مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء

  1. #1
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24

    مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء




    مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


    عباد الله: قد جعل الله المؤمنين إخوة، وعقد بينهم هذا العقد العظيم في كتابه، ووصفهم بذلك: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]
    (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [الأنبياء:92]، وقال نبيُّه -عليه الصلاة والسلام-: "وكونوا عباد الله إخوانا" رواه البخاري.



    ولا يحب الإنسان لنفسه إلا الخير، ولذلك فهو يحبه لإخوانه، في مشارق الأرض ومغاربها، وإن من عقد الإخوة أن تفرح لفرح إخوانك المسلمين في العالم، وأن تحزن لما أصابهم من الكرب والشدة، كما قال نبيك -صلى الله عليه وسلم-: "يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس" رواه أحمد وحسنه الألباني؛ فهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.



    إنها الولاية بين المؤمنين التي عقدها الله بقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [التوبة:71]
    ولذلك فإن المؤمن لا يكتفي بسلامة نفسه، وأهله، وماله هو؛ وإنما يريد أن تسلم أيضاً لإخوانه المسلمين أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم.



    ولذلك يتساءل المسلم إذا رأى إخوانه المسلمين في مكان في العالم في لأواء، أو شدة، أو ضنك، ماذا أقدم لهم؟ ماذا عساي أن أفعل لهم؟
    (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود:80]
    ولكن هناك أمر سهل عظيم، "الدعاء هو العبادة" رواه الترمذي وصححه الألباني؛ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]
    وهكذا يجد المؤمن في المتناول ما يفعله لإخوانه.


    وَإِنِّي لَأَدْعُو اللهَ وَالأَمْرُ ضَيِّقٌ *** عَلَيَّ فَمَا يَنْفَكُّ أَنْ يَتَفَرَّجَا


    وَكَمْ مِنْ فَتَىً ضَاقَتْ عَلَيْهِ وُجُوهُهُ *** أَصَابَ لَهَا مِنْ دَعْوَةِ اللهِ مَخْرَجَا



    ومن أسرع الأدعية استجابة دعاءُ الغائب للغائب، فإذا غاب عنك أخوك، أو إخوانك في مكان ما من العالم، فإنك تدعو لهم؛ ودعوة الأخ في الله تستجاب، وإخوان العشرة لوقت العسرة، والعاطفة والمحبة بين المؤمنين تقتضي أن لا ننساهم من دعائنا.


    وتشتد حاجة المسلمين بعضهم لبعض عندما تكثر الفتن، والمحن، والابتلاءات، والمصائب، فيتضرع بعضهم من أجل بعض، (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل:53]، وهكذا ليس شيء أكرم على الله من الدعاء، وإذا أصاب إخواننا في الأرض شيء من الشدة فزعنا إلى الله من أجلهم، وامتثلنا قول الله: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ)[الأنعام:43].



    فإذا جاءهم كأنه جاءنا، فنحن وهم شيء واحد، إنه بنيان الإيمان، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" رواه البخاري، هو أخوه لا يخذله، ولا يسلمه، كيف يتركه؟!
    كيف يتخلى عنه؟!
    ولو لم يملك إلا هذا اللسان لكي يجأر إلى الله به؛ جأر وتضرع.



    رأى حبيب أبو محمد -من السلف الصالح- ظالماً يضرب امرأة عجوزاً بالسوط فقال: اللهم اقطع يده. فما لبث إلا ثلاثة أيام حتى قطعت يد ذلك الظالم في سرقة.


    ارفَعْ أَكُفَّكَ بِالدُّعَاءِ تَضَرُّعَاً *** مَا خَابَ مَنْ يَرْجُو الكَريمَ وَيَطْلُبُ


    اسألْهُ ذُلَّاً لِلَّذِينَ تَجَبَّرُوا *** فَاللهُ يَقْصِمُ مَنْ يَشَاءُ وَيَعْطِبُ



    ولما علم الأنبياء هذا المقام، قاموا بالدعاء لغيرهم، فهذا إبراهيم أبونا يقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم:40-41]
    فلم يكتف بالدعاء لنفسه، بل شمل ذريته، وإخوانه المؤمنين إلى قيام الساعة.



    وكذلك (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [المائدة:114]
    ومن قبلُ نوحٌ أبونا -عليه السلام-، أبو البشرية الثاني، الذي قال في دعائه: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[نوح:28].



    بل حتى ملائكة الرحمن تدعو للمؤمنين، أليسوا إخواناً لهم في الإيمان؟!
    (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [غافر:7-8]، وهكذا يستغفرون لمن في الأرض.



    وإذا نظرنا في أدعية نبينا -صلى الله عليه وسلم- لإخوانه، فإننا نجد في دعائه في بدر لما التقى الصفان: "اللهم أنجِزْ لي ما وعدتَّني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام"، يعني: هذه المجموعة "لا تعبد في الأرض" رواه مسلم.



