الرِّضا بالقليل راحة والقناعة والرضا بما قسمه الله يورث الإنسان الحكمة والطمأنينة، لأن اللهث وراء متاع الدنيا يجعل الإنسان في شغل عن الله وفي كدر وضيق طوال الوقتوقد جاء في الحديث الشريف أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبيصلى الله عليه وآله وسلم فقال : "يا محمد، عش ما شئت، فإنك ميتواعمل ما شئت، فإنك مجزي به، وأحبب من شئت، فإنك مفارقهواعلم أنَّ شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس".وقناعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت من قبلة بعثته الشريفةفقد كان صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله يرضى بما عندهولا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يعمل بالتجارة في مال السيدة خديجة رضي الله عنها فيربح كثيرًا من غير أن يطمع في هذا المال، وكانت تُعْرَضُ عليه الأموالالتي يغنمها المسلمون في المعارك، فلا يأخذ منها شيئًابل كان يوزعها على أصحابه.ويصف لنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قناعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول : "دخلت على رسول الله صلى اللهعليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزارهوليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصريفي خزانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌقال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبكوهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهاروأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتكفقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى".وقد لخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سر السعادة في الدنيافي كلمات بسيطة ولكنها كبيرة المعنى فقال : "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومهفكأنما حيزت له الدنيا". وقال كذلك: " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".لذلك كان دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته ألا يشغلهم اللهبملذات الدنيا ويقعنهم بالقليل فقال: "اللهم اجعلْ رزقَ آل محمد قوتًا"وفي رواية "كفافًا".وحثنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بأن نقنع بما رزقنا الله وألا ننظر إلى من هو أغنى وأعلى منابل ننظر دائمًا لمن هو أقل منا حتى نحمد الله على نعمهفقال صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا نظر أحدُكم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه في المال والخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هـو أسفل منه, فذلك أجدرُ أن لاتزدروا نعمةَ الله عليكم".
مواقع النشر