فضائل تلاوة القرآن الكريم وحفظه
قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29 - 30].
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله، أوصني، قال - صلى الله عليه وسلم -:[1]((أوصيك بتقوى الله، فإنها رأس الأمر كله))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليك بتلاوة القرآن وذكر الله - عزَّ وجلَّ - فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياك وكثرة الضحك، فإنه يُميت القلب، ويُذهب بنور الوجه))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبَّ المساكين وجالسهم))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((انظر إلى من هو تحتك، ولا تنظر إلى ما هو فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك))، قلت: يا رسول الله، زدني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قل الحق وإن كان مرًّا))".
وليعلم قارئ القرآن أن لفظَ التلاوة له معنيان:
المعنى الأول: قراءة القرآن حق القراءة بتمهل وتدبر من غير تحريف ولا تبديل.
وأمَّا المعنى الثاني: فاتباع القرآن؛ يقال: تلا الشيء يتلوه إذا تابعه، كما قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا، وكائن عليكم وزرًا، فاتبعوا القرآن، ولا يتبعنَّكم القرآن، فإنه من اتَّبَعَ القرآن، هبط به على رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن، زَخَّ* في قفاه فيقذفه في النار"[2]، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ليس حفظُ القرآن بحفظ الحروف، ولكن بإقامة حدوده"[3]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه))[4]، وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))[5].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرَة الكِرَام البَرَرَة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران))[6]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أهلُ القرآن هم أهلُ الله وخاصته))[7].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين[8] البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يومَ القيامة كأنَّهما غمامتان أو كأنَّهما غيايتان[9] أو كأنَّهما فِرْقَان من طير صَوَافَّ[10] تُحاجَّانِ عن أصحابهما[11]، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركَها حسرة، ولا تستطيعها البطلة[12]))[13].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط))[14].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة[15]، طعمُها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به، كالتمرة طعمها طيب ولا ريحَ لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة[16]، طعمُها مُرٌّ أو خبيث وريحها مر))[17].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَجيء القرآن يومَ القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني أنا الذي كنت أسهر ليلَك، وأظمئ هواجرك، وإنَّ كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيُعطى المُلك بيمينه، والخُلْد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب أنَّى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن، وإن صاحب القرآن يقال له يومَ القيامة: اقرأ وارقَ في الدرجات، ورَتِّلْ كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية معك))[18].
وها هو الإمام الشاطبي - رضي الله عنه - يقول:
وَإِنَّ كِتَابَ أَوْثَقُ شَافِعٍ
وَأَغْنَى غَنَاءٍ وَاهِبًا مُتَفَضِّلاَ
أُولُو الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى
حُلاَهُمْ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلاَ
عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِسًا
وَبِعْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ
جَزَى اللَّهُ بِالْخَيْرَاتِ عَنَّا أَئِمَّةً
لَنَا نَقَلُوا الْقُرَآنَ عَذْبًا وَسَلْسَلاَ [19]
[1] صحيح لغيره رواه ابن حبان في صحيحه (361) (2/76)، واللفظ له، ورواه الحاكم في المستدرك (4166) (2/652)، وابن عساكر في تاريخه (23/274،276)، والبيهقي في الشعب (3576) (3/291)، وفي السنن الكبرى (17489) (9/4)، والطبراني في الكبير (1651) (2/157)، وأبو نعيم في الحلية (1/166)، وللحديث بقية في أوله وآخره حذفت لضعفها، وفي الصحيح ما يغني وإن صح معنى الخبر الضعيف.
[2] أثر حسن رواه أبو نعيم في الحلية (1/257)، والدارمي في سننه (3328) (2/526)، وابن أبي شيبة (30014) (6/126)، (34821) (7/142)، * (زَخَّ في قفاه)؛ أي: دفعه.
[3] أثر حسن رواه ابن المبارك في الزهد (203) (1/57).
[4] صحيح رواه البخاري (4739) (4/1919).
[5] صحيح رواه الترمذي (2910) (5/175)، والطبراني في الكبير (141) (18/76)، وفي الأوسط (314) (1/101)، وابن أبي شيبة (29933) (6/118)، والبيهقي في الشعب (1983) (2/341، 342)، وأبو نعيم في الحلية (6/263)، والحاكم (2080) (1/755).
[6] صحيح رواه مسلم واللفظ له (798) (1/549)، ورواه البخاري (4653) (4/1882).
[7] صحيح رواه أحمد (12314)، (12301) (3/127)، (13566) (3/242)، والحاكم (2046) (1/743)، وابن ماجة (215) (1/78)، والطيالسي في مسنده (2124) (1/283)، والنسائي في السنن الكبرى (8031) (5/17)، وأبو نعيم في الحلية (3/63)، (9/40)، (9/396) *(أهل الله)؛ أي: أولياؤه.
[8] (الزهراوين) سميتا الزهراوين؛ لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
[9] (كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان)، الغمامة والغياية كل شيء أظلَّ الإنسان فوق رأسه سحابة أو ما شابه، قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين.
[10] (كأنَّهما فِرْقَان من طيرٍ صَوَافَّ)، وفي الرواية الأخرى: كأنهما حزقان من طير صوافَّ تُحاجان عن صاحبهما، الفرقان والحزقان معناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان، وقوله: ((من طير صواف جمع صافة وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء.
[11] (تحاجان عن أصحابهما)؛ أي: تدافعان الجحيم والزبانية، وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة.
[12] (ولا تستطيعها البطلة) أي لا يقدر على تحصيلها السحرة.
[13] صحيح رواه مسلم (804) (1/553).
[14] صحيح رواه أبو داود (4843) (2/677)، والبخاري في الأدب المفرد (357) (1/130)، وابن أبي شيبة (21922) (4/440)، والبيهقي في الشعب (2685) (2/550)، (2686) (2/551)، (9017) (6/491)، (10840) (7/426)، (10986) (7/460) وفي الكبرى (16435) (8/163)، وفي الآداب (37)، وابن المبارك في الزهد (388) (1/130)، (389) (1/131)، وابن زنجويه في الأموال (50)، والشاشي في مسنده (19)، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن (52،53،54)، والروياني في مسنده (12).
[15] (الأترجة) ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون ولين الملمس يشبه البطيخ
[16](الحنظلة) واحدة حنظل، وهو نوع من ثمار أشجار الصحراء التي لا تؤكل.
[17] صحيح رواه البخاري (4772) (4/1928)، (4732) (4/1917)، (5111) (5/2070)، (7121) (6/2748)، ومسلم (797) (1/549).
[18] صحيح رواه الطبراني في الأوسط (5764) (6/51)، وأحمد في المسند (23000) (5/348)، (23026) (5/352)، وابن ماجة (3781) (2/1242)، والدارمي (3391) (2/543)، وعبدالرزاق في مصنفه (6014) (3/374)، وابن أبي شيبة في مصنفه (30045) (6/129)، والبيهقي في الشعب (1989) (2/344).
[19] حرز الأماني ووجه التهاني.
الشيخ إسماعيل الشرقاوى حفظه الله
مواقع النشر