر أو أصغر إلا أنى لم أنسجم مع أحد منهم أو بالأحرى لم يسمحو لى أن أنسجم معهم ربما الحقد و الغل الذى يسكن صدور الكبار سكن صدور هؤلاء الاطفال فكان كل واحد منهم يتفنن كيف يغيض الآخر كيف يشعره بأنه لا شيئ وهو الأفضل
    *************************************************
    في بيت جدى كان الرجال بعد صلاة الجمعة يجلسون في الغرفة التى تطلع على حديقة المنزل و في الأعلى كانت النسوة يجتمعن
    البعض يتهرب من أعمال المطبخ وإعداد الغداء و الفتيات قد هربن بالفعل وصعدنا إلى السطح حيث لن تبلغ مساعهم أصوات النداء وحيث يأخذن راحتهن بالحديث والنقاش في الممنوع والمسموح
    وكنت مع منهم في سنى أحاول اللعب معهم يومها قد جئتهم أحمل بيدي دمية جديدة كان إعلانها لايزال يغزو شاشات التلفاز وما إن شاهدنها بنات عمومتى إلا وبدء الحقد الذى زرعهم الكبار في صدورهم يطرح ثمره
    أسماء: مين أين لكى هذه الدمية
    أجبتها بكل براءة: أبى أحضرها لى هل تلعبي معى بها؟
    أسماء: حسناً لكن أنا سأكون الام وهى ابنتى الرضيعة و أنتى ابنتى الصغيرة
    رضخت لرغبتها مع أنى أحضرت الدمية معى لألعب معهم و أكون أنا الأم لكنهم دوماً مايسلبونى هذه الرغبة وأرضخ أنا لهم فقط لأنى أريد أن ألعب ولا شيئ آخر سوى اللعب
    دعت أسماء باقى البنات وصعدنا إلى سطح المنزل ومعنا باقى الفتيات الصغيرات لأن الصبية كانو يلعبون الكرة في الحديقة
    بدئت أسماء بتقمص دور الأم وكانت دائماً أم شريرة بدئت بإعطاء الاوامر وبالضرب بين الحين والآخر فهي أم وأنا الابنة وعلي الطاعة وقبول الضرب ولأنى بالطبع أريد أن ألعب
    لعبنا اللعبة التى كنا نحبها (ناس و ناس) أو كما يسميها البعض(بيت بيوت) وجائت سمر ابنة عمتى لزيارتنا في الركن الذى من المفترض أنه بيتنا أنا وأمى في اللعبة أسماء
    كنا نلعب بسلام فجئه احتد الجدال بين سمر وأسماء اللآتى من المستحيل أن تتفقا وانتها الجدال بأن دميتى أصبح كل جزء منها في اتجاه ولم يكترثن للأمر بل اكملن شجارهن وأنا أنظر لدميتى بآساً فلم أستمتع بها بعد
    وأثناء شجارهن ألقت احداهن رجل الدمية على الآخرى لتحط في عين ابنة عمى الكبرى التى كانت تجلس خلفهم ليركض الجميع وبمافيهم أنا وهى تركض خلفنا لايهم إن امسكت من القت برجل الدمية أم غيرها المهم لديها أن تمسكن احدانا وتضربها نزلت الفتيات الصغيرات كل واحدة تختبئ خلف أمها لا اعلم لماذا توقفت أنظر للنساء الموجودات كلهن عماتى أو زوجاتى أعمامى او بنات العائلة المتزوجات وأنا أجول بنظرى بينهن لا أعلم أختبئ خلف من أسماء خلف أمها سمر أريج سعاد فاطمة وووو يا إلهى أين أمى أنا؟ لأول مره أشعر أنى بحاجة إلى أمي ربما لأن سباق الاختباء عادة كان يحدث بيننا وبين الصبية الصغار وكنا نركض نختبئ خلف آبائنا ؟
    كنت اتسائل أين أمى لماذا أنا الوحيدة التى لاتجد أمها لتختبئ خلفها؟ و وصلت ابنة عمي الكبرى وهى تستشيط غضباً لتصرخ : من التى ألقت بالدمية كادت أن تقتلع عيني
    كنت قريبة منها أرتعد خوفاً كصغير الدجاج حين يرش بالماء البارد وعماتى كن يبعدن الخطر عن بناتهم بإبعاد ابنة عمى عنهن ولم تجد هى غيري بجوارها لتمسكنى من إذنى وتقرصنى بشدة وتوبخنى على فعلة لم أفعلها
    بكيت بشدة ليس من ألم القرصة بل من الألم الذى غزانى لأنى لم أجد أمى تركتنى ابنة عمى وعادت للفتيات فى الأعلى وجائت عمتى نوره وكنت أرى في عينيها أنها قد قرأت ماكنت افكر فيه وأنا أنظر إليهم قبل أن أتلقى العقاب ومسحت ادمعى وسقتنى كأس ماء فقد كنت أبكي بشهقات متقطعة
    عمتى نورة: لاتبكى يا أنين كلنا نحبك حتى رانيا لكنها عصبية وحين تغضب ستضربنى حتى أنا لاتبكى ياحلوة فهى لم تقصد إيذائكى
    غريبةٌ ياعمتى!! لم تقصد إيذائي وهى قد قرصتنى في إذنى وكادت أن تخرجها من مكانها؟ وكلكم تحبوننى؟ أ من المحبة أن لم تلتفت احداكن لى لم تكلف واحدة منكم نفسها أن تقول لى أنين اختبئ هنا لم أكن أريد أن أختبئ خلفها لكن لم تعطنى إحداكن شعوراً أنى محط اهتمام
    رغم هذه المشاعر الى اختلطت داخلى إلا أن احتضان عمتى لى وقبلتها التى انطبعت على جبينى جعلت أهدء واتوقف عن البكاء .
    قررت أن أنزل وأجلس بجوار أبي فلقد آمنت يومها أنه لايوجد مئمنٌ سوا أحضانه .