    ولما رأى عدد أصحابه ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً، والكفار ثلاثة أضعافهم، فلما رأى قلة العدد والعدة عند المؤمنين، وكثرة ذلك عند الكافرين، قال داعياً لإخوانه وأصحابه:"اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم"، ففتح الله له يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا، وشبعوا. رواه أبو داود وحسَّنه الحافظ ابن حجر.



    وكان -عليه الصلاة والسلام- يدعو لأصحابه إذا خرجوا في غزوة، أو سرية فيقول: "اللهم سلِّمْهُم وغَنِّمْهُم" رواه ابن حبان وصححه الألباني؛ فكانوا يسلمون ويغنمون.



    ولما كان من أصحابه في مكة تحت الظلم، والقهر، والتعذيب، كان يقول في قنوته: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين" متفق عليه.


    ولما قدم المدينة ورأى أصحابه المكِّيين قد أصابتهم الحُمى، واشتاقوا إلى مكة، قال: "اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم صَحِّحْها"، يعني: اجعل جوها صحياً، واجعل هواءها وماءها صحياً صحيحاً، "وبارك لنا في صاعها ومُدِّها، وانقل حُمَّاها إلى الجحفة" متفق عليه.



    ولما انقطع المطر دعا للمسلمين: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" رواه البخاري
    وهكذا لما كثُر المطر، وتهدمت البيوت، وتقطعت السُبل، وهلكت المواشي من كثرة المطر، رفع يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والضراب والأودية ومنابت الشجر، فانقطع المطر" رواه البخاري
    وهذا يسمى دعاء الاستصحاء إذا خيف من كثرة المطر والضرر.



    نظر النبي -عليه الصلاة والسلام- قِبَل اليمن فقال: "اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا" رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح؛ ولما أبت دوس وعصت قال: "اللهم اهْدِ دَوْسَاً وأْتِ بهم" متفق عليه؛ وهكذا ذهب يدعو لأهل البقيع.



    يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ *** أَنْتَ المعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ


    يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا *** يَا مَنْ إِليْهِ المشْتَكَى وَالمَفْزَعُ



    يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِهِ فِي قَولِ كُنْ *** اُمْنُنْ فَإِنَّ الخيرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ


    مَا لِي سِوَى فَقْرِي إِلَيْكَ وَسِيلةٌ *** فَبِالافْتِقَارِ إِلَيْكَ فَقْرِي أَدْفَعُ



    مَا لِي سِوى قَرْعِي لِبَابِكَ حِيلةٌ *** فَلَئِنْ رُدِدْتُ فَأيَّ بابٍ أقرعُ؟


    وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو لأصحابه حتى في صلاته، ولما سمع صوت عباد بن بشر قال:"اللهم ارحم عباداً" رواه البخاري، ودعا لشاب أن يعافيه الله من الزنا، وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهِّرْ قلبه، وحَصِّنْ فرجه" رواه أحمد وصححه محققو المسند.



    وكان يدعو حتى للأطفال، كما قال أبو موسى -رضي الله عنه-: ولد لي غلام، فأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة. رواه مسلم. فهكذا الدعاء للمسلمين كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، سواء كانوا قريبين أو بعيدين.



    اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لإخواننا المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل علينا وعليهم السكينة والطمأنينة، وارزقنا وارزقهم من حيث لا يحتسبون، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    الخطبة الثانية:

    الحمد لله أحمده وأشكره، وأثني عليه ولا أكفره، وأخلع كل من يكفره؛ وأشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، لا إله إلا هو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء.


    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وذريته، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيل ربه صدقاً، فصلوات الله وسلامه عليه.


    عباد الله: لقد جرى السلف على هذا المنوال في الدعاء لإخوانهم، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10]
    يعني: من بعد المهاجرين والأنصار.



    قال الأصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم لقتال الترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع؟
    -ونحسبه من أولياء الله-، فقيل: هو ذاك في الميمنة، جامح بقوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء يدعو بها. فقال: تلك الأصبع أحب إليّ من مائة ألف سيف شهير، وشاب طرير.



    ومن عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لا يؤبه له، لكن دعاءه مستجاب؛ ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" رواه أبو داود وصححه الألباني. وهذا يدل على فساد قول القائل:



    إِسْلَامُنَا لَا يَسْتَقِيمُ عَمُودُهُ *** بِدُعَاءِ شَيْخٍ فِي زَوَايَا المَسْجِدِ


    بل يستقيم وزيادة! ودعاء الشيخ في زوايا المسجد قد يكون فيه خير عظيم للأمة أجمعين.


