الدرس 18 من أذكار الصباح والمساء أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الأخلاص
اليوم موعدنا من ذكرين كريمان نبدأ بذكر كريم من الأذكار التى يستفتح به اليوم ذكر يجمع معانى التوحيد والتجديد
"أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص، ودين نبيَّنا محمد صلى الله عليه وسلم وملَّة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين"
وإذَا أمْسَى قَالَ: أمْسَيْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلامِ.
شرح الحديث المشتمل على الذكر
إن من الأذكار العظيمة التي كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح، ما رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين"وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع هذه الملة وهداه إليها، كما قال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
صحيح الجامع (رقم:4674).
وما أجمل أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات العظيمة، المشتملة على تجديد الإيمان، وإعلان التوحيد، وتأكيد الالتزام بدين محمد صلى الله عليه وسلم، والاتباع لملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الحنيفية السمحة، والبعد عن الشرك كله صغيره وكبيره.
فهي كلمات إيمان وتوحيد، وصدق وإخلاص، وخضوع وإذعان، ومتابعة وانقياد، جدير بمن يحافظ عليها أن يتأمل في دلالاتها العظيمة ومعانيها الجليلة.
وقوله: "أصبحنا على فطرة الإسلام" أي: من الله علينا بالإصباح ونحن على فطرة الإسلام مستمسكين بها، محافظين عليها، غير مغيرين ولا مبدلين.
وقوله: "فطرة الإسلام" أي: دين الإسلام الذي فطر الله الناس عليه، وذلك بأن يقيم المرء وجهه لدين الله حنيفا، بالتوجه بالقلب والقصد والبدن إلى الالتزام بشرائع الدين الظاهرة والباطنة، كما قال الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
سورة: الروم، الآية (30).
قال ابن كثير - رحمه الله - في معنى الآية: "يقول تعالى فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره"تفسير ابن كثير (6/320) اهـ كلامه رحمه الله.
فهذا الأصل في جميع الناس، ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته فأفسدها، كما في حديث عياض المجاشعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا" رواه مسلم في صحيحه صحيح مسلم (رقم:2865).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"
صحيح مسلم (رقم:2658).
ولا شك أن نعمة الله على عبده عظيمة أن يصبح حين يصبح وهو على فطرة سليمة لم يصبها تلوث أو تغير أو انحراف.
وقوله: "وكلمة الإخلاص" أي: وأصبحنا على كلمة الإخلاص، وهي كلمة التوحيد لا إله إلا الله، تلكم الكلمة العظيمة الجليلة التي هي أفضل الكلمات العظيمة وأجلها على الإطلاق
بل هي رأس الدين وأساسه ورأس أمره، لأجلها خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وهي زبدة دعوة المرسلين وخلاصة رسالاتهم، وهي أعظم نعم الله على عباده
وفي هذا يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله"ذكره ابن رجب في كلمة الإخلاص (ص:53).
وكلمة لا إله إلا الله هي كلمة إخلاص وتوحيد، ونبذ للشرك، وبراءة منه ومن أهله، قال الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}
سورة: الزخرف، الآية (26 - 28).
وإذا أصبح العبد وهو على هذه الكلمة العظيمة لم يغير ولم يبدل فقد أصبح على خير حال، ولعظم شأن بدء اليوم بهذه الكلمة العظيمة جاء الحث على الإكثار من قولها مرات عديدة كل صباح، وقد سبق ذكر أجر من قالها حين يصبح عشر مرات، وأجر من قالها حين يصبح مائة مرة.
وقوله: "وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم" أي: وأصبحنا على ذلكم الدين العظيم الذي رضيه الله لعباده دينا، وبعث به نبيه الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم
وقال فيه سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا} سورة: المائدة، الآية (3)، وقال سبحانه: {إن الدين عند الله الأسلام} سورة: آل عمران، الآية (19)
وقال سبحانه: {ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
سورة: آل عمران، الآية (85) .
فهذا هو دين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وإن نعمة الله جل وعلا على عبده عظيمة أن يصبح على هذا الدين العظيم والصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
يقول الله تعالى مذكرا عباده الذين حباهم بهذه النعمة ومن عليهم بها: {ولكن الله حبب إليكم الأيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} سورة: الحجرات، الآية (7)
ويقول تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم}
سورة: النور، الآية (21).
فلله ما أعظمها من منة وما أجلها من نعمة.
وقوله: "وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين"
أي: وأصبحت على هذه الملة المباركة ملة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وهي الحنيفية السمحة والتمسك بالإسلام والبعد عن الشرك، ولهذا قال "حنيفا مسلما وما كان من المشركين"، وهي ملة مباركة لا يتركها ولا يرغب عنها إلا من حكم على نفسه بالغي والسفه، ولهذا قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}
سورة: البقرة، الآية (130).