    دخلت إلى الغرفة وكان حسان ابن عمى يجلس قريباً من الباب بمجرد دخولى تلقفنى وحملنى واخذ يبقل وجنتى ويمازحنى كنت أحب حسان كثيراً وأحب أن ألعب معه أو أن ألعب مع محمد أخوه الذى يكبرنى بعامين لأننى لم أشعر يوماً بالحقد في قلوبهم أو أنهم سيحابوننى لانهم يريدون من أبى شيئاً
    بقى حسان يمازحنى واستئذن من أبي أن يذهب بي إلى محل البقالة المجاور فسمح له أبي وخرجنا من الغرفة لينادى على أخيه محمد وحين وصلنا إلى الباب الخارجى كانت أسماء وسحر يصرخون على حسان لأنهم يريدون أن يذهبو معنا فاجئنى حسان بأن رفض اصطحابهم فرحت كثيراً برفضهم أتعجب كيف أن المفردات بدئت تدخل إلى قاموسي دون أن أشعر فهاهي مفردة الشماتة أخذت مكانها في قاموسي فلقد أحسست وكأن حسان قد اقتص لي منهم دون أن يشعر لكنى استمتعت كثيراً بهذه اللحظه فلقد عوقبت على فعلة لم أفعلها بسببهن وكسرت دميتى التى لم ألعب بها بعد بسببهن أيضاً
    ************************************************** *****
    تناولت طعام الغداء وأنا أجلس بأحضانى أبي وأحتضن كيس الحلويات التى اشتراها حسان لى ولشقيقه محمد
    دعها تصعد إلى الأعلى وتأكل مع الفتيات .
    كان هذا عمي قد أصدر هذا الأمر لأبي الذى قابله الرفض من أبي : دعها هنا لا أريدها أن تشغل أحداً
    عمي وقد استشاط غضباً: لكنها ستعاد على هذا الامر بل اعتادت عليه كل مرة نجتمع تكون هنا الم تلاحظ أنها لاتلعب إلا مع الصبيان؟ هل تريدها أن تكون فتاة بطبع الصبيان حين تكبر؟ ألا يكفى أنها تعيش بين ثلاث رجال أى أطباع ستأخذ ؟
    آثر أبي الصمت وأكمل غدائها وكان يطعمنى وكأنه لم يستمع لشيئ لكن عمى أصبح يثرثر بحروف غير مفهومة من شدة غضبه .
    بعد الغداء وأصوات فناجين الشاى تغزو أرجاء الغرفة كانو ينتناقشون حول أمور كثيرة و فى زواية الغرفة وبالطبع بجوار أبي كنت أنا ومحمد نقتسم ما ابتاعه لنا حسان
    لقد أرسلت لكل واحد منكم نصيبه هذا الشهر
    أنت لم ترسله لنا بالعدل
    نعم أرسلت لسعيد و ناصر مبلغاً أكثر مننا هذا ظلم
    ليس ظلم فنحن من نتعب فيجب أن يكون لنا النصيب الاكبر
    لم يجبركم احد على التعب وحدكم اشترو نصيبنا وسينتهى الامر
    لن نبيع شيئاً إن لم يعجبكم هذا الملبغ أعيدوه
    كان هذا الموضوع فى كل جمعة يفتح بعد الغداء ويخرج الجميع من المجلس غاضبين ولايكلم احدٌ منهم الآخر وأبى كان كل مرة لا يتدخل في النقاش يستمع فقط لكنه هذه المرة نطق ونطق بغضب
    أبي: لا يعجبنا ولن نعيده نحن يحق لنا القدر الذى يحق لكم لماذا الظلم؟ هل تظن أن وظائفنا الحكومية تكفينا؟ لقد سكت كثيراً لكنكم لم تستحو من أنفسكم احترمت كثيراً رابط الأخوة لكنكم لم تحترمواً شيئاً تسرقوننا بكل وقاحة والمطلوب منا أن نخرس هل تظن أن بضع الآلاف التى تلقون بها لنا كل شهر صدقة؟ إنها حقنا وأقل من حقنا
    زمجر أكبر أعمامى : نحن من يعمل ليل نهار نحن من يتحمل مصاعب العمل و مشاكله ماذا فعلتم أنتم ليكون نصيبكم مساوى لنصيبنا؟
    أبي: حسناً سأخذ تقاعد من الوظيفه الحكومية وسأكون معكم ليل نهار بل سأحمل أعباء العمل كلها عن عاتقكم وسأعطيكم مثلما تأخذون الآن
    سكت عمى وعلامات عدم الرضى ترتسم على وجهه
    أبي: أرأيت؟ سكت لأنك تعلم علم اليقين أنه ليس بذاك المجهود لأنك لست تعمل وحدك و العمل ليس عاتقك فالجهد موزع عالكل كل واحد مننا يعمل بطريقته سلمان يعمل فى البنك المركزي وهو من ينهى لك امورك البنكية ماجد يعمل في البلدية وهو من ينهى لك امور التراخيص أخبرنى ماذا تفعل أنت؟ تذهب لتجلس على كرسيك الدوار وتدخن سيجارتك حتى الواحدة ظهراً ثم تعود لبيتك ومساءً تتفرغ للمظاهر الكذاب وليمة عشاء على شرف الشيخ فلان و هدية لابن فلان فقد تزوج و...
    هذه الامور هى ماتجعل أعمالنا تدر علينا المال .قاطع عمي أبي بهذه العبارة التى أسكتت أبي لم أفهم لماذا أسكتت أبي هذه العبارة وقتها لكن الآن أفهمها وأعيها جيداً فحتى أعيش يجب أن أتملق من هو أكبر منى مركزاً.
    أبي أخبر الجمع بلهجة حازمه: لقد بلغ السيل الزبى لقد كثرت احتياجاتى وأنتم تعرفون أن المنح الدراسية لاتغطى مايكفى الطلاب وأنا لدي اثنان ولدى الآن مصارف انين المدرسية هذا غير إيجار المنزل وراتبى مع الصدقة التى تعطونى اياها لاتسد شيئاً هل أغرق نفسي في الديون وأنا أملك مايكفى لأعيش حياة رغيدة؟
    رمق عمى أبي بنظرة غريبه : وما المطلوب؟
    أبي: أريد أن أشتري منزلاً
    عمي: ومن يمنعك اذهب واشتري
    منذ مدة لم أري أبى بهذه العصبية : لست أمزح حالماً أجد منزلاً مناسباً سأخذ منك ثمنه فلى فى ذمتك الكثير .
    وسحبنى أبي من يدي بقوة لنخرج أحسست أن يدي ستخرج من مفصلها يبدو أن أبي لم ينتبه لنفسه فأنا أعرف كم هو حنون بالتأكد لم يقصد إيذائي .
    *********************************
    في صباح اليوم التالى أيقظنى أبي باكراً وساعدنى في ارتداء ملابسي وأخبرنى أننا سنذهب إلى المدرسة
    كان كل معرفتى بمصطلح مدرسة هو أنها مكان يذهب إليه الأولاد كل صباح ليعودو منه بكم هائل من الواجبات كما كنت أرى إخوتى يعكفون على كتبهم ودفاترهم كل يوم.
    وصلنا إلى باب المدرسة وكنت أرى العديد من الفتيات و الصبيان يدخلون من البوابة الكبيرة ويرتدون زي موحد ويحملون على ظهورهم الحقائب كنت أستمع لصراخهم وأنظر لركضهم أحببت منظرهم كثيراً أحسست بجو من الألفة يجمعهم .
    ركن أبي السيارة قريباً من بوابة المدرسة وحمل ملفاً كان قد وضعه في درج السيارة و معه ظرف فارغ رأيته يخرج من جيبه نقوداً من فئة الألف ويضعها داخل هذا الظرف ثم أخبرنى أننا سننزل سوياً من السيارة لندخل إلى المدرسة .
    دخلنا إلى المدرسة وكان الجرس قد دق والكل يقف فى الطابور الصباحي
    أبي: غداً بإذن الله ستقفين معهم في الطابور وستنشدين معهم النشيد الوطني
    تبسمت له لأنى لم أفهم مقصده بالضبط
    سرنا في رواق طويل بآخره باب كتب عليه مكتب المدير طرق أبي الباب ودخل وألقى التحية على من كان يجلس خلف المكتب وهو المدير كما عرفت فيما بعد.
    أبي: كيف حالك أستاذ خالد
    الأستاذ خالد: الحمدلله أهلاً بك
    أبي: أريد أن أسجلها – وأشار بيده علي-
    الأستاذ خالد : ما اسمك ياحلوة؟
    أنا ابتسمت بخجل واختبئت خلف أبي فهذه أول مره ينادينى رجل غريب بياحلوة
    أبي: اسمها أنين وهذا ملفها
    انفجر الأستاذ خالد ضاحكاً : أنين!!! عذراً لكن الإسم غريب
    أبي : أحببت أن أميزها عن غيرها هل من اعتراض لديك؟
    خجل الاستاذ خالد من نفسه لانه أبي رد عليه بحزم وأنا زاد احمرار وجهى بسبب ضحكته التى انفجرت على عند سماع اسمي
    الأستاذ خالد: حسناً أرنى الملف وكم عمرها الآن هل أتمت السابعة؟ أو تنقصها عنها بضع شهور؟
    أبي: إنها في الخامسة من العمر
    ألقى الأستاذ خالد بالملف وحدق بذهول في وجهي أبي : هل تمازحنى؟ خمس سنوات وتريد أن تلحقه بالصف الأول من الأفضل أن تبحث لها عن روضة وليس مدرسة
    أبي : أريدها أن تدخل المدرسة وإن لم تنجح هذه السنة تعيدها مره أخرى لامشكلة
    الأستاذ خالد أخذ يقلب ملفى بيديه وقال بصوت الذى عثر على الكنز المدفون: إنها مولودة في الخارج
    أبي : لكنها تحمل جنسية هذا البلد ولن يغير هذا من معاملتها شيئ أليس كذلك؟
    تلعثم الأستاذ خالد من رد أبي و وضع الملف جانباً و قال: حسنا ً راجعنا بعد أسبوعين
    أبي: سيفوتها الكثير على العموم أنا من طرف الأستاذ فارس – ومد له الظرف الذى قد وضع فيه النقود مسبقاً- وغدا سأحضرها بالزى المدرسي بإذن الله
    كان الأستاذ خالد يعد النقود من تحت الطاولة وهو يقول: بالطبع تعرف أنه لايسمح بقبولها في هذا العمر فمدارسنا مكتظة ولن يعاقبنى أحد إن رفضت تسجليها لكن الأستاذ فارس عزيزٌ علينا – أنهى الأستاذ خالد عد النقود وأكمل – حسناً أحضرها غداً بالزي المدرسي لكن لدينا عجزٌ في الكتب ستكون الكتب مشتركة
    أومأ أبي موافقاً وخرجنا من مكتب المدير ثم من المدرسة .
    كنت طوال الوقت أُأدى دور المسجل أستقبل الأحداث و الأحاديث و أخزنها في ذاكرتى دون أن أفهمها .

  4. #4
    مساعدة ادارية الصورة الرمزية Miss.Reem
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    حضرموت نبض قلبي و جدة أنفاس صدري
    المشاركات
    45,067
    معدل تقييم المستوى
    10
    لأول مره أذهب مع أبي إلى السوق فقد اعتاد أبي أن يعطى لعمتى نورة النقود وهى تبتاع لى ما أحتاج من ثياب وغيره .
    كان السوق رائعاً بالنسبة لى و أصوات الباعة وهم ينادون على بضائهم كان بالنسبة لى كمقطوعة موسيقية أحببت كثيراً التجول بين المحلات وأبي يختار لى القمصان البيضاء و البنطال الكمونى فهذا هو الزي المدرسي كان أبي منهمكاً في البحث عن مقاسي الصغير وحين عجز ذهب للبائع: هل أجد عندك زي مدرسي على مقاس هذه الفتاة؟
    ضحك البائع : هل تمزح معي؟ انها صغيرة لن تجد قياسها ان وجدت البنطال بالطول المناسب لن تجده بالعرض المناسب والقميص كذلك بالتأكيد
    احتار أبي : وما العمل؟ غداً ستذهب إلى المدرسة
    أنقذ البائع أبي حين قال له: حسناً دعنا نجد لها شيئاً قريباً من قياسها واحضر إلى هنا بعد صلاة العشاء يكون خياط المحل قد أصلحه على قياسها لكن السعر لن يكون كالذى تأخذه دون تعديل
    أجابه أبي : حسناً لامشكلة سآتى بعد صلاة العشاء بإذن الله لكن تحسباً للأمور الطارئ فى أي ساعة تغلقون المحل؟
    أجابه البائع: في التاسعه
    دفع أبي للبائع مبلغاً من المال وأخذ منه قصاصة كتب عليها مجموعة من الكلمات والارقام.
    أكملنا أنا وأبي جولتنا في السوق واخترت حقيبتى المدرسية و علبة الطعام وقارورة الماء واشتريت أقلام التلوين و الرصاص ودفاتراً ألوانها زاهية واشتريت حذائين ذوا لون أبيض والعديد من بُكلات الشعر البيضاء
    بعد هذه الجولة المكوكية بين الأزقة وفى المحلات عدت إلى البيت منهكة واستلقيت على الأريكة في غرفة الجلوس وأنا أقول لأبي وصوتى يلهث من التعب: كل يوم أريد أذهب إلي السوق وشتري أشياءً جميلة
    ضحك أبي وهو يقول: ياسلام ثم أنا أذهب بجوار المسجد وأشحث لنأكل.
    لم أفهم لماذا قرن الشحاثه بالمسجد وقتها لكن الآن فهمت أن الشحاثته لاتجدى نفعاً إلا بجوار المسجد فالمصلي يخرج وهو خاشعاً يرجو ربه فيصطدم بمن يرجوه إحساناً فيعطى بسخاء لأنه تحت تأثير خشوعه دون أن يفكر هل هذا ممن يستحقون الصدقة؟
    *************************************************
    أول يوم لى في المدرسة كان مثيراً وغريباً ومحفوراً في ذاكرتى حتى اليوم
    دخلت مع أبي إلى المدرسة وكنت ملتصقة به فقد أخبرنى أنه سيدخلنى إلى الصف ثم سيذهب إلى عمله فقد تغيب البارحة ولن يستطيع التغيب اليوم أيضاً كانت مجرد فكرة أنى سأكون فى مكان ما دون أبي أو حتى واحد من إخوتى مخيفة بالنسبة لى .
    كنت أدور بنظرى فى أرجاء المكان وجدت أغلب تلاميذ الصف الاول بجوار أمهاتهم أنا الوحيدة التى كان أبي يقف بجوارى أحسست بنظرات النساء ستأكل أبي وأحسست أن أبي كان يحاول أن يدارى وجهه عنهن فالخجل بدء يسيطر على ملامح وجهه انتهى الطابور وجائت احدى المعلمات وسئلت أبي : بأى صف وضعوها؟
    أبي: لا أدرى بعد لقد قمت بتسجيلها البارحه ولم يتسنى لى الوقت أن أسئل
    المعلمة: ممم مم حسناً لامشكلة سأبحث عن اسمها في كشف الأسماء لكن أعطنى الاسم أولاً
    أبي: أنين
    المعلمة مستفهمه : رنين؟
    أبي : لا أنين أنين حسن
    المعملة عقدت حاجبيها مستفهمة مرة أخرى دون أن تنطق حرفاً ليبتسم لها أبي ويعيد الإجابة: أنين حسن أنين بالألف وليس رنين بالراء
    لم تعلق المعلمة على الاسم لكن الاستنكار نطق فى ملامحها
    ذهب المعلمة لتعود بعد عدة دقائق وتقول لنا : انها في الشعبة الثالثه تعال معى لأرشدك إلى الصف
    مشيت متشبثاً بيد أبي ولا أريد أن أفلتها فقد رادونى شعوراً يقول أنه إن فارقت يدي راحت يده سأموت .
    طرقت المعلمة الباب ودخلت إلى الصف قبلنا وبعد دقائق خرجت ودعتنا للدخول
    دخلت إلى الصف كان ممتلئ بالتلاميذ على اليمين يجلس الذكور وعلى اليسار الإناث وكان هناك عدد من الأمهات يجلس داخل الصف يبدو أنى لست الوحيدة التى تشعر بالخوف
    استقبلتنى المعلمة بصوت مرحب : أهلا وسهلا بالطالبة الجديدة ما اسمك
    أجبتها وانا أكاد أختفى تمام خلف أبي : أنين
    بمجرد أن أنهيت آخر حرف كانت المعلمة قد مسها تيار كهربائي وأجابت بذهول : أنين؟!
    أومأت برأسي مؤيدة كلامها
    حاولت أن تخفى استغرابها من اسمى الذى بات محط تعجب من الجميع ومدت يدها لتمسكنى من يدى وتجلسنى في أحد المقاعد لكن قوة تمسكى بأبي زادت
    أبي: أنا سأجلسها أن مقعدها
    وأشارت له المعلمة على المقعد الثالث فى المنتصف .
    أجلسنى أبي وأخبرنى أنه سيذهب وسيعود بعد الظهر لأخذى إلى المنزل رفضت بعيني هذا الامر وأعينى تتوسل إليه أن لاتتركنى
    اقتربت المعلمة مننا وهى تقول: لماذا لاتأتى والدتها وترافقها في الأسبوع الأول فمن الطبيعي أن تخشى الجلوس في مكان جديد دون أحد والديها
    كانت إجابة والدى عليها : لن تستطيع والدتها أن تأتى وأرجو منك عدم سؤالها عنها
    لم تسئل المعلمة أى سؤال إضافي لا أدرى هل فهمت لماذا لا تستطيع أمى الحضور أم لا؟
    جلس أبي في الصف طوال الحصة الأولى و الثانية وأنا بدئت أستمتع بوجودى فالمعلمة جدُ لطيفه واستطاعت امتصاص خوفي
    كان لابد لأبي أن يذهب فقد تأخر كثيراً على عمله ولا ادرى كيف سمحت له بالذهاب على وعد أنه لن يتأخر .
    عند جرس الفسحة شعرت بالرعب فأنا لأول مره أسمه صوت هذا الجرس كانت الأجراس التى اعتدت على سماعها هى أجراس المنازل .
    بمجرد أن دوى هذا الصوت اكتظت ساحة المدرسة بالبنات و البنين أصوات صراخ من هنا وأصوات ضحكات من هنا أناس يركضون وأناس يأكلون وأنا كنت أقف بجوار أحد الأعمدة الذى كان رفيقى طوال المرحلة الابتدائية اخترت هذا العمود بالذات لأنه بعيد ويسمح لى بمراقبة الجميع ويحمينى من الجميع فقد أصبح جرس المدرسة يعنى الخطر .
    كنت أراقبهم من بعيد أراقب لعبهم وأشعر برغبة عارمة بالنزول واللعب معهم لكنى كنت خائفة فكل محاولاتى السابقة في اللعب تنتهى بأن أضرب .
    وأنا في حالة مراقبتى للجميع اقتربت منى إمرأة مع ابنتها التى أظن أنى لمحتها في الصف
    المرأة: أنين أليس كذلك؟
    أومأت برأسي وقلبي ينتفض من الخوف
    المرأة : أنتى ابنة أخ نورة أليس كذلك؟
    نظرت إليها و الخوف مازال يسكن اطرافي وأنا لا افهم معنى ابنة أخ نورة
    المرأة: انتى عمتكى نورة أليس كذلك؟ ألم تعرفيني أنا صديقتها رأيتك كثيراً عندها بالمنزل
    لا اعرف لماذا أطرقت رأسي خجلاً هل لأنها تعرفني أم لأنها تعرف عمتى نورة؟
    المرأة: لماذا لم تأتى ماما معكي اليوم؟
    أجبتها بسجذاة الأطفال : ماما ذهبت عند ربي لكنها ستأتى غداً .لا اعلم مين أضفت ستأتى غداً؟ولماذا من الأساس أضفتها؟ كنت دائماً أجيب على هذا السؤال بأنها عند ربي وفقط
    هل وقوف ابنتها بجوارها وكونى وحيدة فى مكان غريب جعلنى أرغب فى عودة أمى غداً؟ أم أن وقوفى يوم الجمعة فى منزلى جدى أبحث عن ظهراً أختبئ وراه ولد الرغبة في وجود أم في حياتى؟
    ربتت المرأة على كتفى بحنان ومسحت على شعري برفق وهى تقول:هذى ابنتى رغد فى نفس صفك ما رأيكى أن تكونا صديقتين فهى لاتعرف احداً فى المدرسة .
    أحسست بالألفه معها وكسر حاجز الخوف لأجيبها: وأنا أيضاً لا اعرف احد
    تركتنا ام رغد وذهبت ترقبنا من بعيد كنت واقفة بجانب رغد صامته لا أدرى ماذا اقول لتقطع رغد صمتى قائلة: هيا نلعب هناك
    أنا: لا سأبقى هنا سؤذننا إنهم يركضون بسرعه
    تركتنى رغد وذهبت لحيث يلعبن الفتيات وانسجمت سريعاً معهن وبدئت باللعب وأنا لازلت اراقبهن من بعيد
    ***************************
    عند الظهيرة كان الجميع وكأنهم يحفظون اماكنهم كل مجموعة انطلقت فى طريق إلا أنا بقيت على مقعدى أنتظر أبي فقد وضعنى هنا قبل أن يذهب أى بالتأكيد سيأتى لأخذى من هنا لكن المعلمة صفعتنى بقولها أنه يجب أن أخرج من الصف لأنهم سيغلقوه أين سأذهب؟ وكيف سيستدل أبي على مكانى؟
    خرجت أتتبع خطى التلاميذ الآخرين ووقفت أمام باب المدرسة ونوبة الخوف عادت لتسكننى كنت خائفة من أن لايجدنى أبي وكنت خائفة من أن يأذينى أحد الصبية وهو يركض .
    مرت دقائق الإنتظار كالجمر وعيناى أصبحت كالسد الذي سينفجر من ضغط الماء خلفه ومن بين الزحام أطل أبي تهلل وجهى فرحاً وركضت نحوه ضممته بشدة وأخذت أبكى وأقول له : لا أريد المدرسة
    لم يعلق أبي على عبارتى بل حملنى واتجنا نحو السيارة وهو يقول بأسلوب مشوق: حين كنت عائدا كان هناك سيارتان اصطدمتا ببعض
    رغم بكائي إلا أنى سئلته كيف؟
    ابتسم أبي ابتسامة غريبه ليست بابتسامة الحنان المعتادة وقال: سأخبرك كيف حدث فى الطريق
    ونسيت تماماً مع حديثه انى قلت له لا أريد المدرسة بل انسجمت كثيراً مع حكايته التى أخبرنى حين كبرت قليلاً أنها اختلقها ليشغل تفكيري عن خوفي .
    *****************************
    في المساء كان على أبي أن يعود لعمله مرة أخرى لكنه وقع فى مشكلة لم تكن في الحسبان أين سيضعنى فترة المساء؟ عمتى نورة؟ لايضمن وجودها كل يوم في المنزل
    أعمامي؟ لا أظن أنه بعد الجلسة الساخنه تلك سيرحب أحداً منهم باستضافتى كل مساء عنده
    ما العمل إذاً .
    يا آلله كم كنت مصدر قلق لأبي وكتلة ازعاج فى حياته لكن ليس الأمر بيدي لم أرغب أن أكون هماً ثقيلاً على قلبه لكنه قدره وقدرى .
    قدرى أن اهدي له فرحة أنه أب لأنثى و أهدية غصة مرض أمي .
    كان من الصعب عليه أن يستأذن من عمله لذا قرر أن يستغيث بحسان ليجالسنى حتى يعود هو من عمله
    كنت مصدراً إزعاج له ليس فقط في مشكلة جليس المساء بل أيضاً في الصباح كنت اتعبه في تسريح شعري أريد أن أكون مثل باقى قريناتى لكنه لكم يكن يجيد غير (ذيل الحصان) .
    مرت سنوات الدراسة دون أى مغامرات لكنها علمتنى كيف أحيك القصص الخيالية لأبي فقد كنت أحكي له كيف اليوم لعبت في باحة المدرسة و كيف أنى قمت بإحداث الفوضى مع صديقاتى وعوقبنا بأن نظفنا الباحة وحدنا.
    لكن الحقيقة أنى كنت أذهب إلى المدرسة لألتصق بكرسي حتى آخر النهار كنت خالية من الصدقاء إلا رغد التى فرضت صداقتها على بالقوة بل أصبحت صديقة لى فى المنزل أيضاً, كانت تلك الحكايا التى كنت أحكيها ماهى إلا ماكنت أود أفعله لكن الكثير في داخلى يمنعنى.
    مرت أول سنة وجاء الصيف وعاد إخوتى كنت فرحةً بعودتهم كثيراً فكان لدى الكثير لأحكيه لهم .
    *********************************************
    مرت السنوات سريعاً وكبرت وكبرت الفجوة بينى وبين إخوتى ابتعادهم عنا طوال هذه الفترة جعل العلاقة بيننا باردة نعم لازلت أحبهم ولازالو يبادلوننى نفس الشعور لكن هذا الشعور ليس بنفس دفئه السابق .
    كنا قد ابتعنا منزلاً جديد وخصص أبي لكل واحد من إخوتى شقته الخاص كما أنهم أصبحو أطباء في مشفىً خاص.
    وتزوج إخوتى من بنات عمي وأصبح لكل واحد منهم حياته الخاصه أصبحنا نلتقى مصادفة إما على السلالم أو على باب المنزل لم يكن يجمعنا إلا طاولة العشاء ليلة الخميس و سفرة الغداء في بيت جدي كل جمعة .
    كنت قد بدئت أكبر من كل النواحي أفكارى مشاعرى جسدي ولأنى أصبحت شبه وحيدة و الفراغ كان كبيراً فأبي مساءً فى العمل و بنات عمي ليس لديهن الوقت لطفلةٍ فى الثانية عشراً من عمرها لديها الكثير من الأسئلة تحتاج إلى أجوبة فكنت أبحث عن أجوبة لأسئلتى داخل أوراق الكتب . أصبحت أعشق القراءة وأقرء كل مايقع تحت يدي من كتب وجرائد وكنت أجد نفسي أكثراً فى الشعر كم استمتعت وأنا أقرء أشعار أحمد شوقى وحافظ إبراهيم كنت أتلذذ حين أحفظ قصيدة وأرددها على مسامع أبي كان يشجعنى على القراءة كثيراً ويكافئنى كلما حفظت قصيدة جديدة لكن هناك شيئٌ في داخلى لايرغب بهدية كان داخلى نقص في عاطفة الأمومة رغم أن كنت ولازلت مؤمنة أنه لو كان لدى أم لن أحبها أكثر من أبي لكن هناك أمور فى حياة الفتاة تحتاج لأنثى مثلها لتستمع إليها وبدئت المشاعر المرهفة و الرومانسية تتسلل إلى قاموس مفرداتى بصمت .
    حين أكملت الصف الثامن وحصلت على الامتياز كعادتى ليس لأنى أحب الدراسة مثلاً ولكن لم يكن لدى اهتمامات غير أن أدرس وأقرء الكتب فلم أكن من هواة التلفاز او متابعة المغنيين والممثلات .
    بمناسبة نجاحى أهدانى أبي جهاز حاسوب وفى ذاك الوقت كانت ثورة الشبكة العنكبوتية في أوجها وبالطبع كان مع الجهاز شبكة انترنت وكان أبي القبطان فى رحلة الابحار فى هذا العالم الجديد و الممتع بالنسبة لى علمنى أن أدخل إلى مواقع الأدب الشعر و الروايات وكان قد خصص وقتاً معين يكون فى حضوره للدخول إلى الشبكة العنكبوتية لكن لكثرة إنشغالاته وكثرة مشاكلة بين إخوته وعمله بدئت الساعات تزيد بعلمه أو دون علمه وأصبحت أكمل دراستى لأنطلق في عالم الإنترنت لم يبقى موقعٌ أدبي لم أسجل فيه وأبحر لم يبقى شاعر معروف أو مغمور إلا كنت من المتابعين له وفى غمرة انغماسي فى عالم الشعر و القصص عثرت بالمصادفة على بيت حفر فى قلبي قبل عقلى كان أحد رواد المنتدي الادبي الذى كنت لا افارقه قد أدرجه في أحد ردوده أخذت أقرء أسطرها بنهم وجوع شديد للقراءة
    أنا وحدي
    دخان سجائري يضجر
    ومني مقعدي يضجر
    وأحزاني عصافيرٌ …
    تفتش – بعدُ – عن بيدر
    عرفت نساء أوروبا …
    عرفت عواطف الإسمنت والخشب
    عرفت حضارة التعب …
    وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر
    ولم أعثر …
    على امرأة تمشط شعري الأشقر
    وتحمل في حقيبتها …
    إليَّ عرائس السكر
    وتكسوني إذا أعرى
    أيا أمي …
    أيا أمي …
    أنا الولد الذي أبحر
    ولا زالت بخاطره …
    تعيش عروسة السكر
    فكيف … فكيف يا أمي
    غدوت أباً …
    ولم أكبر …
    كم أحببت هذه الكلمات وكأنها لامست جرحاً في قلبي لم يدمل. أخذت أبحث عن شاعرها حتى وجدته وياليتنى لم أجده فلقد أصبحت مدمنة له أصبحت كل مفرداتى له حتى حين بدئت أكتب كنت أكتب على قافيته لا اعلم لماذا هل لأننى أحببت أحرفه؟ أم لأنى وجدت قافيته سهله لطفلة فى عمري؟
    وبدئت أذيل ردودي فى منتديات الادب بكلماته وقصائده لأفتح على نفسي باباً كنت أجهل وجوده أصلاً.
    أتذكر أنى كنت ألعب مع أبي لعبتى المفضلة
    أبي: ثاو على صخر أصم وليت لى ***قلب كهذى الصخرة الصماء
    ينتابها موج كموج مكارهى *** ويفتها كالسقم في أعضائي
    حسناً ابدئي بحرف الياء
    أنا : يدك التى حطت على كتفي *** كحمامة نزلت لكى تشرب
    عندي تساوى ألف مملكة *** ياليتها تبقى ولا تذهب
    أبي وهو منعقد الحاجبين: لمن هذه الأبيات
    أجبت بفخر لازلت أتعجب منه كلما نطقت اسمه: انها قصيدة لنزار قبانى اسمها يد انها رائعة جدا
    سئلنى أبي بحزم لم أعهده في مواقف مثل هذه: وما الرائع فيها
    عدت لنفس موجة الفخر و الإعجاب: كلماتها جداً رائعه يقول فيها الشمس نائمة على كتفى تشابيهه تدخلنى عالم آخر
    أبي: وهل قرئتى له شيئاً آخر
    ضحكت ببرائه: هل تقصد هل لم أقرء له شيئاً أنا أحفظ اكثر قصائده هل سمعت له خمس رسائل إلى أمي؟ إنها رائعه يكتب لأمه بطريقة رائعه
    صمت أبي قليلاً لكننى لم أصمت بل أكملت حديثي ليقاطعنى أبي : هل قرئتى قصيدة الرسم بالكلمات
    أطرقت رأسي خجلاً ولم أجب
    أبي: هذا ما أريد أن أتحدث عنه لا أنكر أنى من عشاقه أيضاً لكن له اتجاهات تخرج عن الأعراف وله مفردات تخدش الحياء وكثرة قراءة مثل هذه العبارات تنزع الحياء من المرء فيصبح سماعها واستخدامها سائغه له
    لا أعلم لماذا إنجرفت أدافع: لكن يا أبي أنا حين تعجبنى قصيدة له وأجد فيها ماتقول أنسخها على جهازي وأقوم بمسح ماهو مخل بالادب
    ضحك أبي وأخبرنى: لا أريد المزيد من النقاش ياصغيرتي هذا النقاش منتهى لا مزيد من القراءات له.
    صمت أتصنع الموافقه وأنا فى قرارة نفسي رافضة لهذا القرار وبدئت لأول مره فى حياتى أقوم بفعل أشياء في الخفاء أشتري دواوين نزار خفية وأقرئها تحت غطاء السرير ليلاً أو مساءً بعد أن أغلق باب الشقة جيداً بعد خروج أبي .
    وكبرت وكبر نزار معى وكبرت معه المشاعر المرهفة وأصبحت حساسة أكثر من ذى قبل وأذنى تركض خلف أى كلمة حانية .
    ولأنى أصبحت غارقة حتى النخاع فى عالم الانترنت بدئت أتجاوز الحدود وأتحدث مع الجميع ذكوراً أو إناث كنت وقتها في الثالثه عشراً و نيف وكنت أتحدث مع الجميع بنية صافيه كان كل هدفى من الغوص في عالم الإنترنت هو أن أثري لغتى حتى أصبح كاتبة يشار إليها بالبنان فكانت كل أحاديثتى تتمحور حول مواضيع محددة هل قرئتم قصيدة أحمد مطر؟ أحاديث الأبواب؟ هل رأيتم كيف ربط بين الشحاذ و الباب؟
    وبدئت الذئاب تطرق قلبي من هذا الباب هذا يهدينى قصيدة لنزار وهذا يبعث بأبيات لمحمود درويش وآخر يهدينى بطاقة صوتية من أشعار كريم العراقي وبدئت أغوص في هذا العالم أكثر فأكثر حتى غرقت.
    لا اعلم ما الذى أشغل أبي عنى لهذا الحد؟ كنت لا أتنفس إلا وهو بجوارى وإخوتى رزقو باأولاد فأصبحت آخر اهتماماتهم.
    تعرفت فى احد المواقع على فتىً يسمى عُمر كانت ردوده دائماً تنتهى بهذه الأبيات
    أريحيني على صدرك
    لأني متعب مثلك
    غدا نمضي كما جئنا..
    وقد ننسى بريق الضوء والألوان
    وقد ننسى امتهان السجن والسجان..
    وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان
    وقد ننسى وقد ننسى
    فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان
    ويكفي أننا يوما.. تلاقينا بلا استئذان
    كان أول حديث خاص بيننا هو لمن هذه الأبيات؟ وياليتنى لم أسئل فقد أعطيته نقطة ضعفي دون أن أدري.
    لم يتأخر عن إجابتى فقد أتى رده سريعاً بكامل القصيدة إنها لفاروق جويدة واسمها شيئٌ سيبقى بيننا إقرئيها كاملة انها رائعه سأنتظر رأيك فيها
    وبكل سذاجة وبكل ذرة تعشق الشعر في جسدي توجهت للقصيدة وقرئتها أكلتها شربتها امتزجت بها وعدت لأكتب رأي وما أحسست فيها: اخى عمر رائعة القصيدة أحببتها كثيراً هل قرئت حين قال
    وجئت إليك لا أدرى لماذا جئت
    فخلف الباب أمطار تطاردنى
    تخيلت أن المطر إنسان مخيف , عمر هل لديك قصائد آخرى؟ فأنا أحب الشعر كثيراً
    عمر: بالتأكيد هناك قصيدة لمحمود درويش أقل مايقال عنها تحفة فنية يقول في أحد أبياتها
    و أقسم
    من رموش العين سوف أخيط منديلا
    و أنقش فوقه لعينيك
    و إسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا ..
    يمدّ عرائش الأيك .
    سأكتب جملة أغلى من الشهداء و القبّل:
    "فلسطينية كانت.. و لم تزل!"
    أنا : انها رائعه اعطنى اسمها
    وكعادته هذا العمر لم يكن يتأخر عني ولا مره بل كان يتفنن في انتقاء القصائد التى تشعلنى شعراً تشعلنى عاطفة وزادت أحاديثنا الخاصة وأصبحنا نتحدث صباحاً ومساءً وفى الظهيرة .
    استمرت احاديثنا طويلاً بل أصبح هذا العمر أقرب شخص لي بعد أبي أصبحت أحس أنى أشعر بالراحه و أنا أتحدث معه بل أصبحت أنتظر اوقات تواجده بفارغ الصبر كان أول من يطلع على خربشاتى الصغيرة قبل أن أنشرها بين حوائط المنتديات الأدبيه وكان أول المشجعين لي .
    وجاء موعد الثانوية العامة وأعلن أبي أنه سيأخذ جهاز الحاسوب إلى شقة أحد إخوتى حتى ينتهى العام كدت أجن من هذا القرار ستة ٌ أشهر دون عمر؟ دون نزرا قباني محمود درويش احمد مطر فاروق جويدة؟
    مابه أبي يحكم علي بالإعدام
    رغم أن أبي كان حنوناً ولايستطيع أن يرفض لى طلب اصر هذه المرة على قراره فقد أحس أن هذا الجهاز اللعين أبعدنى عنه فبدلاً من أن أمارس لعبتى المفضلة معه فى أن نتبارز بالأبيات الشعرية أصبحت أفضل البقاء أمام شاشة حاسوبي .
