د. عبدالله مرعي بن محفوظ
حضرت يوم الأحد الماضي 26 أكتوبر ، لقاء جمع بين رئيس غرفة جدة ومعالي مدير جامعة أم القرى لتنفيذ الملتقى الأول للاقتصاد الإسلامي في 22 ذي الحجة القادم، اللقاء جمع النقاش مابين المسئولية الاقتصادية الإسلامية وبين سبل تفعيلها على ارض الواقع، واللقاء جاء مع ما يشهده العالم حالياً من تداعيات الأزمة المالية العالمية الذي يؤكد فشل النظام الرأسمالي الربوي، ويذكرنا مجدداً بصحة وعدالة النظام الاقتصادي الإسلامي الذي جاء به الدين الحنيف قبل أكثر من 1400 سنة.
الاقتصاد الإسلامي نظام رباني ارتضاه الله تعالى طريقاً ومسلكاً للمسلمين في سائر معاملاتهم، ومشى المسلمون عليه قرونا طويلة، ثم دب الضعف في الأمة الإسلامية فأخذت تعتمد على الغرب ونسيت معينها الذي لا ينضب وكنزها العظيم، حتى جاء رجال أكارم أخذوا على عاتقهم مسؤولية اعتماد هذا المنهج الرباني في المعاملات الاقتصادية من خلال البنوك والمؤسسات وسائر المعاملات، وتحويل فقه المعاملات إلى واقع ملموس ونجاح مبدع، أمثال الأمير محمد الفيصل والشيخ صالح كامل والدكتور عيسى عبده إبراهيم والشيخ سعيد لوتاة بتثبيت فكرة البنوك الإسلامية. وقد ذكرت التكريم في عنوان المقال لأنني أريد أن اذكر نفسي أولاً ان العمل الطيب (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) ، فحين كنت طالباً في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، كنتُ أتساءل حينها عن المبنى الجميل الذي لا يزوره أحد؟ فقيل لي إنه مركز الاقتصاد الإسلامي الذي بناه صالح كامل!! وهذا المركز مخصص للدراسات الاقتصادية الإسلامية وطرح منتجات بنكية طبقاً للقواعد الشرعية. ومن عام 85 إلى 89 ميلادي، أربع سنوات وأنا وغيري من طلاب الاقتصاد والمحاسبة والقانون قضيناها في الجامعة ولم يترك هذا المبنى ذو الطابع الإسلامي في شكله وزخارفه في حياتنا سوى انطباع واحد أنه (جميل المظهر)، ولا نعلم من يدخل إليه ومن يخرج منه ومن هم المنتسبون إليه سوى بعض الطلبة الذين اخذوا مادة الاقتصاد الإسلامي، وخرج منها كما دخل! وحتى لا يخرج علينا أحد أستاذتنا الكرام ليعدد علينا الدور الكبير الذي قدمه هذا المركز لصالح المجتمع الاقتصادي الإسلامي، أقول أنه يوجد مركز آخر في القاهرة، وهو مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي مر بمراحل متعددة من بداية الثمانينيات إلى بداية التسعينيات، ثم تغير في عام ١٩٩٠ وأصبح المركز يتبع بشكل مباشر لجامعة الأزهر بعد أن كان يتبع في السابق كلية التجارة جامعة القاهرة، ومع التقدير لجهود المركزين إلا أنهما لم يستطيعا أن يغيرا ما في أنفسنا من إتباع النظام المالي الغربي وذلك لسهولة إجراءاته وكثرة إغراءاته.
طبعاً، هناك بعض (الاصوات) لا تزال تردد أن نظامنا البنكي بخير بحكم السياسة الحكيمة لوزارة المالية ولمؤسسة النقد العربي السعودي، وهذا صحيح ، حيث تفيد التقارير أن النظام المالي السعودي سوف يتجاوز الأزمة ولكن مع بعض (الآثار الجانبية)، ولعلم القارئ الكريم أن التقرير الدولي أشار أن السياسة التحفظية الحكيمة التي اتبعتها المالية السعودية هي التي أنقذت الوضع البنكي لديها من الآثار المدمرة حالياً ، ولكنها في نفس الوقت حرمت نفسها من التطور الهائل والعظيم لفوائد البنوك الإسلامية.
صالح كامل شخصية كريمة تتفق معه في اغلب الأمور ونادراً ما تختلف معه ، وأريد أن أؤكد بأن هذه الشخصية الاقتصادية والإسلامية قدمت نماذج أخرى لا تقل روعة عن البنوك الإسلامية وهي: أولاً: مشروع الزكاة العالمي مع طرح الحلول التي يمكن أن تحققها، فمشروع الزكاة لو طبق بالشكل الإسلامي الصحيح في حل العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن يحقق هذا النوع من المشاريع مفهوم الاكتفاء الإنساني، والمجتمع العامل المنتج، الذي لا ينتظر الإحسان بصورة طوابير عند الأبواب والمساجد، وهذه الأدوات الاقتصادية والتي منبعها الاقتصاد الإسلامي للأسف لم تجد دائماً أذاناً صاغية. ثانياً: طرحه مشروع مشترك مع البنك الإسلامي للتنمية، لإنتاج سبعة ملايين طن من الأرز لتوفير الغذاء لأكثر من 100 مليون مسلم وهو قيد التنفيذ اذا اقتنع رجال الأعمال المسلمون . ثالثاً: مشروع (الفيزا) الإسلامية الموحدة لرجال الأعمال، وهو مشروع مهم ومؤثر في الحركة الاقتصادية الإسلامية، فلا يعقل أننا دائما ننظر لبعضنا نظرة قاصرة ودونية لكافة الأمم الإسلامية في التعامل، فها هي ماليزيا وإندونيسيا وبنغلادش أخذت بزمام المبادرة في مجال المواد الغذائية والتصنيع وأصبحت متقدمة على كثيرٍ من الدول العربية، وهذا المشروع الواجب في هذا الوقت بالذات يجب أن يفعل وبشكل سريع.
وبالخروج من أعمال هذا الرجل الجليل، سوف أذكر ملاحظات سريعة وهامة من زيارتي الاسبوع الماضي في لندن، والملاحظات كالتالي: أولاً: إن انعكاسات الأزمة المالية العالمية لم تصل تأثيراتها السلبية إلى المنطقة العربية بعد، ولكنها قادمة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وسوف تكون واضحة المعالم في مطلع 2009 ميلادي، وأكثرها في الإمارات ودبي تحديداً، وسوف ينتهي نصف ثرواتها العقارية بيد الأباطرة في أبو ظبي. ثانياً: سوف تواجه أغلب البنوك الاستثمارية الصغيرة في البحرين والكويت خطر الإفلاس جراء امتلاكها المباشر لسندات وأدوات الرهن العقاري العالمية، أو بسبب استثمارات فوائضها في البنوك الاستثمارية الأمريكية والغربية. ثالثاً: سوف تلجأ أغلب الشركات المساهمة الخليجية إلى تقليص الرواتب وضغط المصروفات، وسوف يظهر ذلك جلياً في الربع الثاني من عام 2009 ميلادي.
ختاماً، الكلمة الآن لهيئة سوق المال السعودي وللشركات المساهمة، فالتضمينات الإعلامية لن تغني او تسمن من جوع، بل إقرار صرف أرباح عن الأشهر التسعة الماضية لحملة الأسهم للمساهمة في عدم بيعها هو العلاج الأفضل، أو السماح للشركات التي تدعي ان لديها سيولة بان تشتري أسهمها من السوق.
* نقلاً عن صحيفة "المدينة" السعودية، الأربعاء, 29 أكتوبر 2008م.
رد مع اقتباس
معطف امان في ليالي العمر الباردة
مواقع النشر