    ولما استفحل أمر التتر واجتمعت الجيوش الشامية والمصرية لقتالهم، وتضرع الناس في سائر الأمصار إلى الله أن ينصرهم، وأن يكسر شوكة التتر، فكانت الأخبار تأتي بنصر المسلمين، وأن السيف يعمل في رقاب التتر ليل نهار، وأنهم هربوا، وفروا، واعتصموا بالجبال، والتلال، ولم يسلم منهم إلا القليل، فاستقرت خواطر الناس، وتباشروا لهذا الفتح العظيم، والنصر المبارك، كما قال ابن كثير رحمه الله يروي أخبار المعركة.



    ولما غزا المسلمون بقيادة قتيبة بلدة بيكند أدنى مدائن بخارى إلى النهار، وأبطأ خبره على المسلمين، اشتد الناس بالدعاء لهم بالمساجد والأمصار، فمنح الله المسلمين أكتافهم، يعني: أكتاف الكفار.


    قال بقية: كنا مع إبراهيم في البحر وهبت ريح، وهاجت الأمواج، واضطربت السفينة، وبكى الناس، فقلنا يا أبا إسحاق ما ترى الناس فيه؟ فرفع رأسه وقد أشرفنا على الهلاك، فقال: يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي يا قيوم، قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك. فهدأت السفينة من تلك الساعة.


    والقائد كان يدعو لجنده، فلما غزا عبد الله بن قيس -رحمه الله- خمسين غزاة ما بين شاتية وصائفة في البحر، لم يغرق فيه أحد، ولم ينكب من عسكره، وكان دائماً يسأل الله أن يرزقهم العافية، يقول: ارزقني العافية في جندي، وأن لا يبتليهم بمصاب.


    وكان صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- إذا اشتد الأمر يقول: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل. ويشتد في البكاء والدعاء؛ فيستجيب الله، ويجعل أمر الصليبيين في اضطراب، ويعودون إلى بلادهم بِشرِّ مآب.


    وحُبس رجل كان يجلس في مجلس عطاء السُليمي، فلما علم بحبسه، رفع يديه وبكى، وألح في الدعاء. قال الراوي: فوالله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل!
    أي: أنه أُخرج.



    وحبس الحجاج الظالم مورقاً العجلي -من علماء السلف- فحاول الناس في إطلاقه فأعياهم، فقال بعضهم لبعض: تعالوا ندعو الله، فدعوا مطرف بن عبد الله بن الشخير -من علماء السلف وصالحيهم-، فأمهم ودعَوا الله، فلما كان من العشي، أذن الحجاج للناس بالدخول عليه، فدخل أبو مورق فيمن دخل، فلما رآه الحجاج قال لحرسه: اذهبوا مع هذا الشيخ إلى السجن فادفعوا إليه ابنه، دون مطالبة!.


    عباد الله: إن شأن الدعاء عظيم، والدعاء للآخرين قد يكون منفعة لك أنت يا عبد الله يوماً ما، وفي لحظة ما، وإذا تحرى المسلم أوقات الإجابة: كآخر ساعة من يوم الجمعة، وبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ولم ينس نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة عليه في الدعاء، وكان على طهارة، واستقبل القبلة، ورفع اليدين، وأخلص، وانكسر قلبه، ونادى بالأسماء الحسنى، وألح وكرر، وتضرع وانكسر، (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً)[الأعراف:205]
    فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد.



    فالتوسل إلى الكريم باسمه، وخفض الصوت في دعائه، رغبة ورهبة، مع الاعتراف بالذنب كما يدل عليه دعاء سيد الاستغفار، وإذا أطلق لسانك بالدعاء، فاعلم أنه يريد بك خيراً سبحانه، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186].



    وإذا دعوت، ودعوت، ودعوت على هذا المنهاج، ولم تر استجابة فورية؛ فاعلم أنه قد حصلت أمور: إما أنه يؤخر لتزداد دعاءً فتزداد خيراً، وتزداد قرباً فتزداد منزلة عنده، ثم يجيبك؛ أو أنه قد دفع عنك شراً لا تعرفه كمثل ما دعوت أو أكثر؛ أو أنه ادخر لك مثوبة في الآخرة ستحمد عليها يوم القيامة.



    قال -عليه الصلاة والسلام-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" رواه مسلم، ويكون الدعاء بجوامع الأدعية، ومنها: "اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا" رواه الترمذي وحسَّنه الألباني، يعني: لا تنزل بنا ما ينقص الدين من اعتقاد سوء، أو بدعة، أو أكل حرام.