سورة: الأنعام، الآية (161)
وقال تعالى ممتنا على عباده بهذه النعمة: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم} سورة: الحج، الآية (78).
وإذا أصبح العبد وهو على هذه الملة المباركة الحنيفية السمحة فقد أصبح على خير عظيم وفضل عميم.
فكم هو جميل وعظيم أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات المباركة، ويوم يفتتح بكلمات هذا شأنها من قلب صادق أكرم به من يوم.
فائدة
من الأذكار النبوية الصحيحة ما يلي : (أصبحنا على فطرة الإسلام وعلى كلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين) .
السؤال هو إذا كان الداعي مسلما عجميا غير عربي مثلى أنا ، فهل عليه أن يقول : (أبينا إبراهيم) أم يكتفي بقول (وعلى ملة إبراهيم) دون كلمة (أبينا) لأنه يعرف يقينا أنه ليس من ذرية إبراهيم عليه السلام؟
روى الإمام أحمد (14938) عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى : (أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)
وفي رواية : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا إِذَا أَصْبَحْنَا : أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وَإِذَا أَمْسَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ .
رواه الطبراني في "الدعاء" (293) وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (20641) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2989) .
والمشروع في حق كل مسلم عربياً كان أم غير عربي أن يقول هذا الدعاء بلفظه : (أبينا إبراهيم) وذلك للأسباب التالية :
1- أن إبراهيم عليه السلام ليس أباً للعرب فقط ، بل هو أيضاً أبو بني إسرائيل ، وإسرائيل هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إبراهيم أبو العرب وأبو الإسرائيليين " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (189 / 16).
2- أن كل نبي هو بمنزلة الأب لأمته وأتباعه .
كما قيل في قوله تعالى عن نبيه لوط عليه السلام : (قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) هود / 78 . قال مجاهد : "لم تكن بناته ، ولكن كنَّ من أمّته ، وكل نبي أبُو أمَّته" . "تفسير الطبري" (15 /414) .
قال ابن كثير :
"يرشدهم إلى نسائهم ، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، للرجال والنساء" انتهى .
"تفسير ابن كثير" (4/337) .
وقد قرئ : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم )
قال ابن كثير : " روي عن أُبي بن كعب وابن عباس أنهما قرآ : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) ، وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعِكْرِمة والحسن " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (6/381) ، وراجع : "الجامع لأحكام القرآن" (9/76) ، "فتح القدير" (2/745).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وفي قراءة أبيّ : (وهو أب لهم) والقراءة المشهورة تدل على ذلك ؛ فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له ، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات" انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (5/161) .
وقد أمرنا الله تعالى باتباع ملته عليه السلام فقال تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) النحل/123 ، فقال تعالى : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) الحج/78 ، فيكون إبراهيم عليه السلام كالأب لجميع المؤمنين ، عرباً كانوا أم غير عرب .
قال القاري رحمه الله في " المرقاة" (8 / 292)
"(وعلى ملة أبينا إبراهيم) وهو أبو العرب ؛ فإنهم من نسل إسماعيل ، ففيه تغليب ، أو الأنبياء بمنزلة الآباء ؛ ولذا قال تعالى : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وفي قراءة شاذة : (وهو أب لهم)" انتهى .
3-أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء الذين جاءوا بعده .
قال ابن كثير رحمه الله :
"لم يبعث الله عَزَّ وجل بعده نبيا إلا من ذريته ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) انتهى .
"تفسير ابن كثير" (3 / 297).
وإبراهيم عليه السلام كان أمة جامعا للخير ، حنيفا ولم يك من المشركين ، والأنبياء هم معلمو الخير لأممهم ، فناسب ذلك أن يكون أبو الأنبياء أباً لأممهم بهذا الاعتبار ، فهي أبوة الدين والتعليم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"الشيخ والمعلم والمؤدب أب الروح ، والوالد أب الجسم" انتهى .
"مدارج السالكين" (3 / 70).
وقال أيضا :
" معلوم أن الإنسان يجب عليه أن يطيع معلمه الذي يدعوه إلى الخير ويأمره بما أمره الله ولا يجوز له أن يطيع أباه في مخالفة هذا الداعي ؛ لأنه يدله على ما ينفعه ويقربه إلى ربه ويحصل له باتباعه السعادة الأبدية ، فظهر فضل الأب الروحاني على الأب الجثماني ، فهذا أبوه في الدين ، وذلك أبوه في الطين !
وأين هذا من هذا ؟ "
انتهى .
"مختصر الفتاوى المصرية" (1/168) .
والخلاصة :
أن كل مسلم يدعو بهذا الدعاء فإنه يقول : (ملة أبينا إبراهيم) اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإقراراً بحرمة إبراهيم عليه السلام وتعظيمه ، وإدراكاً لمعنى تلك الأبوة الشرعية .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
واستكمالاً للدروس يالغاليات اليكم تفسير ذكر آخر من أذكار الصباح والمساء
مواقع النشر