.
يقول تبارك وتعالى : {
وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسانا.. } الآية
وفيها مسائل :
منها : اعلم أنّه تعالى أمر بعبادة نفسه ثمّ أتبعه
بالأمر ببرّ الوالدين وبيان الأمر بعبادة الله وبين الأمر ببرّ الوالدين
من وجوه :
الوجه الأول : أنّ السبب الحقيقي لوجود الإنسان هو تخليق الله
تعالى وإيجاده والسبب الظاهري هو الأبوان فأمر بتعظيم السبب
الحقيقي ثمّ أتبعه بتعظيم السبب الظاهري
الوجه الثاني :أنّ الاشتغال بشكر المنعم واجب.
و المنعم الحقيقي هو الخالق سبحانه وتعالى وقد يكون أحد المخلوقين
منعما عليك وشكره أيضا واجب لقوله عليه السلام :
[من لم يشكر الناس لم يشكر الله]
وليس لأحد من الخلائق نعمة على الإنسان مثل ما للوالدين
وفي هذه الآية العظيمة لطائف عدّة مجموعها يدلّ على المبالغة في الإحسان إلى الوالدين فمنها :
1- أنّه قال سبحانه وتعالى في الآية المتقدّمة
{
ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولائك كان سعيهم مشكورا}
ثم أنّه تعالى أردفه بهذه الآية المشتملة على الأعمال التي بواسطتها يحصل الفوز
بسعادة الآخرة فذكر من جملتها البر بالوالدين وذلك يدلّ على أنّ هذه الطاعة من أصول الطاعات
التي تفيد سعادة الآخرة
2- أنّه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتوحيد وثنّى بطاعة الله تعالى وثلّث ببرّ الوالدين
وهذه درجة عالية ومبالغة عظيمة وتعظيم لهذه الطاعة
3- أنّه تعالى لم يقل ( وإحسانا بالوالدين ) بل قال : {
وبالوالدين إحسانا }
وتقديم ذكرهما يدلّ على شدّة الإهتمام
4-أنّه قال : {
إحسانا }
بلفظ التنكير والتنكير يدلّ على التعظيم والمعنى :
وقضى ربّك أن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا عظيماكاملا وذلك لأنّه لمّا كان
إحسانهما إليك قد بلغ الغاية العظيمة وجب أن يكون إحسانك إليهما كذلك ثمّ على جميع التقديرات
فلا تحصل المكافأة لأنّ إنعامهما عليك كان على سبيل الإبتداء
وفي الأمثال المشهورة :
( أنّ البادىء بالبرّ لايكافأ)
.
مواقع النشر