    والإنسان لا ينسى إخوانه حضراً وسفراً، قال ابن عباس: قال عمر: أخرجوا بنا إلى أرض قومنا، فكنت في مؤخر الناس مع أبي بن كعب فهاجت سحابة، فقال: اللهم اصرف عنا آذاها؛ لأن هؤلاء الآن منقطعين في أرض سفر، يلجؤون إلى أين إذا صار المطر الشديد؟
    قال: فلحقناهم، وقد ابتلت رحالهم، وحصل بهم شيء من الأذى، ولم يحصل لهؤلاء، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا!
    قلت: إن أبا المنذر قال: اللهم اصرف عنا آذاها، قال: فهلا دعوتم لنا معكم. ورجاله ثقات.



    وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، وخصوصاً عندما يرى إخوانه في البلاء.

    كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنا المُسْتَغِيثُونَ وَهُمْ *** قَتْلَى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزُّ إِنْسَانُ


    مَاذا التَّقاطُعُ فِي الإسْلامِ بَيْنَكُمُ؟ *** وَأَنْتُمُ يَا عِبادَ اللهَ إَخْوَانُ



    أَلَا نُفُوسٌ أَبِيَّاتٌ لَهَا هِمَمٌ؟ *** أمَا عَلَى الحَقِّ أنصارٌ وَأَعْوَانُ


    اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا أرحم الراحمين، لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور؛ اللهم ارحمنا وآباءنا وأمهاتنا يا أرحم الراحمين، أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أدخلنا الجنة مع الأبرار، ارزقنا الفردوس الأعلى، اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما.


    اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أحسِن وقوفنا بين يديك، ولا تعذبنا يوم العرض عليك، واجعلنا في ظل عرشك يا كريم؛ اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واهد ضالنا، واستر عيوبنا، واقضِ ديوننا، وفرج كروبنا، يا أرحم الراحمين.


    اللهم إنه قد نزل بإخواننا المسلمين في الأرض ما لا يعلمه إلا أنت من اللأواء، والشدة، والضنك، اللهم إنا فزعنا إليك، اللهم إنا توكلنا عليك، اللهم إنا التجأنا إليك، اللهم فاكشف ما نزل بإخواننا من ضر يا رب العالمين، اللهم اكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين، اللهم عجل فرجنا وفرجهم إنك أنت الكريم، يا ذا العرش العظيم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.


    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    الشيخ محمد صالح المنجد




  2. #2
    إدارية ومشرفة الركن الإسلامي
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    19,702
    معدل تقييم المستوى
    10
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    اللهم امين ..

    اللهم اكشف العمة عن اخواننا المستضعفين في كل مكان .. اللهم كن لهم عونا ونصيرا ,, وثبتهم على الدين ,, وارحم موتاهم ,, وارزقهم القوة والصبر والاحتساب ...

    خطبة قيمة المعاني ومواقف مؤثرة تدمع لها القلوب والابصار ..
    نفع الله بها ونفع بشيخنا وحفظه من كيد الكائدين ..

    شكر الله لك وجعلك مباركة اينما كنت ياغاليه ..
    دخول متقطع ،، ارجو المعذره ،،
    نسأل الله العفو والعافيه في الدنيا والاخره
    (رحمك الله ياأبتاه وغفر لك وجعل مأواك جنة الفردوس الاعلى وجمعنا بك فيها )

    للمحتشمات ( أعجبني )
    هذا البهاءُ الذي يزدانُ رونقُـــــــهُ
    فيكن من يا تُرى بالطهـر حلاه ؟
    هل مثلكن نساء الارض قاطبـة
    أم خصكن بهذي الفتنــــةِ الله ؟
    (د. فواز اللعبون )


  3. #3
    مشرفة الركن الإسلامي الصورة الرمزية ام سارة**
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    5,124
    معدل تقييم المستوى
    24
    اللهم آميين
    حقن الله دماء المسلمين بكل بقاع الارض وحفظهم ويسر امرهم وآمنهم بأوطانهم
    ورفع الله عن كل أمتنا الاسلامية الكربة وهون اللهم عليهم ورزقهم الثبات واليقين
    جزاك الله خير حبيبتى وبارك فيك


المواضيع المتشابهه

  1. سجل حضورك اليومي بالدعاء لمرضى المسلمين
    بواسطة حدني طفل في المنتدى الطب النبوي
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 08-05-2018, 12:30 AM
  2. مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 23-12-2016, 07:52 AM
  3. مسجات مسائية
    بواسطة خواطر خاطري في المنتدى رسائل الجوال
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 24-10-2016, 10:29 PM
  4. مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 20-06-2007, 06:54 PM
  5. أخواتى أريد مساندة منكم
    بواسطة الملاك الحائر في المنتدى أخواتي , ساعدوني,النجده ,help me
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-06-2007, 01:14 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

مواقع النشر

مواقع النشر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

أهم المواضيع

المطبخ

من مواقعنا

صفحاتنا الاجتماعية

المنتديات

ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي |