المقصود بالرسم القرآني هو رسم الكلمات القرآنية من حيث نوعية حروف كل كلمة وردت في القرآن الكريم وعدد حروفها.
وليس المقصود منه نوعية خط الكتابة سواء نسخ أو كوفي أو غيره, فقد أجمع معظم العلماء أن رسم المصحف هو توقيفي لا يجوز مخالفته واستدلوا على ذلك من قول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى {1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى {2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5}﴾[سورة النجم].
وأنَّ النبي كان له كتّاب يكتبون الوحيكلما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته, مبالغة في تسجيله وتقييده, وزيادة في التوثيق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى, حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ.
وقد كتبوا القرآن فعلا بهذا الرسم وأقرهم الرسول على كتابتهم, وكان هؤلاء الكتاب من خيرة الصحابة, فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس.
ثم جاء الصديق أبو بكر رضي الله عنه فكتب القرآن بهذا الرسم في صحف, ثم حذا حذوه عثمان بن عفان رضي الله في خلافته فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف وأقرَّ أصحاب النبي عمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. وانتهى الأمر إلى التابعين وتابعي التابعين فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم.
وبالرسم القرآني حروف كثيرة جاء رسمها مخالفا لأداء النطق, وكلمات تأتي في آيات قرآنية برسم مختلف, وكلمات أخرى تأتي برسم يختلف عن الرسم المعتاد. وكلمات تنقص أو تزيد حروفها. وكلّ ذلك لأغراض شريفة وهي من الأسرار التي خصّ الله بها كتابه العزيز.
وذكر العلامة ابن المبارك نقلا عن العارف بالله شيخه عبد العزيز الدباغ, إذ يقول في كتابه(( الإبريز)) ما نصه: ( رسم القرآن سرٌّ من أسرار الله المشاهدة وكمال الرفعة وهو صادرٌ من النبي وهو الذي أمر الكُّتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي وما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة وإنما هو توقيف من النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على هذه الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول, وهو سر من الأسرار خصَّ الله تعالى به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية, وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه معجز, وكل ذلك لأسرار إلهية وأغراض نبوية, وإنما خفيت على الناس, لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني فهي بمنزلة الألفاظ والحروف المقطعة التي في أوائل السور فإن لها أسراراً عظيمة ومعاني كثيرة, وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها, ولا يدركون شيئاً من المعاني الإلهية التي أُشيرَ إليها, فكذلك أمرُ الرسم الذي في القرءان حرفاً بحرف.
وقال الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله): تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف, أو غير ذلك.
وفي هذه الدراسة نتعرض لبعض هذه الكلمات القرآنية التي جاء رسمها مخالفاً للقواعد الإملائية ونحاول أن نتلمس الحكمة في ذلك لأننا نعتقد كما قال الإمام الرازي إن كل حرف وكل كلمة وكل حركة في القرآن الكريم لها فائدة, ونحاول في هذه الدراسة أن نلتمس الحكمة وبالطبع لن نصل إليها كاملة فهناك متسع لمزيد من الاجتهادات والتدبر في معاني هذه الكلمات القرآنية وأسرارها.
ونضرب هنا أمثلة لبعض الكلمات القرآنية التي جاءت على رسم مختلف.
- لماذا جاءت (بسم) بدون ألف حينما نسبت إلى لفظ الجلالة(الله) وجاءت برسمها المعتاد(باسم) حين نسبت إلى ربك.
- لماذا جاءت (رءى) في القرآن الكريم كلّه ما عدا موضعين اثنين فقط جاءت برسم (رأى).
- لماذا جاءت (تشاء) برسمها المعتاد في جميع القرآن الكريم ما عدا مرة واحدة فقط جاءت برسم مختلف( نشؤا).
- لماذا جاءت كلمة (تسطع) مرة واحدة ناقصة حرف تاء بهذا الرسم وكلمات أخرى كثيرة جاءت بشكل مختلف نتعرض لها في هذا القسم ذلك بعد دراسة الآيات الكريمة التي أحاطت بهذه الكلمات وتدبر المعاني التي احتوتها والغاية من ذلك. ومن خلال الدراسة لهذه الكلمات فقد تبين على وجه العموم الآتي:
- إن وجود كلمة قرآنية برسم مختلف في آية يلفت النظر إلى أن هناك أمراً عظيماً يجب تدبره.
- في حالة زيادة أحرف الكلمة عن الكلمة المعتادة فإن هذا يعني زيادة في المبنى يتبعه زيادة في المعنى.
- كذلك فإن زيادة المبنى يمكن أن يؤدي إلى معنى التراخي أو التمهل أو التأمل والتفكر أو انفصال أجزاءه.
- في حالة نقص حروف الكلمة فإن هذا يعني إما سرعة الحدث أو انكماش المعنى وضغطه أو تلاحم أجزائه.{
هذا هو كتاب الله سبحانه وتعالى أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا, وأنزله الروح الأمين على قلب سيدنا محمد منجماً, وتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه من التحريف بالزيادة أو النقصان.
قال الله سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}﴾.[سورة الحجر].
يتبع....
مواقع النشر