دعونا نفكر من جديد كيف نفهم الحياة ؟
الحياة التي نعيش فيها ، ونصنع وجودنا ومصيرنا بين أحضانها .. كيف نفهمها .. وكيف نتعامل معها ؟
حياة الإنسـان هي هذه النشأة والفعاليات الجسدية والفكرية والروحية التي يمارسها الانسان بين فترتي الولادة والموت . والتي يصنع من خلالها وجوده .. وتكتمل ذاته وروحه وشخصيّته ..
إنّه يحقِّـق ذلك من خلال ما يملك من حياة وعقل وقدرة على الاحساس بالعالم المحيط به ، والشعور باللّذّة والألم ، وإدراك العقل للموجودات ..
فنحـنُ نأكل ونشرب ونلبس ونلهو ونلعب ونستمتع بالجمال والطيِّبات، ونحسّ بالحبّ والكراهية، والحزن والمسرّة، واللّذّة والألم ، ونضحك ونبكي، ونيأس وتنفتح الآمال أمامنا ..
ونفكِّر فنُبدِع ، ونستنتج ونكتشف أشياء ونضع اُخرى ، ونعبِّر عن أحاسيسنا بالكلمة والرّسم والشّعر والفرح والحزن .
وننطلق بوعينا وتفكيرنا خارج حدود هذا العالم، فنفكِّر في نشأته ، وكيفيّة صدوره . فنعرف مبدأ الوجود وخالقه ..
إنّنا نفكِّر ونحسّ ونعمل ونفعل ، فنصنع الحياة بفكرنا وإحساسنا ، وما يصدر عنّا من فعل . ..
إنّنا جسد وروح وعقل ومشاعر ، وُهِبنا كلّ ذلك ، ونحنُ نصنع الحياة ، كما يصنع الرّسّام الصورة .. وحياة كلّ فرد منّا هي صورة ذاته ، فأيُّنا يحبّ أن تكون صورته شوهاء ..
إنّ الحياة ليست مُتعة ولذّة فقط ، ولكنّها مختلطة بالآلام والأحزان أيضاً ، وهي ليست فوضى .. بل هي مسؤولية .. مسؤولية أمام الله سبحانه، ومسؤولية أمام المجتمع والنّاس الّذين يعيشون معنا، ومسؤولية أمام القانون ، ومسؤولية أمام الضمير والوجدان .
قال تعالى : (فَلنسألنّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِم وَلَنَسْألَنَّ المُرْسَلين ). ( الأعراف / 6 )
وقال الرّسـول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « كُلّكم راع ، وكُلّكم مسـؤولٌ عن رعيّته » .
فالحياة رغم ما فيها من زينة وجمال ومُتع ولذّات ، فإنّها أحداث تقع وتنتهي ، كما ينشأ النبات وينمو ويزدهر ، ثمّ يذبل ويصفر ويتحوّل إلى هشيم تذروه الرِّياح ..
وعندما تنتهي هذه المرحلة من حياة الانسان ، تبدأ مرحلة اُخرى من حياته ، وهي عالم الآخرة . وذلك عالم الخلود .. عالم لا تغيّر فيه ولا زوال .. عالم النعيم والجمال والجنّات ، أو عالم الشّقاء والعذاب .
والذي يقرِّر مصير الإنسان في ذلك العالم ، هو طبيعة فعله وعقيدته في هذا العالم.. كما يقرِّر سعي الطّالب وتحصيله الدراسي نتيجته الامتحانية ومستقبله العلمي في الحياة ..
إنّ الإنسان يمهِّد في حياته إلى عالم الآخرة ، كما يمهِّد عالم الرّحم إلى عالم الدّنيا .
حدّثنا القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله :
(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ، ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلاِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُون ).
( الرّوم / 44 )
إنّ خالق الحـياة قد وهبها للإنسان ليعيش فيها بسلام ، وليتمتّع بطيِّبات الحـياة وزينتها ، وفق قانون حفظ الحياة ، وتنظيم سلوك الانسان بشكل يمكِّنه من أن يحقِّق الخير لنفسه ولمجتمعه الذي يعود بالخير عليه ..
وعندما يُخطئ الإنسان في فهم الحياة ، فإنّه يجني على نفسه ، ويقودها إلى الدّمار ، ولا يشعر بخطئه هذا إلاّ بعد فوات الأوان .
فالملايين من البشر قادتهم الشّهوات والملذّات والإحساس بالغرور إلى الكوارث والندم ، ولكن بعد فوات الأوان ..
لقد انتهت حياة الكثير من البشر إلى السّجون أو الانتحار ، أو الإدمان على المخدِّرات ، والتسكّع والقلق ، وفقدان السّعا دة ..
إنّ حياتنا هبة من الرّحمن ، وعلينا أن نتعامل مع الحياة وفق قانون السّلامة ، وحفظ الحياة ، وهو القانون الإلهي الذي حرّم كلّ ما هو ضار لنا ، وأباح لنا الخيرات والمُتع واللّذّات النافعة لنا ..
إنّ هناك وسائل لفهم الحياة ، علينا أن نرجع إليها ونعتمد عليها ، وتلك الوسائل هي :
1 ـ كتاب الله وهدي النبوّة ، فهما يقدِّمان لنا إيضاحاً كافياً لطبيعة الحياة ، ويوفِّران لنا منهجاً ودليلاً هادياً في الحياة . وعلينا أن نقرأهما بوعي وتأمّل عقلي وعلمي لنعرف ما فيهما من خير وحكمة .
2 ـ والمصدر الثاني لفهم الحياة هو العلم والاكتشافات العلمية . فقد زوّدنا العلم بالمعرفة والوعي ، فاستطاع أن يقدِّم لنا تعريفاً بما هو ضار ، وما هو نافع . فجاءت أبحاثه ودراسـاته متطابقة مع ما بيّنه القرآن في منهجه من حلال وحرام ..
لقد استطاع العلم أن يكتشف خطر الخمر والمخدّرات ، والرِّبا والإحتكار ، وفائدة النظافة والحبّ والتماسك بين أفراد العائلة ، وأثره في سلامة الانسان النفسية ، وأثر الإيمان في السعادة ، واستقامة السلوك ، والتخلّص من الق لق والجريمة ... إلخ .
كما ساهم العلم مساهمة فعّالة في رفع مستوى وعي الإنسان وفهمه للحياة ، وتطوّر وسائل الانتاج ، وتوفير الخدمات ، وتنظيم المجتمع ، وحركة الحياة . فساهم بحلِّ مشاكل الانسان وتوفير حلول جديدة لمشاكل الحياة من حوله .
إنّ اكتشاف الكهرباء والذرّة والبترول والرّاديو والتلفزيون ووسائل الطِّباعة والنقل وغيرها ، قد فتحت للانسان وعياً آخر للحياة، وكلّما إزددنا فهماً ووعياً للحياة ، إزددنا فهماً ووعياً للدِّين ومعنى الإيمان . فالعلم داعية الإيمان ورفيقه في الحياة .
3 ـ العقل والتجربة : والعقل دليل الانسان في الحياة ، وعندما يستخدم الانسان عقله استعمالاً سليماً فإنّه يقوده إلى الخير ، وينجيه من الوقوع في الهلكة والضّياع والندم .
فالإنسان يُمارس في حياته أشياء كثيرة ، فتتوفّر لديه تجارب ، وعليه أن يستفيد من تجربته في الحياة ، كما عليه أن يستفيد من تجارب الآخرين في كلّ حقل ومجال من مجالات الحياة الشخصية والزوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها .
لذا دعانا القرآن إلى استخدام العقل والاستفادة من تجارب الاُمم السّـابقة . فالتجربة الانسانية وأحـداث الماضي والتأريخ ، وما أنتجه العقل البشري من م عارف وثقافة وحكمة وآداب وفنون بنّاءة .. كلّها عطاءات تُساهم بإغناء الحياة ، وفتح آفاق جديدة لفهمها .
ويُخاطِب الإمام عليّ (عليه السلام) ولده الحسن (عليه السلام) بالإستفادة من تجارب الآخرين والاعتبار بها ، فيقول :
«... لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته ، فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعُوفيت من علاج التجربة ، فأتاك من ذلك ما كنّا نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه ...».
إذآ عندما نوفِّر لأنفسنا فهماً سليماً للحياة ، على ضوء الشريعة والعقل والعلم ، نستطيع أن نتعامل معها بوعي ونجاح .
منقوووول
مواقع النشر