    وقررت أن أودع أصدقائي فى العالم الافتراضي الذى أقحمت نفسي بين جدرانه هذا ماكنت أنويه لكن قلبي كان يدق بشدة و يأن لأنى سأفتقد عمراً كثيراً مشاعرى نحوه تغيرت مضى على معرفتنا ببعض سنتين ونيف وفي كل مرة أتحدث معه تخالطنى مشاعر وخفقات لا أفهم معناها وكان هو يغذى هذه الخفقات بالقصائد التى كان ينتقيها أو يكتبها وودعت عمر على عهد أن اللقاء بعد ستة أشهر بالتمام يومها كان حديثى معه مختلفا كنت أوشك أن أقول له أحبك لا أعلم متى تسللت هذه الكلمة لقاموسى ولا أدرى متى اقتنع عقلي أن يقولها لغير أبي؟
    واستيقظت في اليوم التالى لأجدهم قد صادرو جهاز الحاسوب أحسست يومها بضيق شديد كدت أجن لن أفتحه لكن ليدعوه في غرفتى أحسست فى تلك اللحظة أن عمر قد خرج من حياتى بمجرد خروج جهاز الحاسوب
    يومها طلبت من أبي أن نخرج من المنزل لايهم أين المهم أن أخرج .
    كنا قد أحضرنا بعض الشطائر وجلسنا على شاطئ البحر لتمر أمامنا إمرءة معها أطفالها وتتسمر عيناى عليهم كنت أراها تلعب مع أطفالها على الشاطئ تبللهم بالماء ليبادلوها الرشقات كنت أنظر لها كيف تحتضنهم تغمرهم بالماء وتخرجهم وكأنها ستغرقهم وهم يضحكون وهي تبادلهم الضحك
    أبي وقد شعر بما يدور فى قلبي احتضننى وهو يضحك : يبدو أننى أصبحت عجوزاً ومجالستى ممله
    ضحكت ولازالت عينى تراقب المرأة وأطفالها وقلت لأبي: أحياناً أشعر أنك أب وأم وأشعر أنى أفضل من قريناتى لأنك أقرب لى من أنفاسي لكن فى نفس الوقت تمر بي أوقات أرغب وبشدة أن تكون لى أم.
    مسكينٌ أبي لم يستطع أن يجيب على كلامى فاكتفى بأن قال لى : فى نشرة الاحوال الجوية قالو أنها اليوم ستمطر.
    ابتسمت له وعدت أراقب المارة و أراقب من على الشاطئ وفكرى مشغول بعمر يالتلك الأسئلة التى دارت فى فكرى من المفترض أن نتحدث سوياً بعد عدة ساعات هل سينتظرنى؟ أم سيجد من يتسلى ويتحدث معه؟ هل سيشتاق لى ؟أم أنى مجرد عابرة سبيل ولا مكانة لى فى قلبه؟
    يآه يا أنين ماكل هذه الأسئلة؟ منذ متى أنا افكر فى هذه الأشياء؟ منذ متى وأنتى توجهين مشاعركى فى هذا الطريق؟
    لم أجب على تساؤلاتى روحي فقد تركت الصدى يجيب وبقيت منشغلة بالتأمل والبال مشغول.
    بدئت السماء ترشنا بقطرات المطر
    أبي: هيا بنا قبل أن يشتد المطر
    أنا: كلا أرجوك يا أبي أريد البقاء تحت المطر
    أبي: أنين سيشتد المطر وأيضاً الجو بارد لقد أصبحت عجوزاً لن احتمل هكذا طقس
    ضحكت كثيراً فـلأول مرة ينعت أبي نفسه بالعجوز: أبي أرجوك لست عجوزاً إلى هذا الحد دعنا نبقى تحت المطر قليلاً انها لاتمطر كثيراً وحين تمطر نختبئ؟ أرجوك
    ضحك أبي: لست عجوزاً إلى هذا الحد؟تقصدين أنى أصنف من العجائز؟
    ضحكت على كلامه دون أن تنجح محاولاتى لكتم ضحكاتى
    أبي: حسناً لكن أنا سأبقى داخل السيارة وحين تمرضين لن أذهب بك إلى الطبيب
    عدت للضحك من أعماق قلبي على كلامه وأجبته موافقة: حسناً لا تذهب بي إلى الطبيب لكنك ستحضره إلى البيت
    أبي: يامحتاله هيا الى السيارة
    ووقفت بجوار السيارة وكان أبي يجلس داخلها وبدئت قطرات المطر فى الإزدياد وكنت أقف تحت المطر أغتسل كنت أرغب أن أغسل احتياجي للأم حتى لا أؤلم أبي مرة أخرى .
    لأول مرة يكون لقائي بالمطر له رائحة مختلفه . كان المطر يتساقط على وجنتى وأنا أفكر كفتاة ناضجة الجسد وطرية المشاعر كنت أحلق مع المطر فى فضائات وردية كنت أنظر إلى السماء وكأن المطر و السحب يشكلان لوحة رسم فيها وجه عمر كنت أتخيل ملامحه تفاصيل وجهه فلم يسبق لى أنى رأيته و هاهو المطر يرسمه لى قطع أبي لوحة الرسم قبل أن تكتمل ليأمرنى بأن أصعد إلى السيارة لنعود إلى المنزل قبل أن أصاب بنزلة برد.

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بيت الرعب في لندن … زنزانة لندن
    بواسطة ليدي الامورة في المنتدى المسافرون إلى أوروبا وأمريكا
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-04-2016, 05:29 PM
  2. تحت المطر !
    بواسطة البندري2009 في المنتدى صورXصور
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-02-2010, 10:32 PM
  3. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-07-2009, 11:21 PM
  4. مع المطر
    بواسطة درةالجنوب في المنتدى قصائد , خواطر , لـــــ لمنقول ( مما راق لي )
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 16-12-2006, 04:06 AM
  5. المطر
    بواسطة الاسير في المنتدى تأويل,(لكل عضوة رؤيا واحدة في كل اسبوع)
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-06-2004, 05:15 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |