احتضنت وجهها وضمته بكفيها .. وأسندته على ركبتيها الملتصقتين ببعضهما وهي تجلس متكئة على إحدى جدر غرفتها .. بعد أن غمرتها موجة عنيفة من مشاعر الخجــــل .. جعلتها غير قادرة على رفع ناظريها إلى الوجود .. ودموع عينيها تنساب من بين أصابعها بغزارة فتبلل ثيابها ...
إنها الغربة التي واجهتها ، ونظرات العتاب التي أحرقتها ، من قبل من التقت به من مخلوقات الله في الكون .. بعد أن كنّ يوما قد انسجمن معها عبر قوارب النظر والتأمل .. فما تنتقل من واحدة إلى أخرى من تلك المخلوقات إلا وتجد منها ما وجدته من سابقتها ، ترفع عينيها إلى الشمس المسبحة الساجدة لتعيش معها ذلك التناغم الذي كانت تجده منها كلما لمحتها ، وإذ بها ترمقها بنظرات عتاب مؤلمة ثم تشوح بناظريها وكأنها ما عرفتها .. تنتقل إلى الغيوم علها تجد منها السلوى فما تزيد على أختها الشمس شيئا .. ثم الأشجار بل وحتى الأحجار والقمر والنجوم وكل ما يقع عليه بصرها .. لتعيش ذلك اليوم غربة ساحقة بين الأحباب والرفاق ..
فتعود إلى ذاتها لتنقب عن الأسباب ...
نعم .. إنه هو ..
لقد ارتكبت اليوم خطئا في حق خالقها .. ووقعت في معصيته .. فأصبحت ترى الكون المسبح اليوم متنكراً لها .. معاتباً على صنيعها .. وكأنه ليس هو ذلك الذي كان يسعد بتأملها وتدبرها ..
فتدرك عظم صنيعها .. لتنهار قواها .. وتذوب أضلاعها .. وتنهمر دموعها .. خجلاً وخوفاً .. فتعلنها لله تعالى توبة صادقة .. يضج معها كل جزء من جسدها ناطقاً بابتهالات الاعتذار لخالقها .. فما هي سوى برهة .. حتى سمعت أغاريد التهنئة والفرح بتوبتها .. ترفع رأسها .. وإذ بالكون من جديد يحيها ...
رد مع اقتباس
مواقع النشر