أُدخلت إلى قسم الإسعاف امرأة في الخامسة والخمسين من عمرها … وذلك إثر ذبحة صدرية شديدة … أدت إلى توقف قلبها …

اتصل بي الزملاء … وطلبوا مني الإسراع لرؤيتها ، وكان ذلك في السابعة صباحاً تقريباً …

هرعت إلى الإسعاف لعل الله أن يكتب لها الشفاء على يدي … فلما وصلت … وجدت أن الذبحة الشديدة أدت إلى فصل كهرباء القلب عن القلب … فطلبت نقلها بسرعة إلى قسم قسطرة القلب لعمل القسطرة وتوصيل الكهرباء لها …

وفي أثناء تدليك قلبها ومحاولة إنعاشه ورغم أن الجهاز يشير إلى توقف قلبها إلا أنه حدث شئ غريب … لم أره ، ولم أعهده من قبل

أتدرون ما هو ؟ لقد انتبهت المرأة وفتحت عيناها …بل تكلمت لكن .. أتدرون ماذا قالت ؟ هل تظنون أنها صرخت ؟ هل اشتكت ؟ هل طلبت المساعدة ؟ هل قالت إين زوجي وأولادي ؟

هل نطقت بكلمة عن أمر من أمور الدنيا ؟

لا والله … بل كانت أول كلمة سمعتها منها كلمة التوحيد العظيمة .

أشهـد أن لا إله إلا الله .. وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله ثم … ثم ماذا ؟ ماذا تتوقعون ؟

توقـف القلـب مرة أخـرى … وصاح الجهاز معلناً توقف قلبها …

فحاولت مرة أخرى بالتدليك وإنعاش القلب مرة ثانية …

وسبحان الله تكرر الأمر مرة أخرى … فُتحت العينان … ونطق اللسان بالشهادتين

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .

وهل تصدقون أن ذلك تكرر أمام ناظري ثلاث مرات يتوقف القلب … ثم ينطق اللسان بالشهـادتيـن ولا أسمـع كلمة أخـرى … لا أنين … ولا شكوى …ولا طلب دنيوي …

إنما فقط ذكر لله ونطق بالشهادتين

ثم بعد ذلك توفيت رحمها الله ورأيت أمراً عجباً …

لقد استنار وجهها

نعم … صدقوني … والله الذي لا إله إلا هو لقد استنار وجهها … لقد رأيته يُشع نوراً …

وهكذا كانت نهايتها …

قال أبو مصعب – عفا الله عنه – وهذه من علامات حسن الخاتمة إن شاء الله … فإن الله جل وعلا يقول
( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)
وهذا من تثبيت الله لها … أن أنطقها بالشهادتين عند موتها
وقد صح في الحديث عن أحمد وأبي داود عن معاذ قال صلى الله عليه وسلم ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة )

ثم إن استنارة وجهها … وإشراقته علامة أخرى أيضاً .

ففي حديث طلحة بن عبيدالله عند ما زاره عمر وهو ثقيل وفيه ( إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات ، سمعته يقول : إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ، ونفّس الله عنه كربته ، قال ، فقال عمر : إني لا علم ما هي قال : وما هي ؟ قال : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمّه عند الموت : لا إله إلا الله ؟ قال طلحة ؟ صدقت هي والله هي )

ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم أشرق لها لونه … وهذا ما شهد به الأخ خالد حفظه الله بعد نطقها مراراً بالشهادتين … فهنيئاً لها ونسأل الله حسن الخاتمة .

ولكن هل انتهت القصة عند هذا الحد ؟ الجواب لا يواصل محدثي الدكتور خالد :… فخرجت إلى زوجها معزياً فوجدته رجلاً بسيـطا … متواضع الملبس … يظهر أنه فقير الحال … فواسيته وعزيته وذكرتّه بالله ، فلم أر منه إلا التسليم والاسترجاع والرضى بما قدّر الله تعالى … ورأيت في وجهه نور الإيمان والطاعة …

فقلت له : يا أخي الكريم لقد حصل من زوجتك أمراً عجباً بل أمور تبشر بالخير والحمد لله ولكني أحب أن أسألك سؤالاً … كيف كانت حياتها … وماذا كانت تصنع ؟

قال وبكل بساطة وبدون تعقيد لقد تزوجتها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً … ومنذ تلك الفترة وطيلة حياتها معي لم أرها تترك صلاة الوتر وقيام الليل في ليلة من الليالي إلا أن تكون مريضة أو معذورة

فقلت في نفسي … لمثل هذا فليعمل العاملون … نعم … قيام الليل وما أدراك ما قيام الليل ؟

إنه شرف المؤمن كما في حديث جبريل الصحيح وهو دأب الصالحين قبلنا …

قال تعالى ) كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون % وبالأسحار هم يستغفرون ( الذاريات 17 – 18 .

إذا ما الليـل أقبـل كابدوه فيسفـر عنهـم وهم ركوع

أطار الخوف نومهـم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع

لهم تحت الظلام وهم ركوع أنين منـه تنفرج الضلـوع

وصدق الله ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون% فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( السجدة 16/17 .

نسأل الله التوفيق لقيام الليل وعمل الصالحات وحسن الختام